«2024»: اللقطة لا تصنع قصة

أمومة نادين نجيم جمَّلت مسلسلاً خذله التماسُك

نادين نجيم تميّزت بمَشاهد الأم الحقيقية (لقطة من المسلسل)
نادين نجيم تميّزت بمَشاهد الأم الحقيقية (لقطة من المسلسل)
TT

«2024»: اللقطة لا تصنع قصة

نادين نجيم تميّزت بمَشاهد الأم الحقيقية (لقطة من المسلسل)
نادين نجيم تميّزت بمَشاهد الأم الحقيقية (لقطة من المسلسل)

من المنصف تأكيد أنّ انطلاقة مسلسل «2024» حملت التشويق المُحمِّس على المتابعة. أتى في النصف الثاني من رمضان لأخذ مُشاهده إلى جوٍّ آخر. كان لحظة انتشال من إيقاعات درامية مرتبكة، حين ولَّد ظناً أنه يخلو من ملل يكرّسه معظم مسلسلات الحلقات الثلاثين. لكنّ فراغاً عمَّ. لم يكن العمل قصةً أكثر مما بدا لقطات. جعل الجواب «لا»، رداً حاسماً على سؤال، هل من داعٍ لجزء ثانٍ بعد أول تفوَّق؟

نادين نجيم ومحمد الأحمد ضمن أحداث المسلسل

دخل جزؤه الأول، «2020»، المنازل، وتألّقت بطلته نادين نجيم بشخصية «حياة». كانت ثمة حكاية تتيح التعلُّق بها. وشكّلت ثنائية «حياة» و«صافي الديب»، (قصي خولي)، حلاوة المشهد الرمضاني لعام 2021. ذلك رفع التوقّعات حين قيل إنّ جزءاً ثانياً يُصوَّر. كان الظنّ أنه، على الأقل، سيحافظ على المستوى ولن يرضى دونه. فماذا حدث؟ شاهدنا «تقريباً فُتات قصة» في قصة (تأليف بلال شحادات)، رغم وجود اللقطة المُحرِّكة، وجَعْله مُشاهده يتساءل: «ما التالي؟»، وينتظر الإجابة بعد كل منعطف. عند هذا التساؤل، نجح. وشمل النجاح إحساسَ الأم الذي نَبَع صادقاً من صميم نادين نجيم بشخصية «سما». أمومتها رفعت المرتبة، وأمامها، تألّقت.

جانب آخر ينضمّ إلى هذا التألُّق، قبل أن يسلّم المسلسل نفسه للخيبة: ثنائية «رسمية»، (كارمن لبّس)، والطفلة «ميرا»، (الموهوبة تالين أبو رجيلي). حميمية المواقف، هنا، طوق نجاة. تشكّل القطّة «أبو كوكو» الضلع الثالث من هذا المثلّث، ويحلو مَنْح الحيوان الأليف «دوراً» من رقّة ولطافة.

كارمن لبّس من الوجوه المُقنِعة رغم تقلُّص مساحة دورها (لقطة من المسلسل)

لكنّ «رسمية»، العلامة الفارقة في الجزء الأول، تبدو «ضئيلة» في الجزء الثاني. دورها أيضاً «لقطات». التأثير الكبير السابق، تلاشى شيئاً فشيئاً، حتى أتت النهاية فتحرَّك الدور على مستوى أن يكون فاعلاً، وليس متلقّياً للأفعال. أحببناها لإضفائها الرحمة على ملامح تُجيد كارمن لبّس جَعْلَها مُقنِعة وقريبة من القلب. ولكن لا يكفي حُب شخصية كانت في السابق مسرحاً للأحداث والتقلّبات، حين ننتظر منها «النهش»، فيُقلّم النصّ أظافرها. في حالة الجزء الثاني بعد «2020»، تراجُع دورها يُعمّق خلل السياق.

نوع المسلسل (إنتاج «الصبّاح أخوان»)، أكشن ومطاردات؛ لديه مَن يفضّله وينتظره. يصبح رأياً شخصياً القول إنّ نادين نجيم مُنتَظرة أكثر من أدوار تُشبه الناس وتحاكي يومياتهم. وقد لا يحقّ التوجّه إليها بالقول: ابتعدي عن هذا الملعب. كل الملاعب متاحة للممثل، ووفاؤه لأحدها ليس مكسباً. العتب على نصّ فقد المتانة رغم أنه مولود من أرض صلبة. الأكشن صنف مطلوب، وجوده يُغني المائدة ويُجنّبها النوع الواحد. لكنّ الأهم هي براعة التنفيذ، وعلى أي أساس يُشيَّد المبنى. النصّ والإخراج والتمثيل والإنتاج، متى اختلَّ حجر، عرَّض التركيبة لاحتمال التساقُط فوق الرؤوس.

محمد الأحمد بشخصية «لؤي الديب» (لقطة من المسلسل)

لا يكفي استمرار الحكاية، إنْ لم تتحلَّ بعناصر تُبيّنها واثقة بأنّ لديها ما تقوله وتضيفه. وللمطاردة أصولها، وهذه تُحبَك وفق أدقّ التفاصيل، فلا يَحدُث ما شاهدناه. هنا البطلة تعبُر الغابات وتركُض مسافات طويلة على الدروب الوعرة بكعبها العالي. وبينما العصابة المسلّحة تُلاحقها، تتمهّل بأعصاب باردة لتُبدّل ملابسها، ثم يحدُث تمهّل ثانٍ وثالث، حين تهمُّ للتسوُّق وتتوقّف في منتصف الطريق! يأتي ذلك، وسط تداخُل جغرافي بين تركيا وسوريا ولبنان، لا يكترث دائماً لعامل الزمن. فجأة، يحدُث الانتقال من هنا إلى هناك، فهنالك، بما يُبيِّن أنه غير ممسوك تماماً، وهذه ليست عادة المخرج فيليب أسمر.

رفيق علي أحمد وطوني عيسى في مشهد من المسلسل

عينُه بديعة وكاميرته مجتهدة، لكنّ توقيعه هذا المسلسل لم يشكّل إضافة. مرَّت مشهديات طبيعية جميلة، وصوَّر بـ«الدرون» لقطات مُتقَنة، ثم انصرف إلى الإفراط في «الكلوز آب» اللاداعي له. أمامه، بدت مضحكة لقطة «الرقبة»، ولم يجد ضرورة لأنْ تُعيدها البطلة، لتصبح أكثر إقناعاً. وأمامه، انتقل طوني عيسى بدور «الهرم» من مكانة إلى أخرى. كان حقيقياً أكثر، ومقنعاً، وفي الجزء الثاني، قلَّ تصديق الشخصية. أما الحضور الإعلاني لماركة «علكة»، بهذا الشكل المكشوف، فقد قوَّض السياق الفني أكثر مما منحه الطرافة.

رفيق علي أحمد بشخصية تاجر المخدرات (لقطة من المسلسل)

تقول القصة إنّ محترفاً لتصميم الملابس في بيروت يحشو المخدّرات في الفساتين والأقمشة، فأتى بطلاها «سما» و«لؤي الديب»، (محمد الأحمد)، وانتحلا صفة صاحبَي المعمل لإنجاز مَهمة هدفها القضاء على تاجر المخدرات الخطير «الغول»، (رفيق علي أحمد)، الهارب من لبنان إلى تركيا. الرحلة محفوفة بالخطف والموت والمشاعر المولودة من المآسي المشتركة، وهنا سلَّم المسلسل بطلته إلى رجل آخر من العصابة نفسها، لتقع في غرامه. ساد مناخٌ مُستهلَك حين خفق القلبان، لمجرّد أنّ هذا يحدث عادةً في المسلسلات. تنجح المَهمَّة «2024» بقيادة «شعبة المعلومات» في «قوى الأمن» للإيقاع بإمبراطور المخدرات، المتصارِع أيضاً مع رأس آخر هو «عماد»، (غبريال يمّين). «لؤي» الآتي من حيث لا ندري (لم يُلمح الجزء الأول إلى أنّ لرئيس العصابة «ناظم الديب» ابناً)، مُشبَّع بالرغبة في الانتقام من قتلة والده. وبينما القصة تمتدّ على 15 حلقة، سارت الأحداث وفق المُخطَّط وغير المُخطَّط له. هذا مشوّق لو تماسك السياق. أتت النهاية لتؤكد المؤكَّد: يموت الوحش وينعم الحبيبان بالسعادة. الاكتفاء بالجزء الأول كان ليُبقي المسلسل قيِّماً في الذاكرة.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

مصر: مهرجان «العلمين الجديدة» يختتم بعد 50 يوماً من السهر

ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)
ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)
TT

مصر: مهرجان «العلمين الجديدة» يختتم بعد 50 يوماً من السهر

ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)
ويجز في حفل ختام مهرجان العلمين (إدارة المهرجان)

اختتم مهرجان «العلمين الجديدة» نسخته الثانية بحفل غنائي للمطرب المصري الشاب ويجز، الجمعة، بعد فعاليات متنوعة استمرت 50 يوماً، ما بين حفلات غنائية وموسيقية وعروض مسرحية، بالإضافة إلى أنشطة فنية ورياضية متعددة.

وشهدت النسخة الثانية تعاوناً بين إدارة المهرجان والهيئة العامة للترفيه، ممثلة في إدارة «موسم الرياض»، بتقديم عروض مسرحية في العلمين قادمة من «موسم الرياض»، من بينها مسرحيات «السندباد» لكريم عبد العزيز، ونيللي كريم، و«التلفزيون» لحسن الرداد، وإيمي سمير غانم، إلى جانب حفلات غنائية منها حفل الفنان العراقي كاظم الساهر.

ومنحت الشراكة بين «موسم الرياض» و«العلمين الجديدة»، زخماً كبيراً للفعاليات، حسب الناقد الفني المصري محمد عبد الرحمن، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «تقديم العروض المسرحية يُعدّ من أهم الإضافات التي شهدها المهرجان في نسخته الثانية العام الحالي، خصوصاً مع وجود نجوم كبار شاركوا في هذه العروض».

عمر خيرت مع إسعاد يونس ضمن فعاليات المهرجان (إدارة المهرجان)

وأضاف عبد الرحمن أن «من بين الأمور المميزة في العروض التي تضمّنها المهرجان عدم اقتصار المسرحيات على النجوم، ولكن أيضاً على الشباب، على غرار مسرحيتي (الشهرة)، و(عريس البحر)، وهما العرضان اللذان لاقيا استحسان الجمهور، ما انعكس في نفاد تذاكر المسرحيات خلال ليالي العرض».

يدعم هذا الرأي الناقد الفني خالد محمود، الذي يشير إلى أهمية التعاون بين الجانبين بما ينعكس إيجاباً على المحتوى الفني المقدم للجمهور، مشيراً إلى أن «في النسخة الثانية من مهرجان (العلمين الجديدة) تحقق جزء كبير من الأحلام والطموحات التي جرى الحديث عنها بعد انتهاء الدورة الأولى، عبر مشاركة نجوم عرب في الحفلات على غرار ماجدة الرومي، وكاظم الساهر، بعد غياب لفترة طويلة».

وأشار محمود إلى «تنوع الحفلات الغنائية والفعاليات المصاحبة للمهرجان، خصوصاً فيما يتعلّق بالاستعانة بفرق الفنون الشعبية من مختلف المدن المصرية لتقديم عروضها في المهرجان بحفلات متنوعة»، لافتاً إلى أن «غياب البث المباشر للحفلات كان بمثابة نقطة ضعف لا بدّ من تجاوزها في النسخة المقبلة».

وتضمن المهرجان، الذي افتتح حفلاته الغنائية محمد منير في يوليو (تموز) الماضي، فعاليات جماهيرية كثيرة، منها الاحتفال بأبطال مصر الحاصلين على ميداليات في دورة الألعاب الأوليمبية، بالإضافة إلى إطلاق فعاليات مهرجان «نبتة»، الذي قدم أنشطة فنية وترفيهية للأطفال بمشاركة فنانين، من بينهم أحمد أمين وهشام ماجد.

محمد منير خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

ومن بين الحفلات الفنية الكبرى التي شهدها المهرجان، حفلات عمرو دياب، وتامر حسني، وعمر خيرت، وفريق «كايروكي»، بجانب تصوير عشرات الحلقات التلفزيونية مع نجوم الفن من مصر والعالم العربي الذين شاركوا في المهرجان.

وشهدت سماء مدينة العلمين الجديدة عروضاً جوية بالطائرات في الأيام الأخيرة للمهرجان، فيما قدمت فرق متعددة من جهات وأقاليم مختلفة عروضاً مجانية لمسرح الشارع.

إحدى فرق الفنون الشعبية ضمن فعاليات المهرجان (إدارة المهرجان)

وأعلنت «اللجنة العليا» للمهرجان، في بيان، السبت، انتهاء الفعاليات بعد تحقيقه «خدمة توعوية وتثقيفية وسياسية وتنموية ومجتمعية للدولة المصرية وأبنائها بتنفيذ عدد غير مسبوق من الفعاليات الشاملة، ومشاركة جميع أطياف المجتمع المصري وفئاته العمرية والصحية والاقتصادية والتعليمية، واستقبال زوار من 104 جنسيات لدول أجنبية، وكذلك عدد كبير من المسؤولين والدبلوماسيين العرب والأجانب».

ويتوقف محمد عبد الرحمن عند إعلان المهرجان تخصيص 60 في المائة من الأرباح لدعم فلسطين للتأكيد على أن «تأثير المهرجان ليس فنياً ترفيهياً فقط، بل يحمل رسالة مجتمعية مهمة».

ويشير خالد محمود إلى «ضرورة استفادة المهرجان مما تحقّق على مدار عامين بترسيخ مكانته بين المهرجانات العربية المهمة، الأمر الذي يتطلّب مزيداً من التوسع في النُّسخ المقبلة التي تتضمن التخطيط للاستعانة بنجوم عالميين لإحياء حفلات ضمن فعالياته».