تمخَّض الجبل الأخضر.. فولد ورداً

ورد يساوي وزنه ذهبا... تدر زراعة وتقطير الورد، على 18 عائلة مزارعة في الجبل الأخضر، مبلغاً يزيد على مليون دولار أميركي كل عام. (تصوير: خلفان الصلهمي)
ورد يساوي وزنه ذهبا... تدر زراعة وتقطير الورد، على 18 عائلة مزارعة في الجبل الأخضر، مبلغاً يزيد على مليون دولار أميركي كل عام. (تصوير: خلفان الصلهمي)
TT

تمخَّض الجبل الأخضر.. فولد ورداً

ورد يساوي وزنه ذهبا... تدر زراعة وتقطير الورد، على 18 عائلة مزارعة في الجبل الأخضر، مبلغاً يزيد على مليون دولار أميركي كل عام. (تصوير: خلفان الصلهمي)
ورد يساوي وزنه ذهبا... تدر زراعة وتقطير الورد، على 18 عائلة مزارعة في الجبل الأخضر، مبلغاً يزيد على مليون دولار أميركي كل عام. (تصوير: خلفان الصلهمي)

مع حلول بشائر الربيع من كل عام، تتحول قرى العين والشريجة وسيق والقشع، الغافية في ثنايا الجبل الأخضر شديدة الانحدار بسلطنة عُمان، إلى خلية نحل. إذ يخوض أفراد 18 عائلة، توارثت زراعة وجني وتقطير الورد، سباقا مع الزمن لجني المحصول المتفتح حديثا بألوانه المبهجة، من أغصان زهاء 5000 شجيرة تصطف بعناية وكثافة فوق مساحة محدودة من الأرض لا تتعدى العشرة أفدنة، قبل نهاية النصف الأول من شهر مايو.

منذ خيوط الفجر الأولى يتجه سكان القرى الأربع إلى المزارع فيعمدون إلى قطف الورد على مدار الساعة في مناوبات لا تقطعها إلا استراحات محدودة.

يتجه سكان القرى الأربع، مع خيوط الفجر الأولى إلى المزارع، فيعمدون إلى قطف الورد على مدار الساعة في مناوبات لا تقطعها سوى استراحات محدودة، بحيث تراهم يجنون المحصول صباحا من أحد البساتين، ومن آخر في المساء. ويتعاون كل أفراد الأسرة الواحدة في قطف الورد بما فيهم الأطفال والنساء والمسنون، في عملية تعاونية رائعة طوال فترة الموسم.

لا تخفي هذه الصغيرة، خجلها من عدسة الكاميرا، وفرحة مشاركة عائلتها في جني محصول الورد في تقليد يعود إلى مئات السنين وتتوارثه الأجيال أبا عن جد.

لاحقاً يتم نقل الورد المقطوف حديثا إلى مراكز التقطير، عن طريق وضعها في قطعة قماش أو وشاح أو سلة من القش، وغالبًا ما يتم حملها على رؤوس جامعي المحصول.

يُجمع المحصول في قطعة قماش أو وشاح أو حتى سلة قش مثلما يظهر في هذه اللقطة، وغالبًا ما يتم حملها لاحقا على رؤوس جامعي المحصول قبل تنقل إلى مراكز التقطير

تُعد زراعة الورد في الجبل الأخضر عملية اقتصادية بامتياز، ذلك أنها تمثل أهمية كبيرة للأهالي بوصفها مصدراً رئيسياً للدخل. فكل فدان مزروع بشجيرات الورد ينتج عنه، بعد التقطير، زهاء 4000 آلاف لتر من ماء الورد يصل عائدها المالي زهاء 40 ألف ريال عماني (الريال العماني الواحد يساوي 2.6 دولار أميركي)، أي ما يتجاوز 100 ألف دولار أميركي للفدان الواحد.

وتقطير الورد من المهن العريقة في الجبل الأخضر، فقد امتهنها الأجداد وتحولت إلى حرفة ذات طابع خاص، حتى بات «ماء ورد الجبل الأخضر» علامة تجارية شهيرة ومنتجاً ينال إعجاب الذواقة من الحريصين على استهلاكه.

لا تستثني عملية جني المحصول أحدا من سكان القرى الأربع، بما في ذلك كبار السن الذين يشتركون بهمة مثلهم مثل الشباب والصغار.

ولا تقتصر العائدات المالية على ما يتحصل عليه المزارعون جراء بيع ماء الورد؛ إذ يجتذب موسم الحصاد الزوار المحليين والسياح الأجانب المتعطشين للتمتع ببهاء الطبيعة الربيعية خلال موسم التفتح، والاطلاع على العادات الاجتماعية المصاحبة لجمع المحصول، والتعرف إلى الطريقة التقليدية في تقطير ماء الورد. ولهذه الغاية تحرص منتجعات وفنادق الجبل الأخضر على إدراج زيارة المزارع ومعامل ماء الورد ضمن برامجها؛ حيث يرافق الأفواج السياحية مرشد من أهالي الجبل. وتتراوح رسوم الرحلات ما بين خمسة ريالات عمانية (13 دولارا) إلى 30 ريالا للشخص الواحد، ما يشكل مصدر دخل إضافي لأهالي القرى.

من ناحيتها، ترتب الشركات المنتجة للعطور جولات لوكلائها الدوليين، لتوضيح استدامة مصادر المواد الداخلة في صنع منتجاتها العطرية، وتشتمل هذه الجولات رياضة التسلق والمشي لمسافات طويلة، وكذلك قطف الورد، وزيارة مصنع التقطير المحلي الذي تتعامل معه وصولا إلى شراء المنتج مباشرة من المعمل.

تستريح هذه الفتاة قرب سلال الورد التي جمعتها من الشجيرات، لدى إحدى غرف المبنى القديم الذي يضم مرجل غلي الورد.

وإلى جانب موسم جني الورد الربيعي، يعتمد مزارعو هذه القرى على محاصيل شجرية وفيرة أخرى، مثل الزيتون والعنب والتين والمشمش والكمثرى والتفاح والدراق والرمان والجوز. لكن يبقى لموسم جني الورد نكهته الخاصة لدى سكان القرى، وتبقى نجمة الموسم «زهرة المحمدي» الوردية الفواحة، المعروفة أيضا باسم «الوردة الدمشقية»، التي تتميز عن شقيقاتها من الورد العماني والبلغاري والسلطاني والجوري.

من السلة إلى المرجل الطيني، تستمر رحلة الورد قبل تحوله إلى ماء، وتبدو الأسطوانات النحاسية التي يتكثف فيها بخار ماء الورد أعلى الفرن الطيني.

تمر عملية إنتاج ماء الورد الجبلي بمراحل عدة؛ إذ يعمد المزارعون في يناير إلى تقليم شجيرات الورد وحراثة الأرض وتسميدها وريّها بشكل جيد إلى أن يحين موسم تفتح الزهور. ثم يتم تجهيز معمل التقطير، وهو عبارة عن مبنى قديم من الطين والحجارة يحوي أواني فخارية تسمى «البرمة»، تتفاوت مساحته حسب مساحة الأرض المزروعة بشجيرات الورد لدى كل مزارع. بعدها توقد النار داخل المعمل وتُغذى بالحطب، ويتم وضع كمية من الورد داخل الأواني، قبل أن تُثبت فوقها أسطوانات نحاسية تعمد إلى جمع ماء الورد المقطر في جوفها بفعل التبخر.

داخل مبنى قديم من الطين والحجارة، يقوم أحد العاملين بوضع أكوام من الورد داخل أواني فخارية تسمى «البرمة»، قبل أن يُثبت فوقها أسطوانة نحاسية مهمتها جمع ماء الورد المقطر.

تستمر عملية التقطير فوق نيران حامية قرابة 4 ساعات، يُجمَع بعدها ماء الورد في أواني فخارية وتُحفظ هناك زهاء 40 يوماً حتى تترسب شوائبها. بعدها يُخزن ماء الورد في وعاء فخاري يسمى «الخرس»، ويقبع فيه ثلاثة أشهر، لينتج عن كل ذلك في النهاية منتج شفاف لا لون له، لكنه ذو رائحة فواحة تماثل رائحة الورد. بعد ذلك يُعبّأ الماء في قوارير زجاجية سعتها 750 مليلترا ليتم تسويقها في الأسواق بأسعار تناهز قيمتها 10 ريالات عمانية (26 دولارا).

يدخل ماء الورد في كثير من الاستخدامات، إذ يضاف إلى بعض المأكولات والمشروبات العُمانية، مثل الحلوى والقهوة والشاي وغيرها، إلى جانب استعماله في التطيّب لتميزه بالرائحة الزكية، كما يُضاف إلى المواد العطرية والتجميلية من قبل الشركات العالمية. ويعرف ماء ورد الجبل الأخضر بجودته ودقة صنعه، نظرا لاتّباع الأسلوب التقليدي، الذي يعده مزاولو هذه المهنة، السرّ وراء الجودة والانتشار الكثيف لهذا المنتج.



احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
TT

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

توصّلت دراسة أجراها باحثون من جامعة توركو الفنلندية، إلى أنّ الوقوف لفترات طويلة في العمل له تأثير سلبي في قياسات ضغط الدم على مدى 24 ساعة.

وتكشف النتائج عن أنّ الوقوف لفترات طويلة يمكن أن يرفع ضغط الدم، إذ يعزّز الجسم مسارات الدورة الدموية إلى الأطراف السفلية عن طريق تضييق الأوعية الدموية وزيادة قوة ضخّ القلب. وعلى النقيض من ذلك، ارتبط قضاء مزيد من الوقت في وضعية الجلوس في العمل بتحسُّن ضغط الدم.

وتشير الدراسة، التي نُشرت في مجلة «ميديسين آند ساينس إن سبورتس آند إكسيرسيس»، إلى أنّ السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

تقول الباحثة في الدراسة، الدكتورة جووا نورها، من جامعة «توركو» الفنلندية: «بدلاً من القياس الواحد، فإن قياس ضغط الدم على مدار 24 ساعة هو مؤشر أفضل لكيفية معرفة تأثير ضغط الدم في القلب والأوعية الدموية طوال اليوم والليل».

وتوضِّح في بيان منشور، الجمعة، على موقع الجامعة: «إذا كان ضغط الدم مرتفعاً قليلاً طوال اليوم ولم ينخفض ​​بشكل كافٍ حتى في الليل، فتبدأ الأوعية الدموية في التصلُّب؛ وعلى القلب أن يبذل جهداً أكبر للتعامل مع هذا الضغط المتزايد. وعلى مرّ السنوات، يمكن أن يؤدّي هذا إلى تطوّر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».

وأظهرت دراسات سابقة أنّ ممارسة الرياضة في وقت الفراغ أكثر فائدة للجهاز القلبي الوعائي من النشاط البدني الناتج عن العمل، الذي ربما يكون ضاراً بالصحّة، مشدّدة على أنّ التمارين الرياضية المنتظمة مهمة للسيطرة على ضغط الدم.

وعلى وجه الخصوص، تعدّ التمارين الهوائية الأكثر قوة فعالةً في خفض ضغط الدم، ولكن وفق نتائج الدراسة الجديدة، فإنّ النشاط البدني اليومي يمكن أن يكون له أيضاً تأثير مفيد.

في الدراسة الفنلندية، تم قياس النشاط البدني لموظفي البلدية الذين يقتربون من سنّ التقاعد باستخدام أجهزة قياس التسارع التي يجري ارتداؤها على الفخذ خلال ساعات العمل، وأوقات الفراغ، وأيام الإجازة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم المشاركون في البحث جهاز مراقبة ضغط الدم المحمول الذي يقيس ضغط الدم تلقائياً كل 30 دقيقة لمدّة 24 ساعة.

وتؤكد النتائج أنّ طبيعة النشاط البدني الذي نمارسه في العمل يمكن أن يكون ضاراً بالقلب والجهاز الدوري. وبشكل خاص، يمكن للوقوف لفترات طويلة أن يرفع ضغط الدم.

وتوصي نورها بأنه «يمكن أن يوفر الوقوف أحياناً تغييراً لطيفاً عن وضعية الجلوس المستمر على المكتب، ولكن الوقوف كثيراً يمكن أن يكون ضاراً. من الجيد أن تأخذ استراحة من الوقوف خلال العمل، إما بالمشي كل نصف ساعة أو الجلوس لبعض أجزاء من اليوم».

ويؤكد الباحثون أهمية النشاط البدني الترفيهي لكل من العاملين في المكاتب وفي أعمال البناء، وتشدّد نورها على أنه «جيد أن نتذكّر أنّ النشاط البدني في العمل ليس كافياً بذاته. وأنّ الانخراط في تمارين بدنية متنوّعة خلال وقت الفراغ يساعد على الحفاظ على اللياقة البدنية، مما يجعل الإجهاد المرتبط بالعمل أكثر قابلية للإدارة».