أصبحت المكتبة الخاصة بالأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، الحائز جائزة «نوبل» في الأدب عام 1988، متاحة للعرض الجماهيري لأول مرة، بعد أن أهدتها ابنته أم كلثوم لمكتبة الإسكندرية، الأحد.
وتحوي المكتبة المهداة -حسب التقديرات الأولية- نحو 1500 كتاب من مختلف الأحجام والأشكال، في تخصصات شتى، وبلُغات مختلفة، وتتنوع بين أعماله الروائية والكتب والقواميس والموسوعات التي اقتناها محفوظ أو تلقَّاها في شكل هدايا.
ومن بين المقتنيات كتب تحمل توقيعه الخاص، بينما يأتي بعضها بتوقيعات كبار الأدباء والمفكرين في مصر والعالم، إضافة إلى أوسمة، كوسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية الأسبق جمال عبد الناصر، وشهادات ووثائق، وصور شخصية محفوظة بين طيات الكتب، وشرائط فيديو لأعمال روائية استندت إلى رواياته وكتاباته.
وقال الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، إنه لشدة اهتمامه وفرحه برسالة أم كلثوم التي طلبت تسليم المكتبة مقتنيات محفوظ «ذهبت بنفسي لتسلُّمها، وكانت معي مجموعة من الخبراء المتخصصين للتعامل مع الكتب، ووضعها في صناديق ونقلها، لتصل بسلامة كاملة، وتجهيزها بما يليق بصاحب (نوبل)».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «كنت حريصاً على تسجيل لحظات وجودنا في رحابه، لذا كان معنا مصور لتسجيل عملية تسلُّم المكتبة».
وأوضح: «كانت كتب نجيب محفوظ موجودة في غرفة مكتبه، ومحفوظة بشكل جيد، ولفت نظري أنه كتب اسمه على كل كتاب فيها بالقلم الرصاص، وهناك كثير من الكتب المهداة له، وكتاب ضخم مكتوب باللغة الإنجليزية عن أعماله، مصحوب برسومات للفنانة نازلي مدكور، وبمقدمة لمحمد سلماوي، ويُعد من الكتب النادرة في مكتبة محفوظ، وهناك كتاب ضخم جمعت فيه عائلته كل التلغرافات التي وصلتها للتعزية في وفاته».
ولفت زايد إلى أنهم «خلال عمليات النقل وجدنا نحو مائة شريط فيديو، في شرفة المكتبة محفوظة في دولاب، تتضمن أفلامه، والمسلسلات المأخوذة عن أعماله، ولقاء لمحفوظ مع طه حسين، وعدداً كبيراً من الصور بين طيات الكتب، سيتم التعامل معها وتنسيقها بطريقة خاصة، توضح محتواها وتواريخ وأماكن التقاطها، وأسماء من فيها».
وذكر مدير مكتبة الإسكندرية أن «الخطاب الذي وصل للمكتبة من كريمة نجيب محفوظ تعبِّر فيه عن رغبتها في إهداء مكتبة والدها لمكتبة الإسكندرية، لم يتضمن سوى 3 سطور، قالت: (أرجو التكرم بأخذ الكتب)، كان يتسم بالبساطة، وتم التعامل مع رغبتها بما يليق بمكانة والدها».
وأكد أنهم سوف يعرضون المقتنيات «ضمن رؤية تبرز خصوصية نجيب محفوظ في الأدب العربي والعالمي، ونصنع له تمثالاً، وفيلماً يحكي مسيرته، وسوف يتم الافتتاح خلال احتفالية خاصة ندعو فيها كريمته أم كلثوم، والنقاد والمتخصصين في أدبه».
تحمل مقتنيات نجيب محفوظ التي أهدتها كريمته أم كلثوم لمكتبة الإسكندرية، رقم 57، ضمن قائمة المجموعات الخاصة بالمكتبة، ومن بين تلك القائمة مقتنيات لأسماء بارزة في مجالات السياسة والأدب والفن، أمثال: الفقيه القانوني عبد الرزاق السنهوري، والكاتب محمد حسنين هيكل، والفنان نور الشريف، والسلطان قابوس بن سعيد، والدكتور أحمد زويل، رفيق محفوظ في قائمة حائزي «نوبل».
من جانبه، قال الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية لـ«الشرق الأوسط»، إن «مكتبة محفوظ تزخر بكثير من أمهات الكتب باللغة العربية، ولكبار الشعراء، فضلاً عن الكتب الموسوعية الضخمة مثل (الأغاني) للأصفهاني، وجميعها بطبعات قديمة، وذات قيمة تاريخية خاصة».
كل الكتب التي وقعت في يد سليمان كانت تتضمن ملاحظات وهوامش تشير إلى طريقة محفوظ في القراءة، وكيف كان يخطط لأعماله، ويتجهز لكتابتها، وفق قوله.
وأضاف: «كانت الكتب مرتبة، وكانت هناك مجلة (ناشيونال غيوغرافي) إلى جانب الأطالس وكتب الخرائط. وجدنا كل أعماله مترجمة بكثير من اللغات، كان يحتفظ بها في قسم خاص، وجميعها وضعت في صناديق تتميز بالإحكام لضمان سلامتها، سعة كل منها نحو 60 كتاباً».
وأشار سليمان إلى أن «الكتب بمجرد نقلها تم وضعها في مكان عزل، ولدى المكتبة غرفتان لهذا الغرض، يتم خلالهما تعقيم الكتب وقتل ما بها من حشرات، وتستغرق عملية التعقيم 21 يوماً، وهناك نوع معين من الغاز مخصوص لذلك، بعدها تبدأ عملية تنظيف ميكانيكي، للتخلص من بقايا الآفات من كل كتاب على حدة، ليكون جاهزاً لدخول المكتبة، ويبدأ تسجيل الكتب تمهيداً لعمليات التصنيف والفهرسة وغيرها».
ونبّه سليمان إلى أن «الكتب التي تحتاج إلى ترميم سوف تخضع لعمليات أخرى لحفظها ومعالجتها كيميائياً حماية لأوراقها، وسوف تتم رقمنة كل الكتب، ووضعها على مستودع الأصول الرقمية لإتاحتها للباحثين، وسوف يحمل كل كتاب ما يشير إلى أنه من بين مجموعة نجيب محفوظ، وبيانات إهدائه، وتاريخه، ومن كان وراء وصول المجموعة للمكتبة، وهنا بالطبع يأتي اسم أم كلثوم كريمة الأديب الراحل».
وطبقاً لكلام سليمان: «الكتب ذات الطبيعة الخاصة والنادرة سوف يتم حفظها بعد رقمنتها حفظاً مخزنياً، وفقاً لضوابط بيئية معينة، تحميها من الحرارة والرطوبة، وفي إضاءة مناسبة تحافظ عليها».
وأضاف: «سوف يدرس الباحثون كلمات الإهداء الموجودة على كل كتاب وصل إلى نجيب محفوظ، مثل العبارات التي كتبها الدكتور زويل له. والهدف من دراستها التأريخ للمجموعة، ومعرفة ظروف كل إهداء تلقاه نجيب محفوظ، وسوف نرفق كل هذه الإهداءات في (كتالوج) خاص، نوضح فيه نوعية الخطوط التي حملت توقيعات الكُتاب والمبدعين».
من جهتها، قالت أم كلثوم كريمة نجيب محفوظ، في تصريحات صحافية، الأحد، إنها سعت إلى مكتبة الإسكندرية بعد أن زارت مقرها، ورأت كيف يتم التعامل مع الكتب بأسلوب احترافي، وذكرت أن هدفها من إهداء المكتبة إتاحة تراث والدها لكل قرائه.
وأُنشئت مكتبة الإسكندرية بدعوة من منظمة «اليونيسكو» لإحياء المكتبة القديمة، وتم افتتاحها في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2002، ويبلغ ارتفاعها 10 طوابق، وضمت وقت افتتاحها مائتي ألف كتاب، وبها ألفان و500 قسم للقراءة، بالإضافة إلى أقسام للكتب والمجلات الإلكترونية.