لا تقلق تيما الشوملي من أن يختبئ الموسم الثاني من «مدرسة الروابي للبنات» في ظلّ موسمه الأوّل، فهي تراهن على «قصة قوية جداً» وعلى «مواضيع خارجة عن المألوف والمتداول» في الدراما العربيّة.
يوم بُثّ الموسم الأول من المسلسل في صيف 2021، سرعان ما تحوّل إلى ظاهرة، نظراً لفرادة محتواه الأوّل من نوعه في الدراما العربية. وقد أيقنت «نتفليكس» آنذاك، أنها أصابت في التعاون مع المخرجة والكاتبة الأردنية ضمن ثاني الإنتاجات العربية الأصليّة للمنصة العالميّة.
سنة جديدة في «الروابي»
بعد سنتَين ونصف من إقفال «مدرسة الروابي» بوّابتها على قصة «مريم» و«ليان»، تعود لتفتحها أمام حكاياتٍ مختلفة وطالباتٍ جديدات. الإطار هو ذاته؛ حرَم المدرسة بنشيدها الحماسيّ الشهير وزيّها الزهري والرمادي الموحّد، لكنها «سنة جديدة في مدرسة الروابي»، وفق ما تقول الشوملي لـ«الشرق الأوسط»، مبررةً التأخير بين الموسمَين بعبارة «الشغل النظيف بدّو وقت». تبدو مؤلّفة العمل متأكّدةً من أنّ الوقع الذي سيتركه الموسم الثاني على مشاهديه، لن يكون عابراً.
هو «موسم خطير» وفق تعبيرها، «يشرّح أضرار (السوشيال ميديا) على الصحة النفسية للمراهقين، بأسلوب لم يجرِ الغوص فيه درامياً بما يكفي، حتى على المستوى العالمي». بين «سارة» (تارا عبود) و«تسنيم» (سارة يوسف) منافسةٌ على صدارة «تيك توك». تغار الأولى من زميلتها المحبوبة والمشهورة على المنصّة الشبابيّة، فتقع في شرك أرقام المتابَعات و«اللايكات»، ولا تعرف أنّ دوّامةً مظلمة ومخيفة بانتظارها في المقلب الآخر للشُهرة الافتراضيّة.
غير أنّ التركيز ليس محصوراً بشخصيّتَي «سارة» و«تسنيم»، بل تتّسع المساحة الدراميّة لـ«نادين» (تارا عطا الله) و«هبة» (كيرا يغنم) و«شمس» (تاليا الأنصاري) و«فرح» (رنيم هيثم). تشرح الشوملي أنه جرى «العمل بشكلٍ أوسع خلال هذا الموسم على تركيبة الشخصيات كافةً وتحوّلاتها. لكلٍ منهنّ حضورها المميّز وقصتها التي سيُبحر فيها المشاهدون».
واقع يفوق الخيال ببشاعته
لكن ماذا عن الإبحار في الخيال في هذه القصصٍ المستقاةٍ من الواقع، وممّا يجري في المدارس ووسط الأجيال العربية الصاعدة؟
تكشف الشوملي أن الأبحاث التي قامت بها والكاتبَان المساعدَان شيرين كمال وإسلام الشوملي قبل الخوض في كتابة الموسم الثاني، أظهرت «واقعاً بشعاً» تتسبّب به سطوة وسائل التواصل الاجتماعي على عقول المراهقين. قد يظنّ الجمهور أنّ ما يرونه مضخّم، «لكننا قلّلنا كثيراً من نسبة البشاعة الحاصلة على أرض الواقع»، تؤكد الشوملي. وتضيف أنها حافظت على الخيط الرفيع الفاصل بين الخيال والواقع، مع العلم بأنّ «أحداث مسلسل مدرسة الروابي متخيّلة، إلا أنها تلامس الواقع إلى حدٍّ ستجد الفتيات العربيات انعكاساً لهنّ في شخصيّاته».
أن تدور السرديّة حول طالباتٍ مراهقات، فهذا لا يعني أنّ العمل التلفزيوني هو دراما للمراهقين أو أنه موجّه حصراً لهذه الفئة العمريّة. «لا يعرف الأهالي سوى اليسير عمّا يدور في هواتف أولادهم وعن المخاطر المختبئة خلف شاشاتها، والمسلسل بالتالي موجّه لهم كذلك، ولأي شخص مَعنيّ بعالم السوشيال ميديا كالمؤثّرين مثلاً»، توضح الشوملي.
المفاجأة... مس فريدة
المشاهدون على موعد مع أحداثٍ ستسمّر عيونهم على الشاشة، أما المفاجأة التي تنتظرهم في الحلقات الـ6 فهي إطلالة تيما الشوملي ممثّلةً بدور «مس فريدة». إنها المديرة الجديدة لمدرسة الروابي، الآتية حاملةً معها التغيير. تعترف الشوملي بأنّ قرار التمثيل لم يكن سهلاً عليها هي المنهمكة بإدارة المسلسل، مع العلم بأنّ أرشيفها حافل بصولاتٍ وجولات كوميديّة أمام الكاميرا.
بعد تردّد وتراجع، رضخت أخيراً لإجماع فريق العمل على أنّ الدور يليق بها، فقدّمت الشخصية لأنها تحب أن تتحدّى نفسها، وفق تعبيرها. بين «فريدة» وتيما نقاطٌ مشتركة كثيرة؛ «هي تشبهني فعلاً في حبها للتغيير وعدم التزامها بالقواعد المعلّبة، كما أنها تعبّر عن الكثير من آرائي الشخصية».
مدرسة تيما للمواهب
مثلما تُدير مس فريدة «مدرسة الروابي»، فإنّ الشوملي تُدير «مدرسة تيما»، وهي التسمية التي تحب أن تطلقها على مخيّم التدريب حيث تجتمع الممثلات قبل قراءة أدوارهنّ وخوض مغامرة التصوير. فبعد الانتهاء من كتابة نص المسلسل، وهي المرحلة الأطول والأهم في نظر الشوملي، تنطلق عمليّة «الكاستينغ» التي لا تقلّ أهميةً.
معظم نجماتها لم يتخصصن في التمثيل ولم يمثّلن من قبل. توضح الشوملي هنا: «عندما نختارهنّ لا نعتمد على القدرات التمثيليّة حصراً، بل نبحث عن الشخصية المميزة التي لديها ما تقوله بغضّ النظر عن الدور والمسلسل».
هي التي تعدّد «اكتشاف المواهب» من بين هواياتها، تتعمّد الشوملي انتقاء ممثلين جدداً لشخصيات «الروابي». تنطلق في ذلك من قناعتها بأنّ الشاشة العربية بحاجة إلى وجوه شابّة، يجد الجيل الجديد فيها وفي هواجسها ولغتها وهندامها انعكاساً له. «أردت أن أصنع هذا النموذج التلفزيوني الشبابيّ الخاص بعالمنا العربي»، تقول الشوملي. وتتابع المخرجة والكاتبة: «هذا كان حلمي وقد حقّقته في الموسم الأوّل، وأرجو أن أكون قد تابعت ذلك في الموسم الثاني».
رسالة توعية حول خطر «السوشيال ميديا»
تعلّق آمالاً كثيرة على الموسم الجديد، من بينها ما هو أبعد من الصورة البرّاقة والحبكة المثيرة؛ «كلّي أمل في أن يصنع هذا الموسم صحوة وتوعية حول الاستخدامات السيئة للسوشيال ميديا، وما ينتج عنها من غيرة ومقارنات سامّة وضغط نفسي وعلاقات افتراضيّة مؤذية تتحوّل إلى ابتزاز».
ستجسّد «سارة» هذا الصراع الذي تَسبّب به تَحوّلُها من فتاة عاديّة، إلى شخصيّة معروفة على «تيك توك» بين عشية وضُحاها، وما تأتّى عن ذلك من أخطاء فادحة.
بين الموسم الأول الذي يُستَحضر عبر إشاراتٍ خاطفة إنما معبّرة كاسم «ليان» المحفور على طاولتها الخشبيّة في الصفّ، والموسم الثالث الذي ما زال رؤيةً تسكن أفكار الشوملي، موسمٌ ثانٍ محصّن بنصٍ متماسك وبأداء آسر لـ«فتيات الروابي».