محمد قيس: الإصغاء للآخر هو سر النجاح

قال الإعلامي اللبناني لـ«الشرق الأوسط» إنه حوّل خساراته لغد أفضل

محمد قيس مشاركاً في المنتدى الإعلامي العربي (خاص الإعلامي)
محمد قيس مشاركاً في المنتدى الإعلامي العربي (خاص الإعلامي)
TT

محمد قيس: الإصغاء للآخر هو سر النجاح

محمد قيس مشاركاً في المنتدى الإعلامي العربي (خاص الإعلامي)
محمد قيس مشاركاً في المنتدى الإعلامي العربي (خاص الإعلامي)

يخرق الإعلامي محمد قيس موجة الـ«بودكاست» الرائجة اليوم عبر برنامجه «عندي سؤال»، وبأسلوبه السهل الممتنع يُحدث الفرق. يحاور ضيوفه بسلاسة، يعطيهم كرة الـ«كاوتشوك» المضادة للتوتر وينطلق بأسئلته. يلقبه بعضهم بالمحاور الذكي، إذ يعرف كيف يدس السمّ بالعسل.

وصفت الفنانة لوسي أسئلته بعد استضافته لها، بالسكين الحاد الذي لا يجرح.

تجاوز عدد متابعيه مئات الآلاف من مختلف الدول العربية والأجنبية. ويعترف لـ«الشرق الأوسط» أن «عندي سؤال» عبر منصة «المشهد»، يشكّل محطة مضيئة في حياته المهنية.

خساراته حولها إلى غد أفضل (خاص الإعلامي)

مشواره كان سلسلة تجارب متراكمة عمّرها منذ نحو 18 عاماً، وتنقّل خلالها ما بين «روتانا» و«إم تي في» اللبنانية و«أو إس إن» العربية. يرى نفسه محظوظاً، لأنه ابن الشاشة الصغيرة التي علّمته دروساً كثيرة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «في بلدي لبنان الذي أعشقه، تعرّضت لخيبات وخسارات كثيرة. عشت مراحل صعبة كغيري من اللبنانيين، ولكنني قطعت وعداً على نفسي بألّا أستسلم. فكان علي أن أحوّل انكساراتي هذه إلى غد أفضل. فالتطور ينبع من أعماقنا، ولا يجب أن ننتظر من يزوّدنا به».

كل هذه الخسارات كما يقول انعكست تغييراً على فكره وإنسانيته، كما على كيفية تعاطيه مع الآخرين لا سيما مع ضيوفه.

يلحظ من يتابع محمد قيس في حواراته مع ضيوفه تلقائيته وعفويته البارزتين، فيدفعهم إلى البوح والاسترسال من دون حدود؛ فما سرّ هذه الراحة النفسية التي يتركها عندهم؟ يرد لـ«الشرق الأوسط»: «الإصغاء للآخر، هو السرّ الأكبر في نجاح الحوار. كلنا نحب التكّلم، وعادة ما يأخذنا الحماس فنقاطع الآخر. وأنا استبدلت الكلام بقراءة تعابير الوجه. لغة الجسد لا يلزمها الجهد لتفهمها، فهي تطفو على سطح الحوار إذا ما حضر التركيز».

موجة الـ«بودكاست» تعمّ الساحة الإعلامية اليوم، فكيف استطاع خرق هذه الكثافة؟ «كل شخص يستطيع تقديم قصص ناجحة، بيد أنني أضفت إليها البعد الإعلامي الذي أتمتع به بفضل تجاربي السابقة. فكان علي أن أطبّق ما أعرفه على قصص أسمعها».

يسرد ضيف محمد قيس قصة حياته في برنامجه «عندي سؤال»، وبمعية فريق إعداد محترف على رأسه جورج موسى، يقدم المحتوى الغني. ويقول: «قاعدتي الأساسية في الحوار مبنية على التجربتين الإنسانية والمهنية. وأبدأ مع ضيفي منذ مراحل الطفولة وصولاً إلى اليوم. ونتوقف عند بعض التفاصيل التي أجدها تثري الحوار».

حلقته مع نادين نسيب نجيم حققت نسب مشاهدة عالية (خاص الإعلامي)

تلعب مخيلة قيس دوراً رئيسياً في حواراته، ويستخدمها لتشكّل شريطاً مصوراً يتراءى له أثناء حديثه مع الضيف. «هذه الصور ترافقني، لأنها تنبع من حياة كل ضيف. ولا أذيع سراً حين أقول، لكل فنان أو نجم قصة وألم لا بد أن نحترمهما. وبينهم من ظَلم وانظلم، وفي بعض الحلقات بلغ تأثري بهذه القصص حداً كبيراً فبكيت. وهناك بعض الحلقات التي لا أستطيع إعادة مشاهدتها مرة ثانية. فالحالات الإنسانية أتفاعل معها بقوة».

يواجه قيس كغيره من المذيعين انتقادات وحملات تتعلق بحواراته مع ضيوفه. فكيف يتلقفها؟ يرد: «لا أهمل هذه الانتقادات، وأحياناً أتأثر بها. يهمني الاطّلاع على رأي الآخر، وأحتفظ بما أراه منطقياً. ولكن ما يدفعني إلى الاستياء هو اجتزاء مقاطع من حلقاتي مع ضيوفي ونشرها، وهذا الأمر يظلمني كما ضيفي، فمن الضروري أن يدرك ناشرها في أي سياق جاء هذا المقطع من الحديث».

احترامه لضيفه قاعدة ذهبية لا يتخلّى عنها. ويتابع: «تربيت عليها وعلى الابتعاد عن العنصرية. لذلك تكون أسئلتي دقيقة ومدروسة. لا أحب الوقاحة وأفضل الجرأة عليها. وأحزن مرات لشنّ حملات تظلم حواراتي وتنبع من باب إحراز (تريند) ليس أكثر».

يؤكد محمد قيس أن لكل ضيف استضافه في برنامجه حلاوة اللقاء؛ ولكن من أكثر الحلقات التي أحدثت ضجة تلك التي استضاف فيها الممثلة نادين نسيب نجيم. «إنها من الحلقات العزيزة على قلبي. توقيتها كان صائباً بعد تعرّض نجيم لجملة هجمات وانتقادات. كانت حلقة إنسانية بامتياز، باحت نادين خلالها بأمورها علناً. وكذلك الأمر بالنسبة لحلقتي مع الممثلة سلافة معمار، وتناولت فيها جوانب كثيرة من حياتها الشخصية».

محمد قيس مع النجمة السورية سلافة معمار (خاص الإعلامي)

وعما إذا كان هناك من مقابل مادي يقدمه لضيوفه يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «المقابل المادي حق مشروع لكل ضيف يطلّ في برنامج، ولكنه لا يشكّل الأساس لجذب الضيف ولا تُبنى البرامج عليه. ومحتوى البرنامج وطبيعة حواراته هما الأهم».

وعمن يلفته من زملاءٍ في عالم الـ«بودكاست» ويحب محاورتهم يقول: «الإماراتي أنس بخش، والكويتي عمار تقي، والسعودي عبد الله المديفر»، ويتابع: «هي شخصيات تترك أثرها عند مشاهدها. وأحبذ استضافتهم في برنامجي تماماً كما الإعلامي طوني خليفة مدير منصة (المشهد). فهو أيضاً شخصية إعلامية بارزة وتجربته جديرة بالاهتمام».

ويختم محمد قيس أنه سعيد بالتجربة الإعلامية التي يخوضها اليوم، «ستطول هذه التجربة لنحو 5 سنوات بعد. وأشعر بحماس كبير لما ستحمله لي من جديد في الأيام المقبلة».


مقالات ذات صلة

دودة تأكل البلاستيك... اكتشاف لتقليل التلوث بسرعة وكفاءة

يوميات الشرق صورة نشرها العلماء للدودة الجديدة المكتشَفة

دودة تأكل البلاستيك... اكتشاف لتقليل التلوث بسرعة وكفاءة

اكتشف عدد من العلماء دودة آكلة للبلاستيك  في كينيا، قالوا إنها يمكن أن تُحدث ثورة في تقليل التلوث بسرعة وكفاءة.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
يوميات الشرق الخاتم بمعانيه وذكرياته (إكس)

غواص يعيد خاتم تخرُّج أضاعه صاحبه في المحيط قبل 47 عاماً

حدث اللقاء المفاجئ بفضل أليكس ديفيس، وهو غواص محترف اكتشف الخاتم الثمين مؤخراً باستخدام جهاز كشف المعادن تحت الماء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق ضغوط العمل يمكن أن تستنزف أجزاء من الدماغ مرتبطة باتخاذ القرار والتحكم في المشاعر والانفعالات (رويترز)

ضغوط العمل قد تؤدي إلى صعوبة التحكم في السلوك والانفعالات

أكدت دراسة جديدة أن ضغوط وإرهاق العمل ومحاولة الشخص الدائمة لدفع نفسه للصبر وممارسة ضبط النفس، يمكن أن تستنزف أجزاء من الدماغ مرتبطة بالتحكم في المشاعر.

«الشرق الأوسط» (روما)
يوميات الشرق العُمر الطويل خلفه أسرار (أ.ف.ب)

إيطالية تبلغ 125 عاماً تكشف سرَّ عمرها الطويل

تنفرد إيما مورانو المولودة في إيطاليا عام 1899 بوصفها آخر إنسان وُلد في القرن الـ19، وببلوغها 125 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أمكن لعشّاق الموج «الاطمئنان» (شاترستوك)

«خديعة» لردع أسماك القرش عن مهاجمة ركّاب الأمواج

الخوف من أسماك القرش البيضاء قائم منذ فترة طويلة، وأحد أسبابه هو عدم فهمنا لهذه الحيوانات بشكل جيد...

«الشرق الأوسط» (سيدني)

طرابلس توحَّدت ببيروت... وتحيّة جنوبية في «ماراثون السلام» اللبناني

شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)
شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)
TT

طرابلس توحَّدت ببيروت... وتحيّة جنوبية في «ماراثون السلام» اللبناني

شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)
شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)

المنطلقون عند السادسة صباح الأحد من خطّ بداية السباق في مدينة طرابلس الشمالية، ارتدوا الأبيض ورفعوا العلم اللبناني. تقرَّر ليوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني) أن يستضيف الحدث السنوي المُنتظر، وخرَّبت الحرب الخطط. لم تعبُر شوارعَ بيروت أقدام العدّائين أو تتطلّع عيون الأطفال مذهولةً بألوان البالونات والشابات الراقصات والموسيقى الحماسية طوال «سباق المرح». كرنفال «ماراثون بيروت الدولي» أُلغي. الأحد الماضي، وفي يومه المُقرَّر، اتّخذ شكلاً آخر بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية. سباق من أجل السلام انطلق من طرابلس نحو العاصمة النازفة.

ترى مي الخليل أنّ التكاتف يُجمِّل الإنجاز ويدفع نحو الأفضل (بيروت ماراثون)

9 فرق هتفت: «كلنا للوطن». فريقٌ سلّم الآخر الأعلام اللبنانية بعد الركض لمسافة 10 كيلومترات، فتكتمل خطّة وَصْل طرابلس ببيروت بركض ما يزيد على 90 كيلومتراً للفرق الـ9 مجتمعةً. وإن حضر العداؤون بعدد أقل مقارنةً بجَرْف الأعداد في يوم الماراثون الكبير، فقد سجَّلوا فارقاً، وأحدث الأفراد وَقْع الجماعة. خَبْطُ الأقدام دوَّى، والرمزية بلغت أشدَّها. رسالة من أجل السلام، والحرب تتمادى... من أجل لبنان، ويتراءى مقبرة.

مَن ركضوا يتشاركون المعاناة والشغف والإنجاز، ويلتقون على الالتزام والوحدة وعظمة روح الرياضة. تفتتح مؤسِّسة جمعية «بيروت ماراثون» ورئيستها، مي الخليل، حديثها مع «الشرق الأوسط» بإعلاء أهمية التكاتُف. تقول إنه «يُجمِّل الإنجاز ويدفع نحو الأفضل».

وإن حضر العداؤون بعدد أقل فقد سجَّلوا فارقاً وأحدث الأفراد وَقْع الجماعة (بيروت ماراثون)

لـ20 عاماً، التزمت «بيروت ماراثون» بتنظيم النشاط الرياضي في بلد يطفح بالتناقض. تتابع: «ماراثونات عدّة نظّمناها على وَقْع التفجيرات والاغتيالات والاشتعال الأمني. مع ذلك، تجمَّع المشاركون وأعلنوا الوحدة. منذ العام الأول، أردنا نشاطاً رياضياً يجمع. بشر تتعدَّد أديانهم وجنسياتهم التقوا في سباق وُلد عام 2003 ويستمرّ على ثبات المبدأ. اليوم، نركض للسلام على امتداد الوطن».

وُلدت النسخة الأولى من «بيروت ماراثون» بعد حادث مأساوي أصاب مي الخليل. كانت تركض، فصدمتها شاحنة. دخلت في غيبوبة ومكثت عامين في المستشفى... «أنا العدّاءة التي ركضت من أجل لبنان، فحلَّ الأسوأ، لتوظّف شغفها وإرادتها بإقامة نشاط ماراثوني يُقرّبه من العالم ويُوحّد أبناءه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، تحت شعار (الرياضة للجميع). هنا تُمحى الفروق وتعلو الإنسانية».

9 فرق هتفت: «كلنا للوطن..» وفريقٌ سلّم الآخر الأعلام اللبنانية (بيروت ماراثون)

حينها، ندرت ثقافة الركض لمسافات طويلة، فدُعي عدّاؤون أجانب محترفون إلى أرض الأرز للمشاركة في الحدث. كبُرت الحشود عبر السنوات، فاقتطعت الجمعية رسوم التسجيل لمصلحة جمعيات خيرية. راحت الأقدام تركض للخير، وتكثَّف الخفقان، وسُمَع لهاث الأنفاس كأنه أوركسترا.

ثقافة العطاء عمَّمها «ماراثون بيروت» وكرَّسها. ومن عظمة العمل التطوّعي، تمضي هذه الأيام. منذ الاشتعال الكبير والنزوح المُربِك، تحوَّلت الجهود إلى لملمة الوجع. تُكمل مي الخليل حديثها برَفْع العطاء إلى أعلى المراتب: «أمام الإنسان، لبّى الفريق والمتطوّعون الشباب، النداء. أراهم نبض المستقبل. ننطلق من ثقافة أن نُعطي المجتمع ما نأخذه. فَهْم هذه المعادلة مهم جداً».

اليوم، تتقدَّم ثقافة السلام وتستدعي نشرها في المدى الأوسع. ذلك شعورٌ يملأ العدّاء وهو يُراكم المسافة وصولاً إلى خطّ النهاية. يبلغه ليحيل الداخل على الصفاء. فالسلام الفردي بإمكانه أن يُعمَّم ليصبح العدّاء اختزالاً للبنان. كلاهما يتحمَّل ويُعاند. داخلهما ندوب وصمود. مي الخليل تدرك ذلك. فداخلها أيضاً تألَّم. تقول: «سلام النفس يرتقي بطبيعتنا الإنسانية، فكيف إن اجتمع بـ40 أو 50 ألف عدّاء وعدّاءة؟ هنا يُترجَم سلام الأوطان. يسألونني دائماً: من أجل أي سلام تركضون؟ السلام ليس خطّ النهاية فقط. إنه امتداد سلامنا الداخلي نحو سلام أشمل».

سباق من أجل السلام انطلق من طرابلس نحو العاصمة النازفة (بيروت ماراثون)

لسنوات، كبُرت تحدّيات «بيروت ماراثون» باشتداد العصف. فتك الوباء، فأُلغي السباق لاقتضاء السلامة العالمية التباعُد بين البشر. وبعد انفجار المرفأ شعرت مي الخليل بأهمية الاضطلاع بدور. «وَجَبت علينا العودة. حجم المسؤولية استدعى توظيف علاقاتنا بالخارج لتجاوُز المرحلة الصعبة. حينها، غادر بعض الفريق بين الغربة والبحث عن فرص تُعوّض إغلاق أبواب |(الجمعية). تعلّمنا مرّة أخرى كيف ننظّم سباقات افتراضية بالتواصل مع ماراثونات دولية. جمعنا مبالغ لجمعيات تنتشل المتضرّرين من كابوسية المرفأ ومقتلة ذلك العصر».

مشهد رَفْع العلم اللبناني رغم اتّساع الجراح أثَّر عميقاً (بيروت ماراثون)

تستدعي الحرب اليوم وَقْفة مُشابهة. بالنسبة إلى مي الخليل، لا شيء يُضاهي مرارة أن تشاهد بلدك يُدمَّر والناس في نزوحهم المريع. كان لا بدّ من إلغاء السباق المُنتَظر يوم 10 نوفمبر وتحوُّل كل الأيام سباقاً للتكاتف والوحدة: «نظّمنا سباق السلام بديلاً للحدث الكبير. أردناه سباقاً مستوحى من مساحة لبنان البالغة 10 آلاف و452 كيلومتراً مربعاً. مشهد رَفْع العلم اللبناني رغم اتّساع الجراح أثَّر عميقاً. على مجموعة نقاط، توزّع العدّاؤون، فانطلقوا من (معرض رشيد كرامي الدولي) في طرابلس إلى واجهة بيروت البحرية. 10 ساعات من الركض للسلام والأمل».

ومن مدينتَي النبطية وصور النازفتَيْن، عَبَر عدّاؤون فوق الأنقاض رافعين الأعلام... زرعوها فوق الخراب لعلَّ زهر الربيع يشقّ الجدران المُهدَّمة وينمو معانداً «اليباس». «الوطن لا يموت. يعيش على المحبة»، تؤكد مي الخليل التي تغرّبت 23 عاماً في نيجيريا بعد زواجها، لكنّ داخلها ظلَّ متعلّقاً بأرض تتشظّى ولا تُقتَل.