عبد الرحمن الباشا لـ«الشرق الأوسط»: أبكي أحياناً وأنا أعزف

أحيا حفلاً موسيقياً بدعوة من المعهد الوطني للموسيقى

وصف علاقته بوطنه الأم لبنان بكنز الحياة (الشرق الأوسط)
وصف علاقته بوطنه الأم لبنان بكنز الحياة (الشرق الأوسط)
TT

عبد الرحمن الباشا لـ«الشرق الأوسط»: أبكي أحياناً وأنا أعزف

وصف علاقته بوطنه الأم لبنان بكنز الحياة (الشرق الأوسط)
وصف علاقته بوطنه الأم لبنان بكنز الحياة (الشرق الأوسط)

أحيا عازف البيانو اللبناني العالمي عبد الرحمن الباشا حفلاً موسيقياً في بيروت، بدعوة من المعهد الوطني الموسيقي، وذلك بالتعاون مع مؤسستي «بيشتاين» الألمانية و«أصدقاء الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية».

استمتع الحضور بعزف الباشا لمقاطع موسيقية كلاسيكية وأخرى رومانسية «تليق بذوق اللبنانيين» كما قال لـ«الشرق الأوسط».

وسافر الحضور في كنيسة مار يوسف في الأشرفية إلى عالم خيالي أنساهم الأزمات والمشكلات التي تثقل كواهلهم، فتماهوا مع عزفه أحياناً بالتصفيق الحار ومرات أخرى بلحظات استمتاع سادها الصمت التام لشدة تأثرهم به.

اعترف الباشا بأنه أحياناً وأثناء عزفه على البيانو يبكي (الشرق الأوسط)

وقدم الباشا حفلاً متوازناً في توليد مشاعر الحب والفرح والحزن في آن. وعزف في القسم الأول مقطوعات «ألليغرو» و«أندانتي» و«بريستو» لباخ. وكذلك عزف أخرى للموسيقي البولندي الأصل فريديريك شوبان. واحدة منها اسمها «نوكتورن أوبيس 9» وأخرى للموسيقي نفسه مفعمة بمشاعر الحزن والأسى بعنوان «بولونيز تراجيك».

لم يعتمد عبد الرحمن الباشا إيقاع عزف متشابه في حفله. ويقول في هذا الصدد ضمن لقاء أجرته معه «الشرق الأوسط» على هامش الحفل: «أخذت في عين الاعتبار ذوق اللبناني وما يليق به. ولم أرغب أبداً في أن يتسلل الملل إلى الحضور من خلال عزف على إيقاع واحد، فلجأت إلى نوع من التباين لإبراز اختلاف أنماط المقطوعات التي أعزفها. ولذلك القسم الثاني من الحفل استهللته بمقطوعات من تأليفي (عالم الأطفال) و(بيرسوز) و(كومبتين) و(أمام شجرة الميلاد) وغيرها. وهي جميعها مقطوعات صغيرة ومتواضعة مستوحاة من عالم الطفولة. فألفت موسيقى متنوعة تعكس مشاعر طفل يحلم أو يلهو بألعابه».

وفي القسم الأخير من حفله حصر الباشا عزفه بمقطوعات موسيقية للفرنسي موريس رافيل.

واختار الباشا للعزف، من بين أهم ما ألفه الموسيقي المذكور، وقد استلهمها من 3 قصائد للشاعر الفرنسي ألوزيوس بيرتران. وبينها «أوندين» و«لو جيبيه» و«سكاربو». ويبحر عبد الرحمن الباشا في التحدث عن هذه المقطوعات التي اختتم بها حفله: «لكل مقطوعة منها موضوعها الخاص بها. تحكي (أوندين) عن حورية البحر. و(لو جيبيه) تتناول حكاية رجل مشنوق يهتز جسده يميناً ويساراً في عتمة ليل قاتمة. أما (سكاربو) فهي من أصعب مقطوعات رافيل. وتكمن جماليتها بصعوبة عزفها لأنها تعد من الأعظم في عالم موسيقى البيانو».

قدم مجموعة مقطوعات موسيقية تتراوح بين الكلاسيكية والرومانسية (الشرق الأوسط)

يحرص عبد الرحمن الباشا على العودة إلى بيروت بين وقت وآخر لإحياء حفلات موسيقية فيها، وكأنه لا يريد أن يترك اللبنانيين يعانون أو يتألمون وحدهم. فتحضر موسيقاه بلسمة لجروحهم ويواسيهم بها على طريقته، وبأنامله ينتشلهم من ليل عميق يسكنهم، فيرتشفون جرعات من الأمل بفضل عزفه لهم، حين يذكرهم بأنه حاضر دائماً للتخفيف من قهرهم.

ويعلق لـ«الشرق الأوسط»: «هذه العلاقة بيني وبين جذوري أعدها كنز الحياة. لبنان هو بلدي ومسقط رأسي، وأشبه أهله وهم يشبهونني. فنحن في لبنان بمثابة عائلة كبيرة لا زلت أحمل الحنين الدائم لها».

يؤكد عبد الرحمن الباشا أن اللبنانيين هم من يواسونه ويخففون من أوجاعه. «قد يعتقد البعض أن بعدي عن بلدي يسهم في نسياني له، وأن هذه المسافات بيني وبينه تقف حاجزاً يفصلنا عن بعضنا البعض، ولكنها فكرة خاطئة لأن الشخص البعيد عن بلده يتأثر بشكل كبير بما يجري على أرضه، ويحمل بالتالي هموم وطنه وأهله. فتصيبني حالات اشتياق وحزن تجاهه فأحاول إبطاء مفعولها علي بالموسيقى».

يرى الباشا أنه رجل محظوظ كونه استطاع تحقيق حلمه منذ الصغر بأن يصير عازف بيانو. «محظوظ أنا من دون شك لا سيما أني لمست الموسيقى الكلاسيكية بأناملي. فهذا الأمر يزودني بفرح داخلي تلقائياً. ولكن هناك نوعاً من التوازن الفكري يصيبني في بيروت. وأصبح منبهراً بنور مدينتي فتتملكني سعادة كبيرة».

يقول الموسيقي العالمي إنه عندما يعزف على البيانو ينتقل إلى عالم ثانٍ، وإن أفكاره عادة ما تؤثر على أسلوب عزفه. «أفكاري ومشاعري تختلف تبعاً للمكان والزمان الموجود فيهما. وعندما أكون في بيروت تختلف أحاسيسي وأفكاري وتؤثر على عزفي. وفي إحدى المرات التي كنت أعزف فيها في بيروت ورافقني فيها أولادي، استوضحوني عن اختلاف لمسوه في عزفي. وتساءلوا عن سببه لأن برأيهم ما قدمته في بيروت لم يكن يشبه أبداً ما سمعوه في أوروبا. وفي الحقيقة لا أقصد أبداً هذا الاختلاف بل إنه يولد عندي بعفوية مطلقة لا أستطيع شرحها».

عبد الرحمن الباشا خلال إحياء حفله بدعوة من المعهد الوطني للموسيقى (الشرق الأوسط)

عندما تصغي لحديث عبد الرحمن الباشا وهو يحكي عن علاقته الوطيدة بلبنان ينقل إليك لا شعورياً هذا الحب. فتلمس عمقه ومدى تأثيره على أنامله أثناء العزف على البيانو.

ويعترف بأن هناك صوراً تراوده في خياله تزيد من انفلاش هذا التأثير على فنّه. فلمجرد أن يشتم رائحة الوطن تتبدل مشاعره، فما هي الصور التي تتراءى له وتصنع عنده هذا الفرق في العزف؟ يرد لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر لا يتعلق بصور من ذاكرتي الطفولية بل أخرى أجمعها من محيطي وممن هم حولي. ومرات أستنبطها من حركة يد معطاءة مشبعة بالحنان، أو ابتسامة أراها على وجه طفل يلهو بألعابه. إنها تفاصيل بسيطة جداً ما عاد الناس يهتمون بها. ولكنها بالنسبة لي تعني لي الكثير وتلهمني».

ليست صور مخيلته فقط هي التي تلعب دوراً في أسلوب عزفه ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أساليب تعبيرية مختلفة تراودني بينها ما يتعلق بفلسفة حياة. ومرات أخرى تنبع من أفكار معينة تحكي عن الموت والحياة والحرب واليأس. فجميعها يمكنها أن تولد مقطوعات موسيقية تترجمها، ولا سيما في الكلاسيكية منها. كما أن هناك مشاعر روحية ترتقي بنا إلى الأعلى وكأنها تنزل من السماء. كتلك التي نجدها في معزوفات باخ فتغمرنا كدموع غزيرة تنهمر علينا. وأحياناً ولشدة تأثري بحالات كهذه لا أستطيع تمالك نفسي، فأبكي وأنا أعزف على البيانو».


مقالات ذات صلة

نانسي عجرم أطلَّت كما «باربي» في «مهرجانات بيبلوس» وغنّت بين أهلها

يوميات الشرق أطلت بفستان زهري لمّاع له روح فساتين «باربي» (خاص الشرق الأوسط)

نانسي عجرم أطلَّت كما «باربي» في «مهرجانات بيبلوس» وغنّت بين أهلها

ما كان لهذا الحفل اللبناني أن ينتهي من دون أن تختمه بأغنيتها «بيروت الأنثى» التي أبكت يوم صدورها بسبب الظروف العصيبة التي مرَّ بها لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

لم يمنع المرض النجمة العالمية سيلين ديون من إحياء افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس، الجمعة، حيث أبدعت في أول ظهور لها منذ إعلان إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبس.

كوثر وكيل (باريس)
يوميات الشرق أريد من الحفل «فعل صلاة» لقدرة الموسيقى على غَسْل الداخل (الشرق الأوسط)

المايسترا مارانا سعد تقود الموسيقى نحو الحبّ الأعظم

في حفل المايسترا اللبنانية الأخت مارانا سعد، يحدُث التسليم للحبّ. ليس بهيئته المُتدَاولة، بل بكينونته. بالعظمة الكامنة في نبضه وجوهره وسُلطته على العناصر.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق المغنية الشهيرة تايلور سويفت (د.ب.أ)

دراسة: تايلور سويفت تؤثر إيجاباً على معجبيها فيما يخص «صورة الجسد»

ساعدت نجمة البوب تايلور سويفت معجبيها على تحقيق نظرة أكثر إيجابية بشكل عام حول ثقافة النظام الغذائي والأكل المضطرب وصورة الجسد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ النجمة الأميركية بيونسيه (رويترز)

بيونسيه تمنح هاريس حق استخدام إحدى أغنياتها طوال حملتها الانتخابية

كشفت تقارير جديدة أن النجمة الأميركية بيونسيه منحت الإذن لكامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي التي أصبحت المرشحة الرئاسية المفترضة، لاستخدام أغنيتها «فريدوم».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نانسي عجرم أطلَّت كما «باربي» في «مهرجانات بيبلوس» وغنّت بين أهلها

أطلت بفستان زهري لمّاع له روح فساتين «باربي» (خاص الشرق الأوسط)
أطلت بفستان زهري لمّاع له روح فساتين «باربي» (خاص الشرق الأوسط)
TT

نانسي عجرم أطلَّت كما «باربي» في «مهرجانات بيبلوس» وغنّت بين أهلها

أطلت بفستان زهري لمّاع له روح فساتين «باربي» (خاص الشرق الأوسط)
أطلت بفستان زهري لمّاع له روح فساتين «باربي» (خاص الشرق الأوسط)

وعدت نانسي عجرم جمهورها، ووفت. فقد أشعلت ليل بيبلوس، مساء الجمعة، بحيويتها، وأغنياتها التي يعرفونها عن ظهر قلب.

لم تكن بحاجة إلى مقدّمات، ولا محفّزات. فالجميع هنا جاء من أجل لحظات الفرح التي تبثّها محبوبتهم في قلوبهم.

«الليلة ببيبلوس، بدنا نرقص ونغنّي، ونولّع الجوّ، وما في شي بيوقفنا»، هكذا خاطبت الحضور. «شكراً، لأنكم أتيتم رغم كل ما نمرُّ به»، متمنّية ألا يرى لبنان والعالم أجمع غير الحبّ والسلام.

أشعلت ليل بيبلوس بأغنياتها التي يعرفها الجمهور عن ظهر قلب (خاص الشرق الأوسط)

أسمعتهم الأغنيات التي جاءوا من أجلها: «قول تاني كده»، «من نظرة»، «يا طبطب»، «صَحْ صَحْ»، «لون عيونك»، «معاك»، و«تيجي ننبسط»؛ نانسي تغنّي والجمهور يسبقها. أطلت بفستان زهري، قصير، لمّاع، بسيط، له روح فساتين «باربي». غير أنها اختارت في هذه الأمسية اللبنانية أن يكون اسمها بالأجنبية مكتوباً على صدر الفستان، كما في أعلى البلوزة الزرقاء التي ارتدتها مع الجينز الأزرق في النصف الثاني من الحفل؛ مما أثار إعجاب البعض، فيما تساءل بعضٌ آخر عن سبب اختيارها بساطة فائضة هذه المرّة.

تمنَّت ألا يرى لبنان والعالم أجمع غير الحبّ والسلام (خاص الشرق الأوسط)

ثمة مَن راقته الإطلالة غير المتكلِّفة، كأنّ نانسي تغنّي بين أهلها. وهي كانت بالفعل كذلك، حيث احتلّ زوجها ووالدتها وشقيقتها وأفراد آخرون من عائلتها الكراسي الأولى. وخلال الحفل، اختارت أن تنزل بين الجمهور الذي لم يتوقّف عن التقاط الصور، وإضاءة الهواتف والرقص، والغناء. «قلبي يا قلبي»، «بدنا نولّع الجوّ»، «عم بتعلّق فيك»، «إحساس جديد»، «سلامات»، «آه ونص»، «ياي». تتابعت الأغنيات، من ريبرتوار، قديم، جديد، والحيوية لم تهدأ، كما الرغبة في المزيد.

الجميع جاء من أجل لحظات الفرح التي تبثّها محبوبتهم في قلوبهم (خاص الشرق الأوسط)

فيديو بُثَّ في منتصف الحفل سمح للفنانة باستراحة قصيرة، وأضحك الحضور، يدور فيه حوار طريف بين نانسي عجرم وكل مِن ناتالي مصري ونادين شلهوب، حول ما تقصده بأغنيتها «نحنا سهرانين، ما تسأل نحنا مين»، ولماذا تستخدم صيغة الجمع؟

نانسي عجرم المتجدِّدة والنضرة أفرحت جمهورها (خاص الشرق الأوسط)

بقيت نانسي متجدِّدة، نضرة، وهي تغنّي «شيخ الشباب»، و«الدنيا حلوة»، و«حلم البنات»، و«حبك سفّاح».

وما كان لهذا الحفل اللبناني أن ينتهي من دون أن تختمه بأغنيتها «بيروت الأنثى» التي أبكت يوم صدورها بسبب الظرف العصيبة التي مرَّ بها لبنان. ووسط الأعلام اللبنانية التي لوَّح بها شبانٌ اعتلوا المسرح، أدّت أغنيتها الأخيرة هذه لعشاق بيروت القدامى. ولم يتمكّن الجمهور من الاستزادة، لكنهم خرجوا وهم لا يزالون يغنّون كأنّ الحفل لم ينتهِ.