خِياطة الجمال بالمادة المنبوذة والمُرسَلة إلى حتفها

التشكيلية اللبنانية ماجدة نصر الدين لـ«الشرق الأوسط»: الاستدامة تُلهم فنّي

وجوه ماجدة نصر الدين قلِقة ومُصابة بالمقتلة (صور الفنانة)
وجوه ماجدة نصر الدين قلِقة ومُصابة بالمقتلة (صور الفنانة)
TT

خِياطة الجمال بالمادة المنبوذة والمُرسَلة إلى حتفها

وجوه ماجدة نصر الدين قلِقة ومُصابة بالمقتلة (صور الفنانة)
وجوه ماجدة نصر الدين قلِقة ومُصابة بالمقتلة (صور الفنانة)

تصف الفنانة التشكيلية اللبنانية، ماجدة نصر الدين، مشاركتها في «مهرجان سكة للفنون 2024»، بالإمارات، حيث تقيم، بالفريدة. هذا حضورها الأول في حدث متنوّع قصده الجمهور للاستمتاع بتجربة إبداعية شاملة، وليس فقط لرؤية الأعمال الفنية. تُشارك «الشرق الأوسط» حكاية إيصال الأفكار باستخدام مواد بسيطة تُحاكي تيمة الاستدامة. فكيس الشاي المُستَعمل، الذي نتخلّص منه عادة من دون تفكير، يصبح «كانفاسها» الخاص. والقهوة التي نحتسيها تتحوّل تحدّياً شخصياً للتلوين بها.

فنُّ التشكيلية اللبنانية ماجدة نصر الدين تُلهمه قضايا البيئة والاستدامة (صور الفنانة)

يستوقفها «الدور الكبير للمتلقّي في إكمال العمل الفني، من خلال إسقاطاته وتأويلاته حول ما يراه. فاختلاف وجهات النظر يُغني العمل ليصبح أعمق». وترى في ارتباط الإبداع بقضايا البيئة والاستدامة مسألة «مُهمّة ومُلهمة» تمنح العمل الفني «ثقلاً إضافياً - إيجابياً، إنْ كان يحمل سمات النجاح من الأساس». تقول: «هذا لن تفعله المواد المُعاد تدويرها وحدها، إذ ثمة مقاييس للعمل الناجح تنبغي مراعاتها. فليس كل استخدام للمواد المُعاد تدويرها هو عمل فني بالضرورة».

نسألها كيف تصبح المادة المُهمَلة، أو المنبوذة، أو المتروكة لشأنها، مثل بقايا القهوة، أو كيش الشاي المُرسل عادةً إلى حتفه، أداةً للتشكيل؟ وكيف بدأ هذا الاهتمام وما أشعله فيها؟ تجيب أنها ابنة الطبيعة الخلّابة، المحيطة بالألوان من كل جانب: «اعتدتُ منذ طفولتي المجيء بورق العنب وأوراق الشجر المختلفة بألوانها البهيّة، وصناعة لوحات جميلة منها. منحتني المجلّات الملوّنة فرحاً خاصاً. لم أدرك حينها أنّ هذا يندرج تحت مُسمَّى الاستدامة. أنجزتُ بشكل فطري بعيداً عن كلّ نظريات الفنّ. أذكر الآن كلام أمي: (أنتِ تخيطين الجمال بمواد يكاد لا يلحظها أحد)».

القهوة التي نحتسيها تتحوّل تحدّياً شخصياً للتلوين بها (صور الفنانة)

تذكُر يوم زار عامل كهرباء منزلها في الشارقة للجباية. راح ينظر بطريقة غريبة إلى أشياء تفترش الأرض: البرتقال المُستَخدم، ونواة التمر... تساءل عما تفعله تلك «القمامة»؟ لم يعلم أنّ ماجدة نصر الدين تستخدمها لزخرفة جرار الفخار، وفي دروس الطباعة الفنية التي كانت تعطيها للسيدات في «جمعية الإمارات للفنون التشكيلية». فنُّها يرى كل ما حولنا، خصوصاً الأشياء المُهمَلة، احتمالاً لإبداع جديد.

ولكن كيف بدأت قصّتها مع القهوة؟ تعود أيضاً للطفولة: «كنت ألوّن ببقايا فناجين القهوة (التِفِل)، وأصنع وجوهاً وأشكالاً غريبة لا تُشبه شيئاً. لم تغب القهوة يوماً عن لوحاتي، خصوصاً حين أستخدم الألوان المائية. عام 2020، بدأتُ بإعطاء دروس رسم عبر (يوتيوب) بهذه المادة. كانت أيام حَجْر، والقهوة متوافرة في كل بيت».

كيس الشاي المُستَعمل يصبح «كانفاسها» الخاص (صور الفنانة)

أخافها هاجس أن يقضي الوباء على حياة البشر بلا رجعة، فتذكُر: «حينها، تحدّيتُ الأسئلة المرعبة في رأسي، وأعدتُ تدوير الأقنعة الواقية من الفيروس التي ارتديتُها. حوّلتُها أعمالاً فنية عُرضت في أكثر من غاليري. أما أكياس الشاي، فلطالما استخدمتُها في تشكيل لوحاتي. المرة الأولى كانت عام 2019 في معرض عن طائر البوم بمقهى (عشّ البومة) في دبي. بعدها توالت أشكال الاستخدامات، لتُجسّد فكرة الوجوه التي قدّمتُها هذا العام في (سكة)، وفي معرض (جمعية الإمارات للفنون التشكيلية). إنجازها شاق، لرقّة الورق ودقّة العمل عليها. أحبُّ تحدّي نفسي بأشياء يصعب تنفيذها».

من لوحات كتاب «ذهان» للشاعرة لوركا سبيتي (صور الفنانة)

ترسم ماجدة نصر الدين الوجوه، وهي غالباً قلِقة، مُبهَمة، غامضة، وربما مصابة بالتشويه والمقتلة. أهذه مراياها الداخلية، أم انعكاس الواقع بعبثيته وحروبه على فنّها؟ وجوهها انعكاسٌ لما يحمله العالم من ظلم وقهر. ذاك الحزن الذي يلاقينا على أكثر من منعطف. تقول: «نحن كائنات هشة رغم اتّسامنا بالقوة والصمود. رحلتي مع الوجوه بدأت من خربشة وجه مشرذم أسميته (كأنّي أنت). أرسمُ تلك الوجوه بما يمليه عليَّ قلبي وحبري. وهذا لا علاقة له بقيمة اللوحة أو عدمها. ثمة وجوه حزينة لا تملك معنى أو قيمةً، والعكس صحيح. وثمة وجوه تضجّ بالفرح تملك كل القيمة الإبداعية. تفرض الذاكرة والواقع الراهن ببشاعته وفظاعته، التماهي والمحاكاة، وهما مِن مهمّات الفنّ على كل حال».

لكنه رغم حزن الوجوه وتشرذمها وقلقها، ثمة مجال لتحمل في طيّاتها كثيراً من الأمل والتحدّي بتجاوز الصعاب. المتعمّق في الملامح، يرى دائماً الاحتمال الآخر.

إعادة تدوير القناع الواقي من الوباء لرؤية الجمال في البشاعة (صور الفنانة)

وترسم أيضاً للأطفال. تقول إنهم أجمل ما في الحياة، فترسم لهم بقلبها الذي لا يزال يحبو. برأيها، «هذا لا يبتعد كثيراً عن الرسم بالأبيض والأسود». فالمسألتان تمنحانها الشعور بالطيران من الفرح، وأنها «الطفلة التي تستكشف اللون الأسود للمرة الأولى». ينبع هذا الفرح رغم السواد في اللوحة لإتاحته إحساس «التحليق في عوالم مغايرة تقود إلى عالم جديد من الدهشة».

حبر على كانفاس... من تجربة ماجدة نصر الدين بالأبيض والأسود (صور الفنانة)

بعد زيارتها لبنان عام 2021، رسمت وجوهاً مأكولة بالحزن، وأرسلتها إلى الشاعرة اللبنانية وكاتبة قصص الأطفال لوركا سبيتي، لإنجاز مشروع إبداعي مشترك يجمع الشعر بالرسم. وُلد كتاب «ذهان 4:48» على هذا الشكل: «أرسمُ لوحة، فتكتب (لوركا) قصيدة؛ وتكتب قصيدةً فأرسمُ لوحة». وعن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر» في بيروت، أنجزت الصديقتان أيضاً كتاب «أنا أحلم» للأطفال. شكّلت الرسوم مرآة لأوجاع الشاعرة، والكلمات صدى لدواخل الرسامة. التقيتا على ضفاف كتاب.

من لوحات «ذهان» للشاعرة لوركا سبيتي (صور الفنانة)

عوالم ماجدة نصر الدين مزيجٌ من وعي ولا وعي، فكيف تستعيد العلاقة بالعالم حين يتلاشى كل شيء ويصبح طلاسم غير مفهومة؟ بالفنّ يحدُث التوازن، فتجيب: «حين أرسم، أراني وسط أسئلة لا تنتهي. بين الحبر واللون، أبحثُ عن وطن. أجمل ما في الأمر، ورغم مراكمة التجارب، هو شعوري أنني طفلة تتهجّأ اللون من جديد». إذن، الإقامة في اللوحة سعادة وليست تحايلاً على التعاسة؟ تجزم: «ليس أجمل من اللوحة يتّخذها الفنان وطناً لتصبح ملجأه حين تضيق الأوطان. أؤمن أنْ (على هذه الأرض ما يستحق الحياة). بالفنّ وشغفي بالإبداع، تحايلتُ على شعوري بالخذلان وحزني وغضبي وقهري مرات كثيرة. وهذه نعمة لا يُستهان بها».


مقالات ذات صلة

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.