«عقيقة رامبرانت»... حين يُجسد الفن «جماليات القُبح»

معرض «صادم» للفنان المصري عمر جبر

قدم عمر جبر في معرضه مفهوم القبح بوصفه شكلاً ونمطاً وأسلوباً (إدارة الغاليري)
قدم عمر جبر في معرضه مفهوم القبح بوصفه شكلاً ونمطاً وأسلوباً (إدارة الغاليري)
TT

«عقيقة رامبرانت»... حين يُجسد الفن «جماليات القُبح»

قدم عمر جبر في معرضه مفهوم القبح بوصفه شكلاً ونمطاً وأسلوباً (إدارة الغاليري)
قدم عمر جبر في معرضه مفهوم القبح بوصفه شكلاً ونمطاً وأسلوباً (إدارة الغاليري)

هل يمكن للأشياء القبيحة أو المشوهة أن تصبح محوراً لأعمال تنتمي إلى الفنون الجميلة وتكون ممتعة؟ أم أن هذا يعد مجرد نوع من الخروج عن المألوف والرغبة في تقديم أعمال مغايرة؟!... سؤال يطرح نفسه بقوة أمام لوحات التشكيلي المصري عمر جبر في أحدث معارضه «عقيقة رامبرانت» والمقام بغاليري «أوبنتو» بالقاهرة.

يقدم جبر لوحات ومجسمات تحتفي بالقبح، وتتحدى أحكامنا على الفن الجميل؛ فما بين وجوه دميمة وأجساد مشوهة وشخوص ذوي «مظهر غير حسن»، وملابس ممزقة، ونظرات مُنفرة، ومشاهد من الحياة يغلب عليها الفوضى، وغير ذلك من ملامح ورموز وتفاصيل اعتدنا أن نعدها قبحاً تدور أعمال المعرض.

الجمال في الإبداع لا يعني بالضرورة التقاط الجمال في الواقع (إدارة الغاليري)

وقد نستشعر كذلك قدراً من الغموض تجاه بعض اللوحات، ولعله لذلك اختار له هذا العنوان الذي يرتبط بالرسام الهولندي رامبرانت بأعماله الغامضة، الذي وصفه فان جوخ: «يمضي رامبرانت في الغموض إلى درجة أنه يقول أشياء لا توجد في أي لغة».

تجربة جبر ليست جديدة في المشهد التشكيلي العالمي، والعربي أيضاً؛ فإذا كان الفن في معظم تاريخه سعى إلى الجمال والانسجام الشكلي، فقد عرف كذلك تجسيد القبح والتشوه؛ فلطالما كان القبح في أعمال الفرنسي جيرار غاروست هو نفسه الدافع إلى التعبير والرسم.

القبح قد يتحول إلى أحد عناصر الجمال في الإبداع (إدارة الغاليري)

ومن قبله قدم تيودور جيريكو أعمالاً تهتم بالقبح وأبرزها لوحة «امرأة حاقدة»، وكذلك «جويا»، الذي قدم العديد من اللوحات التي تسودها الكآبة والقلق والموت، وفي المشهد التشكيلي العربي يبرز اسم الفنان السوري سبهان آدم الذي عبر عن القبح والبشاعة برؤيته الخاصة.

ويتفق ذلك كله مع مقولة أمانويل كانط أن «الفن ليس تصويراً لشيء جميل، وإنما تصوير جميل لشيء ما، كيفما كان هذا الشيء»، وهو نفسه ما يراه جبر الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «لا يشترط للفن أن يجسد الجمال؛ فأي شيء يمكن أن يكون موضوعاً للتمثل الفني، أياً كان هذا الموضوع، حتى إن كان موضوعاً قبيحاً».

قدم عمر جبر العديد من المشكلات والحالات الإنسانية في محيطه (إدارة الغاليري)

وهنا يبرز مفهوم «جماليات القُبح» انطلاقاً من أن الجمال في الحقل الإبداعي لا يعني بالضرورة التقاط الجمال الموجود في الواقع وتجسيده، إنما هو معالجة شيء أو فكرة أو مشاعر ما بأسلوب فني ولغة بصرية لها جمالياتها ودلالاتها العميقة وقدرتها على التأثير على المتلقي؛ فما يجعل عملاً إبداعياً جميلاً أو غير جميل لا علاقة له بالشكل الخارجي أو تفكيرنا النمطي تجاهه، إنما هو مقدار ما التزم به هذا العمل من صدق وقدرة على التعبير عما يتناوله.

إلى هذا قدم عمر جبر في معرضه مفهوم القبح بوصفه شكلاً ونمطاً وأسلوباً عبر أجساد مشوهة وأنماط من الغرافیتي وألعاب بلاستيكية رديئة، نثر حولها شخصيات كرتونية كنوع من السخرية، وبالنسبة له فإن ھذا التناول ھو «اختيار متعمد يحاكي الواقع من حولي، وذلك بهدف النقد والتغيير».

المعرض يدعو للتساؤل هل يمكن للتشكيلي أن يقدم القبح موضوعاً فنياً؟ (إدارة الغاليري)

ما يزيد من إحساس الزائر للمعرض بصدمة مشاهدة القبح في معرضه هو أنه حين يدخل القاعة يفاجئه وجود نسخة طبق الأصل استنسخها من بورتريه كلاسيكي - ذي جماليات بارزة - جاء به من القرن التاسع عشر، وتم وضع هذه النسخة بجوار بورتريهات أخرى ذات أشكال وأجساد مشوهة؛ ما يجعل الزائر أمام مواجهة «قاسية» ما بين الجمال والقبح، وكأن جبر يمعن في التأكيد على أن العمل التشكيلي قد يقدم الجمال، وقد يقدم القبح ويبقى في الحالتين نوعاً من «الفنون الجميلة».

الفنان عمر جبر (إدارة الغاليري)

في معارضه السابقة لم يكن الفنان الشاب بعيداً عن أجواء معرضه الحالي؛ حيث جسد كثيراً الاضطرابات والتناقضات والمشكلات اليومية والحالات الإنسانية المختلفة في محيطه؛ في محاولة لاستكشاف ماهية الفن ووظيفته من وجهة نظره، ويبدو أنه توصل أخيراً إلى ذلك في هذا المعرض؛ حين حقق الفصل بين مفهوم الجمال في الفن ومفهومه في الطبيعة أو الواقع.


مقالات ذات صلة

فرنسا تلغي مشاركة شركات إسرائيلية في معرض دفاعي

أوروبا إحدى الجلسات في معرض «يوروساتوري» الدفاعي عام 2022 (حساب المعرض على «إكس»)

فرنسا تلغي مشاركة شركات إسرائيلية في معرض دفاعي

قالت الشركة المنظمة لمعرض «يوروساتوري»، وهو معرض دولي للدفاع والأمن، (الجمعة)، إنه تم بقرار من السلطات الفرنسية إلغاء مشاركة الشركات العسكرية الإسرائيلية

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تصميم «شمس آتون» يعلو ظهر العملات السّت (الشرق الأوسط)

«شمس آتون» جنيهات ذهبية مستوحاة من الحضارة المصرية القديمة

تساهم الفنانة المصرية ماهيناز المسيري في تجاوز مفهوم الجمال اللامع للذهب وندرته إلى استكشاف فكرة أن ثمة قصصاً رائعة ترتبط به.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق لوحة «الطوفان» عام 1828 (تيت)

لوحات الفنان البريطاني تيرنر كانت نقطة تحول في مسار الكوكب

يهدف معرض جديد إلى فحص كيف نجح الفنان البريطاني، جي إم دبليو تيرنر، في تصوير التأثير الدائم الذي يتركه الناس في البيئة، في لوحاته دون قصد منه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري جورج البهجوري يظهر في لوحة للفنان محمد عبد الجليل (الشرق الأوسط)

40 فناناً عربياً في معرض لـ«محو الأمية البصرية» بالقاهرة

ضمن مشروع لمحو الأمية البصرية يستهدف تجميل الشوارع والميادين في مصر باللوحات والتماثيل، شارك 40 فناناً من مصر والوطن العربي في معرض جماعي بقاعة «آرت كورنر».

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق الأبراج السماوية من أعمال الفنان أحمد سليم (الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية)

تفاصيل معبد دندرة الأثري تلهم 16 تشكيلياً في مصر

من وحي معبد دندرة بمحافظة قنا (جنوب مصر)، قدم 16 فناناً تشكيليا أعمالاً تعيد توظيف الأيقونات الفرعونية والفن المصري القديم في لوحات تعكس سحر الماضي وروح الحاضر.

محمد الكفراوي (القاهرة )

الحفلات الفلكلورية تضفي أجواء من البهجة في القاهرة الفاطمية

العروض الفنية لراقصي التنورة تجذب الجمهور (قصر الأمير طاز)
العروض الفنية لراقصي التنورة تجذب الجمهور (قصر الأمير طاز)
TT

الحفلات الفلكلورية تضفي أجواء من البهجة في القاهرة الفاطمية

العروض الفنية لراقصي التنورة تجذب الجمهور (قصر الأمير طاز)
العروض الفنية لراقصي التنورة تجذب الجمهور (قصر الأمير طاز)

بين أرجاء المباني الأثرية بالقاهرة التاريخية، تنثر الحفلات الفلكلورية البهجة على المنطقة من خلال الموسيقى والغناء والرقص والإنشاد.

وكان أحدث هذه الحفلات فعاليات المهرجان الدولي للطبول، الذي اختتم حفلاته، السبت، على مسرح سور القاهرة الشمالي، وضمّ نحو 40 فرقة للطبول والفنون التراثية من 8 دول، وشهدت حفلات المهرجان حضوراً جماهيرياً كبيراً تفاعل مع الحدث الفني الذي يقام للعام الحادي عشر.

يقول الدكتور انتصار عبد الفتاح، مؤسس ورئيس المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية، إن أكثر ما لفت انتباهه هو «البهجة والسعادة التي ظهرت على الجمهور، وهو يتابع فعاليات المهرجان»، مضيفاً، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «يستهدف الحفاظ على التراث الشعبي والتواصل بين ثقافات الشعوب، فضلاً عن التواصل الإنساني بين شعوب العالم».

تفاعل جماهيري كبير مع مهرجان الطبول الدولي بالقاهرة (إدارة المهرجان)

وعدَّ «استقبال الجمهور للفعاليات بسعادة وتفاؤل من أهم الأهداف التي يسعى المهرجان لتحقيقها، إلى جانب هدفه الرئيسي في مد جسور التواصل بين الثقافات المتنوعة».

وأضاف: «هناك أيضاً مهرجان سماع للإنشاد والموسيقى الروحية، وملتقى الأديان، وفرقة إرساء السلام الدولية، وفرقة سماع للرقص الصوفي المولوي التي أنشأتها بهدف إحياء الفنون التراثية، واستطاعت هذه الفرق التعبير عن الطابع المميز للقاهرة التاريخية بعمقها الثقافي والحضاري».

وتزخر خطة مراكز الإبداع والقصور والبيوت التراثية في القاهرة الفاطمية بحفلات متنوعة؛ من بينها حفلة إنشاد ديني، يوم 6 يونيو (حزيران) الحالي، بمناسبة موسم الحج في بيت السحيمي، وحفلان لفرقة النيل للفنون الشعبية بالمكان نفسه، بالإضافة لعروض الأراجوز وخيال الظل لفرقة «ومضة» أسبوعياً، يوم الجمعة.

في حين تشهد قبة الغوري حفلين لفرقة التنورة، كل أسبوع، وتضم أيضاً حفلات لفرقة رضا للفنون الشعبية، والفرقة القومية للفنون الشعبية، بالإضافة إلى حفل إنشاد ديني بمناسبة موسم الحج، وحفلات لفرق شبابية.

فرقة التنورة التراثية تقدم حفلات أسبوعية في قبة الغوري بالقاهرة التاريخية (قبة الغوري)

ويُعدّ مركز الإبداع بقبة الغوري، وفقاً لمديره الدكتور عامر التوني، «برنامجاً فنياً للمكان الأثري في قلب القاهرة الفاطمية يتناسب مع القيمة التراثية لقبة الغوري». ويقول التوني، لـ«الشرق الأوسط»: «نحافظ على الفنون التراثية، ومن أكثر تجلياتها الموسيقى الشرقية الخاصة بنا، والإنشاد الصوفي، والإنشاد الديني، وحتى لا يشعر الجمهور بالانفصال عن الواقع، هناك بعض الفرق الشبابية التي تقدم أغاني حديثة مختلفة».

وأشار إلى أن «فرقة التنورة موجودة على الأجندة السياحية المصرية، أسبوعياً كل سبت وأربعاء، وهناك أيضاً فرقتان للفنون الشعبية هما فرقة رضا والفرقة القومية».

فرق الفنون الشعبية تقدم عروضاً متنوعة بالقاهرة التاريخية (قصر الأمير طاز)

وأوضح أن «طبيعة الجمهور الموجود في حي الحسين إما أجنبي يريد مشاهدة المزارات المصرية، أو من أبناء البلد الذين يأتون من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية للتعرف على المكان ومشاهدة العروض المختلفة».

وذكر أن «تقديم الفنون التراثية يجذب الجمهور كثيراً، ويبث البهجة في صفوفه، وتمتد هذه الفنون لتعبر عن التنوع الموجود في مصر، فقبل فترة قريبة كانت لدينا فرقة للإنشاد الصوفي من أسوان (فرقة السباعية)، وفرق الطنبورة البورسعيدية، والسمسمية السويسية، والشهر الماضي كان معنا أحفاد أحمد منيب من النوبة».

في حين يشهد قصر الأمير باشتاك بشارع المعز فعاليات؛ منها صالون مقامات بيت الغناء العربي، بحضور فرق موسيقية، بالاشتراك مع البرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية، وحفل بعنوان «ليلة من دويتوهات السينما المصرية» لفرقة نجوم مصرية.

وتقدم فرقة «المولوية» عرضاً في قصر الأمير طاز بالقاهرة الفاطمية أيضاً، كما يستضيف المكان نفسه عرضاً لفرقة «أنغامنا الحلوة»، بالإضافة إلى الورش الفنية للكورال ولمدرسة الإنشاد الديني، بإشراف المنشد محمود التهامي.