من التمثيل والغناء إلى بيع الأحذية... دونالد ترمب ومتلازمة الشهرة

دونالد ترمب مقدّماً وصلة غنائية خلال حفل جوائز «إيمي» عام 2005 (أ.ب)
دونالد ترمب مقدّماً وصلة غنائية خلال حفل جوائز «إيمي» عام 2005 (أ.ب)
TT

من التمثيل والغناء إلى بيع الأحذية... دونالد ترمب ومتلازمة الشهرة

دونالد ترمب مقدّماً وصلة غنائية خلال حفل جوائز «إيمي» عام 2005 (أ.ب)
دونالد ترمب مقدّماً وصلة غنائية خلال حفل جوائز «إيمي» عام 2005 (أ.ب)

«إذا دعمَتْ جو بايدن فستكون قليلة الوفاء للرجل الذي أتاح لها جمع كل هذا المال، بفضل إقراره قانون تحديث الموسيقى». هذه هي العبارة التي منّنَ بها دونالد ترمب تايلور سويفت؛ المغنية الأميركية المحبوبة التي يتابعها على «إنستغرام» وحدَه 280 مليون شخص، والتي تشكّل ماكينة انتخابية بحدّ ذاتها. لن يناسب ترمب بالتالي أن تعلن سويفت مساندتها لبايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما هو متوقّع.

ليست سويفت الفنانة الوحيدة التي تنفر من الرئيس الأميركي السابق، فمثلُها مئات المشاهير الأميركيين. يوم انتُخب عام 2017، لم ينجح في استقدام نجمٍ جماهيري واحد ليغنّي في حفل تنصيبه. يتناقض واقع ترمب الحالي مع بداياته التي غالباً ما كان يظهر خلالها ملتصقاً بالمشاهير، أمثال: مايكل جاكسون، وأوبرا وينفري، ومايك تايسون، وغيرهم.

جمعت ترمب صداقة امتدّت سنوات بالمغنّي الأميركي مايكل جاكسون (منصة إكس)

إيفانا كمّلت ترسانة السلطة

قبل أيّام، أعاد ترمب التذكير بأنه لا يوفّر فرصة للفت الأنظار، مُطلقاً علامته التجاريّة الخاصة بالأحذية الرياضية. وقد تَزامنَ الكشف عن الحذاء الذهبي الجديد البالغ ثمنه 399 دولاراً، مع تغريم ترمب 355 مليون دولار لإدانته في قضية احتيال.

ترمب معرّفاً الجمهور بالحذاء الرياضي الجديد الذي أطلقه (أ.ب)

لطالما احترف ترمب لعبة الأضواء، فبدا مصاباً بمتلازمة الشهرة منذ بداياته كمطوّر عقاري يعمل لصالح والده. لم تنقصه الكاريزما ولا جرأة الوقوف أمام الكاميرا من دون سابق تحضير. أما لسانه السليط وأسلوبه الهجومي فسلاحان رافقاه منذ سنوات الشباب.

صادقَ السياسيين في خطوة استباقيّة للمسيرة التي كان ينوي خوضها لاحقاً. ساعدته ثروته الآخذة في الازدياد على بناء هالة حوله؛ من القصور؛ حيث الشلّالات والنوافير، إلى الطائرات الخاصة، والمروحيّات، واليخوت، وناطحات السحاب، والكازينوهات... لم يبخل على نفسه بترسانة السلطة. وقد اكتملت الصورة البرّاقة مع زوجة تسحرها هي أيضاً حياة المشاهير.

ترمب وزوجته الأولى إيفانا (أ.ب)

ساهمت إيفانا ترمب في رسم صورة دونالد القوي والشهير. يداً بيَدٍ دخلا إلى أهمّ المناسبات في نيويورك، كعروض الأزياء الفخمة، وحفلات العشاء الخيريّة، وسهرات توزيع الجوائز العالميّة. لم يفوّتا وقفة أمام عدسة مصوّر، ولا فرصة لمصافحة شخصية معروفة. ولاحقاً، فتحا قصرهما لاستضافة حفلاتهما الخاصة؛ حيث حلّ المشاهير على رأس قائمة المدعوّين.

من بين الحضور كذلك صحافيّو «التابلويد» الذين صادقَهم ترمب وأغدق الرّشَى عليهم، كي يفردوا صفحاتهم له ولأخباره وصوره. وليست عادة الاستكتاب غريبة على الملياردير الذي نشر حتى الآن نحو 20 كتاباً باسمِه، بينما هي من تأليف أشخاصٍ بقيت أسماؤهم في العتمة.

ترمب يحمل مجسّماً لنجمة هوليوود الخاصة به عام 2007 وترافقه زوجته الثالثة ميلانيا وابنه بارون (أ.ب)

مسيرة سينمائية حافلة

ما الذي قد يدفع برجل أعمالٍ صاحبِ سلطة ومال للمشاركة في عشرات الأفلام والمسلسلات، سوى جوع الشهرة؟

كانت بداية ترمب «السينمائية» عام 1989 في فيلم«Ghosts Can’t Do It»، جسّد فيه شخصيّته الحقيقية، واكتفى بمشهد واحد قال فيه: «تأكّدي يا سيدة سكوت أنّ في هذه الغرفة ما يكفي من السكاكين الحادّة لذبحك حتى العظام، وفيها ما يكفي من القلوب الباردة لأكل قلبك كمقبّلات». عن هذا المرور المثير للاشمئزاز، استحقّ جائزة أسوأ ممثّل بدور مساعد.

لم تُثنِه تلك البداية غير المشجّعة عن تكرار التجربة، فبرز مروره ضمن الجزء الثاني من فيلم «Home Alone» عام 1992. كان يملك حينها فندق «بلازا»؛ حيث جرى التصوير، وقد أطلّ لبُرهة مساعداً البطل «كيفن» في إيجاد طريقه إلى بهو الفندق.

مشاركة سريعة لدونالد ترمب في فيلم «Home Alone» عام 1992 (إنستغرام)

توالت المشارَكات الخاطفة في الأفلام والمسلسلات والوثائقيات، واستمرّت إلى ما قبل انتخابه رئيساً، وهو غالباً ما جسّد شخصيّته الحقيقية، إذ قلّما تقمّص شخصيات أخرى كما حصل عام 1994 في فيلم«The Little Rascals»؛ حيث أدّى دور والد أحد الأطفال أبطال الفيلم. ومن بين أبرز الأفلام التي شارك فيها ترمب «The Associate»، و«Zoolander»، و«Two Weeks Notice». أما على صعيد المسلسلات، فقد كان له مرور في 8 منها، أبرزها: «Sex and the City»، و«The Nanny»، و«Days of our Lives».

من مرور ترمب في فيلم «Two Weeks Notice» عام 2002 (منصة إكس)

الإعلامي الأعلى سعراً

المحطّة المفصليّة في صعود ترمب نحو النجوميّة كانت برنامج تلفزيون الواقع «The Apprentice» (المبتدئ) الذي تولّى إنتاجه وتقديمه على شبكة «NBC» ما بين عامَي 2004 و2015. تنافسَ متسابقو البرنامج من أجل الحصول على منصب إداري في إحدى شركات ترمب التجارية. يُحكى أنّ ترمب كان يتقاضى 3 ملايين دولار عن كل حلقة، كما استحقّ عنه ترشيحَين إلى جوائز «إيمي» التلفزيونية. وقد برزت آنذاك جملته الشهيرة «You’re fired» (أنت مطرود) من ضمن استراتيجية اللؤم والتحقير التي كان يعتمدها مع المتبارين.

ترمب خلال جولة إعلامية لبرنامجه «The Apprentice» عام 2015 (أ.ب)

امتدّت تجربة ترمب الإعلامية إلى تقديم برنامج إذاعي. ولمراكمة مزيد من الشهرة، لم يتردّد في الظهور ضمن إعلانات تجاريّة ما بين الثمانينات وعام 2010، وقد شملت مطاعم بيتزا وبرغر، ومشروبات غازيّة، ومحلات ملابس، وبطاقات ائتمان، وغيرها.

دونالد يغنّي

أطلّ دونالد ترمب في فيديو كليب لبوبي براون عام 1988، إلا أنّ أحداً لم يتوقّع أن تذهب به الجرأة إلى حدّ الغناء مباشرة على مسرح جوائز الـ«إيمي» عام 2005.

وضع ترمب كل مراحل حياته تحت الضوء، حتى إنه استثمر في زيجاته وحالات طلاقه المتعدّدة. تصدّرت قصة خيانته إيفانا عام 1990 الصحافة الأميركية، ويوم وضعت زوجته الثانية مارلا مايبلز ابنتهما تيفاني، دعا صحافية إلى غرفة المستشفى حتى تنال حصريّة الخبر والصور.

بين علاقاته مع ممثلات وبطلات رياضيات، وحياته الزوجيّة المترنّحة، شكّلت خصوصيات ترمب مادّة دسمة تابعها الجمهور الأميركي بفضول، عبر الإعلام المجنّد لحسابه.

ترمب وزوجته الثانية الممثلة وعارضة الأزياء مارلا مايبلز (أ.ب)

نجم البيت الأبيض

لعبت هذه القدرة على تسلية الجماهير بحكاياته، دوراً لا يستهان به في وصول ترمب إلى البيت الأبيض. مع العلم بأنه ليس الرئيس الأميركي الأول ذا الأرشيف الحافل بلحظات الشهرة؛ إذ سبقه إلى ذلك رونالد ريغان الذي كان نجماً سينمائياً.

غير أن ترمب نقل معه حب الاستعراض وإدمان الأضواء إلى المكتب البيضاويّ. في أول اجتماع لمجلس الوزراء عام 2018، رحّب بالحاضرين قائلاً: «أهلاً بكم في الاستوديو». واستمرّ العرض من خلال حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لا سيما «تويتر».

نقل ترمب هوَسه بالشهرة إلى البيت الأبيض حيث اختلطت السياسة بالاستعراض (أ.ب)

لم يمسّه شيء من جدّيّة المنصب الرئاسي؛ بل واصل البهلوانيّات الإعلامية والاستثمار في الفضائح، فتداخل في عهده الاستعراضُ بالسياسة. أما الآن وبينما يتحضّر لجولة انتخابية جديدة، فقد عاد ترمب للرهان على الصوت المرتفع والتسويق لنفسه مستخدماً كل وسائل النجوميّة المتاحة.


مقالات ذات صلة

مستشار ترمب: الرئيس المنتخب يدرس خيارات «الحفاظ» على «تيك توك»

الولايات المتحدة​ شعار «تيك توك» يظهر على شاشة هاتف جوال أمام العلم الأميركي (رويترز)

مستشار ترمب: الرئيس المنتخب يدرس خيارات «الحفاظ» على «تيك توك»

صرح مايك والتز، الذي اختاره ترمب مستشار الأمن القومي، في مقابلة، بأن الرئيس المنتخب يدرس خيارات «الحفاظ» على منصة «تيك توك».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض في واشنطن (رويترز)

كبار مسؤولي إدارة ترمب يشاركون بتمرين على الانتقال في البيت الأبيض

شارك كبار المسؤولين من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب، بمَن فيهم غالبية مرشحيه للوزارات، في تمرين للانتقال إلى البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية  رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

نتنياهو يشكر ترمب وبايدن بعد التوصل لاتفاق غزة

وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء، الشكر للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على ضمان التوصل لاتفاق لإعادة الرهائن في غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

مصادر: بوتين سيطالب بعدم انضمام أوكرانيا لـ«الناتو» أبداً ضمن أي محادثات مع ترمب

كشفت مصادر مطلعة عن أن روسيا ستطالب بأن تقلص أوكرانيا علاقاتها العسكرية بشكل كبير مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأن تصبح دولة محايدة تمتلك جيشاً محدوداً.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ الرئيس البنمي حينها خوان كارلوس فاريلا يتحدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال اجتماع في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض في العاصمة واشنطن... 19 يونيو 2017 (رويترز)

بعد تهديده باستعادة القناة... هل يدفع ترمب بنما لمزيد من التقارب مع الصين؟

حذّر مسؤولون أميركيون سابقون من أن تهديد الرئيس الأميركي المنتخب ترمب بالقوة العسكرية لاستعادة قناة بنما قد ينفّر الحكومة البنمية ويدفعها للاقتراب من الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

مشاهير تُرعبُهم الجماهير... «المهاتما» هرب من المحكمة وفنانة فقدت الوعي على المسرح

مشاهير تُرعبُهم الجماهير... «المهاتما» هرب من المحكمة وفنانة فقدت الوعي على المسرح
TT

مشاهير تُرعبُهم الجماهير... «المهاتما» هرب من المحكمة وفنانة فقدت الوعي على المسرح

مشاهير تُرعبُهم الجماهير... «المهاتما» هرب من المحكمة وفنانة فقدت الوعي على المسرح

يُصنَّف «Notting Hill (نوتينغ هيل)» بأنه أحد أقرب الأفلام الرومانسية إلى قلوب الجماهير حول العالم. لكن لا أحد من محبّي الفيلم يعرف، ربّما، أنّ بطلَه الممثل البريطاني هيو غرانت، الذي أبدع في أداء شخصية «ويليام» إلى جانب الممثلة الأميركية جوليا روبرتس، لم يكن إطلاقاً على ما يُرام خلال التصوير عام 1999.

لا تَقُل «أكشن»...

في حوارٍ مع وكالة الصحافة الألمانية قبل أسبوعَين، عاد غرانت (64 عاماً) بالذاكرة إلى تلك الفترة التي بدأت تظهر فيها عليه عوارض قلق الأداء (performance anxiety)، وهي كانت تتجلّى من خلال نوباتِ هلعٍ تصيبه أمام الكاميرا. وقد اعترف مراراً بأنّ القلق هو الرفيق الدائم لكل فيلمٍ يصوّره؛ «فور عرضِ دورٍ جديد عليّ، أبدأ بالتساؤل متى ستبدأ نوبة الهلع»، مضيفاً أنّ الأمر يتسبّب له بالإحراج والإذلال.

بدأت نوبات قلق الأداء تصيب الممثل هيو غرانت عام 1999 خلال تصوير فيلم Notting Hill (إنستغرام)

يسلكُ كل شيءٍ بسلاسة إلى أن تدور الكاميرا، فتنتاب غرانت عوارض الضيق والتيبّس: «أبدأ بالتعرّق وأنسى سطوري». قاسى من الأمر كثيراً إلى درجة أنه صار يطلب من المخرجين ألّا يتفوّهوا بكلمة «أكشن»، لأنها تضاعف ذعره. لجأ إلى وسائل متعددة لحلّ تلك العقدة، كالتحضير المكثّف قبل شهور، والعلاج النفسي، والحبوب المهدّئة، والرياضة الصباحية، إلا أنّ شيئاً لم ينفع.

ما زال يعاني غرانت قلق الأداء وهو اليوم في الـ64 من عمره (رويترز)

غاندي هرب من المحكمة

ليس غرانت وحدَه من بين المشاهير مَن يعاني قلقَ الأداء، فهذه ظاهرة منتشرة بقوّة في أوساط الفنانين والرياضيين. وفق المختصة في علم النفس العياديّ يارا بصيبص، فإنّ «قلق الأداء مفهوم نفسي بدأ التنبّه إليه خلال عشرينات القرن الماضي، عندما عمل علماء النفس عليه في مجالات الفنون والرياضة». وتوضح بصيبص لـ«الشرق الأوسط» أن «قلق الأداء هو الخوف الذي يشعر به الإنسان خلال الأداء المباشر أمام الجمهور».

من الصعب التصديق أنّ شخصيةً تاريخيّة مؤثّرة عبر العصور كالمهاتما غاندي كان يعاني هو الآخر من تلك الحالة، حتى قبل أن يُصبح لها تعريفٌ في علم النفس. ووفق موسوعة «بريتانيكا»، فإنّ غاندي وخلال بداياته كمحامٍ عام 1889، أصيب بالهلع والدوار أمام القاضي خلال مرافعته الأولى وفرّ هارباً من المحكمة قبل أن يتكلّم. تكرر هذا الموقف في مناسباتٍ لاحقة، ما جعل غاندي يمتنع عن إلقاء الخطابات لسنوات. إلا أنّ شغفه بقضيته وقناعته بأنّ الهند تستحق الحرية، رمّما لديه الجرأة وساعداه في مواجهة مخاوفه.

عانى المهاتما غاندي من قلق الأداء فامتنع عن الخطابات لفترة طويلة (إنستغرام)

ذعر ممتدّ من توماس جيفرسون إلى أديل

لم يكن الرئيس الأميركي توماس جيفرسون (1743-1826) أفضل حالاً، فهو كذلك عرّض مهنته كمحامٍ للفشل بسبب خوفه من الكلام أمام العامّة. وعندما أصبح الرئيس الثالث للولايات المتحدة، لم يُلقِ سوى خطابَين خلال ولايته كلّها.

تشرح يارا بصيبص أنّ مسببات قلق الأداء متنوّعة، وأوّلُها الخوف من الفشل وتخييب آمال الجمهور. هذا ما حصل على سبيل المثال مع المغنية البريطانية أديل، التي أقرّت في لقاءٍ مع مجلّة «روليتغ ستون» بأنها تخاف الجماهير، وذلك لأنها تقلق من أن تخيّب توقّعاتهم وظنَّهم بموهبتها. وكشفت أديل عن أنها غالباً ما كانت تُصاب بنوبات قلق قبل الصعود إلى المسرح، إلى درجة أنها هربت مرةً من مخرَج الطوارئ قبل إحدى حفلاتها في أمستردام. أما في بروكسيل، فكان الأمر أسوأ إذ تقيّأت أمام الجمهور.

تخاف أديل من الفشل وتخييب تطلّعات جمهورها (إنستغرام)

في المرحلة الأولى، لجأت النجمة العالمية إلى قول النكات للتخفيف من توتّرها، وهي خضعت لاحقاً لجلسات العلاج النفسي ما ساعدها كثيراً في تخطّي قلق الأداء الذي كان يصيبها.

حتى بوتشيللي لم يَسلَم

من مسبّبات قلق الأداء كذلك، وفق بصيبص، مقارنة الذات بالآخرين، والخوف من الفشل، وقلّة الثقة بالنفس، والسعي الدائم إلى أداءٍ أفضل ما يضاعف الضغط النفسي، إضافةً إلى التجارب السيئة في الماضي والمرتبطة بالأداء أمام العامة.

حتى التينور الإيطالي أندريا بوتشيللي، الذي يُعَدّ من أكثر الفنانين هدوءاً على المسرح، لم يَسلَم من قلق الأداء. في الوثائقي الذي يروي سيرته والصادر عام 2024، أخبر كيف أنه عانى الخوف من الصعود إلى الخشبة لسنوات طويلة؛ «كان ينتابني خفقان شديد في القلب، وقلق لا أستطيع السيطرة عليه طيلة الحفل. كان يحدث ذلك بسبب عدم تمكُّني من تقنيّاتي». لم يتغلّب بوتشيللي على قلقه إلا بعد فترة من التدريب أمضاها إلى جانب التينور العالمي لوتشيانو بافاروتي، الذي ساعده في إتقان إمكاناته الصوتيّة.

يعود الفضل في سيطرة أندريا بوتشيللي على قلقه إلى التينور لوتشيانو بافاروتي (رويترز)

عوارض قلق الأداء

إلى جانب خفقان القلب الذي ألمّ ببوتشيللي، والدوار الذي شعر به غاندي، والتعرّق الذي أصاب هيو غرانت، ثمة عوارض أخرى تنتج عن قلق الأداء. تعدّد المعالجة النفسية يارا بصيبص من بينها الصعوبة في التنفّس وفي التركيز، والرجفة، والنسيان المتكرر، والآلام المبرحة في المعدة، والبكاء الخارج عن السيطرة، والشعور بالاختناق، وقد يصل الأمر أحياناً إلى حدّ فقدان الوعي.

هذا ما حصل فعلاً مع المغنية الأميركية كارلي سايمون التي فقدت الوعي لأسبابٍ عصبية قبل إحدى حفلاتها في بيتسبورغ عام 1981، ما دفعها إلى الابتعاد عن المسرح طيلة 7 سنوات. أمّا النجمة العالمية باربرا سترايسند فامتدّ بها الغياب عن الأداء المباشر 27 عاماً، خوفاً من نسيان كلام الأغاني أو النص المسرحي. ووفق كتاب سيرتها الذاتية «اسمي باربرا»، فقد حصل ذلك فعلاً خلال إحدى حفلاتها عام 1967، ما أدّى إلى إصابتها بقلق الأداء وتَفاقُم حالتها.

غابت باربرا سترايسند 27 عاماً عن المسرح خوفاً من نسيان الكلام (إنستغرام)

نصائح للسيطرة على قلق الأداء

من بين المشاهير الذين صارعوا قلق الأداء والخوف من الظهور أمام الجمهور، الممثل المخضرم لورنس أوليفييه الذي أخبر في سيرته أنه كان يشعر وكأن حنجرته تصاب بعقدة أمام الناس. أما الممثل الكوميدي جيم كاري، الذي تعرّض للتنمّر في سن الـ15 على خشبة المسرح، فلم يتمكّن من تخطّي الأمر إلا بعد سنوات. وتطول اللائحة لتشمل المغنيتَين مايلي سايرس وديمي لوفاتو اللتَين دخلتا معترك الفن والعروض المباشرة في سن صغيرة، ما فاقم القلق لديهما.

أمام هذه الحالة التي تُصيب نحو 20 في المائة من البشر، لا سيّما المشاهير منهم، توجّه يارا بصيبص نصائح عدّة للتخفيف منها أو السيطرة عليها: «التحضير والتدرّب على الأداء، الحصول على قدرٍ كافٍ من النوم والغذاء الصحي، اللجوء إلى تمارين التنفّس والتأمّل خصوصاً قبل الأداء، تعلّم استراتيجيات التعبير عن القلق والخوف، إضافةً إلى اللجوء للعلاج النفسي».