ما الذي يجعل فنلندا تتصدّر البلدان الأكثر سعادة للعام السابع على التوالي؟

فنلنديون خلال احتفال وفي وسط الصورة فتاتان تبتسمان وتحملان علم فنلندا (متداولة)
فنلنديون خلال احتفال وفي وسط الصورة فتاتان تبتسمان وتحملان علم فنلندا (متداولة)
TT

ما الذي يجعل فنلندا تتصدّر البلدان الأكثر سعادة للعام السابع على التوالي؟

فنلنديون خلال احتفال وفي وسط الصورة فتاتان تبتسمان وتحملان علم فنلندا (متداولة)
فنلنديون خلال احتفال وفي وسط الصورة فتاتان تبتسمان وتحملان علم فنلندا (متداولة)

للعام السابع على التوالي، احتلت فنلندا المرتبة الأولى على قائمة أسعد شعوب العالم؛ وفقاً لتقرير السعادة العالمي الذي نشر (الأربعاء) بمناسبة اليوم الدولي للسعادة.

ولكن كيف يمكن لبلد قد يستمر فيه الشتاء 200 يوم أن يكون مواطنوه الأكثر سعادة في العالم؟

حلّل الباحثون مؤشر السعادة في الفترة بين عامي 2021 و2023، في تقرير تم إعداده بشراكة بين «معهد غالوب» لاستطلاعات الرأي، و«أكسفورد ويلبيينغ ريسيرش سنتر»، وشبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة.

ووفق «وكالة الأنباء الألمانية»، جاءت جميع دول الشمال الأوروبي في المراكز العشرة الأولى في الدول الأكثر سعادة في العالم، إذ جاءت الدنمارك وآيسلندا والسويد خلف فنلندا. وجاءت النرويج في المركز السابع.

وعلى الصعيد العربي، حلّت الكويت في المرتبة الأولى والثالثة عشرة في الترتيب العام، بينما جاء لبنان وأفغانستان في المركزين الأخيرين.

وأوضح عالم النفس الفنلندي فرنك مارتيلا سبب احتلال فنلندا المرتبة الأولى، وقال إن «أحد العوامل هو أن الحكومة تعمل بفاعلية، ولكن الأهم من ذلك أنها قادرة بالفعل على أن تكون حاضرة من أجل خدمة المواطنين».

فنلنديون يشجعون منتخب بلادهم خلال مناسبة رياضية (متداولة)

معايير الدراسة

يستند معدو الدراسة المنشورة سنوياً منذ 2012، الذي يقيس مستوى السعادة في الدول، إلى استطلاعات رأي يجيب فيها السكان عن استبانات بشأن درجة السعادة الشخصية. وتتم مقاطعة هذه البيانات مع عدد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ومنها إجمالي الناتج المحلي، ومؤشرات التضامن، والحرية الشخصية، والفساد.

ويأخذ التقرير في الاعتبار ستة عوامل رئيسية: الدعم الاجتماعي، والدخل، والصحة، والحرية، والكرم، وغياب الفساد.

وقالت الباحثة المتخصصة في هذا الموضوع في جامعة هلسنكي جنيفر دي باولا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن القرب من الطبيعة والتوازن الجيد بين العمل والحياة يشكّلان مفتاح رضا الفنلنديين.

وتشتهر الدولة الاسكندنافية التي تضم آلاف البحيرات وغابات شاسعة، بنظام رعاية واسع النطاق وثقة سكانها الكبيرة تجاه السلطة ومعدلات منخفضة من عدم المساواة بين الفنلنديين.

صورة عامة لهلسنكي عاصمة فنلندا عند المغيب (متداولة)

ولاحظت الباحثة في جامعة هلسنكي أن «نظرة الفنلنديين إلى مفهوم الحياة الناجحة يمكن أن تتحقق ربما بطريقة أسهل» مما هي في الولايات المتحدة مثلاً، حيث يُربط النجاح غالباً بمدى القدرة على جَني المكاسب المالية.

ومن العناصر الأساسية أيضاً الثقة في المؤسسات، وقلة الفساد، وإمكانية الحصول مجاناً على الرعاية الصحية والتعليم. وقالت دي باولا إن «المجتمع الفنلندي يتسم بالشعور بالثقة وبالحرية، وبمستوى عالٍ من الاستقلالية».

وأشار تقرير سابق للقناة الفرنسية «فرنس 24»، إلى أنّ الفنلنديين أكثر ارتياحاً من سواهم لناحية تلبية الحاجات اليومية. نظام الرعاية في البلاد متميز، كما أن دوامات العمل مرنة فيما تتيح الإجازة الوالدية السخية للسكان بالتوفيق بين الحياة المهنية والعائلية.

5 عوامل للسعادة

قالت رئيسة وزراء فنلندا السابقة سانا مارين، في مقابلة أجريت معها مؤخراً، إن الفنلنديين عموماً ليسوا «الأكثر بهجة». لكنها أضافت: «لدينا مجتمع جيد»، يغذيه جزئياً نموذج الرعاية الاجتماعية الذي «يمكّن الجميع من التمتع بحياة جيدة».

رئيسة الوزراء الفنلندية السابقة سانا مارين تتحدث في مؤتمر صحافي خلال زيارتها لروما 18 مايو 2022 (رويترز)

فيما يلي بعض جوانب الحياة الفنلندية التي قد تجعل سكان هذا البلد أكثر سعادة من سكان الدول الأخرى بشكل عام، وفق تقرير لمجلّة «يو إس نيوز» الأميركية، (الأربعاء) 20 مارس (آذار) 2024.

1- شبكة أمان اجتماعي قوية

في كل عام، تنفق فنلندا مليارات اليورو على برامج «الحماية الاجتماعية»، التي تشمل المعاشات التقاعدية، وتكاليف الرعاية الصحية، والبطالة، وغيرها من الخدمات الاجتماعية. وتنفق فنلندا بانتظام أكثر من 20 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على مثل هذه القضايا، وهي من بين أعلى النسب في الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (التي تضم بشكل خاص عدداً كبيراً من الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا). يبدو أن هذه السياسة الحكومية تناسب الفنلنديين؛ فقد وجد استطلاع أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2022 أن 70 في المائة من الفنلنديين راضون عن نظام الرعاية الصحية في البلاد.

امرأتان فنلنديّتان تتنزّهان (متداولة)

2- المساواة بين الجنسين

تفتخر فنلندا بأنها من أكثر المجتمعات مساواة بين الجنسين في العالم، وفقاً لتقرير عام 2023 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. بدءاً من أبريل (نيسان) 2023، شكّلت النساء 46 في المائة من أعضاء برلمان البلاد، و40 في المائة من أعضاء المجالس على مستوى البلديات.

تحتل فنلندا المرتبة الخامسة في تصنيفات أفضل الدول للنساء التي تنشرها مجلة أخبار الولايات المتحدة، حيث وافق 98 في المائة من المشاركين في الاستطلاع في البلاد على عبارة «يجب أن تتمتع المرأة بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل». ويُنظر إلى البلاد أيضاً على أنها واحدة من أفضل الدول من حيث المساواة بين الجنسين.

يعود سعي فنلندا لتحقيق المساواة بين الجنسين إلى عام 1906 على الأقل، عندما أصبحت واحدة من أولى الدول التي منحت المرأة حق التصويت.

طفلة فنلندية تلعب على الثلج (متداولة)

3- مجتمع صديق للأسرة

لدى فنلندا واحد من أكثر بدلات الإجازة الوالدية سخاء في العالم. يتضمن برنامج الإجازة العائلية في فنلندا إجازة الحمل - 40 يوماً تكون إجازة للأمهات أثناء الحمل - فضلاً عن 160 يوماً من الإجازة الوالدية لأولئك الذين هم أوصياء على الطفل - بغض النظر عما إذا كان البالغون آباء بيولوجيين أو بالتبني.

ومن المحتمل أن تكون سياسات الإجازة السخية في فنلندا، حسب مجلّة «يو إس نيوز»، جزءاً من سبب احتلال هذا البلد المرتبة الثالثة في تصنيفات أفضل الدول لتربية الأطفال التي نشرتها المجلة، والتي تعتمد على تصورات المشاركين في استطلاع عالمي.

صورة عامة من مدينة أولو شمال فنلندا (متداولة)

4- بلد واعٍ بيئياً

لدى فنلندا عدد كبير من السياسات البيئية الطموحة، من بينها هدف الحياد الكربوني في عام 2035. وفي حين أن الدولة تتخلف قليلاً عن معاييرها، فإنها تفتخر بأقل تلوث للهواء بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفقاً لبيانات المجموعة. في الواقع، تُعد فنلندا أيضاً من بين الدول العشر الأكثر وعياً بالبيئة في أحدث تصنيفات أفضل الدول التي نشرتها مجلة «يو إس نيوز»، ويُنظر إليها على أنها واحدة من أفضل الدول للحياة الخضراء.

صورة لأطفال فنلنديين يقطفون الزهور في حديقة (متداولة)

5- مواطن متعلّم

إن استثمار فنلندا لكل تلميذ في التعليم أعلى من المتوسط بالنسبة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتعطي البلاد الأولوية بشكل خاص للبرامج المهنية، حيث إن أكثر من ثلثي طلاب المدارس الثانوية الفنلندية مسجلون في التعليم والتدريب المهني، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.


مقالات ذات صلة

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

يوميات الشرق ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

أثبتت دراسة بريطانية حديثة أن الضوضاء البشرية الناتجة عن حركة المرور يمكن أن تخفي التأثير الإيجابي لأصوات الطبيعة في تخفيف التوتر والقلق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لقاح فيروس الورم الحليمي البشري يخفض وفيات سرطان عنق الرحم (جامعة ساوث كارولاينا)

لقاح يخفض وفيات سرطان عنق الرحم

أفادت دراسة أميركية بأن وفيات سرطان عنق الرحم بين الشابات تحت سن 25 في الولايات المتحدة شهدت انخفاضاً ملحوظاً بعد تلقيهن لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV).

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق طائر آكيكي يستوطن جزيرة كاواي في هاواي (جامعة يوتا)

لهذه الأسباب اختفى 216 نوعاً من الطيور

كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة يوتا الأميركية عن السّمات البيئية والجغرافية التي جعلت بعض الطيور أكثر عرضة للانقراض منذ عام 1500.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الربو مرضٌ مزمنٌ يُصيب الجهاز التنفسي (جمعية القلب الأميركية)

أول علاج للربو يثبت فعاليته منذ نصف قرن

أفادت دراسة بريطانية بأن حقنة من دواء «بينراليزوماب» يمكن أن تُحدث تحولاً في علاج النوبات الحادة من الربو، خصوصاً الناتجة عن مرض الانسداد الرئوي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق صورة تعبيرية لديناصورين في  بداية العصر الجوراسي (أ.ب)

أمعاء الديناصورات تكشف كيفية هيمنتها على عالم الحيوانات

أظهرت دراسة حديثة أن عيَّنات من البراز والقيء وبقايا أطعمة متحجرة في أمعاء الديناصورات توفّر مؤشرات إلى كيفية هيمنة الديناصورات على عالم الحيوانات.

«الشرق الأوسط» (باريس)

كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)

بعد أكثر من 5 سنوات من أعمال ترميم واسعة، كشفت كاتدرائية نوتردام في العاصمة الفرنسية، باريس، عن هيئتها الجديدة للعالم، اليوم الجمعة، بعد تعرضها لحريق مدمر عام 2019.

تُظهر هذه الصورة مذبح الكنيسة الذي صممه الفنان والمصمم الفرنسي غيوم بارديه، في قلب كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

جاء ذلك خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موقع البناء ليشاهد بنفسه التصميمات الداخلية التي تم ترميمها قبل إعادة افتتاح الكاتدرائية الشهيرة في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويتم بث زيارته التي تستمر ساعتين على الهواء مباشرة. وتظهر أعمال حجرية تم ترميمها وألوان نابضة بالحياة، وغيرها من ثمار جهود إعادة الإعمار الهائلة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاطاً برئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة وبرئيس أساقفة باريس يزور كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

دخل ماكرون عبر الأبواب الأمامية العملاقة للكاتدرائية والمنحوتة بدقة، وحدّق في الأسقف بدهشة. وكان برفقته زوجته بريجيت ورئيس أساقفة باريس وآخرون.

وانضم ماكرون إلى مجموعة تضم 700 من الحرفيين والمهندسين المعماريين وكبار رجال الأعمال والمانحين، وأشاد بالحرفية والتفاني وراء جهود الترميم.

السيدة الأولى الفرنسية بريجيت ماكرون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة فيليب جوست، ووزيرة الثقافة والتراث الفرنسية رشيدة داتي، ورئيس أساقفة باريس لوران أولريش يزورون كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

ومن المقرر أن يعود ماكرون في السابع من ديسمبر لإلقاء خطاب وحضور تدشين المذبح الجديد خلال قداس مهيب في اليوم التالي.

وتأتي زيارة ماكرون بمثابة بداية لسلسلة من الأحداث التي تبشر بإعادة افتتاح التحفة القوطية التي تعود إلى القرن الثاني عشر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت برفقة رئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة فيليب جوست، يزورون كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وترى إدارة ماكرون أن إعادة الإعمار تمثل رمزاً للوحدة الوطنية والقدرة الفرنسية.