لبنانية قلَبَت معادلة «الموت الحتمي» إلى الشفاء العجائبي

زارها السرطان المستعصي فكان الردُّ: «سأعيش»

النور المتدفّق من الأعماق يصنع المعجزات (حسابها الشخصي)
النور المتدفّق من الأعماق يصنع المعجزات (حسابها الشخصي)
TT

لبنانية قلَبَت معادلة «الموت الحتمي» إلى الشفاء العجائبي

النور المتدفّق من الأعماق يصنع المعجزات (حسابها الشخصي)
النور المتدفّق من الأعماق يصنع المعجزات (حسابها الشخصي)

على الفور ردَّت النفس بتشكيل آلية دفاعية ترفض الواقع وتُنكره. أخبر الأطباء اللبنانية ماريا بريسيناكيس قطان بأنّ الأيام قليلة وقد تمتدّ إلى أشهر. بعدها، يحدُث المُتوقَّع من ضحايا الحالات السرطانية المستعصية. سيغادرون. سيؤكدون أنّ المرض ينتصر أحياناً، ويتواطأ ليخطف الروح ويسلخ عن الأحبّة. ردَّت بـ«لا» على «حتماً سيحصُل». وبالأمل على الانطفاء. تروي لـ«الشرق الأوسط» حكاية النور المتدفّق من الأعماق وصانع المعجزات.

بمجرّد لَمْح الأسى في عينَي ولدها، صمَّمت على التصدّي: «حزنهما قال لي إنّ المواجهة ستخطُّ مصيري. حتى الموت، قرّرتُ تذليله. انطلقتُ من إدراكي أنه حقّ ويحمل بدايةً. وأكملتُ المسار بالرجاء. الطبيب فوجئ. لمحتُ نظرة يمكن تفسيرها على هيئة واحدة: ماذا تفعل هذه السيدة؟ العِلم قال كلمته، ولا تنفع المحاولات. مرضها مستعصٍ، وقدّ التهم الكبد وهدم آمالاً كبيرة. من أين لها اجتراح الضوء؟ فلندعها (على نيّاتها). حملتْ تلك النظرة قسوة كاملة، لكنها رسمت طريقي».

تمسّكت بالعلاج لاجتراح الأمل العنيد (حسابها الشخصي)

عوَّدت أفراد عائلتها على فكرة الموت المكلَّل بالحياة. اختبرت ماريا بريسيناكيس قطان السرطان مع زوجها، وشقَّت معه مسار الرجاء. وحين زارها، لم يطُل الوقت حتى تخمَّر النكران وأنتج المواجهة. تقول: «رحتُ أذكُره من دون نُواح. أردتُ تدريب عائلتي على الفكرة المرعبة. حوّلتها جزءاً من أحاديثنا اليومية بشرط ألا تُعمِّق الأذى. تذليل الموت أردتُه علاجاً».

غمز الأطباء إلى أنّ العلاج الكيميائي لن يُجدي أمام الواقع المحسوم. أصرَّت عليه. نورٌ في الداخل أضاء لتراه طريقها المؤدّية إلى هدف. ظنّ الطبّ، في حالتها، أنّ العلاج طريقة ملتوية لئلا يُقال لها «قُضي الأمر». تمسّكت به لاجتراح الأمل العنيد. تعترف: «رأيتُ الجحيم». وتعترف باختبار ما يهدُّ المعنويات ويعطُب المناعة النفسية. من وسط الظلام، ينبلج الفجر: «لم أُرد الانهيار أن يصبح قدري بينما الألم يتسلّل إلى ملامح عائلتي. صارحني الطبّ بالاستحالة، وردَّ زوجي بأنه لن يحتمل العيش من دوني. تأملتُ عينَي ابني، كأنه يقول، (أين أنا في هذه المعادلة؟). فكان قراري: سأعيش».

لم تُرد الانهيار أن يصبح قدرها (حسابها الشخصي)

الإصرار ليس مردّه الاستخفاف بالعلم وتكذيب وقائعه: «في لحظة المصارحة، شعرتُ باللا أمل. لكنّي ولّدته. تمسّكتُ بإيمان أنّ كلَّ شيء يعمل للخير؛ منه صغتُ معادلتي: الشفاء لن يكون احتمالاً. سأُشفَى».

يلقّبها مَن حولها «الصبّوحة» لتقاطعها مع صباح بحُب الألوان والفرح: «حين نحبّ الحياة، لا بدّ أن تبادلنا الحبّ، فتتكمَّش بنا بدل أن تُسارع إلى التخلُّص منا». بدأت الحكاية من أوجاع ظنَّت أنّ «المرارة» تتسبَّب بها، وتبيَّن الأخطر. قرأت العيون واحمرار الوجوه المختلط مع اصفرارها، وهي تُبلَّغ بالسرطان المتقدِّم. «حينها فهمت. قلتُ للمشخّصين، أريد الحقيقية كما هي. لا تلطّفوا البشاعة. وبينما يُطلعونني بها، همس صوتٌ في داخلي: (لا شيء مستحيلاً في الطبّ وأمام مشيئة الله)».

لسَعَ العلاج، وأوقد فيها إحساساً بأنها تحترق. نجاة شَعرها من التساقُط وضعها أمام استفهام يتعلّق بالأثر النفسي لهذه الجزئية من الرحلة في النساء. ظلَّت ماريا بريسيناكيس قطان تتابع دروسها في علم النفس الاجتماعي وما يتفرّع منه في عزّ المرض. تفوّقت في التخصّص، بعدما أتاها رفاق الصفّ بالدروس والمحاضرات، لتقرأ وتطّلع كلما تسنّى الوقت بين جلسة كيميائي وأخرى. تقول إنّ نيل الشهادات شكَّل حافزاً لتستمرّ وتُحاول. كان داخلها محتاجاً إلى تعدُّد الأهداف. تحقّق الشفاء بجهد جبّار وإرادة استثنائية، حتى صرَّح الطبّ بعد فقدان الأمل: «أصبحتِ Cancer Free». وبينما تسعى إليه، اغتنت بالمعرفة والبحث والدراسات.

بينما تسعى إلى الشفاء اغتنت بالتخصُّص العلمي (حسابها الشخصي)

لعلَّ التصميم تكثَّف لأنها أمٌ وزوجة: «العائلة قوتي». لا تخفي أنها من الصنف «المدلَّل»، سبق أن كانت تشكو ظهور بثور على وجهها مثلاً قُبيل ليل السهر. ولما زار السرطان واجتاح الكبد، ولما حاصرتها تلك النظرة الصفراء البائسة، وسمعتها تقول «يا حرام» وتُشفق، أو ترمقها باستغراب مفاده «ليك وين بعدها»، قاصدةً أنّ مصدّقي الأمل بسطاء؛ نَبَعت الإرادة كما تَفجُّر النهر مع ولادة الربيع مسلِّماً للطبيعة عصارة مخزون الشتاء.

العائلة مصدر قوة (حسابها الشخصي)

حدث إجراء العملية بعد الظنّ بأنّ الجسد لن يتحمّل ولن تنفع المجازفة. تُشارك ماريا بريسيناكيس قطان قصّتها إيماناً بالأمل. ولتقول إنه واقع يهزم وقائع أخرى، حتى تلك الأشدّ عتمة. وتشاء عناق مَن يساندون ويهدّئون الأوجاع. تراهم ملائكة يُرسلهم الله على هيئة بشر. وهم يتخطّون العائلة إلى الصداقات والرفقة الحلوة، ويمتدّون إلى مَن يضيئون شمعة لكل موجوع على هذه الأرض. درّبها الامتحان الصعب على رؤية الوجود جميلاً، بعد فَهْمه وإدراك أعماقه. «الصحّة تاجٌ على رؤوس الأصحّاء، لا يراه إلا المرضى»، تقول مَن تنصح بالاستفادة من كلّ دقيقة؛ فالعمر مُباغت، قد يُسلَب من المرء بغمضة العين.


مقالات ذات صلة

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

صحتك صورة توضيحية تُظهر ورماً في المخ (أرشيفية)

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

يفترض الباحثون أن شبكة الذكاء الاصطناعي التي تم تدريبها على اكتشاف الحيوانات المتخفية يمكن إعادة توظيفها بشكل فعال للكشف عن أورام المخ من صور الرنين المغناطيسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فطر "الزر الأبيض" قد يبطئ تطور سرطان البروستاتا (رويترز)

نوع من الفطر يبطئ نمو سرطان البروستاتا... تعرف عليه

أكدت دراسة جديدة أنَّ فطر «الزر الأبيض» قد يبطئ تطور سرطان البروستاتا عن طريق إعاقة نمو الورم، ودعم الخلايا المناعية المقاومة للسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك بحث يؤكد أن حالات الوفاة بالسرطان بين البريطانيين في ازدياد (رويترز)

بريطانيا: أكثر من وفاة مبكرة من بين كل 4 حالات «ستكون بسبب السرطان»

خلص تقرير جديد إلى أن أكثر من حالة وفاة مبكرة من بين كل 4 حالات في المملكة المتحدة ما بين الآن وعام 2050 ستكون بسبب السرطان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
TT

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

وأظهرت الدراسة، التي قادها فريق من جامعة كوينزلاند في أستراليا، ونُشرت نتائجها، الجمعة، في دورية «The Lancet Psychiatry»، أن كثيرين من المصابين بالاكتئاب لا يتلقون العناية اللازمة، ما يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على جودة حياتهم.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 300 مليون شخص الاكتئاب، مما يجعله السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً. وتشير التقديرات إلى أن 5 في المائة من البالغين يعانون هذا المرض. وضمّت الدراسة فريقاً من الباحثين من منظمة الصحة العالمية وجامعتيْ واشنطن وهارفارد بالولايات المتحدة، وشملت تحليل بيانات من 204 دول؛ لتقييم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية النفسية.

وأظهرت النتائج أن 9 في المائة فقط من المصابين بالاكتئاب الشديد تلقّوا العلاج الكافي على مستوى العالم. كما وجدت الدراسة فجوة صغيرة بين الجنسين، حيث كان النساء أكثر حصولاً على العلاج بنسبة 10.2 في المائة، مقارنة بــ7.2 في المائة للرجال. ويُعرَّف العلاج الكافي بأنه تناول الدواء لمدة شهر على الأقل، إلى جانب 4 زيارات للطبيب، أو 8 جلسات مع متخصص.

كما أظهرت الدراسة أن نسبة العلاج الكافي في 90 دولة كانت أقل من 5 في المائة، مع تسجيل أدنى المعدلات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا بنسبة 2 في المائة.

وفي أستراليا، أظهرت النتائج أن 70 في المائة من المصابين بالاكتئاب الشديد لم يتلقوا الحد الأدنى من العلاج، حيث حصل 30 في المائة فقط على العلاج الكافي خلال عام 2021.

وأشار الباحثون إلى أن كثيرين من المرضى يحتاجون إلى علاج يفوق الحد الأدنى لتخفيف معاناتهم، مؤكدين أن العلاجات الفعّالة متوفرة، ومع تقديم العلاج المناسب يمكن تحقيق الشفاء التام. وشدد الفريق على أهمية هذه النتائج لدعم خطة العمل الشاملة للصحة النفسية، التابعة لمنظمة الصحة العالمية (2013-2030)، التي تهدف إلى زيادة تغطية خدمات الصحة النفسية بنسبة 50 في المائة على الأقل، بحلول عام 2030. ونوه الباحثون بأن تحديد المناطق والفئات السكانية ذات معدلات علاج أقل، يمكن أن يساعد في وضع أولويات التدخل وتخصيص الموارد بشكل أفضل.

يشار إلى أن الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم، حيث يؤثر على ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، ويرتبط بشكل مباشر بمشاعر الحزن العميق، وفقدان الاهتمام بالنشاطات اليومية، مما يؤثر سلباً على الأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية.