«حكايات ابن المقفع ولافونتين»... الموعظة بلسان الحيوان

معرض في «اللوفر أبوظبي» يتتبع رحلة النصوص وترجماتها المختلفة وتأثيرها في الثقافة المعاصرة

معرض «من كليلة ودمنة إلى لافونتين... جولة بين الحكايات والحكم» (إسماعيل نور دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي)
معرض «من كليلة ودمنة إلى لافونتين... جولة بين الحكايات والحكم» (إسماعيل نور دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي)
TT

«حكايات ابن المقفع ولافونتين»... الموعظة بلسان الحيوان

معرض «من كليلة ودمنة إلى لافونتين... جولة بين الحكايات والحكم» (إسماعيل نور دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي)
معرض «من كليلة ودمنة إلى لافونتين... جولة بين الحكايات والحكم» (إسماعيل نور دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي)

تقول الحكاية إن فتاة تحمل جرة ممتلئة بالحليب اتخذت طريقها للسوق لبيعها، وفي الطريق حلقت بأحلامها عن المال الذي ستحصده ثمناً للحليب، ولكن أحلام اليقظة توقفت بعد أن تعثرت الفتاة، وسقطت منها الجرة على الأرض لينسكب الحليب، وتتبخر معها القصور التي بنتها في الهواء. قصة سمعناها كثيراً في طفولتنا مثلها مثل الكثير من القصص والحكايات التي تحمل موعظة ودرساً في نهايتها، من يذكر قصة السلحفاة الثرثارة أو الكلب وظله أو الأسد والثور؟ في كل ثقافة هناك قصة مشابهة، نجدها بلغات مختلفة تختلف في تفاصيلها وشخصياتها، ولكنها تتفق على العبرة والدرس الذي يصل لنا على ألسنة الحيوانات.

ببساطة يتلخص الأمر كله في كتاب عربي شهير، وهو «كليلة ودمنة» لعبد الله ابن المقفع، ولمن لا يعرف فابن المقفع ترجم حكايات هندية، وصنع منها كتابه الخالد. لا يتوقف الأمر عند ابن المقفع ولا حكايات كليلة ودمنة، فالمواعظ والقصص الرمزية لها تاريخ متشابك في ثقافات مختلفة ومؤلفون بأسماء لا نعرفها. كل ذلك يستكشفه معرض بديع يقيمه متحف اللوفر أبو ظبي تحت عنوان «من كليلة ودمنة إلى لافونتين جولة بين الحكايات والحكم» فتح أبوابه للزوار الأسبوع الماضي.

معرض «من كليلة ودمنة إلى لافونتين... جولة بين الحكايات والحكم» (إسماعيل نور دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي)

بشغف الطفولة، أو ما تبقى منه، ندخل المعرض منطلقين من عرض بصري جذاب لكتاب ضخم مفتوح على حكايات مكتوبة بخط عربي جميل وأعلاه عرض بصري متتابع لرسومات تضمنتها كتب الحكايات المختلفة منطلقة من ابن المقفع ولافونتين. تصحبنا في الجولة أمينة المعرض أني فرناي نوري، أمينة متحف رئيسيّة سابقة في قسم المخطوطات الشرقيّة في المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة. ينقسم العرض إلى ثلاثة أقسام، وهي: رحلات الحكايات الرمزيّة، رواية القصص ثم الحكايات الرمزيّة اليوم.

يبدو العرض صغيراً من حيث الحجم، ولكن بمجرد الدخول للقاعة الأولى نرى أن هناك كماً ضخماً من الكتب والمخطوطات والرسوم والقطع الفنية التي تنسج لنا قصة كتب الحكايات الرمزية على نحو مركز ينطلق من اليونان والهند وصولاً للعصر الحديث.

معرض «من كليلة ودمنة إلى لافونتين... جولة بين الحكايات والحكم» (إسماعيل نور دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي)

إلى القاعة الأولى إذن بمصاحبة أني فرناي نوري. هنا نرى النشأة الأولى لهذا الأسلوب الأدبي في الهند واليونان والشخصيات التي يُعْزَى لها تطويره. يشير العرض إلى أن ابن المقفع استوحى «كليلة ودمنة» من الكتاب الهندي «بانكاتانترا» الذي يعود للقرن الثالث الميلادي، ونعرف من العرض أيضاً أن ابن المقفع ترجمه في القرن الثامن الميلادي.

نقف على معلومة طريفة تقول إنَّ هناك اليوم نحو 200 نسخة لكتاب «كليلة ودمنة» بأكثر من خمسين لغة.

من اليونانية والهندية للعربية

عن التقليد الغربي للحكايات يشير العرض إلى العالم اليوناني الروماني والحكايات المنسوبة لشخصية «أيسوب» الأسطورية التي يعود تاريخها للقرن السادس قبل الميلاد. بعده نرى نسخاً أثرية للمخطوطة الهندية ثم النسخ العربية. عبر العرض نرى كيف تضافرت التأثيرات الشرقية الهندية والعربية مع الغربية اليونانية لتظهر في كتابات الفرنسي جون لافونتين في القرن السابع عشر الذي بدأ بنقل حكايات من التراث الأيسوبي ثم اكتشف المصادر الشرقية، وبدأ بتقديمها انطلاقاً من كتابه السابع الذي استوحى فيه نحو 20 حكاية رمزية تعود لـ«كليلة ودمنة».

نصيحة هنا لمن يريد أن يعرف تفاصيل انتقال الحكايات من ثقافة لأخرى عبر الترجمات الكثيرة، أن يمنح المعرض وقتاً كافياً لقراءة الشروح تحت كل قطعة معروضة، ولتفحص الكتب والوثائق والرسوم الموجودة في العرض.

معرض «من كليلة ودمنة إلى لافونتين... جولة بين الحكايات والحكم» (إسماعيل نور دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي)

يضم المعرض 130 قطعة مقسمة على ثلاث قاعات، في القاعة الأولى والثانية مخطوطات وكتب ولوحات فنية، وفي القاعة الثالثة أعمال فنية معاصرة مستوحاة من الحكايات، تبرز بين المعروضات لوحة تصور جون دي لافونتين وهو يكتب، ومثل حكاياته الرمزية نراه جالساً تحت ظل شجرة، ونرى غراب العقعق واقفاً على كتفه كأنما يتحدث معه أو ربما يسرد عليه إحدى القصص. تأخذنا اللوحة لجملة كتبها المؤلف الفرنسي في مقدمة كتابه «حكايات لافونتين الرمزية» تقول: «أستخدم الحيوانات حتى أعلم البشر».

لافونتين مع أبطال حكاياته في رسم من عمل الطباع يوجين كابولين (الشرق الأوسط)

ترتبط الصورة مع أخرى شهيرة للمؤلف ظهرت في نسخة كتابه «حكايات لافونتين الرمزية المصورة» (طبع في باريس بين سنتي 1841 و1860) حيث يظهر الكاتب في الرسمة التي نفذها الطباع يوجين كابولين ممسك بقلمه ومحاطاً بأبطال حكاياته الرمزية من الحيوانات، وقد اتخذوا هيئات بشرية بأزياء تتماشى مع ذوق ذلك العصر.

من ترجمة لترجمة

في القاعة عدد كبير من النسخ المترجمة لكتاب «كليلة ودمنة»، ومن الممتع هنا تفحص الرسوم والنقوش المصاحبة لكل نص، هنا نرى نسخة من «كليلة ودمنة» تعود لمصر أو سوريا عام 1220، تتميز برسم أيقوني لشخصيتي كليلة ودمنة. الرسم على بساطته يشع بجمال التصوير والألوان، حيث يواجه ابنا آوي كل واحد منهما الآخر تحيط بهما شجيرات ذات أوراق منمقة. بحسب دليل المعرض تعد المخطوطة التي نفذت خلال الدولة الأيوبية أقدم نسخة مصورة معروفة لدينا اليوم، ولا يعرف الناسخ أو المصور أو من أمر بإنجازه.

من ترجمة نصر الله منشي لكتاب «كليلة ودمنة» (الشرق الأوسط)

المدهش في العرض هو تنوع الترجمات من، وإلى اللغة الأصلية فابن المقفع ترجم النص الهندي المترجم بالفارسي إلى العربية، وهناك ترجمات معروضة تعود بالنص العربي للفارسية مرة أخرى وللغات أخرى متعددة. فنرى نسخة من الترجمة الفارسية التي قام بها نصر الله منشي في عام 1279 -1280 ويعد النص أشهر الاقتباسات الفارسية لكتاب «كليلة ودمنة»، وباللغة الفارسية أيضاً تعرض مخطوطة بديعة الزخارف خطها حسين واعظ الكشفي في إيران عام 1830. وتبرز الترجمات التركية لـ«كليلة ودمنة» بأسلوبها المتميز في الرسومات والمنمنمات، وتعرض منها مخطوطة تروي حكاية الببغاوان وزوجة المرزبان تعود للقرن السادس عشر، ويعد المجلد الصغير إحدى الترجمات التركية لكتاب ابن المقفع انطلاقاً من اللغة الفارسية وبحسب بطاقة التعريف نعرف أن المجلد قد يكون أنجز في إسطنبول خلال نهاية القرن السادس عشر في ورشات البلاط العثماني.

فنانو القرن الـ20 وحكايات لافونتين

يتعدى أثر الحكايات الرمزية المخطوطات التاريخية ويدخل للعالم الفني الأوروبي في القرون 17- 18، حيث نرى لوحات لأشهر الفنانين وقتها أمثال جون هونوريه فراغونا الذي نرى من أعماله «بيريت وجرة الحليب» تعود لعام 1770. ومن العصر الحديث مارك شاغال الذي كلف بعمل الرسوم التوضيحية لكتاب لافونتين، وانشغل بتنفيذه في الفترة ما بين 1927 و1931 نرى منها لوحتين تصور قصتان من الكتاب «الببغاوان، الملك وابنه» والثانية «الحمامتان».

لوحة للفنان مارك شاغال من «حكايات لافونتين» (الشرق الأوسط)

لم تفقد رسوم ابن المقفع ولافنتين جاذبيتها للفنانين المعاصرين، وهو ما يثبته المعرض في القاعة الأخيرة التي تقدم لنا نماذج من الأعمال الفنية التي قدمت تصورات معاصرة لفن الحكايات الرمزية مثل عمل الفنان نبيل بطرس «أحداث متكررة» من 2015 الذي يستخدم فن الأوريغامي لصناعة مجسمات الحيوانات في حكاية الثور والأسد، ولجأ إلى أسلوب الأوريغامي لاختصار المسافة بين العالم المعاصر وبين عالم كليلة ودمنة، فجسم عبره شخصيات الأسد والثور وابن آوى.

أما الفنانة التركية ميليس بوروك فاستخدمت الخزف في صناعة لوحة ثرية بالتفاصيل أسمتها «كليلة ودمنة» من عام 2020، كما ضمت القاعة بعض أعمال الفنانة السعودية أسماء باهميم التي دأبت على صنع الأوراق والأصباغ الخاصة بها لرسم حكايات رمزية تظهر بها الحيوانات المختلفة إضافة إلى الكتابات. والمعروف عن الفنانة اهتمامها بإحياء فن المنمنمات والزخرفة الإسلامية.

من أعمال الفنانة السعودية أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

* «من كليلة ودمنة إلى لافونتين... جولة بين الحكايات والحكم» من 26 مارس إلى 21 يوليو 2024 في اللوفر أبوظبي


مقالات ذات صلة

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.