الحلوى والحنّاء من تقاليد احتفال الجزائريين بالعيد

فتاة تضع حناء على يدها (أرشيفية - رويترز)
فتاة تضع حناء على يدها (أرشيفية - رويترز)
TT

الحلوى والحنّاء من تقاليد احتفال الجزائريين بالعيد

فتاة تضع حناء على يدها (أرشيفية - رويترز)
فتاة تضع حناء على يدها (أرشيفية - رويترز)

تُصِرّ الأربعينيّة الجزائريّة صارة على تخضيب أيادي صغارها بالحنّاء في ليلة العيد، كما كانت أمّها تفعل معها ومع إخوتها حينما كانوا صغاراً.

صارة، وهي أمٌ لثلاثة أطفال، قالت في حوار أجرته معها «وكالة أنباء العالم العربي» إنّ طقوس الحنّاء تتميّز بخصوصيّة عندما يصادف العيد وجودهم في بيت جدّتها بحي القصبة العتيق في العاصمة، وإنّها تُحافظ على هذا الموروث الذي بدأ الكثير من النسوة يتخلين عنه.

وما زال هناك الكثير من العائلات الجزائريّة التي تتمسّك بالعادات التقليديّة لاستقبال عيد الفطر، والتّي توارثتها الأجيال، ومن بينها تخضيب أيادي الأطفال بالحنّاء وإعداد الحلوى وشراء الملابس والهدايا، خصوصاً للصغار، من أجل إدخال البهجة إلى قلوبهم.

ففي ليلة العيد، ومباشرة بعد أن تُذاع رؤية هلال شهر شوال ويُعلن أولّ أيّام العيد، تُسارع الأمّهات في أغلب المناطق الجزائريّة إلى تزيين أيادي الأبناء بالحنّاء.

وتضع الأمّهات والجدّات أقراصاً من الحنّاء في أكفّ الصغار أو تخضّبن أصابع السبابة اليمنى لهم؛ وبالنسبة للبنات، فتُخضّبن كل اليد، وكثيرات يعمدْن لنقش الحنّاء في أيادي بناتهن.

أمّا برنامج العيد بالنسبة للجزائريين، فيبدأ بالخروج إلى الساحات المخصّصة والمساجد لأداء صلاة العيد؛ وبعد الفروغ منها، تبدأ الزيارات بين أفراد العائلة وتتمحور حولها حلوى العيد والملابس التي يتباهى بها الأطفال.

تبدأ أجواء العيد تلوح في الأفق مع انسلاخ الأيام الأخيرة من شهر رمضان، حيث ينخرط أغلب الجزائريين في التحضير لمستلزمات العيد على صعيدي تحضير الحلوى والملابس الجديدة.

وتعجّ محال المواد الغذائية والسوبر ماركت والمحال المتخصصة في بيع مستلزمات صناعة الحلوى بأعداد كبيرة من الزبائن، الذين يقصدونها في الأيام الأخيرة من شهر رمضان لاقتناء احتياجاتهم الأساسية التي تدخل في صناعة حلوى العيد.

وتعدّ حلوى العيد بالنسبة للأسر الجزائرية ضرورة؛ كون العائلات تستعد لاستقبال الضيوف الذين يتوافدون في زيارات العيد بها.

ويتحوّل كثير من بيوت الجزائريين ورشاً لصناعة الحلوى، خاصة في أوقات الليل، حيث تكون النسوة في الفترة الصباحيّة منشغلات بإعداد الإفطار.

وما إن تُرفع مائدة الإفطار ويخرج الرجال من المنزل إما لصلاة التراويح أو السهر، حتّى تنطلق النساء في إعداد أصناف الحلوى الخاصة بالعيد.

لكن مع التحوّلات الاجتماعيّة وزيادة خروج النساء إلى سوق العمل، بدأت تتغيّر ملامح الأسر الجزائرية؛ وبرز ذلك في مجال نشاط توفير حلوى العيد الجاهزة.

وتقوم النساء اللاتي يعملن في صناعة الحلوى بتسويق منتجاتهن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وقالت أمّ أماني، التّي تعدّ الحلوى التقليديّة في بيتها بضواحي العاصمة، لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إنّ معظم الطلبيّات المتعلّقة بالعيد تدور حول الحلوى التقليديّة، خاصة «المقروط» بجميع أنواعه، و«القريوش»، وتعرضه للبيع بسعر 50 ديناراً (نحو 0.37 دولار أميركي) للقطعة الواحدة.

أمثال أمّ أماني كثر؛ غير أنّ نساء جزائريّات عدّة، منهن العاملات والموظّفات، يفضّلن تحضير حلوى العيد بأياديهن في أجواء عائلية.

وتعدّ طقوس إعداد الحلوى للجزائريين ركيزة العادات في الأيام الأخيرة من شهر رمضان؛ الجزائرية آسيا، وهي سيّدة في العقد السابع من عمرها، تصرّ على إعداد ما تيسّر من الحلوى التقليديّة رغم أن أسعار المواد التي تستعملها سجّلت ارتفاعا في السنوات الأخيرة.

سجّلت أسعار المواد المدخلة في صناعة الحلوى، خاصة ما تعلّق منها بالحشو والتزيين، ارتفاعاً في السنوات الماضية؛ فالفول السوداني يتراوح سعره بين 500 و600 دينار للكيلوغرام، والجوز بين 1000 و1200 دينار، واللوز بين 2000 و2200 دينار والفستق 4000 دينار.

وتعدّ حلوى العيد ضرورية؛ لأنّ الذي يزور أهله لا بد أن يتناولها؛ ومن يستضيف، لا بد من أن تتزين مائدته بها لضيوفه، مثلما تؤكد آسيا.

آمال، وهي موظفة في الأربعينات من عمرها، قالت لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إنه على الرغم من ضيق الوقت أمام التزاماتها المهنية وواجباتها تجاه زوجها وابنتها، وحرصها على رعاية أمّها المسنّة والمريضة، فإن إعداد حلوى العيد بيدها أمر «مقدّس» بالنسبة لها.

ويُلاحظ في الأعوام الأخيرة، خاصة بعد انتشار استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، وجود تطوّر في نوعيّة الحلوى التي يتناولها الجزائريون، حيث بدأت بعض الأصناف التقليديّة التي كانت في وقت سابق مقدسة لدى العائلات الجزائرية تختفي من قائمة أصناف الحلوى.

ومن أهم الأصناف التقليدية التي كانت العائلات الجزائرية تحرص في السابق على تحضيرها للعيد «المقروط» و«التشاراك» و«القريوش» و«الصامصة» و«البقلاوة» و«العرايش» و«القنيدلات» و«الدزيريات»، وغيرها.

غير أنّه في الوقت الحالي بدأت أصناف جديدة تعتمد على الجمال الشكلي أكثر من المذاق، تعوّض وجود هذه الأصناف التقليديّة.

ويتجدد الجدل حول زكاة الفطر في الجزائر كل عام، بين من يرى ضرورة إخراجها طعاماً من قوت أهل البلد، وبين من يقول إنه يمكن إخراج قيمتها نقداً.

وتبلغ قيمة الزكاة في الجزائر لهذا العام 150 ديناراً عن كل فرد، وفق ما أعلنت في وقت سابق وزارة الشؤون الدينيّة والأوقاف؛ غير أنّ هذا العام دخل على خط النقاش في موضوع الزكاة ما ترتب على حرب غزة.

وتماشياً مع فتوى عدد من العلماء، الذين قالوا بأولوية سكان غزة بزكاة المسلمين، سارعت جمعيات خيرية عدة في الجزائر إلى إعلان جمعها والتعهّد بتسليمها إلى مستحقيها في قطاع غزة في آجالها الشرعية قبل صلاة العيد.

وبالفعل، شهدت الحملة تجاوباً من الكثير من الجزائريين؛ وقالت الجمعيّة القائمة على الحملة في منشور لها عبر صفحتها على «فيسبوك» إنّ التحضيرات بدأت ميدانيّاً لتوزيع الزكاة على المستحقّين في شمال قطاع غزة والمحافظة الوسطى ورفح ودير البلح وغيرها من مناطق قطاع غزة.

(الدولار الأميركي يُساوي 134.77 دينار جزائري)


مقالات ذات صلة

البرلمان الجزائري يصادق على حزمة قوانين «مثيرة للجدل»

شمال افريقيا جانب من جلسة المصادقة على النصوص المثيرة للجدل (البرلمان)

البرلمان الجزائري يصادق على حزمة قوانين «مثيرة للجدل»

صادق «المجلس الشعبي الوطني» في الجزائر على حزمة من النصوص التشريعية تعدها الحكومة ذات طابع هيكلي، لكنها أثارت جدلاً كبيراً.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا صورة متداولة للمتهم الرئيس كمال شيخي

الجزائر: تأجيل محاكمة «قضية الكوكايين الكبرى» وسط تساؤلات عن استراتيجية الدفاع

تحولت قضية كمال شيخي «مسلسلاً قضائياً طويلاً، تتكرر فيه التأجيلات، تحت ذرائع إدارية أو فنية أو إجرائية؛ ما يُغذي الشكوك حول خلفيات هذا التعطيل...

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا محكمة الجنايات بالعاصمة الجزائرية (متداولة)

الجزائر: انطلاق محاكمة المتهمين في «فضيحة 701 كلغ من الكوكايين»

تم اكتشاف 701 كلغ من الكوكايين يوم 29 مايو 2018 من طرف الجمارك بميناء وهران، كانت مخفية داخل صناديق لحوم مجمدة مستوردة من البرازيل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا مصافحة بين الرئيسين الجزائري والفرنسي قبل تفاقم التوترات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)

عودة «اتفاق 1968» إلى الواجهة يضع العلاقات الجزائرية - الفرنسية أمام اختبار جديد

مبادرة برلمانية فرنسية تهدف إلى تقييم الإنفاق المرتبط بـ«اتفاق 1968»، الذي ينظّم الهجرة في فرنسا بالنسبة للجزائريين، ويُعدُّ من أبرز عناصر الخلاف بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا علي غديري قبل اعتقاله وسجنه (متداولة)

الجزائر: الجنرال علي غديري يغادر السجن وسط تكتم رسمي

استعاد اللواء الجزائري المتقاعد علي غديري حريته بعد انتهاء عقوبة 6 سنوات قضاها في السجن بسبب تصريحات صحافية، رأت فيها قيادة الجيش «تحريضاً للعسكر»

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«اليونيسكو» للتعاون مع مصر في تطوير المتحف الزراعي

لوحة البقرة الفلكية بالمتحف الزراعي المصري (المتحف الزراعي المصري)
لوحة البقرة الفلكية بالمتحف الزراعي المصري (المتحف الزراعي المصري)
TT

«اليونيسكو» للتعاون مع مصر في تطوير المتحف الزراعي

لوحة البقرة الفلكية بالمتحف الزراعي المصري (المتحف الزراعي المصري)
لوحة البقرة الفلكية بالمتحف الزراعي المصري (المتحف الزراعي المصري)

في خطوة للحفاظ على التراث الزراعي والتطور التاريخي لهذا القطاع في مصر، الذي يمتد لآلاف السنين، بحثت وزارة الزراعة المصرية مع منظمة «اليونيسكو» في سبل تعزيز التعاون في أعمال تطوير المتحف الزراعي الموجود بحي الدقي (غرب القاهرة).

ويعدّ المتحف الزراعي المصري من أكبر المتاحف الزراعية في العالم، وأنشئ على مساحة تزيد على 30 فداناً في سراي الأميرة فاطمة إسماعيل ابنة الخديو إسماعيل، وبدأ العمل به عام 1930 في عهد الملك فؤاد، ويضم ثمانية مبانٍ بمنزلة ثمانية متاحف نوعية بداخله، وفيه مقتنيات تحكي تاريخ مصر الزراعي منذ الحضارة المصرية القديمة وحتى العصر الحديث.

التقى علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، ونوريا سانز، مديرة مكتب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) بالقاهرة، للبحث في سبل تعزيز التعاون في أعمال التطوير الخاصة بالمتحف الزراعي في الدقي.

المتحف الزراعي المصري يضم العديد من المقتنيات والمجسمات (المتحف الزراعي المصري)

وناقش وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري، علاء فاروق، مع مديرة مكتب منظمة اليونيسكو بالقاهرة، نوريا سانز، سبل الاستغلال الأمثل للمتحف الزراعي، ليكون مركزاً رائداً للمعرفة والابتكار في مجال التراث الزراعي، وليصبح وجهة تعليمية وثقافية جاذبة على المستويين المحلي والدولي.

وتحرص وزارة الزراعة على تعميق الشراكة مع «اليونيسكو» في مجالات متعددة، بما في ذلك المقتنيات المتحفية الزراعية، وتبادل الخبرات في مجال الحفاظ على المقتنيات الخاصة بـالتنوع البيولوجي وصون الموارد الطبيعية، وفق بيان للوزارة، الثلاثاء.

ويعدّ المتحف الزراعي كنزاً مهماً يجب الحفاظ عليه وتطويره ليواصل دوره في خدمة المهتمين بـالشأن الزراعي والثقافة والعلوم الزراعية، حيث يقدم صورة مشرفة للتراث الزراعي المصري العظيم، وفق تصريحات وزير الزراعة المصري، الذي أكد أن المتحف الزراعي المصري هو أول متحف زراعي في العالم وثاني أكبر متحف من نوعه بعد المتحف الزراعي في العاصمة المجرية بودابست، وينفرد باقتناء مجموعة تاريخية زراعية مهمة وكاملة، تتناول تاريخ الزراعة في مصر وتطورها على مر العصور، حسب البيان.

وخلال جولة، بالمتحف أبدت مديرة مكتب اليونيسكو إعجابها الشديد بما شاهدته من كنوز زراعية وتراثية، وأكدت أهمية المتحف الزراعي بوصفه مركز إشعاع ثقافياً وعلمياً يسهم في إثراء المعرفة وتعميق الوعي الزراعي.

تمثال لنيلوس إله النيل في العصر الروماني (المتحف الزراعي المصري)

وناقش الجانبان برامج العمل المشتركة، ومن المتوقع أن يشمل التعاون الصيانة والحفظ والعرض المتحفي الجذاب، وتقديم «اليونيسكو» الدعم والخبرات الفنية، وتدريب الكوادر، فضلاً عن التوثيق والترويج للمتحف ليكون عامل جذب للمهتمين من مختلف دول العالم.

وتقرر عقد اجتماعات تنسيقية تشترك فيها وزارتا السياحة والآثار والثقافة مع وزارة الزراعة لإيجاد آلية لتطوير وحفظ المقتنيات الموجودة في المتحف، والحفاظ عليها، وإتاحتها للعرض المتحفي أمام الجمهور.

من جانبه، يصف المتخصص في مركز البحوث الزراعية، الدكتور خالد عياد، المتحف الزراعي المصري بأنه «ليس له مثيل، فهو يضم تاريخ الزراعة وأنواع النباتات والطيور والحيوانات، والعادات والتقاليد المصرية المرتبطة بالزراعة منذ عصر الفراعنة وحتى العصر الحديث».

ويضيف عياد لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المتحف لا يعد متحفاً بل يضم 8 متاحف بداخله، من بينها متحف للبذور، وآخر للقناطر الخيرية وللأدوات الزراعية منذ العصور القائمة حتى الآن، وكذلك متحف للطيور والحيوانات».

تضمن المتحف العديد من النماذج المهمة للأزياء المرتبطة بالمصريين (الدكتور خالد عياد)

وأشار إلى وجود صالة للسينما داخل المتحف، وقال: «هناك مواد كثيرة بالمتحف عن تاريخ الزراعة، بل عن العادات والتقاليد المرتبطة بالزراعة والأزياء المصرية المرتبطة بالزراعة، وقد كان من حظّي أن رأيتها بضفتي متخصصاً في الزراعة قبل إغلاق المتحف للتطوير، وساعدني على معرفة الكثير من التفاصيل المتربطة بتطوير المتحف كبير المرشدين وقتها محمد صبحي»، موضحاً أن «هناك متحفاً للشمع يضم العديد من مظاهر الحياة الزراعية القديمة والبيوت الريفية»، وأشار إلى أن «المتحف استضاف أخيراً معرض الزهور السنوي، وكنا نتمنى أن يستغل هذه المناسبة ويفتح أبوابه لزوار معرض الزهور ليتعرفوا على مقتنيات المتحف»، وأبدى عياد تمنّيه أن «يؤدي التعاون بين وزارة الزراعة و(اليونيسكو) ووزارات أخرى معنية في إعادة هذا المتحف ليقوم بدوره في حفظ وصيانة التاريخ الزراعي لمصر، وكمرجعية علمية مهمة للباحثين والدارسين».