«أحمد ماطر تذروه الرياح»... 25 عاماً من الفن

قال لـ«الشرق الأوسط»: أقدم في المعرض خلاصة مرحلة وأستعد للمستقبل

أحمد ماطر أمام أحد أعماله (الفنان)
أحمد ماطر أمام أحد أعماله (الفنان)
TT

«أحمد ماطر تذروه الرياح»... 25 عاماً من الفن

أحمد ماطر أمام أحد أعماله (الفنان)
أحمد ماطر أمام أحد أعماله (الفنان)

«أحمد ماطر... تذروه الرياح» في «كريستيز» ليس مجرد معرض لفنان سعودي من أهم فناني جيله، بل هو مراجعة كاملة وسجل لـ25 عاماً مضت من حياة ماطر وعمله، عبّر من خلالها عن نفسه إنساناً وطبيباً، وعبّر عن مجتمع في طور التغير، والأهم من كل ذلك أنه يمكن رؤيته كنظرة على العالم وأحداثه الكبرى من خلال انعكاسها على أعمال الطبيب الشاب الذي بدأ إبداعه في قرية المفتاحة الفنية في مدينة أبها بالسعودية، حيث يكلل السحاب قمم الجبال.

المعرض يفتتح للجمهور يوم 17 من الشهر الحالي، وحالياً تجري استعدادات مكثفة لتحويل جميع مساحات العرض في الدار لتقديم أعمال أحمد ماطر منذ بداياته، حتى الآن، على نحو آخر يقدم العرض مرحلة عمرية لفنان سعودي خرج بفنه من القرية للعالم.

«البرق» (أحمد ماطر)

تذروه الرياح

عند الحديث مع ماطر لا بدَّ من الدخول في ثنايا تفكيره وقراءاته ومشاهداته، كيف يرى العالم، وكيف يعبر عن نفسه لجمهوره أولاً ثم للعالم الخارجي ثانياً.

خلال حوارنا ينساب الحديث، وينتقل من نقطة لأخرى، ومن عمل لعمل، وبحكم أن المعرض يقدم ما يربو على 100 عمل يبدو الحديث وكأنه تسجيل لذاكرة ماطر وممارسته الفنية عبر 25 عاماً. اختار لمعرضه عنوانين، أحدهما بالإنجليزية «Chronicles» يترجم لكلمة سجلات، أما العنوان العربي ففيه الكثير من الطبقات والإيحاءات والمعاني الظاهرة والمبطنة، ويمتد في دلالته المستوحاة من النص الديني ليشمل تغيرات المناخ والطبيعة والنفس البشرية والحضارة.

يقول في بداية حديثه مع «الشرق الأوسط»: «(تذروه الرياح) تعبير جميل أراه قريباً في معناه من العنوان الإنجليزي (Chronicles) ويعني سجلات زمنية. فهو عنوان مرتبط بالزمن وبالتوثيق والتسجيل الثقافي والفني والسياسي وأيضا الديني». تعبير «تذروه الرياح» يذكره أيضاً بكلمات أغنية المغني بوب ديلان «يتطاير مع الريح»، يقول: «أشياء كثيرة تذهب مع الريح، وتذهب مع الزمن، من الذكريات، ومن السجلات، ومن الوثائق، ذهبت مع الزمن، ولكن ما يبقى هو ذاكرة الأشياء. شعرت أن التعبير اللغوي عظيم، فكل شيء سيذهب مع الريح، ومع الوقت».

استوحى عنوانه في الأساس من الآية القرآنية: «وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً» (الكهف، آية 45)، بالنسبة إليه يثير النص فكرة النهاية وأيضاً البداية، «نعم لأني أرى دورة الأشياء، فالهشيم الذي تذروه الرياح ينتقل من مكان لمكان، وقد يكون البداية لشيء جديد».

ثلاثية «مغناطيسية» (الفنان)

كيف يعبر العنوان إذن عن محتويات المعرض والرسالة خلفه؟ يقول: «أرى أنه سيرة زمنية لأعمالي الفنية وقصتي. أردت عرض كل أعمالي السابقة قبل الانتقال لتجربة جديدة».

بشكل ما يعبر المعرض عن الماضي وبتقديمه يكمل ماطر تسجيل وتوثيق مرحلة مهمة من مشواره الفني. يشغله المستقبل بعد ذلك، المستقبل الذي يبدأ الآن.

يتحدث عن مشهد فني متغير في المملكة بتفاؤل وثقة: «هناك متاحف في طور الإنشاء في السعودية، هناك سوق فنية سَتُبْنَى، هناك قصة حوار بين المجتمع والفن». باختصار يرى مرحلة بناء لثقافة جديدة كاملة تشيد حالياً عبر حركة دائبة في مجال الفنون.

لا يرى في عرضه بدار مزادات شهير دلالات تجارية، وهو أمر مهم الإشارة له، فالعرض ليس تجارياً، فهو مجاني ومفتوح للجمهور، وتحت هذا الضوء تصبح «كريستيز» بمقرها بوسط لندن «منصة مهمة»، يضيف: «ليس بالضرورة أن يكون تجارياً، الحديث هذا كان عندما لم يكن لدي مكان لأعرض أعمالي. (كريستيز) بالنسبة إليّ هي منصة تسمح لجمهور من محبي الفن في الشرق والغرب الذي يزور لندن بأن يأتي ويشاهد العرض».

25 عاماً من الفن

المعرض هو الأكبر في تاريخه، وله أهمية خاصة، فهل نرى من خلاله تطور أحمد ماطر وفكره منذ البدايات وحتى الآن؟ وما هو الخط الزمني والبصري لهذا التطور؟

«إضاءات IV» (أحمد ماطر-الهيئة الملكية للعلا)

«هذا التطور يتكلم عن تجربة 25 سنة، فيها رحلة زمنية ورحلة مكانية وجغرافية»، يشير إلى تنقله بين مدن السعودية خلال عمله بالفن «انتقلت من مدينة أبها بمحافظة عسير إلى مكة ثم جدة والمدينة والرياض، حيث أسست مرسماً ضخماً لي بحي جاكس للفنون بالدرعية. هذه رحلة مكانية. وهناك أيضاً رحلة مهنية شهدت الصراع الداخلي بين حياة الطبيب ومستقبلها المالي المضمون وبين حياة الفنان المغامر»، ما يصنع الفرق لأي فنان «مغامر»، حسب ماطر، هو رعاية الدول «الفنون لا تنجح من دون رعاية الدول، يمكن للفن أن يكون مستقلاً في جوهره، ولكنه يجب أن يكون معبراً عن الأمم والحضارات».

الحديث عن عمله طبيباً يأخذنا لنقطة مهمة «يظهر في أعمالك الاعتماد على العلم والتكنولوجيا مثل استخدام الأشعة السينية أو تجربة شذرات الحديد والمغناطيس؟ هل يغلب عليك الجانب العلمي أم الجانب الخلاق والمبتكر؟»، يقول: «التجربة العلمية أعطتني قوة ولغة جديدة في التعبير الفني، أقرب مثال لها هو المغناطيس وهو لغة علمية بحتة لكن النظرة من المتلقين كانت شاعرية جداً، ولهذا أقول إن أعمالي تتناغم بين الشاعرية أو الذاتية وبين الموضوعية العلمية».

من القط العسيري لوادي الفن

ينتقل الحديث عن العرض والقطع المختارة، نعرف أن بعض القطع لم تعرض من قبل منها رسم نفذه أحمد ماطر في مراهقته ورسم من تنفيذ والدته التي اشتهرت بكونها واحدة من أشهر فنانات «القط العسيري»، وهو النقش على الجدران في بيوت منطقة عسير. ولكن يجب القول إن الحديث عن ماطر عادة ما يثير في الذهن صورة أشهر أعماله وهو «مغناطيسية». أشير إلى أن العمل ظل لفترة طويلة مسيطراً على صورة فن أحمد ماطر فهل خرج من دائرة المغناطيسية؟

«كتاب المغناطيسية» (أحمد ماطر)

يقول: «كنت أحاول أن أخرج منها للجديد، والآن وجدت أن الاستمرار هو الحل، في المعرض عمل جديد بعنوان (كتاب المغناطيسية) أعده استمراراً للعمل الأول، وهناك عملان آخران قادمان من السلسلة نفسها».

عمل «كتاب المغناطيسية» يتحدث عن فكرة قداسة الكتاب في تاريخ البشرية، الكتاب كنص مقدس، «بمعنى أعم أرى أن الكتاب أقدم اختراعات تاريخ البشرية لأن الكتاب يحفظ كل الذكريات، وكل القيم من جيل لجيل دائماً، أياً كان. وبالنسبة إلى (كتاب المغناطيسية) الخاص بي فهو يمثل قداسة مختلفة لأي جيل كان ولأي قصة، تأويل العمل مفتوح جداً».

يتحدث عن العمل قائلاً: «كان صعباً جداً رغم أنه يبدو بسيطاً في تكوينه فهو كتاب أبيض وشذرات حديدة مصطفة على الصفحتين المتقابلتين. شذرات الحديد متجهة للأعلى، تعبر عن الإنسان، وكأن الحروف وقفت، تحولت من الشكل الثنائي الأبعاد إلى الثلاثي الأبعاد».

يشير إلى أن العمل ليس الأخير في علاقته بعمل المغناطيسية، ويحضرنا لفيلم قادم يأخذ من شذرات الحديد أبطالاً تتحرك وتتفاعل.

سجل التغيرات والتطور

أقول له: «أعمالك عموماً ارتبطت بالتغيرات في المملكة، فخلال الـ20 سنة الماضية تغيّرت المملكة إلى حد بعيد جداً، لأي أحد يزورها، هل تتبعت ذلك التغيير، وقصدت التعبير عنه؟»، يقول: «في العمل الفني لا يوجد قصد واضح لتتبع شيء معين، صدقيني العمل الفني دائماً فيه جانب شاعري، لكن المهم كيف أتخلص من كل المعطيات، وأعبر عن حياتي على نحو حقيقي، التغيرات جزء كبير من محتوى الحياة اليومية، والفنان مرآة صادقة. والتغيرات في السعودية مهمة جداً لها حضور فكري وثقافي في الوطن العربي، وفي العالم أجمع، في حياتنا المحلية، وبالطبع تسجيلها هو أمر مهم».

أعمال مرتبطة بمشروع «أشهب اللال» ضمن مشروعات «وادي الفن» بالعلا (الهيئة الملكية للعلا)

د. رضا مؤمني منسق المعرض: «ماطر عالمي في محليته»

الدكتور رضا مؤمني، رئيس مجلس إدارة قسم الشرق الأوسط وأفريقيا بـ«كريستيز»، ومنسق العرض، تحدث لـ«الشرق الأوسط» حول تجربة تنسيق عرض يحاول تقديم أحمد ماطر لجمهور متنوع الثقافات في لندن.

بداية أسأله: «كيف استطعت تحديد أولوياتك في هذا العرض والمراحل الأساسية التي أردت إبرازها؟»، يجيب قائلاً: «مبدئياً غصت في أعمال أحمد ماطر لتحديد ما الذي يمكن عرضه. كانت الفكرة أن الجميع يعرفون ماطر عبر أعمال أيقونية مثل (مغناطيسية) و(تطور الإنسان)، لكن بالنسبة إليّ كان الأهم واللافت في أعماله هو قدرته على تطوير أي فكرة بغض النظر عن الحجم والأبعاد، كان دائماً مغامراً، ويجد دائماً حلولاً، وإذا لم يجد حلولاً يقوم بالتعاون مع آخرين للوصول لذلك».

«حدود» (أحمد ماطر)

الهدف الأساسي لمنسق العرض كان، حسب تعبيره، «كيف أنقل وجهة نظر جديدة عن أحمد ماطر للزائر».

يشير إلى أن العرض مقسم على مراحل: «هناك قسم للسنوات الأولى، وفيها عمل له من 1995، وهو رسم منظر طبيعي لأبها. سيكون هناك أيضاً في العرض قسم حول مشروعه المعنون (البقرة الصفراء) الذي يبرز اهتمامه الدائم بفكرة الروحانية التي قادته خلال المراحل المختلفة من أعماله»، يستطرد قائلاً إن خطة العرض تضمنت أيضاً تسجيل اهتمام الفنان بتوثيق «الحالة الإنسانية والتطور الاجتماعي والخريطة الثقافية للمملكة والأحداث الاجتماعية والسياسية في المنطقة، خصوصاً وأنها ولدت لديه ردود فعل فنية، وألهمته بشكل أو بآخر».

يعرج العرض لأعمال شهيرة مثل «مغناطيسية»، ويقدم صوراً فوتوغرافيةً للعمل الأصلي، إضافة إلى آخر إصدارات الفنان في السلسلة نفسها. ويخصص المعرض أيضاً مساحة لمشروع «صحراء فاران». أما الغرفة الكبرى في الدار فستخصص لمجسم ضخم لعمله «أشهب اللال» الذي يقدمه ضمن مشروع «وادي الفن بالعلا».

«هل تتوقع أن يستطيع الزائر الوصول لإحساس بأن الأعمال هنا تدور حول ما هو أبعد من البقعة الجغرافية؟»، يجيب د. مؤمني: «بالفعل فأحمد ماطر يطرح أسئلة عالمية، ولكن يبدأها عبر مكانه المحدد في محليته، كفنان يتحدث عن موضوعات يشعر بها كل فنان في أماكن أخرى في آسيا أو جنوب أميركا أو العالم العربي فهي تتحدث عن الإنسان».


مقالات ذات صلة

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

أسدل مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» الستار على دورته الـ45 في حفل أُقيم، الجمعة، بإعلان جوائز المسابقات المتنوّعة التي تضمّنها. وحصدت دول رومانيا وروسيا والبرازيل «الأهرامات الثلاثة» الذهبية والفضية والبرونزية في المسابقة الدولية.

شهد المهرجان عرض 190 فيلماً من 72 دولة، كما استحدث مسابقات جديدة لأفلام «المسافة صفر»، و«أفضل فيلم أفريقي»، و«أفضل فيلم آسيوي»، إلى جانب مسابقته الدولية والبرامج الموازية.

وكما بدأ دورته بإعلان تضامنه مع لبنان وفلسطين، جاء ختامه مماثلاً، فكانت الفقرة الغنائية الوحيدة خلال الحفل لفرقة «وطن الفنون» القادمة من غزة مع صوت الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهو يُلقي أبياتاً من قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وأكد رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، أنّ «الفنّ قادر على سرد حكايات لأشخاص يستحقون الحياة»، موجّهاً الشكر إلى وزير الثقافة الذي حضر حفلَي الافتتاح والختام، والوزارات التي أسهمت في إقامته، والرعاة الذين دعّموه. كما وجّه التحية إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسِّس مهرجان «الجونة» الذي حضر الحفل، لدعمه مهرجان «القاهرة» خلال رئاسة فهمي الأولى له.

المخرجة السعودية جواهر العامري وأسرة فيلمها «انصراف» (إدارة المهرجان)

وأثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعالياته؛ فقالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ «عدم حضوره قد يشير إلى وقوع خلافات»، مؤكدةً أنّ «أي عمل جماعي يمكن أن يتعرّض لهذا الأمر». وتابعت لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عصام زكريا ناقد كبير ومحترم، وقد أدّى واجبه كاملاً، وهناك دائماً مَن يتطلّعون إلى القفز على نجاح الآخرين، ويعملون على الإيقاع بين أطراف كل عمل ناجح». وعبَّرت الناقدة المصرية عن حزنها لذلك، متمنيةً أن تُسوَّى أي خلافات خصوصاً بعد تقديم المهرجان دورة ناجحة.

وفي مسابقته الدولية، فاز الفيلم الروماني «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم للمخرج والمنتج بوجدان موريشانو، كما فاز الفيلم الروسي «طوابع البريد» للمخرجة ناتاليا نزاروفا بجائزة «الهرم الفضي» لأفضل فيلم، وحصل الفيلم البرازيلي «مالو» للمخرج بيدرو فريري على جائزة «الهرم البرونزي» لأفضل عمل أول.

وأيضاً، حاز لي كانغ شنغ على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي «قصر الشمس الزرقاء»، والممثل الروسي ماكسيم ستويانوف عن فيلم «طوابع البريد». كما حصلت بطلة الفيلم عينه على شهادة تقدير، في حين تُوّجت يارا دي نوفايس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم البرازيلي «مالو»، وحصل الفيلم التركي «أيشا» على جائزة أفضل إسهام فنّي.

الفنانة كندة علوش شاركت في لجنة تحكيم أفلام «المسافة صفر» (إدارة المهرجان)

وأنصفت الجوائز كلاً من فلسطين ولبنان، ففاز الفيلم الفلسطيني «حالة عشق» بجائزتَي «أفضل فيلم» ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ولجنة التحكيم الخاصة. وأعربت مخرجتاه منى خالدي وكارول منصور عن فخرهما بالجائزة التي أهدتاها إلى طواقم الإسعاف في غزة؛ إذ يوثّق الفيلم رحلة الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة داخل القطاع. ورغم اعتزازهما بالفوز، فإنهما أكدتا عدم شعورهما بالسعادة في ظلّ المجازر في فلسطين ولبنان.

وكانت لجنة تحكيم «أفلام من المسافة صفر» التي ضمَّت المنتج غابي خوري، والناقد أحمد شوقي، والفنانة كندة علوش؛ قد منحت جوائز لـ3 أفلام. وأشارت كندة إلى أنّ «هذه الأفلام جاءت طازجة من غزة ومن قلب الحرب، معبِّرة عن معاناة الشعب الفلسطيني». وفازت أفلام «جلد ناعم» لخميس مشهراوي، و«خارج التغطية» لمحمد الشريف، و«يوم دراسي» لأحمد الدنف بجوائز مالية قدّمتها شركة أفلام «مصر العالمية». كما منح «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، برئاسة الإعلامي عمرو الليثي، جوائز مالية لأفضل 3 أفلام فلسطينية شاركت في المهرجان، فازت بها «أحلام كيلومتر مربع»، و«حالة عشق»، و«أحلام عابرة».

ليلى علوي على السجادة الحمراء في حفل الختام (إدارة المهرجان)

وحصد الفيلم اللبناني «أرزة» جائزتين لأفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود، وأفضل سيناريو. فأكدت بو عبود تفاؤلها بالفوز في اليوم الذي يوافق عيد «الاستقلال اللبناني»، وأهدت الجائزة إلى أسرة الفيلم وعائلتها.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة التي رأست لجنة تحكيمها المخرجة ساندرا نشأت، فاز الفيلم السعودي «انصراف» للمخرجة جواهر العامري بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقالت جواهر، في كلمتها، إن المهرجان عزيز عليها، مؤكدة أنها في ظلّ فرحتها بالفوز لن تنسى «إخوتنا في فلسطين ولبنان والسودان». أما جائزة أفضل فيلم قصير فذهبت إلى الصيني «ديفيد»، وحاز الفيلم المصري «الأم والدب» على تنويه خاص.

كذلك فاز الفيلم المصري الطويل «دخل الربيع يضحك» من إخراج نهى عادل بـ4 جوائز؛ هي: «فيبرسي» لأفضل فيلم، وأفضل إسهام فنّي بالمسابقة الدولية، وأفضل مخرجة، وجائزة خاصة لبطلته رحاب عنان التي تخوض تجربتها الأولى ممثلةً بالفيلم. وذكرت مخرجته خلال تسلّمها الجوائز أنها الآن فقط تستطيع القول إنها مخرجة.

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

كما فاز الفيلم المصري «أبو زعبل 89» للمخرج بسام مرتضى بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى تنويه خاص ضمن مسابقة «أسبوع النقاد». ووجَّه المخرج شكره إلى الفنان سيد رجب الذي شارك في الفيلم، قائلاً إنّ الجائزة الحقيقية هي في الالتفاف الكبير حول العمل. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النجاح الذي قُوبل به الفيلم في جميع عروضه بالمهرجان أذهلني»، وعَدّه تعويضاً عن فترة عمله الطويلة على الفيلم التي استغرقت 4 سنوات، مشيراً إلى قُرب عرضه تجارياً في الصالات. وحاز الممثل المغربي محمد خوي جائزة أفضل ممثل ضمن «آفاق السينما العربية» عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا».

بدوره، يرى الناقد السعودي خالد ربيع أنّ الدورة 45 من «القاهرة السينمائي» تعكس السينما في أرقى عطائها، بفضل الجهود المكثَّفة لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا، وحضور الفنان حسين فهمي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الدورة حظيت بأفلام ستخلّد عناوينها، على غرار فيلم (هنا) لتوم هانكس، والفيلم الإيراني (كعكتي المفضلة)، و(أبو زعبل 89) الذي حقّق معادلة الوثائقي الجماهيري، وغيرها... وكذلك الندوات المتميّزة، والماستر كلاس الثريّة».