دراما رمضان المصرية: الأعمال التاريخية «الضخمة» تكسب الرهان

رغم قلة أعداد المسلسلات التاريخية المصرية التي عُرضت في شهر رمضان المبارك، وسيطرة أعمال الدراما الشعبية على الموسم من حيث العدد، فإن الأعمال التاريخية حصدت إشادات جماهيرية ونقدية واسعة، ورفعت سقف طموحات محبي هذه النوعية من الأعمال التي شهدت تراجعاً خلال العقدين الأخيرين.

مسلسل «الحشاشين» الذي جرى تصويره في 6 دول هي لبنان وسوريا والأردن وكازاخستان ومالطا ومصر؛ يتناول فترة تاريخية مهمة، تبدو غير معروفة لدى قطاع كبير من الجمهور، ويمثل حالة فنية «مميزة»، وفق وصف متابعين ونقاد أشادوا بمستوى التصوير، والمونتاج، والغرافيك، والديكور، والموسيقى التصويرية، بالعمل.

«الحشاشين» حصد إشادات واسعة (الشركة المنتجة)

ووصفت الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله «الحشاشين» بأنه كما لو كان «عصا موسى» التي ابتلعت كل ما عداها من أعمال، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أنه «وضع الدراما المصرية في المكانة التي تستحقها بوصفه عملاً متكاملاً على مستوى الكتابة والإخراج والتمثيل والأداء».

وعدّ الناقد المصري أندرو محسن «الحشاشين» و«جودر» «ظاهرة موسم دراما رمضان 2024»، مشيداً بعودة الإنتاج الضخم من خلالهما، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كلاً منهما له بصمة فنية مميزة». مضيفاً: «قد نختلف مع (الحشاشين) في بعض النقاط، لكن لا ننكر التأثير والجدل الكبير الذي أثاره».

كريم عبد العزيز في لقطة من «الحشاشين» (الشركة المنتجة)

مسلسل «الحشاشين» المكون من 30 حلقة والذي كتبه المؤلف عبد الرحيم كمال، وأخرجه بيتر ميمي؛ تدور أحداثه في القرن 11 الميلادي، حول فرقة «الحشاشين» التي أثارت الفزع والخوف في زمنها، واغتالت عدداً من الشخصيات المهمة والأمراء، بقيادة مؤسسها «حسن الصباح»، الذي يؤدي دوره كريم عبد العزيز، مع مجموعة من نجوم مخضرمين من بينهم فتحي عبد الوهاب، وأحمد عيد، وميرنا نور الدين، ونيقولا معوض.

قفزة فنية

وبررت الناقدة المصرية ناهد صلاح ما حققه «الحشاشين» من إجماع نقدي وجماهيري بأنه «عمل اجتمعت فيه عناصر ناجحة بداية من الكتابة والإخراج، وأداء الممثلين وفي مقدمتهم كريم عبد العزيز، وأحمد عيد، حيث تفجرت طاقات تمثيلية كبيرة، بخلاف الديكور والأزياء والمؤثرات الفنية».

وقال الناقد المصري طارق الشناوي إن «(الحشاشين) حقق قفزة في الدراما التاريخية ستدفع أي مخرج للتفكير طويلاً قبل أن يقدم عملاً تاريخياً جديداً»، وذكر أن «مسلسل (جودر) تكمن قيمته في بساطة أداء ممثليه حيث قدم ياسر جلال دوراً مغايراً بعد مسلسل «الاختيار»، كما أدت نور دور الشر بإحساس «عميق»، مؤكداً أن «العملين حققا نقلة في استخدام الغرافيك والمؤثرات الصوتية والبصرية».

تكوين بصري مميز بأحد مشاهد «الحشاشين» (الشركة المنتجة)

وحظي مسلسل «مليحة» الذي يتناول القضية الفلسطينية باهتمام كبير، واختاره الشناوي أفضل تتر، بينما أشادت خير الله بالجزء التوثيقي في حوار الجد وحفيده، مشددة على أهميته لتدرك الأجيال الجديدة تاريخ القضية.

كما أشادت ناهد صلاح بـ«الترويدة الفلسطينية» التي جاءت بـ«تتر المسلسل» معتمدة الفولكلور الفلسطيني، وكيف كان يستخدم في مقاومة الاحتلال، مؤكدة أن «تقديم العمل في هذا التوقيت اختيار ذكي».

أفضل تقييم

ونال مسلسل «الحشاشين» أفضل درجات التقييم من قبل نقاد من بينهم ماجدة خير الله، التي تقول: «على مدى سنوات كنا نعتقد أننا ليست لدينا قدرة على إنتاج أعمال تاريخية بمستوى لائق لكن (الحشاشين) جاء ليعيد لنا الثقة بتقديم عمل تاريخي مصري بمواصفات عالمية».

ورأى الشناوي أن «كريم عبد العزيز يستحق جائزة أفضل ممثل عن دوره في (الحشاشين)؛ لأن شخصية (حسن الصباح) مليئة بالصراعات الداخلية والخارجية، وهو لم يولد شريراً لكن لديه فهم خطأ للدين جعله يعتقد أنه يملك مفتاح الجنة».

واختار الناقد المصري محمود عبد الشكور مسلسل «الحشاشين» أفضل مسلسل في موسم رمضان بمصر، كما اختار الكاتب عبد الرحيم كمال أفضل سيناريست عن «الحشاشين»، وبيتر ميمي أفضل مخرج عن العمل نفسه، واختار عبد الشكور في منشوره عبر حسابه على «فيسبوك» الفنان كريم عبد العزيز «أفضل تمثيل دور أول رجال» عن «الحشاشين»، بينما اختير أحمد عيد أفضل تمثيل (دور ثانٍ رجال) عن دوره في المسلسل نفسه.

مسلسل «الحشاشين» استحوذ على اهتمام الكثيرين (الشركة المنتجة)

ورأى عبد الشكور أن حسين عسر أفضل مصور في موسم رمضان عن «الحشاشين»، وتيمور تيمور عن «جودر»، وأفضل مونتاج أحمد حمدي عن «الحشاشين»، وأفضل موسيقى أمين بو حافة عن «الحشاشين»، وشادي مؤنس وعزيز الشافعي عن «جودر». وأشاد عبد الشكور بأحمد فايز مهندس مناظر مسلسلي «جودر» و«الحشاشين»، واختاره أفضل مهندس ديكور في الموسم.

وكانت نقابة المهن السينمائية قد أصدرت بياناً أشادت فيه بصناع مسلسل «الحشاشين»، قائلة: «من قلب واقع مؤلم وقصة فرقة وُصفت بأنها الأكثر دموية في تاريخ العالم وفي القرون الحادي والثاني والثالث عشر، قدم مسلسل (الحشاشين) لغة درامية مبهرة بإبداع وموهبة كاتب متفرد هو عبد الرحيم كمال، ورؤية مخرج متمرس وخبير في نقل الصورة بجماليات أقرب إلى الواقع هو بيتر ميمي»، مضيفة: «حقق المسلسل انتصاراً كبيراً للدراما التاريخية التي كانت قد غابت عنا سنوات».

الإضاءة والأزياء شكلتا جزءاً من الرهان البصري في مسلسل «جودر» (صفحة المخرج على فيسبوك)

«جودر» يصحح المسار

ورأى نقاد من بينهم محمد مسعود، مؤلف كتاب «أساطير الدراما» أن «إسلام خيري مخرج مسلسل «جودر» أعاد مجد «ألف ليلة وليلة» المصرية، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى «وجود محاولات كثيرة سابقة لإعادة إنتاج (ألف ليلة وليلة)، لكنها باءت بالفشل»، مرجعاً ذلك إلى «فقر الكتابة، وقلة الإمكانات».

عناصر ديكور وإضاءة «جودر» لقيت إشادات (صفحة مخرج العمل على فيسبوك)

وأضاف مسعود: «لقد فقدنا الأمل في استعادة هذا العمل الذي تربينا عليه، واستقر في وجداننا إلى أن ظهر مسلسل (جودر) للنور، فحرك المياه الراكدة، وأعادنا إلى تلك الأجواء التي افتقدناها، ورفع سقف طموحاتنا».