تقرير: عمال أكبر مصنع لشركة «بوينغ» يُجبرون على الصمت بشأن إجراءات السلامة

شعار شركة «بوينغ» (رويترز)
شعار شركة «بوينغ» (رويترز)
TT

تقرير: عمال أكبر مصنع لشركة «بوينغ» يُجبرون على الصمت بشأن إجراءات السلامة

شعار شركة «بوينغ» (رويترز)
شعار شركة «بوينغ» (رويترز)

قال تقرير صحافي إن أكبر مصنع تابع لشركة صناعة الطائرات الأميركية «بوينغ» يعيش «حالة من الذعر»، حيث تجبر الشركة الموظفين على التزام الصمت بشأن جودة وسلامة طائراتها وسط تزايد الاتهامات الموجهة للشركة في هذا الشأن.

ووفقاً للتقرير الذي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، تواجه شركة تصنيع الطائرات الأميركية أزمة تتعلق بالسلامة بدأت في أعقاب حادث شبه كارثي في يناير (كانون الثاني) عندما انفصل باب عن جسم طائرة «بوينغ 737 ماكس 9» تابعة لشركة «ألاسكا إيرلاينز» في منتصف الرحلة. ولم يصب أحد بأذى في هذا الحادث، لكن الشركة واجهت منذ ذلك الحين تدقيقاً مكثفاً لخط إنتاجها، في الوقت الذي أطلق فيه المنظمون سلسلة من التحقيقات.

وفي شهر أبريل (نيسان) الماضي، اضطرت طائرة من طراز بوينغ «737-800» تابعة لشركة طيران «ساوث ويست» الأميركية كانت متجهة إلى هيوستن، إلى العودة لمطار دنفر الدولي، بعد سقوط غطاء المحرك واصطدامه بالجناح.

وفي الشهر نفسه، اضطرت طائرة بوينغ «737-800» تابعة لشركة «ساوث ويست» أيضاً، كانت متجهة من تكساس إلى لوس أنجليس إلى وقف إقلاعها، والعودة إلى المطار، بعد اندلاع حريق في محركها.

ويقع أكبر مصنع لـ«بوينغ» في مدينة إيفريت بواشنطن، وهو المسؤول عن إنتاج طائرات مثل 747 و767، وإصلاح طائرة 787 دريملاينر.

وادعى أحد الميكانيكيين في المصنع، الذي قال إنه يعمل لدى «بوينغ» منذ أكثر من ثلاثة عقود، أن المجمع «مليء» بطائرات 787 المعيبة التي تحتاج إلى إصلاح.

وقال الميكانيكي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن المدراء في مصنع إيفريت «يجبرون الميكانيكيين» على التزام الصمت بشأن معايير ضمان الجودة بالطائرات والإصلاحات التي تتم بها، مشددين على أهمية «السرعة والكفاءة على حساب السلامة».

ورفضت «بوينغ» التعليق على هذه المزاعم.

واجتمعت الشركة هذا الأسبوع مع الجهات التنظيمية الأميركية لمناقشة خططها لمعالجة مشكلات مراقبة الجودة. ووصف المسؤولون التنفيذيون كيف تم تشجيع العمال على التحدث معهم بحرية منذ شهر يناير، حيث ارتفعت التقارير المقدمة إلى بوابة داخلية تتعلق بمخاوف السلامة والجودة بنسبة 500 في المائة.

وفي وقت سابق من هذا العام، قالت لجنة من الخبراء، تم تعيينها من قبل إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية بعد تحطم طائرتين قاتلتين من طراز «بوينغ 737 ماكس» في عامي 2018 و2019 مما أسفر عن مقتل 346 شخصاً، إن هناك خلافات بين قيادة «بوينغ» والقوى العاملة بشأن السلامة، وقدمت 53 توصية للمساعدة في حل مخاوفها في هذا الشأن.

وقالت الشركة إنها ترحب بهذه التوصيات.

وقال نجم الدين مشكاتي، الذي عمل في اللجنة التي أصدرت هذه التوصيات، إن ثقافة السلامة في شركة بوينغ «تآكلت» على مدى العقدين الماضيين، في أعقاب اندماجها مع شركة ماكدونيل دوغلاس في أواخر التسعينات، وهذا التآكل حدث أمام أعين قادتها ومجلس إدارتها الذين كانوا متواطئين في مشاكلها الحالية ومسؤولين عنها في نهاية المطاف.

وقال مشكاتي، أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في جامعة جنوب كاليفورنيا: «إن النقطة الأكثر قيمة لشركة بوينغ هي قوتها العاملة المتفانية والماهرة للغاية، ولحسن الحظ، فإن معظم المشاكل المتعلقة بأنظمتها قابلة للإصلاح، ومع ذلك، فإن إدارة شركة بوينغ بحاجة إلى إصلاح».

وقد شهد سام صالهبور، وهو مهندس في شركة بوينغ، أمام الكونغرس في أبريل (نيسان) الماضي إن الطائرة 787 كانت مليئة بعيوب الجودة ودعا إلى إيقاف جميع طائرات 787 عن العمل من أجل إخضاعها للفحص، مؤكداً أن «الشركة اختصرت بعض الخطوات التقنية لتسريع وتيرة الإنتاج».

ونفت شركة بوينغ مزاعمه وقالت إنها «واثقة تماماً في سلامة ومتانة الطائرة».

ووصف الميكانيكي الذي تحدث إلى صحيفة «الغارديان» كيف أن «الإخفاقات الهائلة» في خط إنتاج بوينغ 787 قد وضعت ضغوطاً هائلة على الشركة، لافتاً إلى أنها تسعى جاهدة لطمأنة المنظمين وشركات الطيران والركاب.

وأضاف: «في الوقت الحالي، نحن في حالة من الذعر في إيفريت».

وقال ريتش بلونكيت، مدير التطوير الاستراتيجي لجمعية موظفي الهندسة المحترفين في مجال الطيران (Speea) إنه «بالإضافة إلى عدم توظيف (بوينغ) ميكانيكيين نقابيين في بعض مصانعها، فقد خفضت الشركة بشكل كبير عدد العمال من ذوي الخبرة والذين يكتبون تعليمات للميكانيكيين في السنوات الأخيرة».

وأضاف بلونكيت: «يجب أن تعي (بوينغ) أن الموظفين الحاليين ليسوا أعداءها، بل إنهم الحل لمشاكلها الحالية. ويتعين على الشركة أن تتوقف عن تهديد القوى العاملة بالاستغناء عنها في حال أنها لم تتمكن من القيام بكل ما في وسعها بأقل تكلفة ممكنة وفي أسرع وقت».

ولفت بعض الموظفين النقابيين المخضرمين في «بوينغ» إلى أن الشركة حالياً لا تختار «قادة الفرق» بناءً على مهارتهم وخبرتهم، بل بناء على علاقتهم مع المديرين.

ورداً على ذلك، قالت «بوينغ»: «نحن نقدر الخبرة بالإضافة إلى العوامل الأخرى مثل المهارات والأداء وإمكانية قيادة فريق من العمال. كما أننا نقدم تدريباً شاملاً لتطوير معرفة ومهارات موظفينا».

يذكر أنه في شهر مارس (آذار) الماضي، تم العثور على موظف سابق في شركة «بوينغ»، معروف بإثارة المخاوف بشأن معايير إنتاج الشركة، ميتاً في ظروف غامضة؛ حيث عثر على جثته في سيارته داخل موقف سيارات فندق كان يقيم فيه، في تشارلستون بولاية ساوث كارولينا.


مقالات ذات صلة

«بوينغ» تتوقع نمو الشحن الجوي 4 % سنوياً حتى 2043

الاقتصاد طائرة تابعة لـ«بوينغ» تقف أمام مقر رئيسي للشركة في أميركا (رويترز)

«بوينغ» تتوقع نمو الشحن الجوي 4 % سنوياً حتى 2043

تتوقع شركة «بوينغ» نمواً قوياً ومستداماً لقطاع الشحن الجوي في العالم مشيرة إلى أنها تنتظر نمو حركة الشحن الجوي بالعالم بمتوسط 4 % سنوياً حتى 2043

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد كبير المفاوضين جون هولدن يتحدث إلى أعضاء النقابة في أثناء إعلانهم التصويت بالموافقة على عرض عقد جديد من «بوينغ» (أ.ب)

عمال «بوينغ» يوافقون على عقد جديد يُنهي إضراباً استمرّ 7 أسابيع

وافق عمال شركة «بوينغ» في الساحل الغربي للولايات المتحدة على عرض عقد جديد، الاثنين، مما أنهى إضراباً استمر سبعة أسابيع.

«الشرق الأوسط» (سياتل)
الاقتصاد شعار شركة «بوينغ» الأميركية لصناعة الطائرات (رويترز)

«بوينغ» تجمع تمويلات بـ21 مليار دولار لتعزيز السيولة النقدية

جمعت شركة «بوينغ» تمويلات جديدة بنحو 21 مليار دولار، من خلال بيع أوراق مالية مختلفة، في إحدى أكبر عمليات جمع تمويلات تنفذها شركة أميركية مدرجة في البورصة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد طائرة «بوينغ 787-10 دريملاينر» تسير على المدرج أمام مبنى التجميع النهائي بالشركة في ساوث كارولينا (رويترز)

«بوينغ» تطلق عرض بيع أسهم قد يجمع 19 مليار دولار لتعزيز مواردها المالية

أطلقت شركة «بوينغ» يوم الاثنين عرضاً لبيع أسهم قد يجمع ما يصل إلى 19 مليار دولار، في خطوة تهدف إلى تعزيز مواردها المالية التي تأثرت بشكل كبير جراء إضراب عمالي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد عمال «بوينغ» المضربون خارج منشأة تصنيع الشركة في رينتون بواشنطن (أ.ف.ب)

«بوينغ» لخفض 10% من قوتها العاملة

أعلنت شركة «بوينغ» أنها تخطط لخفض قوتها العاملة 10 في المائة مع توقعها خسارة كبيرة في الربع الثالث، وسط إضراب عمال ميكانيكيين في سياتل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)
الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)
TT

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)
الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)

في كل مرة يُعلن فيها عن الإفراج عن دفعة من المعتقلين السوريين، تتزيّن بطلة فيلم «سلمى» وتهرع مع والد زوجها، علّها تعثر على زوجها «سجين الرأي» الذي اختفى قبل سنوات في ظروف غامضة، متمسكة بأمل عودته، رافضة إصدار شهادة وفاته، ومواصلة حياتها مع نجلها ونجل شقيقتها المتوفاة.

تدور أحداث الفيلم السوري «سلمى» في هذا الإطار، وقد جاء عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة «آفاق عربية» في «مهرجان القاهرة السينمائي» في دورته الـ45، وتلعب الفنانة السورية سلاف فواخرجي دور البطولة فيه إلى جانب المخرج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد الذي يؤدي دور والد زوجها. وقد أُهدي الفيلم لروحه.

تتعرض «سلمى» للاستغلال من أحد أثرياء الحرب سيئ السمعة، لتبدأ بنشر معلومات دعائية لشقيقه في الانتخابات على خلفية ثقة السوريين بها للعبها دوراً بطوليّاً حين ضرب زلزال قوي سوريا عام 2023، ونجحت في إنقاذ عشرات المواطنين من تحت الأنقاض، وتناقلت بطولتها مقاطع فيديو صورها كثيرون. وتجد «سلمى» نفسها أمام خيارين إما أن تتابع المواجهة حتى النهاية، وإما أن تختار خلاصها مع عائلتها.

ويشارك في بطولة الفيلم كلٌ من باسم ياخور، وحسين عباس، والفيلم من إخراج جود سعيد الذي يُعدّه نقاد «أحد أهم المخرجين الواعدين في السينما السورية»، بعدما حازت أفلامه جوائز في مهرجانات عدة، على غرار «مطر حمص»، و«بانتظار الخريف».

سُلاف تحتفل بفيلمها في مهرجان القاهرة (القاهرة السينمائي)

قدّمت سُلاف فواخرجي أداءً لافتاً لشخصية «سلمى» التي تنتصر لكرامتها، وتتعرّض لضربٍ مُبرح ضمن مشاهد الفيلم، وتتجاوز ضعفها لتتصدّى لأثرياء الحرب الذين استفادوا على حساب المواطن السوري. وتكشف أحداث الفيلم كثيراً عن معاناة السوريين في حياتهم اليومية، واصطفافهم في طوابير طويلة للحصول على بعضِ السلع الغذائية، وسط دمار المباني جراء الحرب والزلزال.

خلال المؤتمر الصحافي الذي نُظّم عقب عرض الفيلم، تقول سُلاف فواخرجي، إنه من الصّعب أن ينفصل الفنان عن الإنسان، وإنّ أحلام «سلمى» البسيطة في البيت والأسرة والكرامة باتت أحلاماً كبيرة وصعبة. مؤكدة أن هذا الأمر ليس موجوداً في سوريا فقط، بل في كثيرٍ من المجتمعات، حيث باتت تُسرق أحلام الإنسان وذكرياته. لافتة إلى أنها واحدة من فريق كبير في الفيلم عمل بشغف لتقديم هذه القصة. وأضافت أنها «ممثلة شغوفة بالسينما وتحب المشاركة في أعمال قوية»، مشيرة إلى أن «شخصية (سلمى) تُشبهها في بعض الصّفات، وأن المرأة تظل كائناً عظيماً».

من جانبه، قال المخرج جود سعيد، إن هذا الفيلم كان صعباً في مرحلة المونتاج، خصوصاً في ظل غياب عبد اللطيف عبد الحميد الذي وصفه بـ«الحاضر الغائب».

مشيراً إلى أن قصة «سلمى» تُمثّل الكرامة، «وبعد العشرية السّوداء لم يبقَ للسوريين سوى الكرامة، ومن دونها لن نستطيع أن نقف مجدداً»، وأن الفيلم يطرح إعادة بناء الهوية السورية على أساسٍ مختلفٍ، أوّله كرامة الفرد. ولفت المخرج السوري إلى أن شهادته مجروحة في أداء بطلة الفيلم لأنه من المغرمين بأدائها.

الفنان السوري باسم ياخور أحد أبطال فيلم «سلمى» (القاهرة السينمائي)

ووصف الناقد الأردني، رسمي محاسنة، الفيلم بـ«الجريء» لطرحه ما يقع على المسالمين من ظلمٍ في أي مكان بالعالم؛ مؤكداً على أن كرامة الإنسان والوطن تستحق أن يُجازف المرء من أجلها بأمور كثيرة، وتابع: «لذا لاحظنا رفض (سلمى) بطلة الفيلم، أن تكون بوقاً لشخصية تمثّل نموذجاً للفساد والفاسدين رغم كل الضغوط».

وأوضح رسمي محاسنة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الفيلم قدّم شخصياته على خلفية الحرب، عبر نماذج إنسانية متباينة، من بينها تُجار الحرب الذين استغلوا ظروف المجتمع، ومن بقي مُحتفّظاً بإنسانيته ووطنيته، قائلاً إن «السيناريو كُتب بشكل دقيق، وعلى الرغم من دورانه حول شخصية مركزية فإن المونتاج حافظ على إيقاع الشخصيات الأخرى، وكذلك الإيقاع العام للفيلم الذي لم نشعر لدى متابعته بالملل أو بالرتابة».

سُلاف والمخرج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد في لقطة من الفيلم (القاهرة السينمائي)

وأشاد محاسنة بنهاية الفيلم مؤكداً أن «المشهد الختامي لم يجنح نحو الميلودراما، بل اختار نهاية قوية. كما جاء الفيلم دقيقاً في تصوير البيئة السورية»؛ مشيراً إلى أن «المخرج جود سعيد استطاع أن يُخرِج أفضل ما لدى أبطاله من أداء، فقدموا شخصيات الفيلم بأبعادها النفسية. كما وفُّق في إدارته للمجاميع».

واختتم محاسنة قائلاً: «تُدهشنا السينما السورية باستمرار، وتقدّم أجيالاً جديدة مثل جود سعيد الذي يتطوّر بشكل ممتاز، وفي رأيي هو مكسبٌ للسينما العربية».