زينة نادر ترسم «الحواس الستّ»... وتعلو بالتجريد نحو الحلم المُوسَّع

التشكيلية اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»: الفرح باللوحة يوازي بيعها

تجد في التجريدي مساحة للنضج الإبداعي (صور زينة نادر)
تجد في التجريدي مساحة للنضج الإبداعي (صور زينة نادر)
TT

زينة نادر ترسم «الحواس الستّ»... وتعلو بالتجريد نحو الحلم المُوسَّع

تجد في التجريدي مساحة للنضج الإبداعي (صور زينة نادر)
تجد في التجريدي مساحة للنضج الإبداعي (صور زينة نادر)

حين تُسأل الفنانة التشكيلية اللبنانية زينة نادر متى بدأت الرسم، تجيب: «قبل أن أولد!»، فالرسم «سبق» ولادتها، وتحوّل إلى حاجة، أسوةً بالطعام والماء. «خلقُ الفنّ» تعدُّه نعمة كبرى يمنح قدرة على صناعة الجمال. وفي معارضها تتأمّل الوجوه رغبةً في أن تلمحها «سعيدة» بما تُعاين، يصبح تحقُّق الفرح بأهمية اقتناء لوحة، ولا يعود البيع هو وحده الغاية، بل إيصال المشاعر.

نشأت في عائلة فنية مهَّدت لها الطريق (صور زينة نادر)

والدها فنان ومهندس معماري، وأخوها أيضاً، تُشارك «الشرق الأوسط» حكاية نشأتها في عائلة فنية مهَّدت لها الطريق: «رافق ذلك تهذيب الذوق بالموسيقى الكلاسيكية والأوبرا. كبرتُ وصورة والدي في مرسمه تُرافقني، وصوت أمي المُشجِّع يرنّ في أذني، تلقّيتُ دروساً مسرحية وسينمائية، وصقلتُ رسمي العفوي بتقنيات نهلتُها من الفنان الراحل حيدر حموي، عملتُ معه ساعات يومياً، منه تعلّمتُ التقنية، لكنني عثرتُ على أسلوبي».

«خلقُ الفنّ» نعمة كبرى يمنح قدرة على صناعة الجمال (صور زينة نادر)

بدأت ترسم لتلهو، وأرادت بالألوان تمضية الوقت، وجدت في ذلك متعة تُشاركها مع أولادها، فترسم لتبادل البهجة، وقبل الاحتراف، حين لم يكن هدفاً، مرَّرَت ريشتها على كل ما في المُتناوَل؛ الزجاج، والمناشف، وشراشف الطاولات، والثياب، ورسمت لأصدقائها في الأعياد والمناسبات، إلى أن كانت الخطوة التالية، حيث شاركت بمعارض جماعية في لبنان، وبدأت لوحاتُها تُباع، حدوث البيع فرض التعمُّق بالتقنيات، والانتقال من العرض الجماعي إلى الفردي، كان ذلك قبل 20 عاماً، اليوم تعرض في لبنان وأميركا وإيطاليا... ولوحاتها تحضُر في لندن ودبي وشيكاغو.

تحقُّق الفرح لدى المعاينة بأهمية اقتناء لوحة (صور زينة نادر)

تحوَّل رسم زينة نادر من الانطباعي إلى التشخيصي، قبل أن تجد في التجريدي مساحة للنضج الإبداعي. عام 2022 احتفلت بمعرضها المائة بمدينة برشلونة، وتعود للتوّ من واشنطن بعد معرض تصفه بـ«الناجح جداً، وقمّة فنّي التجريدي في الوقت الراهن».

في التجريد مشاعر و«استفزاز» لجَعْل المتلقّي يتساءل. تقول إنّ هذا الصنف من الفنّ المعاصر مطلوب في الولايات المتحدة وأوروبا، وقد نقلها إلى «موجة أخرى، ووسَّع الحلم»، لنقف عند تلك المشاعر، بأيّ تجلّيات تتمدّد فيها وبأي شكل تتخزّن؟ تجيب: «حين أرسم يحدُث انفصالي عما حولي، أنسى الزمن والواقع، أكون في عالمي، على غيمتي، مُحاطة بالفرح، ومنه أغرفُ من روحي ولادة اللوحة، من هذا الفرح أعطي فرحاً آخر، فيلمسه مُتأمّل اللوحة».

تعلّمت التقنية لكنها صنعت أسلوبها (صور زينة نادر)

قد يعتريها إحساسٌ تمنحه للوحة، فيأتي الرائي ليُسقط إحساساً مغايراً؛ إحساسه هو، أو يرى «الشيء المختلف»، هنا متعة التجريد المُصاحِب لشطحات التخيُّل، تناسُق خيالات الرسّامة مع المتلقّي لا يعود مهماً عند هذه المرتبة، الأهم أنّ التواصل تمَّ لمجرّد لَمْس الأحاسيس الداخلية.

لكل معرض موضوعه، وفكرة «الحواس» تتصدَّر معظم المواضيع، تتجاوز كونها خمساً عند زينة نادر، لتلتحق بها «الحاسة السادسة» في سيمفونية تأليف اللون وصوغ المادة: «بالألوان أشعر كل شيء؛ نظري، وسمعي، وشمّي، ولمسي، ومذاقي، تُحرّكها الألوان منذ طفولتي؛ لذا أعبِّر بها بوضوح، في أحد معارضي تناولتُ ثنائية الحاسة - اللون، وجميع معارضي مأخوذة تقريباً بها».

حدوث البيع فرض التعمُّق بالتقنيات والانتقال إلى العرض الفردي (صور زينة نادر)

وبالموسيقى مزجَت اللون في معرض سمّته «ميوزيكالتي»، سألها العازف اللبناني طوني كرم رَسْم ما يُحاكي 16 معزوفة أدّاها لأساطرة، منهم باخ وشوبان، قلَبا المعادلة، باتت اللوحات تُسمع والموسيقى تُرى، وفي معرض بيروتي آخر، تناولت لوحاتها نظرتها السينماتوغرافية للفنّ التشكيلي. تقول: «حين أُحضّر لمعرض أعيش الحالة، أتخيّل الزوّار الآتين وكيف يعاينون اللوحات وفق خلفياتهم، أكون كلّي للوحة وحيّز عرضها».

تعمل حالياً على فكرة التجريد المينيمالي، تكثُر ألوان لوحاتها في فضاء مُبسَّط تقلّ طبقاته، ويخلو تقريباً من الهيكلية، تشاء من ذلك إعلاء الاستراحة والصمت، ففي اللوحة نقيضُ الوقت المتآكل؛ إذ تدلُّ على الاستعادة، والتعويض، والقيمة، ومن ذروة «التجريد الكامل»، تخترق المشهدَ بيوتٌ صغيرة وبعض الأشجار. فزينة نادر لم يغادرها البيت اللبناني وقرميده الأحمر، ولمحت معالِم جذورها في شوارع واشنطن حيث عرَضَت، واصفةً المدينة بالهادئة التي تبعث على السلام.

تخترق المشهدَ بيوتٌ صغيرة وبعض الأشجار (صور زينة نادر)

وتُبحر مَراكب وسط ما يتراءى «مشحة لون»، أي الألوان غير المفهومة وسط السياق القابل للتأويل، تقول إنّ اللون الزاهي يُشكّل انعكاساً لشخصيتها، منطلقةً من يقينها بأنّ الفنّ «فرصة رائعة وأمان»، بالإضافة إلى «فرح الألوان»، تُحمِّل بعض اللوحات «روح المغامرة» المتجسِّدة خصوصاً بالسفر والاكتشاف. ولكن ما يُلهمها؟ «كل ما حولي؛ المنظر الطبيعي، والغروب، والموسيقى، والغيوم، والحديث مع الآخرين، المهم أن تنمو في داخلنا روح مستعدَّة للتلقُّف، ومنفتحة على الأخذ والعطاء».

وتهتمّ أيضاً بالكتابة، فالقلم والريشة يُحدِثان التعبير المتوازي، تكتب لتُعرّف عن الفنّ والفنانين بعد زيارة معارضهم، وتروي تجاربها في كتبها: «الفنّ ليس عنّي فقط، وليس لي، إنه تَشارُك وإعلانٌ للحقيقة».


مقالات ذات صلة

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.