عاطف الطيب... «البريء» الذي انتصرت أعماله للمهمشين

احتفاء لافت بالذكرى الـ29 لرحيل المخرج المصري

المخرج المصري الراحل عاطف الطيب (فيسبوك)
المخرج المصري الراحل عاطف الطيب (فيسبوك)
TT

عاطف الطيب... «البريء» الذي انتصرت أعماله للمهمشين

المخرج المصري الراحل عاطف الطيب (فيسبوك)
المخرج المصري الراحل عاطف الطيب (فيسبوك)

رغم سنوات عمره القصيرة ومرور نحو 3 عقود على رحيله عن عالمنا، فإن المخرج المصري عاطف الطيب يحتل مكانة مرموقة في قائمة المخرجين المصريين البارزين.

في كتابه «ثنائية الفقر والتمرد في أفلام عاطف الطيب» يشير الكاتب والناقد السينمائي حسن حداد إلى الرحيل المبكر لهذا المبدع الذي ترك بصمة مميزة في السينما المصرية والعربية، قبل أن يغادر عالمنا في 23 يونيو (حزيران) عام 1995 عن عمر لم يتجاوز 47 عاماً.

«فجأة، ومن دون مقدمات... مات عاطف الطيب... ورحل عن عالمنا، فارس من بين أهم فرسان السينما المصرية الجديدة... فارس، أخذ على عاتقه - مع قلة من رفاقه - تحرير السينما المصرية من قوالب التقاليد البالية، والخروج إلى آفاق فنية رحبة».

ومع مرور 29 عاماً على رحيله، احتفت به بشكل لافت أكثر من منصة وقناة تلفزيونية عبر استعادة أعماله المختلفة، كما احتفى به محبوه وأصدقاؤه، ومن بينهم مدير التصوير سعيد الشيمي الذي وصفه بأنه صاحب بصمة مهمة في السينما الواقعية المصرية، وأنه انتصر في أعماله للبسطاء والمهمشين.

وعاطف الطيب المولود في سوهاج (جنوب مصر) عام 1947، ترك 21 فيلماً سينمائياً أولها «الغيرة القاتلة» عام 1982، وآخرها «جبر الخواطر» الذي عرض بعد وفاته عام 1996. وبين التاريخين قدم عدداً من الأفلام التي أصبحت علامة في تاريخ السينما المصرية والعربية من بينها «سواق الأتوبيس»، المدرج ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصري، و«البريء» و«قلب الليل» و«التخشيبة» و«الهروب» و«ناجي العلي» و«ضد الحكومة» و«ليلة ساخنة»، وحصد العديد من الجوائز عليها.

رفيق رحلة عاطف الطيب مدير التصوير سعيد الشيمي، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «صورت أول أفلام عاطف الطيب السينمائية، كزميل لي في معهد السينما، بعد 11 عاماً من التخرج، وتعرض لهجوم وقتها، وبكى عاطف الطيب بالدموع، لكنني شعرت وقتها بأنني أعمل مع مخرج جيد جداً، ولذلك رشحه محمد خان لإخراج فيلم كان اسمه (حطمت قيودي)، وكان قصة وفكرة محمد خان، وأصبح اسمه بعد ذلك (سواق الأتوبيس) الذي أصبح من علامات السينما المصرية».

الشيمي الذي نشر كتاباً بعنوان «أفلامي مع عاطف الطيب»، أضاف: «عاطف الطيب قام بتغيير الكثير في السيناريو، خصوصاً في شخصية الأب (التي قام بها عماد حمدي)، وقال لي عاطف بالحرف إن هذا الأب انكسر مثل أبي؛ في إشارة لوالده الذي جاء من الصعيد، وافتتح محل ألبان في القاهرة، ثم تعرض محله للكساد بعد الانفتاح وانتشار المحلات الكبرى (السوبر ماركت)».

عاطف الطيب مع سعيد الشيمي وميرفت أمين خلال تصوير أحد المشاهد (فيسبوك)

وتابع: «أصبح عاطف صديقاً عزيزاً وعملت معه في أفلام كثيرة، وظهر مرضه ونحن نعمل سوياً في فيلم (ملف في الآداب)، كنا نصور في مكتب بميدان الجيزة وفجأة وقع عاطف مغشياً عليه، ذهبت معه أنا ومديحة كامل، وقال لنا الدكتور إنه مريض بـ(لغط في القلب) نتيجة حمى روماتيزمية في الطفولة، وطلب مني عاطف إخفاء الخبر والاستمرار في العمل».

وتحدث الشيمي عن إصرار الطيب على العمل لنحو 16 و18 ساعة يومياً بعد اكتشاف مرضه، وأضاف: «قدم أفلاماً مهمة ومختارة بعناية وقريبة للناس وللسلبيات الموجودة في المجتمع، وغضب جداً حين تم تغيير نهاية فيلم (البريء)، وكانت أول مرة في تاريخ السينما يجتمع وزيرا الداخلية والثقافة لمشاهدة فيلم ويحذفان منه».

وبنبرة حزينة قال الشيمي: «حتى هذه اللحظة ليس لدينا عاطف الطيب آخر، ليست لدينا الأفلام التي تهتم بالناس وقضايا المجتمع، فهو صاحب مدرسة واقعية مصرية صرفة».

واعتبر الناقد الفني الأمير أباظة، رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، رئيس الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، «المخرج الكبير عاطف الطيب واحداً من أهم المجددين في السينما المصرية، وهو - رغم أنه توفي صغيراً - رائد للتجديد في السينما الواقعية بعد كمال سليم وصلاح أبو سيف، قدم فرعاً جديداً في السينما الواقعية».

وأضاف أباظة لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المخرج كان يسابق الزمن، يبدو أنه كان لديه إحساس بأنه ابن موت، فكان يصر دائماً على ترسيخ وجوده كمخرج، وترك علامات مهمة في تاريخ السينما المصرية مثل (سواق الأتوبيس)، الذي يعدّ من أهم 100 فيلم في السينما المصرية، وكذلك فيلم (ليلة ساخنة) أخذ 4 جوائز من مهرجان القاهرة السينمائي، وفيلم (ناجي العلي) الذي أحدث ضجة كبيرة، لكن السياسة ظلمت هذا الفيلم وظلمت نور الشريف وعاطف الطيب، فهذا الفيلم كاد يقضي على نور الشريف لولا ذكاؤه».

عاطف الطيب قدم الكثير من الفرص للنجوم الشباب (فيسبوك)

كما وصف الناقد الفني المصري محمود عبد الشكور، المخرج الراحل عاطف الطيب، بأنه «اسم كبير جداً ومهم في تاريخ السينما المصرية مع مجموعة من الأسماء التي تمثل مدرسة الواقعية الجديدة، بحسب ما أطلق عليهم الناقد الراحل سمير فريد تمييزاً لهم عن الجيل السابق الذي ضم صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وعاطف سالم وكامل التلمساني في أفلامهم الواقعية».

وقال عبد الشكور لـ«الشرق الأوسط» إن «عاطف الطيب اعتمد على تصوير الحياة اليومية، ورصد شخصيات بسيطة في المجتمع كانت بعيدة لفترة طويلة عن شاشة السينما، الطبقة الوسطى التي تعرضت لهبوط عقب الانفتاح».

وتابع أن «الطيب له نحو 7 أفلام تعتبر من أهم أفلام السينما المصرية، وستعيش لفترة طويلة، كما أن له فيلماً وحيداً ينتمي إلى الواقعية الرمزية وهو فيلم (قلب الليل)، وهو في غاية الأهمية».

وأوضح أن «الطيب رسخ فكرة التصوير في الشارع مع محمد خان وسعيد الشيمي ليقدموا القاهرة الحقيقية بشوارعها وشخصياتها وناسها، كما قدم فرصاً مهمة جداً لمجموعة من أهم الممثلين، مثل أحمد زكي ونور الشريف وغيرهما، ليقدموا معه عدداً من أهم أعمالهم».

واعتبر أن «تأثير عاطف الطيب مستمر، وتحديداً في أفلام السينما المستقلة مثل أحمد عبد الله السيد، وإبراهيم البطوط، وهالة خليل، وكاملة أبو ذكري في بعض التجارب»، وتابع: «ما زالت أفلامه مهمة ومؤثرة وجريئة مثل (البريء) الذي لا نستطيع إنتاج فيلم مثله الآن».


مقالات ذات صلة

فنانون مصريون يتجهون للإنتاج السينمائي والدرامي

يوميات الشرق ياسمين رئيس مع أسماء جلال في مشهد من الفيلم (حسابها على «فيسبوك»)

فنانون مصريون يتجهون للإنتاج السينمائي والدرامي

انضمت الفنانة المصرية ياسمين رئيس لقائمة الممثلين الذين قرروا خوض تجربة الإنتاج السينمائي من خلال فيلمها الجديد «الفستان الأبيض».

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما يبدأ الجزء الثاني من سجن آرثر فليك.. الصورة من صالة سينما سعودية حيث يُعرض الفيلم حالياً (الشرق الأوسط)

فيلم «الجوكر2»... مزيد من الجنون يحبس أنفاس الجمهور

يخرج آرثر فليك (واكين فينيكس) من زنزانته، عاري الظهر، بعظام مقوّسه، يسحبه السجانون بشراسة وتهكّم...

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق يشجّع المهرجان الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما (الشرق الأوسط)

الشيخة جواهر القاسمي لـ«الشرق الأوسط»: الأفلام الخليجية تنمو والطموح يكبُر

الأثر الأهم هو تشجيع الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما، ليس فقط عن طريق الإخراج، وإنما أيضاً التصوير والسيناريو والتمثيل. 

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق صورة تذكارية لفريق عمل مهرجان «الجونة» (إدارة المهرجان)

فنانون ونقاد لا يرون تعارضاً بين الأنشطة الفنية ومتابعة الاضطرابات الإقليمية

في حين طالب بعضهم بإلغاء المهرجانات الفنية لإظهار الشعور القومي والإنساني، فإن فنانين ونقاد رأوا أهمية استمرار هذه الأنشطة وعدم توقفها كدليل على استمرار الحياة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق البرنامج يقدم هذا العام 20 فيلماً تمثل نخبة من إبداعات المواهب السعودية الواعدة (مهرجان البحر الأحمر)

«سينما السعودية الجديدة» يعكس ثقافة المجتمع

أطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي برنامج «سينما السعودية الجديدة»؛ لتجسيد التنوع والابتكار في المشهد السينمائي، وتسليط الضوء على قصص محلية أصيلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)

الوجوه الأربعون للمهاتما غاندي احتفالاً بـ155 عاماً على ميلاده

غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)
غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)
TT

الوجوه الأربعون للمهاتما غاندي احتفالاً بـ155 عاماً على ميلاده

غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)
غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)

تزيّنت جدران المركز الثقافي الهندي في القاهرة (مولانا آزاد)، بالوجوه الـ40 للمهاتما غاندي، احتفالاً بالذكرى الـ155 لميلاد المناضل الهندي الأشهر، فقدّم فنانون من 12 دولة رسوماً كاريكاتيرية و«بورتريهات» للمُحتفى به بأساليب ورؤى فنّية متنوّعة.

المعرض الذي يستمرّ حتى 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، افتتحه مطلع الشهر، سفير الهند لدى مصر، أجيت جوبتيه، ويضمّ نحو 40 عملاً لفنانين من الهند، والمملكة العربية السعودية، والعراق، ورومانيا، وإندونيسيا، وكولومبيا، وقبرص، وبولندا، وكوبا، وإسبانيا، والبوسنة والهرسك، ومصر.

وتنوّعت الأعمال في تناول شخصية غاندي ما بين التركيز على دعوته للمقاومة السلمية، «النضال بلا عنف»، التي أطلقها، وعلى ملامحه وأزيائه التقليدية الشهيرة، وعلى الدور الذي لعبه لإحلال السلام في بلاده ومقاومة الاستعمار.

مدارس فنّية مختلفة قدّمت رؤيتها لغاندي (منسّق المعرض)

وعدّ منسّق المعرض، الفنان المصري فوزي مرسي، هذا الحدث «نوعاً من الاحتفاء بالزعيم الهندي الأشهر»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «المعرض تنظّمه سفارة الهند ومتحف الكاريكاتير بالفيوم ومنصة (إيجبت كارتون) بوصفه تقليداً سنوياً نحتفي به بميلاد الزعيم الهندي، ويتضمّن أعمالاً لفنانين من 12 دولة».

من الفنانين المصريين: أحمد علوي، وفاروق موسى، وأدهم لطفي، وحسن فاروق، وخالد المرصفي، وأسامة أبو صبا، وفوزي مرسي، وهاني عبد الجواد، ومروة إبراهيم، وإسلام زكي، وخالد صلاح، وآمنة سعد، وياسمين جمال، وأركان الزيدي.

سفارة الهند تحتفل بذكرى ميلاد المهاتما غاندي (منسّق المعرض)

وأضاف مرسي: «توقيت المعرض هذا العام صعب، فمختلف دول العالم والمنطقة العربية تحديداً تعاني صراعات وأزمات وحروباً. في هذا الوقت، نحن في حاجة ماسّة إلى استدعاء الأفكار التي نادى بها غاندي طوال حياته من نبذ العنف وإرساء قيم السلام والتسامح».

ويعدّ المهاتما غاندي (1869-1948) من أبرز الشخصيات السياسية في العصر الحديث، وكان محامياً وخبيراً في الأخلاقيات السياسية، والتزم بالمقاومة السلمية لتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي. وقد قاد حملات سلمية في بلاده ضدّ الفقر وعدم المساواة بين الجنسين والاستعمار؛ وحصلت الهند على استقلالها من الاستعمار البريطاني عام 1947، وتوفي غاندي بعدها بعام، وفق الصفحة الرسمية للأمم المتحدة.

«بورتريهات» غاندي ركزت على دعوته للسلام ونبذ العنف (منسّق المعرض)

وقرّرت منظمة الأمم المتحدة تخصيص يوم ميلاد غاندي في 2 أكتوبر، ليكون يوماً عالمياً لنبذ العنف والعمل على نشر هذه الثقافة عبر العالم.

وتابع فوزي: «نتعاون مع سفارة الهند منذ عام 2013 في معارض مشتركة، وقد رحّبت جداً بإقامة معرض عن غاندي، وسنعلن قريباً عن مسابقة في فن الكاريكاتير بعد اختيار شخصيتين؛ إحداهما هندية والأخرى مصرية، يكونان معروفين على مستوى العالم».

وجوه غاندي تعبّر عن مراحل مختلفة من حياته (منسّق المعرض)

وأوضح أنّ «الفكرة تقوم على رسم فنانين الشخصيتين والتعبير عنهما بالكاريكاتير؛ وهي التي نفّذناها سابقاً بين طاغور ونجيب ومحفوظ، ولقيت نجاحاً كبيراً وزخماً هائلاً في المشاركة من فنانين ينتمون إلى دول مختلفة عربية وأجنبية».