حتى لا يبقى المرضى حبيسي أجسادهم... تصاعد الدعوات للقتل الرحيم في فرنسا

حتى لا يبقى المرضى حبيسي أجسادهم... تصاعد الدعوات للقتل الرحيم في فرنسا
TT

حتى لا يبقى المرضى حبيسي أجسادهم... تصاعد الدعوات للقتل الرحيم في فرنسا

حتى لا يبقى المرضى حبيسي أجسادهم... تصاعد الدعوات للقتل الرحيم في فرنسا

استحال التصلب الجانبي الضموري، المعروف بمرض «شاركو»، الذي يتسبب بشلل تدريجي للعضلات ويجعل المريض «أسير جسده»، رمزاً لمعركة واسعة في فرنسا يسعى أصحابها إلى تغيير القانون للسماح بمساعدة فاعلة على الموت أو ما يعرف «بالقتل الرحيم».

وقال أنطوان مينييه «المتزوج من الآنسة شاركو»، وفق تعبيره، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية «نرى أنفسنا نتدهور، من دون أن نعرف موعد نهاية هذا الخريف: أهوَ بعد سنة أو اثنتين أو عشر، كما هي الحال أحياناً؟».

وأضاف الرجل الذي يمضي معظم وقته مستلقياً والقطة بجانبه مع أنه كان يمارس رياضات عدة: «نصبح أكثر فأكثر أسرى أجسادنا، لكن رؤوسنا حرة. إنه أمر شنيع».

وروى طبيب الصحة العامة السابق الذي شُخِّصَت إصابته بمرض التصلب الجانبي الضموري يوم عيد ميلاده الخامس والستين، حادثة تعود إلى زمن دراسته الطب في الجامعة: «قال لنا طبيب أعصاب: مع (شاركو)، لا يمكن للمريض حتى الانتحار».

ويُعدّ التصلب الجانبي الضموري المعروف بـ«شاركو» مرضاً غير قابل حتى اليوم للشفاء، وهو مرض تنكس عصبي يؤدي إلى شلل العضلات تدريجياً، ويحرم المصاب به تباعاً من القدرة على المشي أو الأكل أو التحدث أو التنفس من دون مساعدة، بينما يبقى الدماغ سليماً.

وأضاف أنطوان مينييه (67 عاماً) الداعي إلى إتاحة المساعدة الفاعلة للمريض على الموت بطريقة منظمة قانونياً حرصاً على حماية مقدّمي الرعاية: «لم أكن يوماً راغباً في العيش بقدر ما أصبحت أتمسك به منذ أن عرفت أنه محكوم عليَّ بالموت، لكنني أريد أن تكون لي الحرية في اختيار نهايتي، عندما أصبح عاجزاً كلياً ويقترب الموت».

ويسمح قانون كلايس - ليونيتي الذي يعود تاريخ أحدث نسخة منه إلى عام 2016 بـ«التخدير العميق والمستمر» للمرضى الذين يبيّن التشخيص أنهم لن يعيشوا سوى مدة قصيرة، ويستحيل تخفيف آلامهم ومعاناتهم، لكنه لا يجيز الانتحار بمساعدة أو القتل الرحيم.

وفي ذلك نوع من «الخبث»، وفق مينييه الذي رافق ذات مرة نهاية حياة أحد أقربائه، وهو لاعب كرة قدم سابق كان يعاني من مرض «شاركو».

وأوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ديسمبر (كانون الأول) أن القانون المستقبلي بشأن نهاية الحياة الذي يتضمن ضوابط عدة سيكون مخصصاً للمرضى «البالغين المتمتعين بالقدرة على التمييز والمصابين بأمراض مستعصية تترافق مع عذاب (...) لا تنفع العلاجات في الحدّ منه». وأعطى مثالاً لذلك «شخصاً مصاباً بمرض تنكسي ميؤوس منه، هو مرض (شاركو)».

ولاحظت رئيسة جمعية أبحاث التصلب الجانبي الضموري فاليري غوتين كاراميل أن هذا المرض هو «الأكثر استخداماً منذ نحو عامين كمَثَل في الجدل المتعلق بنهاية الحياة»، نظراً إلى «قسوته، وسرعة تطوره، وتوقع وفاة المصاب به خلال 3 إلى 5 سنوات في المتوسط، وغياب أي علاج يوفّر بعض الأمل حتى الآن».

ويتراوح عدد المصابين بمرض التصلب الجانبي الضموري في فرنسا راهناً ما بين 5 آلاف و7 آلاف.

ورأت هذه الطبيبة أن لكل مصاب بمرض «شاركو» «تجربته الشخصية جداً» في ظل كون المصير الذي سيؤول إليه «حتمياً» ومعروفاً سلفاً. ولاحظت أن بعض المرضى «يرغبون في اختيار اللحظة التي سيقولون فيها كفى عندما لا يعود الوضع يطاق بالنسبة لهم في حين سئم آخرون أن يؤخذ مرضهم مثالاً للنقاش في نهاية الحياة، إذ إنهم هم يكافحون ويحتفظون بالأمل في أن تثمر البحوث» الطبية علاجاً.

أما لويك ريزيبوا (46 عاماً) الذي أقعده مرض «شاركو» على كرسي متحرك، فهو ناشط في الضغط لإقرار مبدأ المساعدة الفاعلة على الموت. وفي ظل تأجيل تقديم مشروع قانون في هذا الصدد و«ضرورته الملحّة» بالنسبة إلى بعض المرضى، توجّه ريزيبوا إلى ماكرون بواسطة مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي.

ولا يتردد مصابون آخرون بمرض «شاركو» في البحث عن حل خارج فرنسا، كما فعل الصحافي شارل بيتري، المعروف في الوسطين الإعلامي والرياضي، إذ أعلن عام 2023 أنه يعاني من هذا المرض، واتخذ الترتيبات اللازمة ليحصل على مساعدة على الانتحار في سويسرا.

وفي مختلف أنحاء العالم، كان مرض «شاركو» أخيراً من الدوافع لإقرار قانون نهاية الحياة في الإكوادور التي أصبحت في مطلع شهر فبراير (شباط) ثاني دولة في أميركا اللاتينية بعد كولومبيا تلغي تجريم القتل الرحيم.

ورأت المحكمة الدستورية في قرار اتخذته بناءً على مراجعة من باولا رولدان (43 عاماً) المصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري، وهي طريحة الفراش وتعيش على الأكسجين، أن من غير الجائز محاكمة طبيب بتهمة القتل إذا كان يخفف معاناة مريض يعاني مرضاً عضالاً.

وفي أوروبا، تقدّم مجريّ في السادسة والأربعين يعاني مرض «شاركو» بمراجعة في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في شأن الحظر المفروض على الانتحار بمساعدة طبية في بلاده، مشيراً إلى أنه يثير المسألة «من أجل جميع أولئك الذين يواجهون وضعاً صعباً مماثلاً».


مقالات ذات صلة

بريطانيا: أكثر من وفاة مبكرة من بين كل 4 حالات «ستكون بسبب السرطان»

صحتك بحث يؤكد أن حالات الوفاة بالسرطان بين البريطانيين في ازدياد (رويترز)

بريطانيا: أكثر من وفاة مبكرة من بين كل 4 حالات «ستكون بسبب السرطان»

خلص تقرير جديد إلى أن أكثر من حالة وفاة مبكرة من بين كل 4 حالات في المملكة المتحدة ما بين الآن وعام 2050 ستكون بسبب السرطان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك شعار برنامج الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي «شات جي بي تي» (رويترز)

دراسة: «شات جي بي تي» يتفوق على الأطباء في تشخيص الأمراض

كشفت دراسة علمية جديدة، عن أن روبوت الدردشة الذكي الشهير «شات جي بي تي» يتفوق على الأطباء في تشخيص الأمراض؛ الأمر الذي وصفه فريق الدراسة بأنه «صادم».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم بولينا براندبرغ قالت على «إكس» إنها تعاني من «أغرب رهاب للموز في العالم» (رويترز)

غرف خالية من الموز بسبب «فوبيا» وزيرة سويدية

تسببت فوبيا تعاني منها وزيرة سويدية في دفع مسؤولين حكوميين إلى طلب إخلاء الغرف من الفاكهة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الإصابة بحصوات الكلى والنقرس من الحالات الشائعة (المعهد الوطني للصحة بالولايات المتحدة)

أدوية للسكري تخفّض خطر الإصابة بحصوات الكلى

أظهرت دراسة جديدة أنّ نوعاً من أدوية علاج مرض السكري من النوع الثاني قد يساعد في تقليل خطر الإصابة بحصوات الكلى.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك علب من أدوية «أوزمبيك» و«ويغوفي» (رويترز)

أدوية «أوزمبيك» و«ويغوفي» المضادة للسكري تكبح التدهور المعرفي المرتبط بألزهايمر

كشف فريق من الباحثين الأميركيين أن عقار سيماغلوتيد، الذي يتم تسويقه تحت اسمي «أوزمبيك» و«ويغوفي» من شأنه أن يحسن بشكل ملحوظ استهلاك الدماغ للسكر.

«الشرق الأوسط» (باريس)

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».