«الشعبنة» موروث شعبي خرج عن حدود الحارة

حالة فريدة تعيد معها الذكريات

أحد الفنون الشعبية التي يتبعها رقص تليدي بايقات وحراكات محددة
أحد الفنون الشعبية التي يتبعها رقص تليدي بايقات وحراكات محددة
TT

«الشعبنة» موروث شعبي خرج عن حدود الحارة

أحد الفنون الشعبية التي يتبعها رقص تليدي بايقات وحراكات محددة
أحد الفنون الشعبية التي يتبعها رقص تليدي بايقات وحراكات محددة

منذ القدم، تحديداً في منطقة الحجاز، غرب السعودية، شاع بين الناس مورث حضاري اجتماعي يعبر عن فرحة قاطني «الحارة» في حي مترامي الأطراف بحلول شهر رمضان المبارك، وذلك من خلال إقامة تجمع يعرف بـ«الشعبنة»؛ هذا التجمع يأخذ صوراً وأشكالاً مختلفة من حيث نوعية التجمع، والمكان المقام فيه، وما يتم تقدمه ولبسه ليلة إقامته.

هذا هو الحال في سنوات خلت، إلا أنه تغير مع تطور المدن الحجازية، وما تشهده الآن من نقلة نوعية وتنمية في جميع المجالات، ما أحدث بعض الاختلافات في جوانب الموروث، وليس في مضمونه، كالموقع الذي كان يقتصر على تجمعات الأسر في منزل كبير العائلة، ومن ثم تسربت لقاطني «الحارة» من شباب وأعيان بعيداً عن الحارات الأخرى في الحي ذاته، ليخرج من هذه الحدود الضيقة ويكبر في إطار تعاوني بين حيين بكل «حواريهما»، التي قد تزيد في كل حي عن 9 «حارات».

ويبدو أن التعاون بين حيي «الرويس» و«هدى الشام» في إقامة موروث «الشعبنة» لهذا العام، سيشجع بقية أحياء جدة على إقامة هذه الحالة الاجتماعية في الأعوام المقبلة، وهو ما أكدت عليه عدد من الشخصيات التي التقت بهم «الشرق الأوسط»، في وجود رغبة لتوسيع نطاق عدد الأحياء المشاركة بعد نجاح التجربة، الأمر الذي سيكون له مردود اجتماعي في توطيد أواصر المحبة بين كافة الأحياء، وهي القاعدة الأساسية التي منها انطلقت «الشعبنة».

و«الشعبنة» هي حالة دالة على فعل التجمع في زمان محدد، هو شهر شعبان، خصوصاً في أيامه الأخيرة التي تزداد فيها وتيرة إقامة هذا المورث الاجتماعي الذي يصعب تحديد امتداده التاريخي، وإن اختلفت الاجتهادات في تصنيف «الشعبنة»، وكيف انتشرت في منطقة الحجاز، إلا أنها لم تختلف على مر السنين في مضمونها الاجتماعي الذي يركز على تكريس مفهوم الأسرة والتراحم والتجمعات المختلفة بين قاطني الحارة الواحدة.

وأحيت الحالة الجديدة لـ«الشعبنة» المورث الفني، إذ شهد تجمع «هدى الشام» إقامة «لعبة الدارة»، وهي من الموروث الحجازي الذي يقام في المناسبات مثل الأعياد والأفراح والتجمعات، ويعتمد على بعض المعدات، منها «البندق» الخاص لمثل هذه الاحتفالات، و«القمع» الذي يسكب من خلاله البارود في «البندق»، كذلك «فن الدائرية» التي تعتمد على إعداد المشاركين الذين يقومون برقصات خاصة على نغمة الإيقاع دون الغناء، وفن البدواني ولعبة المزمار.

وقال الشيخ هاشم الشريف، أحد الأعيان ومنظمي «الشعبنة» لـ«الشرق الأوسط»، إن «الشعبنة» في مفهومه العام هو احتفاء بقدوم شهر رمضان والاستعداد له من خلال هذه اللقاءات في توطيد العلاقات الاجتماعية، وإن اختلف بعض الشيء في زمننا الحاضر، عما كان يقدّمه الأجداد، الذي كان في أساسه جمع لمناقشة كافة المواضيع قبل الشهر الكريم، مع تقديم ما يوجد في المنازل من وجبات على مدار اليوم.

وتابع الشريف: «هذا العام، كانت (الشعبنة) مختلفة في شكلها، ومتمسكة بمضمونها في الوصال بين الناس، والاختلاف في وجود هذه الأعداد الكبيرة من المنتسبين لحيي (الرويس) و(هدى الشام)، وهي حالة فريدة تسجل لأول مرة ونعمل على توسيعها في الأعوام المقبلة، خصوصاً وأنها تقام في أماكن مفتوحة في (هدى الشام) بعيداً عن الأحياء وحواريها ما يزيد من جماليات إقامة هذا المورث في أجواء معتدلة تشهدها مدينة جدة».

وعن فكرة إقامة «الشعبنة»، قال الشريف إن حيي «الرويس» و«هدى الشام» من الأحياء الكبيرة، والوصول لكل قاطنيهما قد يكون أمراً صعباً في أزمنة سابقة، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي سهلت على المنظمين الوصول إلى جميع أبناء الحيين، كما أن الفكرة طرحت في وقت مبكر قبل شهر شعبان حتى نتمكن من جمع أكبر عدد ممكن من المشاركين، موضحاً أن من أسباب تقبلها ونجاحها العلاقات الوطيدة التي تربط الحيين.

من جهته، وصف عبد الإله الحميري، أحد منظمي الاحتفالية، لـ«الشرق الأوسط»، هذا التجمع، بالمهم، حيث إنه عادة مترسخة بين سكان مدينة جدة وباقي مدن منطقة مكة المكرمة، والمدينة المنورة، ولم تختف عن المشهد العام في جدة إلا إبان جائحة «كورونا» التي عصفت بالعالم، ومن ثم عادت بشكل أوسع ومتطور وخرجت عن الحارة، كما هو الحال الآن بين حيي «الرويس» و«هدى الشام»، وهذه من أبرز التغيرات التي طرأت على «الشعبنة».

ورغم تاريخها القديم غير المؤرخ، يؤكد الحميري أن هذه العادة جرى توارثها من الآباء، وكانت حينها فقط عبارة عن تجمعات أسرية على نطاق ضيق في الحارة، تقدم خلالها الأكلات التقليدية الشعبية كـ«السقدانة» و«الدبيازة» وبعض الوجبات التي كانت تحضر في المنزل، واليوم اختلف ما يقدم من طعام وفقاً لمكان وعدد مقيمي هذا المورث، كما يقدم في هذا اليوم الذي ينطلق من العصر العديد من الفنون الشعبية وينتهي بتقديم وجبة العشاء.


مقالات ذات صلة

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

يوميات الشرق المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بعنوان «عقول مبدعة بلا حدود» في العاصمة السعودية الرياض، الأحد، الذي يجمع نخبةً من الخبراء.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

كرّم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الفائزين بجائزته في دورتها الثالثة لعام 2024، ضمن فئتي الأفراد والمؤسسات، في 4 فروع رئيسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج وزير الدولة السعودي خلال اجتماعه مع أعضاء اللجنة السياسية والأمنية والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي (واس)

نقاشات سعودية - أوروبية تتناول جهود حل النزاعات الإقليمية والدولية

شهدت العاصمة الرياض، الأحد، مناقشات سعودية - أوروبية تناولت جهود الجانبين في حل النزاعات الإقليمية والدولية وأوجه التعاون والتنسيق المشترك في العديد من المجالات

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الاقتصاد مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

رفعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني تصنيف السعودية إلى «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1»، مشيرة إلى جهودها لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك) «الشرق الأوسط» (الرياض)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
TT

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

وأظهرت الدراسة، التي قادها فريق من جامعة كوينزلاند في أستراليا، ونُشرت نتائجها، الجمعة، في دورية «The Lancet Psychiatry»، أن كثيرين من المصابين بالاكتئاب لا يتلقون العناية اللازمة، ما يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على جودة حياتهم.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 300 مليون شخص الاكتئاب، مما يجعله السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً. وتشير التقديرات إلى أن 5 في المائة من البالغين يعانون هذا المرض. وضمّت الدراسة فريقاً من الباحثين من منظمة الصحة العالمية وجامعتيْ واشنطن وهارفارد بالولايات المتحدة، وشملت تحليل بيانات من 204 دول؛ لتقييم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية النفسية.

وأظهرت النتائج أن 9 في المائة فقط من المصابين بالاكتئاب الشديد تلقّوا العلاج الكافي على مستوى العالم. كما وجدت الدراسة فجوة صغيرة بين الجنسين، حيث كان النساء أكثر حصولاً على العلاج بنسبة 10.2 في المائة، مقارنة بــ7.2 في المائة للرجال. ويُعرَّف العلاج الكافي بأنه تناول الدواء لمدة شهر على الأقل، إلى جانب 4 زيارات للطبيب، أو 8 جلسات مع متخصص.

كما أظهرت الدراسة أن نسبة العلاج الكافي في 90 دولة كانت أقل من 5 في المائة، مع تسجيل أدنى المعدلات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا بنسبة 2 في المائة.

وفي أستراليا، أظهرت النتائج أن 70 في المائة من المصابين بالاكتئاب الشديد لم يتلقوا الحد الأدنى من العلاج، حيث حصل 30 في المائة فقط على العلاج الكافي خلال عام 2021.

وأشار الباحثون إلى أن كثيرين من المرضى يحتاجون إلى علاج يفوق الحد الأدنى لتخفيف معاناتهم، مؤكدين أن العلاجات الفعّالة متوفرة، ومع تقديم العلاج المناسب يمكن تحقيق الشفاء التام. وشدد الفريق على أهمية هذه النتائج لدعم خطة العمل الشاملة للصحة النفسية، التابعة لمنظمة الصحة العالمية (2013-2030)، التي تهدف إلى زيادة تغطية خدمات الصحة النفسية بنسبة 50 في المائة على الأقل، بحلول عام 2030. ونوه الباحثون بأن تحديد المناطق والفئات السكانية ذات معدلات علاج أقل، يمكن أن يساعد في وضع أولويات التدخل وتخصيص الموارد بشكل أفضل.

يشار إلى أن الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم، حيث يؤثر على ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، ويرتبط بشكل مباشر بمشاعر الحزن العميق، وفقدان الاهتمام بالنشاطات اليومية، مما يؤثر سلباً على الأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية.