اكتشاف مدهش لرمز الصيدلة والدواء العالمي في تصميم أحد أقدم مدافن الجزيرة العربية

اكتشاف مدهش لرمز الصيدلة والدواء العالمي في تصميم أحد أقدم مدافن الجزيرة العربية
TT

اكتشاف مدهش لرمز الصيدلة والدواء العالمي في تصميم أحد أقدم مدافن الجزيرة العربية

اكتشاف مدهش لرمز الصيدلة والدواء العالمي في تصميم أحد أقدم مدافن الجزيرة العربية

تشهد السعودية تطوراً غير مسبوق على جميع الأصعدة، من بينها الاهتمام بالآثار والتراث والإرث الثقافي، وتجدر الإشارة إلى أن اكتشافات مذهلة لمئات الآلاف من المدافن بأشكالها وأحجامها المختلفة التي تصل بأبعادها إلى مئات الأمتار ستغيّر كثيراً من الحقائق التاريخية، وتعيد البحث من جديد في أهمية أرض المملكة.

يعود الفضل في هذه الاكتشافات للاهتمام البالغ الذي يوليه الباحث الميداني والأنثروبولوجي السعودي، الدكتور عيد اليحيى، بدعم من قبل وزارة الثقافة والسياحة والتراث. وقد تغيّر هذه الاكتشافات كثيراً من المعلومات عن تاريخ الجزيرة العربية بشكل عام، وتاريخ المملكة وحضارتها بشكل خاص، ولولا التقنيات الحديثة والتصوير عن بعد (من خلال وسائل تكنولوجية حديثة) لما جرى التعرف على أماكن هذه المدافن؛ إذ سخّر عيد اليحيى تلك الإمكانات في الحصول على المعلومات، ومن ثمّ أكّدها بنفسه على أرض الميدان بزيارات متعددة لم تخلُ من الصعوبات والمخاطر، لا سيما إذا عرفنا أن أغلب تلك المدافن تقع في قمم الجبال الواسعة.

وبذلك يكون اكتشاف مدفن رمز الصيدلة والدواء (موضوع المقال) أول اكتشاف مهم يستهدف لفت الانتباه لكل ما يعزز مكانة السعودية والجزيرة العربية حضارياً وثقافياً.

 

النمط المعماري لرمز الصيدلة والدواء في جبل طويق

في تقرير كتبه الدكتور عيد اليحيى، والدكتور قصي التركي، ذكرا أن نمط مدفن الصيدلة والدواء يحمل دلالة تاريخية وفلسفية، في الوقت ذاته، الذي سُمّي فيه بـ«رمز الصيدلة والدواء»، وذلك للشبه الكبير بين تصميم هذا النمط ورمز الصيدلة والدواء المعروف في العالَمَين القديم والحديث، الذي نقلته شعوب الجزيرة العربية إلى حضارات بلاد الرافدين، ومنها إلى حضارات العالم اللاحقة، كالحضارتين الإغريقية والرومانية.

والنموذج المدهش الذي سنعرّج عليه هو نمط معماري ينفرد بحيازته في الوقت الحاضر جبل «طويق»، وتصميمه وشكله العام يفتح الأفق للغوص في فلسفة ومعتقَد إنسان السعودية القديم، الذي صمم هذا المدفن وفق أسس وبواعث لها ارتباط بعالم الحياة والصحة والشفاء من الأمراض، من خلال محاكاة الرموز للكائنات الحية من حوله، والمقصود هنا رمز الثعبان الذي تلقفته حضارات شعوب المنطقة القريبة والبعيدة. وبشكل أدق فهو مدفن على شكل عصا يلتف حولها ثعبان، من بدايته حتى الرأس، نموذجه المميز في قمة جبل «طويق» بمحافظة الغاط في منطقة الرياض.

 

الغاط

لعل طبيعة الحياة البيولوجية للثعبان المتمثلة في تغيير جلده سنوياً، بمثابة تجديد الحياة وانبعاثها لديه من جديد، مما أوحى إلى ذهنية البشر بأنه يستطيع أن يجدّد حياته ويحافظ على شبابه، فكان أن اتُّخذ الثعبان رمزاً للصحة ومن ثمّ أصبح رمزاً عالمياً للدواء.

المتمعن في تصميم البناء الذي يتطابق تماماً مع رمز الصيدلة في حضارات مجاورة لا بدّ أن يتأكد من أصالة الانتماء الحضاري لإنسان الجزيرة الذي أجبرته الظروف المناخية، وأهمها الجفاف، إبّان الألف السادس والخامس قبل الميلاد، إلى الهجرة خارج الجزيرة العربية، بحثاً عن مصادر المياه بجانب الأنهار.

ومن الجدير بالذكر أن اكتشاف المدفن لم يكن سهلاً من سطح الأرض، لا سيما أن البناء المعماري متهدم في أجزاء منه، ولكن في لقطة جوية من الأعلى تبدو الصورة أكثر وضوحاً من خلال التصميم لعصا يلتف حولها ثعبان من الأسفل إلى الرأس الذي ينفتح بشكل يشبه إناءٍ، وعلى مدى عشرات الأمتار طولاً وعرضاً.

 

رمز الصيدلة والدواء في حضارة بلاد الرافدين

المشاهد الفنية التي اكتُشفت في مناطق حضارة بلاد الرافدين، والتي تؤكد انتقال واستخدام الرمز المذكور والمشار إليه في تصميم مدفن الصيدلة والدواء، نجدها بوضوح تتطابق من حيث الغرض والشكل مع ما ذهبنا إليه؛ فمن المعروف لدى المختصين بحضارة بلاد الرافدين التي يشكل عنصرها البشري الغالب من الجزريين القادمين إلى وادي الرافدين من الجزيرة العربية، أن المعبودات الرافدينية قد منحت رموزاً معينة خصّ بها كل معبود على حدة، ومن بين هذه الرموز الثعبان الملتف حول العصا، فكانت الأفعى رمزاً للمعبود المسمى «ننكشزيدا» (Ningišzida)، معبود الدواء والشفاء للسومريين وباقي أقوام بلاد الرافدين، وقد بينت المشاهد الفنية هذا الرمز متمثلاً بزوجين من الأفاعي الملتفة، إحداهما على الأخرى، وأبرز نموذج يمكن الاستدلال به ذلك الإناء العائد إلى الملك السومري گوديا (Gudia) (2144 - 2124 ق.م)، المصنوع من حجر الستيتايت ذي اللون الأسود المائل إلى الاخضرار، ارتفاعه 23 سنتيمتراً، وهو موجود اليوم في متحف «اللوفر» بباريس، وعلى سطحه الخارجي اثنتان من الأفاعي منتصبتان وملتفتان حول شكل رمزي أشبه بالعصا الغليظة، وهو الرمز الخاص بالمعبود «ننكزّيدا» المعروف بعصا تلتف حولها حيتان من الأسفل إلى الأعلى تشبه إلى حد كبير رمز الصيدلة والدواء حديثاً.

لقد أكدت النصوص المسمارية العائدة إلى الملك السومري گوديا طبيعة العلاقة بين هذا الملك ومعبوده، ننكشزيدا (Ninĝišzida)، الذي عدّه رمزاً للشفاء والدواء، بالإضافة إلى كونه الحامي للملك گوديا والمعبود الرئيسي للطب، ولأهمية هذا العلم في نظر سكان بلاد الرافدين، فقد كان تحت رعاية هذا المعبود ووالده معبود الطب أيضاً، ويدعى نن. آ. زو (Nin A. Zu)، ومعنى اسمه السيد الطبيب.

جدير بالذكر أن ارتباط الطب والدواء برمز العصا التي يلتف حولها الثعبان (كما في المدفن المكتشَف في محافظة الغاط) لا يقتصر على الشكل والتصميم، بل يتعدى ذلك إلى اللفظ والمعنى. وإضافةً إلى الرمز الصوري في الكتابات المسمارية منذ نهاية الألف الرابع قبل الميلاد؛ فقد عُرِف الطبيب بالكلمة السومرية «لو آ. زو» (Lu A. Zu) أي «الرجل الطبيب»، ومنها اشتُق الاسم باللغة الأكدية بصيغة «آسو» (Asủ) أي بمعنى الطبيب، وهناك أيضاً مصطلح رئيس الأطباء «لو غال آ. سو» (Lu Gal A. Su) باللغة السومرية، و«آسي» (Asi) باللغة الأكدية من العصر البابلي والآشوري الحديث. ويحيلنا هذا اللفظ إلى اسم معبود الطب ذي الرمز المذكور أنفاً.

أما طبيب الوصفات الطبية (طبيب الأعشاب/ الصيدلي) فيعرف باسم «آشيبو» (Ašipu) واللفظ والمعنى قريبان جداً من تسمية «طبيب الأعشاب» باللغة العربية، بل إن هناك ألفاظاً أخرى متقاربة تعطينا المعنى نفسه في اللغتين السومرية والأكدية الجزرية بفرعيها، فاللفظ «آشيبو» يعطينا معنى المعزّم أو الناصح وبلفظ «إشب» (IŠIB) في اللغة السومرية وبصيغة «إشبّو» (išipp) في اللغة الأكدية، ويمكن التخمين أن لفظ المفردة يقترب من لفظ الأعشاب باللغة العربية، وهي تلك الأعشاب التي عادةً ما يستخدمها المعزّم للحرق عند التعاطي مع المرضى، أو من خلال وصفات يكون أساسها الأعشاب الطبيعية التي لا تزال رائجة في أيامنا هذه.

أمّا الرمز الصوري للعلامة؛ فهو عبارة عن عصا أفقية تستند على عصا عمودية من الوسط، وبشكل حرف «T» اللاتيني. يأتي اللفظ أيضاً في اللغة الأكدية مقارباً للمعنى المذكور ليعني الكاهن أو رجل الدين المعزّم في مفردة «ماش» (LuMAŠ - MAŠ) في اللغة السومرية، وبلفظ «أشيبو» باللغة الأكدية بفرعيها البابلي والآشوري، علماً بأن اللفظ «ماش» لوحده يعطينا معنى لمهنة العرافة أو العرّاف، إضافة إلى أن الرسم الصوري للاسم «ماش» عبارة عن ثعبان مثلّث الرأس مع ذنب.

 

الأدلة المادية على رمز الصيدلة والدواء في السعودية

إذا انتقلنا إلى الأدلة المادية، من خلال المشاهد الفنية المكتشَفة في الجزيرة العربية، وتحديداً في السعودية، حيث مدفن الصيدلة والدواء، فإن المشاهد الخاصة بالثعبان المنفَّذة على الأواني الحجرية المكتشفة في مواقع أثرية متعدّدة في شرق المملكة وبتاريخ يعقب بكثير تاريخ مدفن الصيدلة والدّواء، تعطينا أدلة إضافية تعزّز ما ذهبنا إليه آنفاً، نذكر منها على سبيل المثال تلك المشاهد الفنية المكتشفة في جزيرة تاروت، ومنها كسرة من إناء مصنوع من الحجر الصابوني بلون بنّي مسود معروضة في متحف الرياض، عليها مشهد ثعبان أرقط بكامل الرأس وجزء من البدن، ويتقاطع معه ثعبان آخر رأسه غير ظاهر. ومشهد آخر منفَّذ على كسرة تمثّل نصف إناء من الحجر الصابوني الرمادي الداكن المزخرف بمشهد لثعبانين يتوسطهما رجل قوي البنية بذراعيه وعضلاته المفتولة، ربما إيحاءً للبطل السومري صاحب الملحمة الشهيرة «كلكامش»، وهو يحاول الإمساك بثعبانين مرقطَيْن، في إشارة إلى محاولته استرداد نبتة الحياة التي أكلها الثعبان في طريق عودته من دلمون إلى مدينته الوركاء، بعد رحلة البحث عن الخلود الشهيرة.

 

انتقال رمز الصيدلة والدواء في الحضارة اليونانية والرومانية

ولا بدّ من الإشارة إلى أن رمز الأفعى الملتفة على عصا الذي لا يزال مستخدماً بوصفه شعاراً لجمعيات الطب والصيدلة والدواء في العالم، الذي شاهدناه آنفاً، قد أخذه اليونانيون والرومان عن رمز إله الطب والدواء في بلاد الرافدين، الذي أصله من نمط مدفن الصيدلة والدواء في الجزيرة العربية، وقد عرف في الحضارتين اليونانية والرومانية بأنه للإله «أبولو» ثم للإله «أسكليبيوس» الذي كثيراً ما نشاهد تماثيله المصحوبة بالرمز نفسه المتمثل بالعصا التي تلتف حولها الأفعى، والأمر نفسه يُقال عن رمز الأفعى وعصا «أسكليبيوس» وعصا «هرمس».


مقالات ذات صلة

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

«اليونيسكو» تحذر إسرائيل من استهداف آثار لبنان

أثمرت الجهود اللبنانية والتعبئة الدولية في دفع منظمة اليونيسكو إلى تحذير إسرائيل من تهديد الآثار اللبنانية.

ميشال أبونجم (باريس)
يوميات الشرق هضبة الأهرامات في الجيزة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

غضب مصري متصاعد بسبب فيديو «التكسير» بهرم خوفو

نفي رسمي للمساس بأحجار الهرم الأثرية، عقب تداول مقطع فيديو ظهر خلاله أحد العمال يبدو كأنه يقوم بتكسير أجزاء من أحجار الهرم الأكبر «خوفو».

محمد عجم (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

اجتماع طارئ في «اليونيسكو» لحماية آثار لبنان من هجمات إسرائيل

اجتماع طارئ في «اليونيسكو» للنظر في توفير الحماية للآثار اللبنانية المهددة بسبب الهجمات الإسرائيلية.

ميشال أبونجم (باريس)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».