في السنوات الأخيرة، يلحظ الجمهور تركيز الدراما السعودية على المكان كذاكرة وحياة وتاريخ، وهذا العام تتجه البوصلة نحو منطقة الأحساء، في العمل الدرامي السعودي الوحيد الذي يُعرض في شهر رمضان على قناة MBC وهو «خيوط المعازيب»، والذي يرصد تحوّلات المجتمع الأحسائي قبل أكثر من 60 عاما، وللحديث أكثر عنه حاورت «الشرق الأوسط» المشرفة العامة على العمل هناء العمير.
ولأن الجمهور لطالما انتظر عرض «خيوط المعازيب» الذي تأخر قليلاً، فإن السؤال الأول هو عن الجدوى المرجوة من هذا التأخير، لتجيب العمير بالقول «بالتأكيد أي تأخير للعمل هو في صالحه، خاصة إن كان في مراحل ما بعد الإنتاج، لأنها تتطلب وقتاً كافياً لإنجازها بجودة عالية، وقد كان قراراً حكيماً جداً من القناة لحرصها على العمل وعلى أن يتم بأفضل مستوى ممكن».
المجتمع الأحسائي
ولكن ما الذي يراهن عليه هذا العمل لجذب الجمهور؟ تجيب العمير «خيوط المعازيب يتناول حقبة مهمة وهي فترة الستينات (من القرن الماضي)، منذ بدايتها وحتى نهايتها، فهناك امتداد زمني في العمل نرى من خلاله تحوّلات المجتمع التي تظهر على شخصياته، حيث تدخل الآلات والشركات والتعليم على مجتمع حرفي، ونراقب بشكل مكثف حرفة صناعة البشوت، والتحولات التي مرت عليها من خلال قصة شخصياتنا». وتتابع المشرفة العامة على العمل قائلة «كذلك هناك تركيز كبير على علاقة الأبناء بالآباء في ذلك الوقت والاختلاف ما بين الأجيال، إلى جانب كل ذلك فنحن نشاهد الأحساء بتنوعها الجغرافي وأجوائها الجميلة وأيضاً المغنين الشعبيين في تلك الفترة».
الحياة الاجتماعية
ولأن عنوان «خيوط المعازيب» يعطي دلالة عن التفاوت الطبقي بين المعازيب (عِلية الناس) ومن هم أدنى منهم خلال تلك الحقبة الزمنية، ترد العمير على ذلك بالقول «العمل يتناول طريقة عمل معازيب البشوت في تلك الفترة والتي كانت تعتمد على عمل الأولاد بما يشبه السخرة... قبل انتشار التعليم وتغير معالم الحياة، لكنه يعطي شكلا للحياة وللناس باختلاف طبقاتهم الاجتماعية».
الأحساء... نجمة العمل
وتبدو منطقة الأحساء (شرق السعودية) شخصية رئيسية في «خيوط المعازيب»، حيث تظهر بوضوح في العمل الذي تم تصويره فيها، وبسؤال العمير عن سبب اختيار هذا المكان وعما إذا كان لهذا علاقة بكونها ابنة الأحساء، تقول «الأحساء مدينة معروفة بتنوعها الجغرافي الجميل وهذا يجعلها مكانا مميزا للتصوير، كذلك لها تاريخ عريق وتتميز بتفاصيل جميلة، والحقيقة كوني بنت الأحساء، فقد ساعد هذا أولاً على كتابة البايلوت الأول للعمل في 2018 والذي بدأت منه رحلتي مع العمل حيث ظل قريباً إلى نفسي رغم أن الحلقة الأولى الموجودة الآن في المسلسل مختلفة تماماً عن البايلوت الذي كتبته، لأن القصة مرت بمراحل تطورت فيها بشكل كبير، وهي من تأليف الأستاذ حسن العبدي».
وفيما يتعلق بالنص، تقول العمير «قمت بإدارة ورشة النص التي شارك فيها الكتاب: عباس الحايك ود. محمد البشير وأسامة القس وعبد المحسن الضبعان ويونس البطاط في كتابة الحلقات. كما شملت ورشة النص الأستاذ جعفر عمران والكاتب موسى أبو عبد الله والفنانين القديرين عبد المحسن النمر وإبراهيم الحساوي، وكما ذكرت سابقاً مر النص بمراحل تطور متعددة إلى أن وصل إلى شكله النهائي». وتضيف «كذلك فإن الأحساء بها كم كبير من الفنانين المعروفين وقد سبق أن كانت هناك تجربة مسلسل (مجاديف الأمل) التي نجحت نجاحاً كبيراً وصور بالكامل في الأحساء وبفنانين من المنطقة، وكانت هناك دائماً رغبة في إعادة هذه التجربة بشكل أقوى مناسبة في الوقت الحالي، وهذا تحقق بإنتاج مسلسل خيوط المعازيب».
تحدي الحقبة الزمنية
بسؤال العمير عن مدى انجذابها للأعمال المستلهمة من الماضي والموروث، تجيب «القصة أولاً هي ما تشدني... قد تكون من الماضي وقد تكون في الوقت الحاضر، ولقد عملت أعمالاً كثيرة ومنها (وساس) وكان معاصراً، ولكن أعمال الحقب الزمنية تشكل تحدياً كبيراً، إلا أنها في الوقت ذاته تخلق مرجعية بصرية غير موجودة، ولذلك هي مسؤولية وعلى الصعيد الآخر لها متعتها».
ولا يكتمل الحديث مع المخرجة القديرة هناء العمير، دون السؤال عن رأيها بواقع الدراما السعودية في الآونة الأخيرة، وهنا تقول «أنا متفائلة جداً بواقع الدراما السعودية لأنها في تطور ملحوظ ومن واقع عملي أستطيع أن أقول إن القادم أجمل بكثير ولا شك أن كل تجربة تسهم في تطور الدراما التلفزيونية بشكل عام... لدينا تنوّع كبير في القصص والمناطق والأجواء وماضٍ مليء بمخزن سردي من أساطير وحكايات وسير، وهذا أهم مورد لصناعة أعمال درامية قوية».