«العتبة» تزدحم بالمصريين الباحثين عن ملابس العيد الرخيصة

ملاذ الطبقة المتوسطة والسوق الأشهر في القاهرة

الباعة الجائلون والمارة يتكدسون في ميدان العتبة (تصوير عبد الفتاح فرج)
الباعة الجائلون والمارة يتكدسون في ميدان العتبة (تصوير عبد الفتاح فرج)
TT

«العتبة» تزدحم بالمصريين الباحثين عن ملابس العيد الرخيصة

الباعة الجائلون والمارة يتكدسون في ميدان العتبة (تصوير عبد الفتاح فرج)
الباعة الجائلون والمارة يتكدسون في ميدان العتبة (تصوير عبد الفتاح فرج)

«من الإبرة للصاروخ»... ربما يكون هذا هو الشعار المثالي الذي يعبّر عن منطقة العتبة، وسط القاهرة، حيث تضم باعة جائلين ومحلات لكل شيء قد تحتاجه الأسرة المصرية، ويؤكد ذلك الشعار الزحام الكبير الذي تشهده في الأيام الأخيرة قبل عيد الفطر. وأصبحت العتبة، التي تعدّ أشهر سوق شعبية في مصر، ملاذاً للطبقة المتوسطة بسبب الظروف الاقتصادية وموجات الغلاء المتلاحقة، ومن المعروف أن بائعي ومحلات تلك المنطقة تبيع الملابس والأحذية وجميع المستلزمات الأخرى المشهورة بـ«لبس العيد» بأسعار تنافسية أقل بكثير من المحلات في المناطق الأخرى بالقاهرة.

ولمجرد أن تقطع ميدان العتبة، بدءاً من الجراج الحكومي المقابل للمسرح القومي، مروراً بالموسكي وسور الأزبكية، وصولاً إلى المجمع التجاري «صيدناوي» الحديث، لا بد أن تشق الطريق وسط حشود بشرية لا يمكن تفاديها بسهولة، بالإضافة إلى الباعة الجائلين ومفترشي الأرصفة ببضائعهم زهيدة الثمن.

شوارع العتبة تشهد زحاماً شديداً قبل عيد الفطر (تصوير - عبد الفتاح فرج)

وسط الزخم المعماري الشديد من طراز «الروكوكو» إلى «الإنجليزي»، و«الفلورنسي»، تمور حركة الشارع والباعة وتتحول المباني القديمة إلى مخازن للأقمشة والملابس والأحذية، وتخصص الأسر المصرية يوماً كاملاً على الأقل للتجول في هذه السوق الشعبية الكبيرة للحصول على احتياجاتها، وفق ما يؤكد حسن مصطفى، الذي قال إنه «لجأ للعتبة كي يشترى ملابس العيد لأبنائه الثلاثة، نظراً لملائمة الأسعار لراتبه البسيط كموظف في إحدى شركات القطاع العام». حسن استطاع أن يشتري لأبنائه أحذيةً جديدةً وملابس وألعاباً بسيطة بمبلغ لا يتجاوز ألفي جنيه (الدولار يساوي 47.55 جنيه)، حسب قوله.

ويعدُّ العيد فرصةً كبيرةً وموسماً لبائعي العتبة التي تشتهر بصنوف مختلفة من البضائع، أشهرها الملابس والمصنوعات الجلدية من أحذية وحقائب وأحزمة وخلافه. يقول صابر محروس، صاحب محل لبيع الأحذية بالعتبة: «ننتظر هذا الموسم كل عام، لأن الكثير من الأسر تأتي لشراء أحذية لأطفالهم، ونستعين بعمالة إضافية للبيع خلال هذه الأيام بسبب الزحام الشديد».

وبينما تتراوح الأسعار لدى صابر من 130 جنيهاً إلى 600 جنيه للحذاء الرياضي، تبدأ الأحذية في محلات أخرى خارج منطقة العتبة من 250 جنيهاً وتصل إلى عدة آلاف في محلات الماركات الراقية.

مبنى البريد المصري من المعالم التاريخية العتيقة في ميدان العتبة (تصوير- عبد الفتاح فرج)

تتميز العتبة بأنها تقريباً في «قلب القاهرة»، فمبنى البريد الموجود وسط ميدان العتبة، توجد بداخله نقطة الصفر التي تحدد المسافة على الطرق السريعة بين القاهرة العاصمة وأي مكان آخر في مصر. ربما لهذا السبب اختارها الخواجة فيكتور ترينج ليبني عليها مبناه الشهير عمارة «ترينج» عام 1913، لتصبح أول مول تجاري كبير يضم ماركات العطور الفرنسية والأزياء الراقية التي تحمل الطابع الأوروبي على نمط محلات «سيزار ريتز» في أوروبا، وكانت قبلة للباشوات والأفندية والهوانم.

هذه العمارة التي ما زالت موجودة بملامحها المطموسة، وتصميمها الفريد الذي وضعه المعماري النمساوي أوسكار هورويتز، تعدُّ مركز الميدان الذي يضج بالباعة الجائلين والمحلات، وقد تحول الميدان بدءاً من الانفتاح إلى ملاذ للطبقة المتوسطة. «بعد ذلك أصبحت العتبة مرتبطةً بالطبقة الشعبية من الكادحين والبسطاء»، حسب ما يقول رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» محمود العسقلاني، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الطبقة المتوسطة تتآكل، وعادت لتبحث عن سبل الحياة في المناطق والأسواق الشعبية بعد أن كانت تشترى ملابسها واحتياجاتها من الماركات أو على الأقل من محلات معروفة، أصبحت بفعل إجراءات الإصلاح الاقتصادي منذ عام 2018 تشترى احتياجاتها من الأسواق الشعبية مثل العتبة».

وأرجع العسقلاني الزحام الشديد في منطقة العتبة قبل العيد إلى «حرص أبناء الطبقة المتوسطة على (الستر)، أي يحافظون على عاداتهم ويشترون ملابس جديدة للعيد لأبنائهم، ولكن بأقل مبالغ ممكنة، لذلك يتجهون إلى العتبة، في حين اتجه الفقراء والكادحون من العتبة إلى أسواق أخرى أرخص مثل وكالة البلح». وتقف العتبة على مشارف حضارتين أو عصرين كبيرين، فهي جزء من القاهرة التاريخية أو الفاطمية، كما أنها تلامس القاهرة الخديوية عند ميدان الأوبرا، ويوجد بها المسرح القومي وسور الأزبكية أشهر الأسواق الشعبية لبيع الكتب، بالإضافة إلى حديقة الأزبكية ذات الطابع الفرنسي الذي يتم تجديدها لإعادة افتتاحها قريباً.

الزحام في ميدان العتبة بقلب القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)

وقد أصبح كل شارع في العتبة تقريباً متخصصاً في تجارة معينة، فمثلاً شارع جوهر مقابل محطة الأتوبيس يبيع جميع أنواع الملابس الجاهزة، ويتخصص الشارع الأيسر المتفرع منه في بيع الأحذية والحقائب، أما منطقة الرويعي، وتقبع في إحدى زوايا العتبة المزدحمة، فتشتهر ببيع مستلزمات وإكسسوار المنزل. وبينما تختص منطقة درب البرابرة ببيع لوازم حفلات السبوع والولادة، توجد المناصرة لبيع الأثاث، ومحمد علي لبيع الآلات الموسيقية، وشارع عبد العزيز لبيع أجهزة المحمول والأدوات الكهربية، وشارع الجمهورية للأدوات والأجهزة الثقيلة مثل مستلزمات المحاريث وحفار الخرسانة المعروف شعبياً بـ«الصاروخ».

«هانو، شيكوريل، بنزيون، عدس، ريفولي، صيدناوي...»، كلها أسماء لعائلات تجارية كبرى استوطنت العتبة وقت مجدها، وما زالت آثارهم واضحة في المكان، إلا أن بضاعتهم التي كانت تأتي من أوروبا عفا عليها الزمن، وأصبح السائد لدى الباعة في هذا المكان «مخرجات مصانع بئر السلم» أو السلع الرخيصة عموماً، حسب ما يؤكد رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء».

وكان لتأثير إجراءات الإصلاح الاقتصادي دورٌ كبيرٌ في اقتراب الكثير من أبناء الطبقة المتوسطة من سور الطبقة الكادحة أو الفقراء، ليتشكل هذا المشهد من الزحام في قلب القاهرة، على بضائع ربما ليست بالجودة العالية لكنها بالسعر المناسب.


مقالات ذات صلة

ترشيح بيسنت يدفع عقود «داو جونز» الآجلة لأعلى مستوياتها على الإطلاق

الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)

ترشيح بيسنت يدفع عقود «داو جونز» الآجلة لأعلى مستوياتها على الإطلاق

سجلت عقود «داو جونز» الآجلة أعلى مستوى لها على الإطلاق يوم الاثنين، محققة مكاسب ملحوظة بين عقود مؤشرات الأسهم الأميركية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مخطط مؤشر الأسهم الألماني «داكس» في بورصة فرانكفورت (رويترز)

الأسواق الأوروبية ترتفع بفضل بيسنت وتصريحات تخفيف السياسة النقدية

افتتح المؤشر الرئيسي للأسواق الأوروبية تداولاته اليوم (الاثنين) على ارتفاع، ليصل إلى أعلى مستوى له في أسبوعين.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد مستثمران يتابعان أسعار الأسهم على شاشة «تداول» السعودية (رويترز)

سوق الأسهم السعودية تُنهي الأسبوع بتراجع إلى 11840 نقطة

أغلق مؤشر الأسهم السعودية الرئيسية «تاسي» آخِر جلسات الأسبوع متراجعاً بمقدار 27.40 نقطة، وبنسبة 0.23 في المائة، إلى 11840.52 نقطة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد تمثيلات عملات الريبل والبتكوين والإيثيريوم واللايتكوين الرقمية (رويترز)

عصر ذهبي جديد للعملات المشفرة مع تجاوز قيمتها السوقية 3 تريليونات دولار

وسط موجة من التفاؤل والتوقعات بتحولات جذرية، حافظت سوق العملات المشفرة على زخم صعودي قوي عقب فوز الرئيس المنتخب دونالد ترمب في انتخابات 5 نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مستثمران يتابعان شاشة التداول في السوق المالية السعودية (رويترز)

سوق الأسهم السعودية تكسب 18 نقطة بدعم من البنوك

ارتفع «مؤشر الأسهم السعودية الرئيسية» (تاسي)، بنهاية جلسة الاثنين، بنسبة 0.16 في المائة، وبمقدار 18 نقطة، ليصل إلى مستويات 11830.38 نقطة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«هيئة المكتبات» السعودية تنظم معرضاً لمجموعة نادرة من المخطوطات التاريخية

يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
TT

«هيئة المكتبات» السعودية تنظم معرضاً لمجموعة نادرة من المخطوطات التاريخية

يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)

تنظم هيئة المكتبات «معرض المخطوطات السعودي» في العاصمة الرياض خلال الفترة من 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي إلى 7 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تحت شعار «حكايات تُروى لإرث يبقى»، الذي يتضمن مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى، التي تغطي مجالات معرفية متعددة.

ويضمُّ المعرض باقة متنوعة من الفعاليات المصاحبة، تشمل ورش عمل يقدمها نُخبةٌ من العلماء والباحثين، وتحظى بمشاركة المهتمين بالتراث المخطوط؛ لمعرفة أهمية المخطوطات، وتقنيات حفظها وترميمها، ورقمنتها وأرشفتها، إلى جانب دراستها وتحليلها.

كما يُقدم المعرض تجربةً إثرائية فريدة للزائر عبر أقسامه المختلفة، وعبر التجارب الرقمية وصناعة المحتوى، والاطلاع على جدارية المخطوطات.

ويسعى «معرض المخطوطات السعودي» إلى استضافة كثير من الزوار والمهتمين بالمخطوطات على مستوى محلي وإقليمي ودوليّ، سواءً كانوا من القُرّاء والباحثين، أو مُلّاك المخطوطات من الأفراد والمؤسسات، أو صناع المحتوى الذي يتناسب مع هذا المجال، بالإضافة إلى منسوبي المكتبات السعودية والعالمية، والجهات ذات العلاقة، وذلك لتوسيع دائرة التركيز على هذا المجال الفريد، وإضفاء مزيد من التواصل للإبقاء على رونقه والاهتمام به.

يأتي تنظيم هيئة المكتبات للمعرض بهدف إبراز دور السعودية في الاهتمام بحفظ التراث الثقافي المخطوط محلياً ودولياً، وعكس أهمية حفظ التراث المخطوط، وتيسيره، ونشره محلياً وعربياً، والإسهام في النمو الثقافي والاقتصادي للقطاع في مجال المخطوطات، وتسليط الضوء على الخبرات الوطنية في علم المخطوطات وترميمها، وتعزيز الوعي المعلوماتي حول قيمة المخطوطات وتاريخها الثقافي بوصفها إرثاً ثقافياً مُمتداً.