العراقية - اللبنانية مهى العاني ترسم التعلُّق بالجذور وسطوة المكان

بلدة دوما حيث تقيم تُلهمها تَوالُد اللوحات

تجلس مهى العاني أمام مشغلها في الهواء الطلق وترسم (الشرق الأوسط)
تجلس مهى العاني أمام مشغلها في الهواء الطلق وترسم (الشرق الأوسط)
TT

العراقية - اللبنانية مهى العاني ترسم التعلُّق بالجذور وسطوة المكان

تجلس مهى العاني أمام مشغلها في الهواء الطلق وترسم (الشرق الأوسط)
تجلس مهى العاني أمام مشغلها في الهواء الطلق وترسم (الشرق الأوسط)

تستوقفُ المارّين في أسواق بلدة دوما المُصنَّفة إحدى أفضل القرى السياحية عالمياً، امرأةٌ ترسم على إبريق زجاجي. المكان هادئ، وناسه يسيرون في الشارع الأثري مع التلفُّت يميناً وشمالاً لتتبُّع أشكال الفرادة. تبدو الرسّامة مأخوذة بالمادة؛ يحكمها الشرود باللون. يكتمل الرسم على الإبريق، فيتّخذ شكل الشجر العريق مع خلفية القرى الساحرة. تقيم العراقية الأصل مهى العاني مع لوحاتها في مرسمها ببلدة والدتها التي لم تغادرها منذ سنوات. تتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن إلهام تُشعله العلاقة بالأرض والولع بالشجر، ليُحدِث الانتماء العراقي- اللبناني التكامُل مع أصالة الجذور.

تلتحق لوحات مهى العاني بعضها بالبعض الآخر عدا الاستثناء القليل (الشرق الأوسط)

كانت طفلة حين اختارت العائلة، بيروت، وودَّعت العراق لظروفه وأقداره. اندلاع التقاتل اللبناني، أرغم على حزم الحقائب نحو بلدة دوما، مسقط والدتها. أمضت الرسّامة نحو 45 عاماً من العُمر بين روائح التاريخ وعبق الحضارة. ففي البلدة التراثية، حيث المنازل تتجانس، والحجر العتيق ينطق، تجلس أمام مشغلها في الهواء الطلق وترسم للعابرين، ومَن يقصدونها، بعدما ذاع الصيت وأصبحت عنوان الراغبين في تذكار أو لوحة تُجمِّل الجدار.

الإلهام تُشعله العلاقة بالأرض والولع بالشجر (الشرق الأوسط)

غرَفَت من والد امتهن الطبّ وظلَّ الرسم شغفه، إرهاصات الموهبة. سَنَد لوحتها الصغيرة بجانب لوحته، حين لمح علاقتها بالألوان وتحلّيها بلمسة خاصة. وراح يُعلّمها ويشدّ عودها، فصقلت فنّ مزج اللون وبناء اللوحة. تُكمل استعادة البدايات: «لمّا كبُرت واندلعت الحرب، كانت لي طريق إلى إسبانيا. هناك، درست. لكنّ الموهبة تأتي أولاً. هي الأساس. عام 1989، أقمتُ معرضاً في مدريد دعوتُ إليه سفارات عربية وأجنبية لجمع التبرّعات من أجل أطفال لبنان. تجاوز المبلغ 60 ألف دولار. ولاحقاً، كانت لي معارض فردية وجماعية. في دوما، ومنذ 15 عاماً متواصلة، أرسم في الفضاء العام، وقد جعلتُه معرضي الدائم وعلاقتي المستمرّة مع المتلقّي».

تُفضّل الشجرة وتمنحها سلطة التسيُّد في اللوحة (الشرق الأوسط)

كلما شاءت تحييد اللوحة عن ثيمة جميع اللوحات - وهي الأصل والجذور - وجدت نفسها تعود. مهى العاني في وضعية استدراج دائمة. تتّخذ مسافة مما اعتادته أدواتُها وألِفَته فضاءاتُها، ثم ما تلبث أن تتقلّص تلك المسافة حدَّ التلاشي. بذلك، تلتحق لوحاتها بعضها بالبعض الآخر، عدا الاستثناء القليل الميّال إلى التجرُّد. كلّها اختزالات الطبيعة بأشجارها، والتراث والقراميد والبيوت العتيقة.

دوما السبب، وأيضاً الأصل العراقي الذي لم يغادرها وإن لم تزُر البلد منذ زمن. يرسخ فيها ويتقلّب في ذاكرتها، فتسكنها رائحته. أحياناً، تفوح الرائحة وتهبّ، فتلفح المرء بحنين صامت. تمنح الرسّامة هذا الصمت ألواناً، وتزخرفه على اللوحة، حدَّ أن العين حين تراه تشعُر أنه ينطق. كأنه يُخبر أسراراً لم تُروَ، وأحاديث مؤجّلة. فالرسم ملوَّن بالأخضر لأنه لغز الشجر، وبالأحمر لأنه تاج القرميد، وسائر ألوان القرى المتأرجحة بين زقزقة الشروق وسيمفونية زيز الليل.

الطبيعة تحرّكها وتُشعل ألوانها (الشرق الأوسط)

مهى العاني ترسم على هذا الشكل: «لوحة تولّد أخرى، فأُنجز الأولى لأشعر أنّ الثانية في رحمي، فأرسمها، ليطفو الإحساس بالثالثة، وهكذا...». إنها قوة السلسلة. ما يتّصل وهو عصيٌّ على فكِّه، فيستمرّ، حدّ أنها أنجزت أحد معارضها بأسبوع. توليد اللوحة يُبدي غزارة تراكمية. اليوم، تستلقي الرسّامة بين لوحاتها، فتشمّها وتكاد تضمّها، لكونها تتشارك معها الحيّز المكاني نفسه. المنزل هو أيضاً المَرْسم، ويكفي فَتْح الباب لتصبح واللوحات جزءاً من الفنّ المُنجَز أمام العيون وفي الفضاء المخصَّص لمَن مرَّ وعَبَر.

التشابُه مع اللوحة في التأصُّل واستحالة السَلْخ (الشرق الأوسط)

الطبيعة هنا مُحرِّك، تحاكي مكوّناتها لتوكيد العلاقة بالنور والظلّ والعتمة والضوء. وعلى عكس صخب المدينة، تنعم بسلامها وتُطوِّر اللوحة باستمداد الصفاء من المحيط. تقول إنّ «دوما باللغة السريانية تعني الشجرة»، وولعها بالأشجار لا يُضاهى. تُفضّلها، وتمنحها سلطة التسيُّد في اللوحة، لِما تراه عصياً على التحقُّق في شكلٍ آخر: «الشجرة جذورها بالأرض. يحدُث موتُها وهي واقفة. إننا نتشابه في التأصُّل واستحالة السَلْخ».


مقالات ذات صلة

​الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيراً جديداً بالإخلاء لمناطق في جنوب لبنان

المشرق العربي نار ودخان يظهران من موقع تعرض لقصف إسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

​الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيراً جديداً بالإخلاء لمناطق في جنوب لبنان

أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي تحذيراً جديداً لإخلاء نحو 25 منطقة في جنوب لبنان وطالب السكان بالتوجه فوراً إلى شمال نهر الأولي

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
خاص صور نصر الله في الطريق المؤدية إلى مطار بيروت (أ.ب)

خاص مصادر لـ«الشرق الأوسط»: قيادة جماعية لـ«حزب الله» بانتظار نهاية الحرب

بدأ في لبنان التداول باسم رئيس المجلس السياسي لـ«حزب الله» إبراهيم أمين السيد خليفة محتملاً للأمين العام للحزب حسن نصر الله الذي قتل في غارة إسرائيلية

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (رويترز)

ميقاتي يطالب «بالضغط على إسرائيل» لوقف إطلاق النار في لبنان

دعا رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، الأحد، إلى «الضغط على إسرائيل» من أجل «وقف إطلاق النار» بعد ليلة من الغارات العنيفة هزّت الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي لبناني يشاهد الدخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت بعد قصف إسرائيلي (أ.ب)

30 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية الليلة الماضية

شهدت الضاحية الجنوبية لبيروت ليل السبت - الأحد أعنف ليلة منذ بداية القصف الإسرائيلي، إذ استهدفت بأكثر من 30 غارة، سمعت أصداؤها في بيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مدرعات إسرائيلية قرب الحدود مع لبنان  (إ.ب.أ)

«حزب الله» يعلن التصدي لـ«محاولة تسلل» إسرائيلية إلى الأراضي اللبنانية

أعلن «حزب الله»، ليل السبت الأحد، أن قواته تصدت لمحاولة تسلل إسرائيلية إلى الأراضي اللبنانية، في إطار المواجهات البرية المستمرة بين الطرفين منذ الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

1000 فعالية سياحية يشهدها «شتاء السعودية» لخَلْق تجارب لا تُنسى

الرياض تستضيف أكبر الفعاليات الترفيهية الشتوية في العالم (الشرق الأوسط)
الرياض تستضيف أكبر الفعاليات الترفيهية الشتوية في العالم (الشرق الأوسط)
TT

1000 فعالية سياحية يشهدها «شتاء السعودية» لخَلْق تجارب لا تُنسى

الرياض تستضيف أكبر الفعاليات الترفيهية الشتوية في العالم (الشرق الأوسط)
الرياض تستضيف أكبر الفعاليات الترفيهية الشتوية في العالم (الشرق الأوسط)

أطلقت الهيئة السعودية للسياحة، السبت، تقويم فعاليات «شتاء السعودية» في 7 وجهات مميّزة حول المملكة، تتيح للزوار والسياح من مختلف دول العالم معايشة تجارب ستبقى عالقة في ذاكرتهم؛ إذ تتضمّن أكثر من 1000 تجربة وفعالية سياحية وأكثر من 500 عرض لافت.

ويشمل «شتاء السعودية» الفعاليات والمواسم المقرّرة إقامتها في الرياض وجدة والعلا والبحر الأحمر والمنطقة الشرقية والمدينة المنوّرة وحائل، بدءاً من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي وحتى نهاية الربع الأول من 2025. ويتضمّن مواسم وفعاليات مميّزة، مثل: «موسم الرياض»، و«موسم الدرعية»، و«موسم العلا»، و«موسم المدينة المنوّرة»، و«تقويم جدة»، بالإضافة إلى رالي داكار، ومدل بيست، وكروز السعودية، وبينالي الفنون الإسلامية، وتفعيل مسارات الهايكنغ والمخيمات والكرفانات في المناطق الشتوية.

محافظة العلا باتت واحدة من أهم الوجهات السياحية العالمية (الشرق الأوسط)

وتتيح منصة «روح السعودية» للسياح والزوار الراغبين في معلومات إضافية عن برنامج هذا العام، الاطّلاع على العروض والباقات والخصومات الخاصة؛ علماً بأنّ المرحلة الأولى تتضمّن أكثر من 50 عرضاً بالتعاون مع الشركاء من القطاع الخاص.

وكان وزير السياحة، رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للسياحة، أحمد الخطيب، قد أعلن مؤخراً إطلاق برنامج «شتاء السعودية» عبر ورشة عمل جمعت منظومة السياحة السعودية بعدد من الشركاء، ناقشوا خلالها أهم المنجزات والأهداف والتحدّيات.

مهرجانات عالمية للموسيقى ستحضر ضمن المواسم الترفيهية (مدل بيست)

وأضاف الوزير: «بدعم غير مسبوق من القيادة السعودية للقطاع، ومع تكامل جهود منظومة السياحة وشركائها من القطاع الخاص، نُطلق تقويم فعاليات الشتاء لهذا العام ضمن برنامج (شتاء السعودية)، مما يرفع سقف طموحاتنا وتطلّعاتنا لتحقيق منجزات قياسية جديدة تعكس العمل الدؤوب للمنظومة والحملات المستمرّة لاستهداف الأسواق المحلّية والدولية»، متوقّعاً أن «تُؤتي هذه الجهود ثمارها في جذب عدد أكبر من السياح، مع العمل على الارتقاء بكل ما نقدّمه إليهم ليستمتعوا بجمال الطبيعة الخلّابة والتنوّع المناخي الفريد الذي يميّز أجواء المملكة في هذا الوقت».

فعاليات متنوّعة وتجارب متعدّدة ضمن «موسم الرياض» الترفيهي (هيئة الترفيه)

أكثر من 1000 تجربة في 7 وجهات سياحية متنوّعة (روح السعودية)

من جانبه، أكد الرئيس التنفيذي، عضو مجلس إدارة الهيئة السعودية للسياحة، فهد حميد الدين، أنّ السياحة في المملكة تمضي قدماً في مسيرة النمو والتطور والأرقام القياسية والمنجزات، عبر التعاون والتكامل مع القطاعين العام والخاص، مُرحِّباً بالسياح من جميع أنحاء العالم، للاستمتاع بما يقدّمه برنامج «شتاء السعودية» من فعاليات متنوّعة، بالإضافة إلى الأنشطة النوعية والعالمية التي تزيد على 3 أضعاف مقارنةً بشتاء العام الماضي، لتنضمّ إلى حزمة من العروض والباقات والخصومات غير المسبوقة، فتلبّي تطلّعات مختلف فئات السياح.