«مدينة وحكاية» للراحل بازيليكو العاشق لبيروت: شغفُ الذاكرة

معرض بمثابة تحية يُنظّمها المركز الثقافي الإيطالي

يقام معرض «مدينة وحكاية» في مركز «بيروت للفن» (المركز الثقافي الإيطالي)
يقام معرض «مدينة وحكاية» في مركز «بيروت للفن» (المركز الثقافي الإيطالي)
TT

«مدينة وحكاية» للراحل بازيليكو العاشق لبيروت: شغفُ الذاكرة

يقام معرض «مدينة وحكاية» في مركز «بيروت للفن» (المركز الثقافي الإيطالي)
يقام معرض «مدينة وحكاية» في مركز «بيروت للفن» (المركز الثقافي الإيطالي)

يُعدّ الإيطالي الراحل غابريال بازيليكو أحد أشهر المصوّرين الذين وثّقوا مَعالم مدن مختلفة في العالم بكاميرتهم. كانت بيروت إحدى العواصم التي كرَّر زيارتها. أُولى تلك الزيارات شهدها عام 1991، فجال في مناطقها يوثّق وَقْع الحرب والدمار.

عشق بازيليكو هذه المدينة، ولفتت نظره بمشهديتها الهندسية، كما أُعجب بأزقّتها وشوارعها وتناقضات لافتة تسكنها. فزارها من جديد على مدى 3 أعوام: 2003، و2008، و2011.

اليوم، تستضيف بيروت مجموعة من أعماله عبر معرض «مدينة وحكاية» في مركز «بيروت للفن»، بمثابة تحية له من المركز الثقافي الإيطالي برعاية سفارته؛ ويتضمّن نحو 57 صورة فوتوغرافية تبرز جمالية مدن عدّة، منها مدريد، وباريس، ولندن، وشنغهاي، وإسطنبول، إضافة إلى بيروت الحاضرة من خلال 5 لوحات، يوثّق فيها بازيليكو مَشاهد من أسواقها المُدمَّرة ووسطها عندما كان في طور العمران.

الفنان الراحل صوَّر تغيّرات المدن على مرّ الزمن (المركز الثقافي الإيطالي)

كما يُقدّم المعرض جزءاً من المسيرة الفكرية للمصوِّر الذي اهتمّ تحديداً بتاريخ المدن، مُظهِراً روابط الذاكرة الضاربة في الرؤية الفوتوغرافية الصحافية، للَمْس التطوّر في المشهد الحضاري. كذلك يشهد مشاركة كثير من الأعمال الفوتوغرافية سبق أن قُدِّمت في معارض لمؤسّسة الحريري (1991)، ومتحف الفن الحديث في سان فرنسيسكو (2007).

اختار المدير الجديد للمركز الثقافي الإيطالي الدكتور أنجلو جووي أعمال بازيليكو لتُشكّل باكورة نشاطاته في لبنان، فيؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ المعرض يُبيّن بوضوح شغف الفنان الراحل بتغيّرات المدن على مرّ الزمن.

ويتابع: «عشِقَ بازيليكو بيروت، وشاء إصدار كتاب خاص عنها، لكنه رحل قبل تحقيق حلمه»، مشدداً على استثنائية العلاقة بين الرسّام والعاصمة اللبنانية، «لذلك رغب المركز في تقديم هذه التحية له من مدينة أحبَّها».

تلا المعرض نشاطات ثقافية أخرى ينوي «الثقافي الإيطالي» إقامتها في لبنان. يتابع جووي: «سنضيء من خلالها على أسماء فنّية كبيرة مثل بازيليكو، مع تصميمنا على تشجيع مواهب صاعدة يلمع نجمها حالياً في عالم التصوير الفوتوغرافي».

في المناسبة، لبّى صحافيون الدعوة للاطّلاع على المعرض. توزّعت لوحات بازيليكو على أقسام مركز «بيروت للفن»، ولوحظ في غالبية أعماله مدى تركيزه على الفنّ المعماري، وغياب حضور الإنسان. فالفنان الراحل رغب دائماً في إبراز التغييرات المستجدّة في المشهد الجمالي العام لكل مدينة يصوّرها. كرّر زيارته للمدينة نفسها للاطّلاع على تحوّلاتها، فلا تفوّتها عدسة كاميرته.

صور بالأبيض والأسود، وأخرى ملوّنة، استخدمها بازيليكو لإيصال رسائله. غالبيتها تطبعها الإيجابية حول مدن نهضت من كبوتها إثر حرب أو أزمات اقتصادية. ومن بين اللوحات الخاصة ببيروت، تبرز واحدة تتناول عماراتها الشاهقة في منطقة السان جورج، بينما تُظهر صورة أخرى التقطها في وسط المدينة أمام جامع محمد الأمين الشهير، العاصمة اللبنانية تخرج من تحت الركام تحت سماء زرقاء.

شغف بازيليكو بالمدن يميّز المعرض (المركز الثقافي الإيطالي)

وأيضاً، تطلّ كاميرا غابريال بازيليكو على شارع المعرض المدمَّر وسط بيروت، في واحدة من الصور التي تؤلّف مجموعته عن المدينة إثر انتهاء الحرب.

وفي قسم آخر من المعرض، يستكشف زائره تطوّرات عمرانية لمدن مختلفة، من بينها سان باولو في البرازيل، وبرلين، وروما. يعلّق أنجلو جووي: «نلاحظ في صور التقطها الفنان الراحل بفينيسيا الإيطالية، استعادته لرسوم فنانين مشهورين من خلال الكاميرا؛ فقد قصد التقاط صورة على طريقة بيلوتو الشهير في نقل المناظر الجميلة بريشته».

يستمر معرض «مدينة وحكاية» حتى 6 أبريل (نيسان) المقبل، ويُقام بالتعاون مع أرشيف غابريال بازيليكو، ومركز «بيروت للفن».


مقالات ذات صلة

السعودية على درب التحضير لـ«إكسبو 2030»

إعلام الموضوع العام الذي سينعقد «إكسبو الرياض 2030» على ضوئه يحمل رؤية المملكة وهو «تخيل الغدّ» (موقع إكسبو الرياض 2030)

السعودية على درب التحضير لـ«إكسبو 2030»

السعودية تعرض بمناسبة الجمعية العمومية للمكتب الدولي للمعارض التقدم الذي أحرزته في تحضير «إكسبو 2030».

ميشال أبونجم (إيسي لي مولينو: باريس)
يوميات الشرق ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير يتفاعل مع روح المدينة القديمة

مع انطلاق فعاليات الدورة الـ17 من «ملتقى الأقصر الدولي للتصوير» في مصر، الاثنين، بدأ الفنانون المشاركون في التفاعل مع فضاء مدينة الأقصر.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
TT

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

بعيداً عن التكلس السياسي الذي تعانيه ليبيا، انطلق في العاصمة طرابلس مهرجان للفيلم الأوروبي تحت إشراف بعثة الاتحاد الأوروبي إلى البلاد، بالتعاون مع الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، في خطوة تستهدف توسيع الشراكة الثقافية وكسر حاجز الانقسام، من خلال تجميع الليبيين بالثقافة والفن.

وتشارك في النسخة الأولى من المهرجان، التي انطلق الأحد، 5 سفارات أوروبية عاملة في ليبيا، بأعمال يتم عرضها للجمهور مجاناً لمدة 5 أيام، تنتهي الخميس المقبل. وعبّر سفير بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن سعادته لافتتاح أول مهرجان سينمائي ليبي - أوروبي في طرابلس، إلى جانب الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، وسفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا ومالطا وإسبانيا. وعدّ هذا الحدث «علامة فارقة في الشراكة الثقافية بين ليبيا والاتحاد».

ويعرض مساء اليوم (الاثنين) فيلم «راعي البقر من الحجر الجيري» المقدم من سفارة مالطا، بقاعة الهيئة العامة للسينما والمسرح في شارع الزاوية بطرابلس، التي دعت الجمهور للاستمتاع بمشاهدته.

البوستر الترويجي لفيلم «فتاة عادت» الإيطالي (إدارة المرجان)

وبجانب الفيلم المالطي، فإن العروض المفتوحة للجمهور تتضمن، وفق ما أعلنت إدارة المهرجان، ورئيس بعثة الاتحاد، «طفلة عادت» من إيطاليا، و«قصر الحمراء على المحك»، إسباني، ويعرض الثلاثاء، ثم «كليو» (ألمانيا) الذي يعرض للجمهور الأربعاء، على أن يختتم المهرجان بفيلم «عاصفة» الفرنسي.

ولوحظ أن الدول المشاركة في المهرجان حرصت على تروّج الأعمال المشاركة، من هذا المنطلق دعا المركز الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية في ليبيا الجمهور الليبي لحضور الفيلم الفرنسي الذي أخرجه كريستيان دوغواي، وقالا في رسالة للجمهور الليبي: «نحن في انتظاركم لتشاركونا هذه اللحظة السينمائية الاستثنائية».

جانب من افتتاح مهرجان الفيلم الأوروبي في طرابلس (البعثة الأوروبية إلى ليبيا)

وكان رئيس هيئة السينما والمسرح والفنون، عبد الباسط بوقندة، عدّ مبادرة الاتحاد لإقامة المهرجان «خطوة إيجابية في مسار الشراكة بين ليبيا، متمثلة في هيئة السينما والمسرح والفنون، والاتحاد الأوروبي والدول الخمس المشاركة».

وأضاف بوقندة، في كلمة الافتتاح، الذي بدأ الأحد بعرض الأفلام، أن المناسبة «تفتح آفاقاً واسعة في مجالات السينما كواحدة من أهم أنواع التواصل بين الشعوب ومرآة عاكسة لكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية التي تسهم بفاعلية في توعية الناس، وتدفع بهم تجاه الارتقاء والإحساس بالمسؤولية».

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي (السفارة الفرنسية لدى ليبيا)

وخلال مراسم الافتتاح، عُرض فيلم «شظية» الليبي الذي أنتج في الثمانينات، من تأليف الأديب الليبي المعروف إبراهيم الكوني، ويحكي قصة معاناة الليبيين مع الألغام التي زرعت في صحراء ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها كثير من المواطنين في مدن ومناطق مختلفة من البلاد.

وبجانب العروض السينمائية في ليبيا، تُجمّع الفنون في ليبيا عادةً من فرقت بينهم السياسة، ويحشد المسرح على خشبته ممثلين من أنحاء البلاد، كانت قد باعدت بينهم الآيديولوجيات في زمن ما، يحكون جميعاً أوجاعهم عبر نصوص ولوحات إبداعية، ويفتحون نوافذ جديدة للتلاقي والحوار بعيداً عن النزاع والانقسام السياسي.

وسبق أن تعطلت الحركة الفنية المسرحية في ليبيا، مُتأثرة بالفوضى الأمنية التي شهدتها ليبيا عقب اندلاع ثورة «17 فبراير» التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. لكن مع الاستقرار النسبي الذي تشهده ليبيا يظل الرهان على الفن في اختبار الانقسام السياسي، الذي ضرب البلاد، لتوحيد الليبيين.