«حدائق جيولوجية» سعودية في طريقها إلى «اليونيسكو»

ضمن مبادرة «الغطاء النباتي» لتسجيل أكثر من 10 متنزهات جيولوجية

جانب من إرث جيولوجي تتميّز به مناطق سعودية (الشرق الأوسط)
جانب من إرث جيولوجي تتميّز به مناطق سعودية (الشرق الأوسط)
TT
20

«حدائق جيولوجية» سعودية في طريقها إلى «اليونيسكو»

جانب من إرث جيولوجي تتميّز به مناطق سعودية (الشرق الأوسط)
جانب من إرث جيولوجي تتميّز به مناطق سعودية (الشرق الأوسط)

يعمل «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر» في السعودية على دعم إنشاء وتأهيل وتطوير عدد من المواقع التي تتمتع بمقوّمات جيولوجية عالية، وثراء تراثي فريد، يؤهلها للظهور على خريطة المتنزهات الجيولوجية العالمية، ضمن مبادرة منه لتسجيل أكثر من 10 حدائق جيولوجية عالمية ضمن «برنامج الحدائق الجيولوجية العالمية» التابع لـ«اليونيسكو»، الذي يضم في قائمته 213 موقعاً حول العالم.

مجموعة فوائد يقدّمها «البرنامج»

وأكّد المركز لـ«الشرق الأوسط» أن تسجيل مواقع في السعودية بقائمة المتنزهات أو الحدائق الجيولوجية العالمية ذات التراث الجيولوجي ضمن «برنامج الحدائق الجيولوجية العالمية» التابع لـ«اليونيسكو»، يُشكِّل «قيمة مضافة لها فوائد كثيرة؛ أهمها الاعتراف العالمي الذي يجلب الاهتمام الدولي بالأهمية الجيولوجية والثقافية لتلك المواقع، وهو ما يزيد من وصولها إلى مختلف الشرائح والسياح حول العالم، خصوصاً المهتمين بالسياحة الجيولوجية، إضافة إلى تعزيز النشاطَين العلمي والتعليمي؛ حيث تقدم هذه المتنزهات مجتمعاً مثاليّاً لتعليم الأجيال تاريخ الأرض؛ بدءاً من الصورة الأصلية، مروراً بالظروف والعوامل الطبيعية التي كونتها على هيئتها اليوم، وتحفيز البعثات العلمية من علماء وطلبة على إجراء الدراسات العامة والمختصة في هذه المنطقة وغيرها من المناطق».

وأضاف «المركز» أن الفوائد تصل إلى الترويج للتراث الثقافي بالمنطقة؛ «إذ يتكامل التراثان الجيولوجي والثقافي ليمنحا الزوار والسياح والمهتمين تجارب لا تنسى في ندرتها وروعتها؛ فيقدم التراث الثقافي أداة مهمة للتعرف على كيفية تكيف الإنسان وتطور العادات والتقاليد التي صاحبت التغيرات في الظروف الطبيعية للمنطقة، وكذلك حماية البيئة والتنمية المستدامة؛ حيث يسهم تسجيل الموقع في زيادة الوعي بأهمية المنطقة، ويحفز الأجهزة الرقابية والمجتمعات المحلية على صد محاولات العبث الجائر وصون هذه المناطق بصورة فعالة».

جانب من سلسلة «جبال أجا وسلمى» بمنطقة حائل شمال السعودية (واس)
جانب من سلسلة «جبال أجا وسلمى» بمنطقة حائل شمال السعودية (واس)

وبعدما زار وفد «لجنة الجيوبارك العالمية» في «اليونيسكو» الحدائق في «متنزه شمال الرياض الجيولوجي» بمنطقة المحمل (120 كيلومتراً من الرياض)، و«متنزه سلمى الجيولوجي» في حائل (شمال السعودية)، في الأسابيع الماضية، يُنتظر أن تُستكمل الجولة قريباً بزيارة 8 حدائق أخرى لتقييمها قبل الاعتماد النهائي في «برنامج الحدائق الجيولوجية العالمية» التابع لـ«اليونيسكو».

حدائق سعودية مصنّفة

وأكّد «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر» لـ«الشرق الأوسط» أنه بالإضافة إلى «متنزه شمال الرياض الجيولوجي» في منطقة المحمل، و«متنزه سلمى الجيولوجي» في حائل؛ يوجد عدد من الحدائق المصنّفة، مثل «الحديقة الجيولوجية في وادي لجب»، و«الحديقة الجيولوجية في جبل كار»، و«الحديقة الجيولوجية في حرة رهط»، و«الحديقة الجيولوجية في حرة خيبر»، و«الحديقة الجيولوجية في الجموم» - في نيوم - بالعلا، و«الحديقة الجيولوجية بالقصيم»، و«الحديقة الجيولوجية في الباحة».

«الغطاء النباتي» والمتنزهات الجيولوجية

والمعيار الرئيسي الذي يحدد إمكانية إنشاء متنزه جيولوجي هو ضرورة وجود مواقع ومناظر طبيعية ذات قيمة جيولوجية عالمية، وذلك ينطبق على كثير من المواقع في السعودية؛ وفقاً لـ«المركز»، ويحرص «المركز» على تأهيلها وتطويرها، كما يهدف «المركز» إلى حماية الإرث الجيولوجي لهذه المناطق المستهدف تطويرها وتأهيلها والحفاظ عليها، وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية لسكانها، وزيادة المعرفة والفهم بالعملية الجيولوجية وأخطارها والتغيرات المناخية، واستخدام الموارد الطبيعية على الأرض بطريقة مستدامة، ورفع معدلات الجذب السياحي لكل منطقة، فضلاً عن الارتقاء بالاقتصاد الأخضر.

الثراء الجيولوجي في السعودية

ووفق خبراء جيولوجيين، فالحدائق أو المتنزهات الجيولوجية «مناطق ذات تكوينات جيولوجية فريدة تسبر أغوار التاريخ السحيق، عبر إيراد كثير من الأحداث والقصص المرتبطة بواقع التاريخ الجغرافي والماضي والمستقبل، عبر هذه التكوينات الجيولوجية الفريدة في معالمها وتشكلاتها المتنوعة، التي ترسبت كل ذرة فيها على مدار ملايين السنين، واستكشاف الروابط بين الجيولوجيا والمجتمعات المحلية والثقافة والطبيعة لكل الكائنات الحية التي عاشت واندثرت على تراب هذه الرقعة الجغرافية المحددة».

وتتمتّع السعودية بما تُعدّ «متاحف جيولوجية متعددة الأطراف والأبعاد» تميط اللثام عن معظم العصور الجيولوجية، التي خطَّت آثارها على كوكب الأرض، والتي يعود إرثها إلى نحو 550 مليون عام؛ بدءاً من «صخور القاعدة» التي تشكل «صخور الدرع العربي»، وتعلوها «صخور دهر الحياة الظاهرة».

فمن «حرّة كشب» بمنطقة مكة المكرمة، التي عدّ جيولوجيون أن فوهات البراكين المتتابعة هي التي شكّلت الحزام الناري فيها على شكل خط مستقيم، و«صخرة الفيل» الضخمة في محافظة العلا، التي زخرفت تفاصيلها الصغيرة عوامل التعرية على مدى ملايين السنين، مروراً بـ«كهف عين هيت» بمنطقة الرياض، وهي عين ماء صافية زمردية اللون لا تجف داخل الكهف، ووصولاً إلى وادي الديسة بمنطقة تبوك، وهو جبال وحواف صخرية شكَّلت أعمدة شاهقة ووادياً سحيقاً، وتمر خلالها جداول المياه.

«شمال الرياض»... و«سلمى»

وطبقاً لـ«المركز»، يتمتّع «متنزه شمال الرياض الجيولوجي» في منطقة المحمل بمقومات المتنزه الجيولوجي العالمي؛ مثل المناظر الطبيعية ذات القيمة الجيولوجية العالمية من حيث الجرف المرجاني، الذي ترسب خلال العصر الجيوراسي، فضلاً عن تميزه بحدود جيولوجية واضحة، وتغمره جمالاً البيئة الخضراء التي تزين كل شبر فيه، فتكون أفضل مثال لمكافحة التصحر بفعل التغير المناخي، فضلاً عن الموقع الجغرافي الفريد الذي يمثِّل عامل جذب سياحي.

أما «جبال سلمى»، فتتمتع بجيولوجية مميزة تغطيها الصخور النارية القاسية ذات اللون البني الأرجواني من مادة الغرانيت، إضافة إلى احتوائها كثيراً من الآبار والينابيع، التي عززت نماء وازدهار الحياة النباتية عبر زراعة الذرة ومزارع النخيل والشجيرات البرية حول تلك الجبال، علاوةً على انتشار كثير من الفوهات البركانية الشاهقة التي تدفقت حممها فكونت كثيراً من الحرات، مثل «فوهة سلمى الكبرى» و«فوهة الهتيمة»، إلى جانب الآثار الإسلامية لمدينة فيد و«درب زبيدة»، التي تُعَدُّ معالم جاذبة، وكذلك القرى المختلفة التي تنتشر فيها الآثار والمراكز الثقافية.


مقالات ذات صلة

السعودية وقطر تسددان متأخرات سوريا للبنك الدولي

الخليج 
جانب من اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن (واس)

السعودية وقطر تسددان متأخرات سوريا للبنك الدولي

دمشق: لا يمكن لـ«قسد» أن تستأثر بالقرار في شمال شرقي سوريا أعلنت المملكة العربية السعودية وقطر، أمس (الأحد)، عن تسديدهما الديون المستحقة على سوريا للبنك الدولي.

غازي الحارثي (الرياض) «الشرق الأوسط» (بغداد)
الخليج جانب من اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن (واس)

الرياض والدوحة تسدّدان متأخرات دمشق لدى «البنك الدولي»... ومطالبة المؤسسات الدولية باستئناف أعمالها

أكد بيان مشترك صادر عن وزارتي المالية في السعودية وقطر، اليوم الأحد، سداد متأخرات سوريا لدى «مجموعة البنك الدولي»، التي تبلغ نحو 15 مليون دولار.

غازي الحارثي (الرياض)
عالم الاعمال مركز الدرعية لفنون المستقبل يطلق الدورة الثانية من برنامج الفنانين الناشئين

مركز الدرعية لفنون المستقبل يطلق الدورة الثانية من برنامج الفنانين الناشئين

أعلن مركز الدرعية لفنون المستقبل عن فتح باب التقديم للدورة السنوية الثانية من برنامج الفنانين الناشئين في مجال فنون الوسائط الجديدة.

الاقتصاد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم متحدثاً خلال المؤتمر (الشرق الأوسط)

الإبراهيم: تعزيز العمل الإحصائي يدعم صناعة القرار ويواكب التغيرات العالمية

أكد وزير الاقتصاد السعودي أهمية الشفافية في اتخاذ القرارات، مشيداً بتطور العمل الإحصائي بالمملكة وتصدرها عالمياً في الأداء الإحصائي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص أثناء اجتماع حاكم ولاية نيوجيرسي مع وسائل إعلام في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

خاص نيوجيرسي تسعى لتوسيع شراكتها مع السعودية في المجالات التكنولوجية والرياضية والسينمائية

بدأ حاكم نيوجيرسي فيل مورفي زيارة للسعودية لتعزيز التعاون في الذكاء الاصطناعي، والرياضة، وصناعة السينما، والتعليم، قبل قدوم الرئيس الأميركي ترمب بأسبوعين.

«الشرق الأوسط» (عبير حمدي)

أبواب جدة التاريخية... ذاكرة مدينة توثقها عدسة

باب بيت باعشن في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)
باب بيت باعشن في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)
TT
20

أبواب جدة التاريخية... ذاكرة مدينة توثقها عدسة

باب بيت باعشن في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)
باب بيت باعشن في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)

بعد رحلة بصرية امتدت على مدى 10 أعوام في أزقة جدة التاريخية، عاد المصور السعودي عمر النهدي إلى عدسته الأولى، العدسة التي ترى الجمال في كل ما هو عابر، وصادق، ومنسي. مشروعه الجديد «شواهد صامتة» ليس مجرد مجموعة صور، بل وثيقة بصرية تنبض بالفن والحنين، ومشروع يحتفظ بهوية مدينة تتنفس التاريخ.

النهدي المعتمد من «فوجي فيلم» - اليابان، ورئيس نادي جدة الفوتوغرافي، لم يلتقط صور أبواب فقط. بل التقط أرواح الأحياء الأربعة التي تشكل نسيج جدة التاريخي. في هذا المشروع الطموح، وثّق بعدسته 60 باباً فريداً، كل واحد منها له حكاية، وكل إطار التقطه كان قصيدة بصرية تسردها تفاصيل الخشب، واللون، والمسامير الصامتة.

باب بيت البترجي في حارة الشام (إنستغرام عمر النهدي)
باب بيت البترجي في حارة الشام (إنستغرام عمر النهدي)

أبواب... لا تُطرق بل تُقرأ

وخلال جولته التي امتدت لسنوات، تنقّل عمر بين حارات المدينة القديمة: حارة الشام، حارة اليمن، حارة المظلوم، حارة البحر. كل حي له باب، وكل باب له روح. في حارة الشام كانت الأبواب فخمة، شاهقة، مقسّمة إلى جزأين: باب صغير للمرور اليومي، وآخر ضخم يفتح في المناسبات. الزخارف المعقدة على خشب الساج والجوز تكشف عن حيّ كان يعج بالتجار وأصحاب الشأن.

باب بيت نصيف في حارة اليمن (إنستغرام عمر النهدي)
باب بيت نصيف في حارة اليمن (إنستغرام عمر النهدي)

أما حارة اليمن، فالأبواب فيها بسيطة، وأقصر، وأكثر تواضعاً، تعكس بساطة الحياة اليومية وروح الجوار. الزخارف محدودة، لكنها دافئة، صادقة.

وفي حارة المظلوم وحارة البحر، تنوّعت الأبواب بحسب قربها من الأسواق والميناء، حيث امتزجت ثقافات عدة، تجلّى ذلك في التصميم والزخارف، وحتى في استخدام الألوان.

باب بيت وقف الشافعي في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)
باب بيت وقف الشافعي في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)

«الأبواب ليست مجرد مداخل»، يقول عمر النهدي: «إنها شواهد على هوية سكانها، وعلى أصولهم المختلفة، وطبقاتهم الاجتماعية وأذواقهم». وعبر عدسته، لم يكن يوثق خشباً وزخارف، بل كان يحفظ ذاكرة مدينة كاملة.

معظم الأبواب صُنعت من خشب الساج أو الجوز، وهي أخشاب مستوردة عبر ميناء جدة، اختيرت لقوتها ومقاومتها للرطوبة. طُليت غالباً بالأزرق، الأخضر، والبني. هذه الألوان لم تكن تُختار عشوائياً، بل تعكس الذوق الشخصي والمواد المتاحة آنذاك.

باب بيت جوخدار في حارة اليمن (إنستغرام عمر النهدي)
باب بيت جوخدار في حارة اليمن (إنستغرام عمر النهدي)

بعض هذه الأبواب لم يعد موجوداً اليوم. فقد اندثرت مع الزمن لكن عمر أعاد لها الحياة، وجعلها تنطق من جديد. يقول: «كنت أعود للباب نفسه أكثر من مرة، وكل مرة أكتشف فيه شيئاً جديداً. باب تغير لونه مع الزمن، نقش اختفى، أو حتى أثر يد على المقبض».

ومع كل صورة، كان يوثق لحظة، وحالة شعورية، وقطعة من ذاكرة المدينة. هذا التوثيق لم يكن مجرد مشروع فني، بل رسالة إلى الأجيال المقبلة: أن الجمال يكمن في التفاصيل، وأن التراث لا يُحفظ فقط في الكتب، بل أيضاً في الصور التي تنبض بالحياة.

باب مبنى البلدية (إنستغرام عمر النهدي)
باب مبنى البلدية (إنستغرام عمر النهدي)

فصل جديد بعد العدسة

اليوم، وبعد أن أنهى مشروع «شواهد صامتة»، يعود النهدي إلى عدسته الأولى. عدسة ترى الجمال في الضوء العابر، اللحظة الصادقة، تفاصيل الحياة البسيطة.

وقال النهدي: «أبدأ فصلاً جديداً لا يرتبط بمكان، بل بحس فني وصدق بصري»، وأضاف: «لحظات مقبلة سأشاركها معكم كما أراها، وكما أشعر بها»، وما بين باب وباب، وبين لقطة وأخرى، يثبت عمر أن التصوير ليس توثيقاً فقط، بل حُبٌ نقي ينبض بالفن.