تركي الفيصل: البداوة هي النواة التي نبت منها كل شيء عربي

خلال انطلاق النسخة الثانية من مؤتمر «المروية العربية» في الرياض

الأمير تركي الفيصل خلال افتتاح النسخة الثانية من المؤتمر (إمارة الرياض)
الأمير تركي الفيصل خلال افتتاح النسخة الثانية من المؤتمر (إمارة الرياض)
TT

تركي الفيصل: البداوة هي النواة التي نبت منها كل شيء عربي

الأمير تركي الفيصل خلال افتتاح النسخة الثانية من المؤتمر (إمارة الرياض)
الأمير تركي الفيصل خلال افتتاح النسخة الثانية من المؤتمر (إمارة الرياض)

قال الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز، إن البداوة هي البداية، والنواة التي نبت منها كل شيء عربي، وأن العربي عندما يعبر عن نفسه، فهو يعكس الأصول الملهمة والمبادئ السامية المحفوظة في روح ثقافة الصحراء، مشيداً بجهود الدكتور سعد الصويان الذي أفشت له الصحراء بأسرارها وكنوزها كما لم تفعل مع أحد سواه.‏

وأضاف الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث، خلال مشاركته في افتتاح النسخة الثانية من مؤتمر «المروية العربية»، أن الحديث عن ثقافة الصحراء يعني الحديث عن عبقرية لغوية بامتياز، وأن الصحراء هي الجغرافيا التي اختارها العرب لأنفسهم، وجعلوها موطناً لهم منذ آلاف السنين، والعربي هو الذي يعبر بلغته وببراعتها من الإبهام إلى الإفهام، ومن العُجمة إلى البيان.

أشاد الأمير تركي بجهود الدكتور سعد الصويان الذي يحتفي به المؤتمر في نسخته الثانية (إمارة الرياض)

وأشار إلى أن البداوة هي البداية، والمنبت الإنساني المحض، الذي يذكّر بقيمة أن تعتاش على القيم لا الأشياء، وأن البيداء هي موطنُ العربي الحر، الذي اختار كلمة البدوي اسماً لنفسه، واشتقه من البدء والبدو، والأولوية الظاهرة التي يُشتمُّ منها عبق الأصل والمبتدأ، وأضاف أن العربي عندما يعبر عن نفسه، فهو يعكس الأصول الملهمة والمبادئ السامية المحفوظة في روح ثقافة الصحراء، وأن العجمة اليوم ليست عجمةً لغويةً فحسب، ولكنها عجمةُ معانٍ وقيمٍ كامنةٌ في تلك اللغة.

وأشاد الأمير تركي بجهود الدكتور سعد الصويان الذي يحتفي به المؤتمر في نسخته الثانية، ووصفه بواحد من أهل الصحراء، العارف بدروبها الموحشة القاسية، والتي بادلته المحبة وأبدت له كنوزها. وزاد: «هو ذلك المدنيُّ والأستاذ العالم الذي عرف شدو الصحاري فتغنَّى بها عمرًا، فكشفت له عن شيءٍ من أسرارها، ونحن اليوم هنا نحيِّي أستاذَنا الكبيرَ الذي وَسِعَ ضميرُه الصحراءَ العربيةَ كما وسعته».

يسعى مشروع «المروية العربية» لمُعالجةِ الالتباسِ والتراجُعِ الواقِعَيْنِ في مفهومِ حضارةِ العربِ (إمارة الرياض)

وانطلقت (الأحد) النسخة الثانية من مؤتمر «المروية العربية» الذي يتناول «ثقافة الصحراء»، وينظمه المركز ضمن مشروعه البحثيّ الحضاري الذي ينهض به المركزُ لمعالجة الالتباسِ والتراجع الواقعين في مفهوم حضارة العرب.

بدوره، ألقى السفير السابق كونيو كاتاكورا رئيس مؤسسة موتوكو كاتاكورا لثقافة الصحراء، كلمة لإحياء ذكرى زوجته الراحلة الباحثة الأنثروبولوجية موتوكو كاتاكور، وتطرق فيها إلى جهودها البحثية في السعودية.

وقال السفير كونيو كاتاكورا أن المجتمع السعودي منذ أكثر من نصف قرن كان يمر بمرحلة تحول من البداوة إلى التحضر، ومرّ بتقدم وتحول مبهر، وبدعم من قطاع النفط وموارد الطاقة الأحفورية الأخرى، وأدى التحضر السريع إلى بناء ناطحات سحاب رائعة في المدن الكبرى، ولكن بعد مواجهة الأزمة البيئية العالمية وتصور حياة ما بعد النفط، صارت إعادة النظر وتقدير القيمة التقليدية لثقافة الصحراء، استجابة سليمة وضرورية.

النسخة الثانية من مؤتمر «المروية العربية» تتناول «ثقافة الصحراء» (إمارة الرياض)

وأشار السفير أنه وبالتوازي مع التغييرات الإيجابية الحالية في السعودية، مثل تمثيل المرأة على نطاق أوسع في المجتمع وتعزيز السياحة، ينبغي إعادة النظر في القيمة التقليدية لمفاهيم من ثقافة الصحراء وإعادة تقويمها، لافتاً أنها قد تستطيع معالجة الناس الذين سئموا الرأسمالية المفرطة في جميع أنحاء العالم.

واختتم السفير كونيو كاتاكورا كلمته بالإشارة إلى مصادفة تاريخية؛ وهي أنّ الثقافتين اليابانية والإسلامية تطورتا معا على نحو متواز، إذ كانت إحداهما في الجانب الشرقي والأخرى في الجانب الغربي لقارة آسيا، عندما أعلن أمير اليابان شوتوكو (٥٧٤-٦٢٢م) مفهوم «احترام السلام» في «دستور الـ ۱۷ مادة» الذي صدر آنذاك. وفي الحقبة نفسها تقريبا، أعلن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - عن وثيقة المدينة التي أكدت على السلام والتسامح، لافتاً أنه وفي كلتا الحضارتين، الإسلامية واليابانية، ثمّة فرص متأصلة للحوار المفتوح بين أنماط مختلفة من الثقافات.

واختتم الحفل بمحاضرة بعنوان: «عطايا الخير (الإبل)»، ألقاها الدكتور سليمان الذييب (المستشار الثقافي، في مركز الملك فيصل)، تحدث فيها عن العلاقة الفريدة بين شبه الجزيرة العربية والجَمَل من خلال محاور ثلاثة، هي الفنون الصخرية والجدارية والمعثورات (الأدوات اليومية) إضافة إلى ما تضمنته النقوش العربية القديمة عن هذا الحيوان الفريد، خصوصًا الكتابات الثمودية، حيث عثر على هذه الأدلة في جميع مناطق شبه الجزيرة العربية، مؤكدًا أن اللافت في هذا الموضوع هو الحظوة والمكانة التي حظي بها الرفيق العَرَبِي فَأطَلق عليه اسم «سفينة الصحراء».

لفيف من الأمراء والوزراء والمسؤولين والمفكرين والمتخصصين في افتتاح المؤتمر (إمارة الرياض)

وانطلق المؤتمر الذي رعاه الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، بحضور لفيف من الأمراء والوزراء والمسؤولين والمفكرين والمتخصصين، بالبرنامج الافتتاحي الذي تضمن تعريفاً مفصلاً عن المشروع الحضاري الذي يسعر إلى دراسة سردية العرب وسيرة اللغة في الجزيرة العربية وخارجها، بمنهجية علمية رصينة، وبطريقة تجمع بين أدوات تفعيل الأفكار اجتماعيًّا، ووسائل التأسيس المعرفي، لإنتاج حوارات، ودراسات ميدانية، وقراءات نقدية، وكتابات علمية تأسيسية، في المجالات التاريخية، والآثارية، والاجتماعية، والفلسفية، والأدبية، والفنية.

ويسعى المشروع البحثيّ الحضاري «المروية العربية» إلى مُعالجةِ الالتباسِ والتراجُعِ الواقِعَيْنِ في مفهومِ «حضارةِ العربِ»، والوُقُوفِ أمامَ المحاولاتِ الدَّؤوبِة لطَمْسِ وتهميشِ الاستحقاقِ الحضاريِّ لها، وإبراز الدور الحضاري والثقافي للجزيرة العربية بما يرسخ انتماء أجيالها للحضارة والثقافة العربية، ويعزز التواصل الثقافي بينهم وبين الشعوب المحيطة بهم والمتفاعلة معهم.


مقالات ذات صلة

ملك بوتان ووزير الثقافة السعودي يبحثان تعزيز التعاون

يوميات الشرق جانب من لقاء الملك جيغمي بالأمير بدر بن عبد الله بن فرحان في الرياض (واس)

ملك بوتان ووزير الثقافة السعودي يبحثان تعزيز التعاون

بحث العاهل البوتاني جيغمي كيزار نامجيل وانجشوك مع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي، سبل تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق دليل على أن إنسان الجزيرة العربية جعل من الرمز دلالة واضحة للحياة والبعث من جديد (مجلة Herança)

مدافن حجرية في السعودية تعيد كتابة تاريخ جزيرة العرب

قدم الباحثان عيد اليحيى وقصي التُّركي تحليلاً أركيولوجياً، نشرته مجلة «Herança» إحدى أهم المجلات العلمية العالمية المحكّمة ضمن مستوعبات سكوباس.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «شيبارة» يضم 73 فيللا عائمة فوق الماء وشاطئية (واس)

«شيبارة»... طبيعة بحرية خلابة في السعودية تستقبل زوارها نوفمبر المقبل

يبدأ منتجع «شيبارة» الفاخر (شمال غربي السعودية)، رابع منتجعات وجهة «البحر الأحمر»، استقبال الزوار ابتداءً من شهر نوفمبر المقبل لينغمسوا في تجربة سياحية فاخرة.

«الشرق الأوسط» (تبوك)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وعباس عراقجي استعرضا العلاقات الثنائية هاتفياً الاثنين (الشرق الأوسط)

وزير الخارجية السعودي يناقش مع نظيره الإيراني تداعيات التصعيد في المنطقة

ناقش الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، الاثنين، آخر التطورات في المنطقة وتداعيات التصعيد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق المعامل الصحية تنتشر في نحو ٢٢ جهة تشمل الجامعات والمختبرات ومراكز الأبحاث في مناطق المملكة (واس)

36 معملاً سعودياً لتعزيز الابتكارات في «صحة الإنسان»

يعمل ‏36 معملاً صحياً في السعودية على دعم العقول المبتكرة الطامحة إلى تقديم حلول نوعية تضمن جودة حياة صحية، وتعزيز البنية التحتية البحثية.

عمر البدوي (الرياض)

بسبب الدب بادينغتون... خلاف حادّ بين شركة «إير بي إن بي» وسكان حي لندني

لقطة من فيلم «بادينغتون» (IMDB)
لقطة من فيلم «بادينغتون» (IMDB)
TT

بسبب الدب بادينغتون... خلاف حادّ بين شركة «إير بي إن بي» وسكان حي لندني

لقطة من فيلم «بادينغتون» (IMDB)
لقطة من فيلم «بادينغتون» (IMDB)

ليس غريباً على لندن أن تتحوّل شوارعها ومبانيها المرتبطة بأفلام شهيرة إلى بُقَع سياحية يأتي إليها السياح من أنحاء العالم، وهذا ما حدث مع أحد شوارع منطقة بريمروز هيل بشمال العاصمة البريطانية، الذي بدأ سكانه في التذمّر من توافد السياح على شارعهم الذي شهد تصوير فيلم «بادينغتون».

شارع شالكوت كريسنت الراقي بمنازله من طراز «الريجنسي» المميزة بشرفاتها الجميلة، لطالما جذب أنظار الكثير من الزوار الذين ينزلون إلى منطقة بريمروز هيل في لندن.

وبحسب «بي بي سي» فقد ظهر أحد المنازل الكائنة بالشارع في فيلم «بادينغتون»، وجرى استخدامه بوصفه منزل عائلة براون الخيالية.

واليوم، اشتعل خلاف بين السكان المحليين وموقع «إير بي إن بي»، الذي يتولى إدارة مسابقة لـ3 أُسَر للإقامة بمنزل في شالكوت كريسنت، احتفالاً بإطلاق فيلم «بادينغتون» بدور العرض في بيرو، في نوفمبر (تشرين الثاني).

وأبلغهم الموقع المعنيّ بحجز العطلات، أنه سيقضي أسبوعين في تجديد العقار ليشبه موقع تصوير الفيلم، بحيث سيجري طلاء الواجهة باللون الأزرق، وحجب 5 أماكن لوقوف السيارات، ما أثار موجة من الضوضاء خلال الأسبوع.

وفي رسالة إلى «إير بي إن بي»، احتجّ بعض السكان، مدّعين أن المسابقة التي أعلنها الموقع ستُفاقم من حركة السياحة المُفرِطة التي يتعرض لها الشارع بالفعل.

ورداً على ذلك، قال مسؤولون في «إير بي إن بي» في تصريحات لـ«بي بي سي»، إنهم لم يكشفوا علانيةً عن موقع المنزل، وقدّموا «تبرعاً كبيراً» لـ«اتحاد سكان بريمروز هيل»، وأكّدت الشركة أن أعمال التجديد المؤقت للمنزل للفائزين في المسابقة ستجري إعادتها إلى طبيعتها «في غضون أسابيع».

من جهته، شرح د. جيمس كاتيريدج، المحاضر الأول بمجال السينما، في جامعة أكسفورد بروكس، أن السياحة السينمائية تجلب معها مشاكلها الخاصة، بالإضافة إلى القضايا الأوسع نطاقاً المرتبطة بالسياحة، مثل الازدحام والقمامة، ومشاكل وقوف السيارات.

وأضاف قائلاً: «قد يكون هناك دفعة كبيرة للسياح عند إصدار الفيلم، أو بعد إصداره مباشرةً، ثم يمكن أن يتضاءل ذلك بسرعة كبيرة؛ لذا من الصعب للغاية التخطيط لهذا الأمر بهدف التخفيف من آثاره».

ومع ذلك، لا يبدو أن هذا كان الحال فيما يخص بريمروز هيل، التي اعتادت بالفعل استقبال الزوّار لزيارة مناطق تصوير أفلام «بريدجيت جونز»، ومتنزّه بريمروز هيل بإطلالاته الساحرة على لندن.

وبحسب تقرير صادر عن «معهد الفيلم البريطاني» عام 2021، قُدِّرت السياحة السينمائية المرتبطة بالأفلام من دول أخرى إلى المملكة المتحدة بنحو 900 مليون جنيه إسترليني عام 2019، بما في ذلك زيادة الإنفاق في مناطق الجذب والفنادق والمطاعم.

كما جلبت السياحة الفاخرة المرتبطة بالأعمال التلفزيونية ما يقرب من 500 مليون جنيه إسترليني للاقتصاد في ذلك العام.