يترقّب الوسط الفنّي والثقافي انطلاق تجربة أول أوبرا سعودية هي الأضخم عربياً، بمشاركة عالمية تدرّبت على تقديم أدائها باللغة العربية. وتتناول الأوبرا شخصية من عمق الجزيرة العربية، فتسرد قصة إنسانية ودرامية ضمن عرض بصري وموسيقي مبهر وغير مسبوق، وأداء أخّاذ يجمع المواهب السعودية بتلك العالمية.
وينطلق، الخميس، أول عروض العمل الاستثنائي على مسرح «مركز الملك فهد الثقافي» بالرياض. تدور أحداث القصة حول مساعي زرقاء اليمامة؛ المرأة الحكيمة المتحدّرة من قبيلة جديس، لإرشاد قومها إلى برّ الأمان في ظلّ أحداث ملحمية تُنذر بأخطار عظيمة. واستوحى مؤلّفها، الشاعر السعودي صالح زمانان، فصولها من الحكاية التاريخية التي بلغت أصداؤها العالم العربي، وذلك بإخراج السويسري دانييل فينزي باسكا، بينما يتولّى التأليف الموسيقي الأسترالي لي برادشو، ويقود الجوقة الموسيقي الإسباني بابلو غونزاليز.
في هذا السياق، قال الرئيس التنفيذي لـ«هيئة المسرح والفنون الأدائية» سلطان البازعي، إنّ «(زرقاء اليمامة) حدث ثقافي عالمي، وأول أوبرا ضخمة باللغة العربية، وستكون في مصاف أشهر الأوبراليات العالمية المعروفة»، لافتاً أنّ الإنتاجات الأوبرالية نادرة ومتقطّعة، لتعقيدها وضمِّها تفاصيل كثيرة، و«زرقاء اليمامة» ستتصدّر هذه الأعمال الفريدة.
3 سنوات لإنجاز العمل
تابع البازعي أنّ الهيئة خطّطت للمشروع قبل 3 سنوات فتطلّب العمل الدؤوب المستمر: «بدأت التعاقدات منذ عامين، وأصررنا على أن تكون الأوبرا بهذه الضخامة بلغة عربية للمرّة الأولى في المنطقة. تحقّق ذلك بدعم من القيادة السعودية، ومتابعة من وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان الذي رافق المشروع خطوة خطوة، حتى بدء العد التنازلي لإطلاق العروض الجماهيرية».
وكشف، في مؤتمر صحافي عُقد، الأربعاء، في النادي السعودي للموسيقى بالرياض، عن تفاصيل العرض، مؤكداً أنّ الشهرين الماضيَيْن شهدا تدريبات مكثّفة، بعضها جرى خارج المملكة لبروفات الأداء الموسيقي والكورال وللممثّلين وبقية المؤدّين. وتابع: «إنجاز أول أوبرا سعودية بنكهة عالمية تمّ بمشاركة مجموعة من أفضل المواهب في الإنتاج الأوبرالي والمسرحي من نحو 18 جنسية. وأيضاً شاركت نخبة من الفنانين العالميين، من سارة كونولي، والموسيقار لي براد شو، الذي قدَّم عملاً أوركسترالياً مبهراً بمقاييس عالمية، وموسيقى كلاسيكية عالمية بنكهات موسيقية سعودية وعربية أصيلة. كذلك تجلّت الرؤية البصرية والإبهارية بعين المخرج العالمي دانييل فينزي باسكا، الذي أضاف إلى عمق القصة ودهشتها بُعداً أسطورياً وفانتازياً شديدة التأثير، بمشاركة الفنانة السعودية ميساء الرويشد التي ساهمت في تصنيع تصميمات الأدوات والإكسسوارات على المسرح».
ونوَّه البازعي بجهود المؤلّف الشاعر السعودي صالح زمانان، الذي «برع من خلال موهبته وبحثه المتعمّق في الموروث العربي، بتقديم نصّ لائق بحجم تطلّعات الجمهور لأول أوبرا سعودية بطابع عالمي»، مشيداً أيضاً بقائد الفرقة الموسيقية الموسيقار الإسباني بابلو غونزاليز، الذي «أدار المهمَّة بنجاح مع فرقة (درسدن) من (سميفونيك أوركسترا)، وفريق الكورال القادم من جمهورية التشيك»، مؤكداً أنّ «الأداء سيكون كاملاً باللغة العربية، وحرصت الهيئة على تدريب الفريق على النطق بها، وحقّقت نتائج مرضية».
دورات لفنّ الأوبرا من سنّ الطفولة
وتابع البازعي: «ستُشارك مجموعة من الأسماء السعودية الموهوبة في هذا العمل الاستثنائي، وقد تلقّوا دورات تدريبية مكثّفة خارج المملكة، من بينهم سوسن البهيتي، وريماز عقبي، وخيران الزهراني. وهذه أسماء تمثّل بذرة لأجيال موهوبة قادرة على الغناء الأوبرالي سيحظى بها الوسط الفني السعودي قريباً».
وكشف الرئيس التنفيذي لـ«هيئة المسرح» أنّ أكاديمية متخصّصة في التدريب على مختلف الفنون المسرحية والأدائية ستنطلق هذا العام، بالإضافة إلى أكاديمية متخصّصة في فنون الموسيقى ستبدأ العمل خلال أشهر؛ معرباً عن نية القطاع الثقافي تخريج مواهب في مختلف مجالات الفنون، وإجراء دورات تدريبية في فنّ الأوبرا تبدأ من سنّ الطفولة، تتولّى «هيئة الموسيقى» تنفيذها بمعايير دولية متقدّمة.
وأشار في مؤتمره الصحافي أيضاً إلى أنّ العرض مصحوب بشاشات لنقل تفاصيل الحوار الشعري باللغتين العربية والإنجليزية، في مسرح «مركز الملك فهد الثقافي» المجهَّز بمعايير عالمية، لتحسين تجربة الزائر، ولتكون دار الأوبرا ملائمة لهذه العروض، فتنضمّ إلى مشاريع سعودية قائمة لإنشاء دارَي أوبرا في الرياض وجدة، مشيراً إلى أنّ دار الأوبرا في جدة على طريق الإنجاز، وبمرحلة التصاميم الهندسية قبل البدء في الإنشاء.
جولة عالمية لـ«زرقاء اليمامة»
ونقل البازعي عن الهيئة أملها في أن تصل العروض إلى جميع المدن السعودية، لكن كثيراً من مسارح المملكة لا تتوفر فيها إمكانات استقبال عروض ضخمة، مثل «زرقاء اليمامة»، الذي يتطلّب أحياناً وقوف نحو 250 شخصاً من المؤدّين والفرقة الموسيقية معاً على المسرح، مما يشترط تجهيزات فنّية فائقة، مشيراً إلى أنّ «تجربة الهيئة في هذا العمل تساعد على تراكم الخبرة واكتساب فهم دقيق لتفاصيل بناء أعمال أوبرالية مستقبلاً».
وختم: «تخطّط الهيئة لبدء جولة عالمية لأوبرا (زرقاء اليمامة)، لتقديم واحدة من قصص التاريخ العربي والسعودي إلى العالم»، مشيراً إلى أنها «بداية مشوار من سلسلة مشاركة قصص الموروث السعودي والتاريخ العربي عبر تجهيزات إنتاجية عالية المستوى، لا سيما إذا توفر كتّاب جاهزون لإنجاز نصوص لشخصيات من هذا التاريخ. وقد وقع الاختيار على شخصية زرقاء اليمامة لتوفر عناصر الدراما والصراع في حكايتها، بالإضافة إلى عمق حضورها في المخيّلة العربية، وبروز مكانة المرأة، وتفاصيل مرتبطة بتأثيرها وإلهامها الإنساني».