«أرض الوهم» يستعيد ثورة 1958 اللبنانية برومانسية تُسائل الأقدار

إضاءة على مجتمع يرزح تحت ثقل الأحكام المسبقة

ماريلين نعمان موهبة تمثيلية لافتة (إم سي للتوزيع)
ماريلين نعمان موهبة تمثيلية لافتة (إم سي للتوزيع)
TT

«أرض الوهم» يستعيد ثورة 1958 اللبنانية برومانسية تُسائل الأقدار

ماريلين نعمان موهبة تمثيلية لافتة (إم سي للتوزيع)
ماريلين نعمان موهبة تمثيلية لافتة (إم سي للتوزيع)

الشوق الذي يغمر المغترب اللبناني تجاه وطنه يُترجمه المخرج كارلوس شاهين في فيلمه «أرض الوهم»؛ فقد عاش طويلاً خارج لبنان، لكنه احتفظ بحنين دفين لبلاد الأَرز. العطش لوطنه، الذي لازمه لنحو 40 عاماً، لم يجد سوى السينما لإفراغه. يقول: «أقمتُ في دول الاغتراب، لكنني حدّثتُ نفسي بلغة بلدي. أرى أحلامي وأفكر باللبنانية. نما الشوق في داخلي يوماً تلو آخر. عدتُ إلى لبنان، وقرّرت البوح بمشاعري عبر هذا الفيلم».

تنطلق عروض «أرض الوهم (Mother Valley)» في الصالات اللبنانية ابتداءً من 15 فبراير (شباط) الحالي، ليكون بذلك هدية «عيد الحب» التي يقدّمها شاهين لعشاق لبنان. اختار من طبيعته «وادي قاديشا»، وبلدتي حصرون وحدث الجبة، مواقعَ تصوير؛ واستعار دفء البيوت التراثية في الريف، والحدائق والمساحات الرملية الشاسعة في الجرود، للإشارة إلى مزايا وطن صغير على الخريطة وكبير في عيون أحبّته.

يعود «أرض الوهم»، الحائز جائزة «أفضل فيلم عربي» في مهرجان «القاهرة الدولي»، إلى لبنان صيف 1958، من خلال 3 شقيقات من المجتمع المسيحي يمضين إجازتهن في الجبل.

تعكّر أخبار «ثورة 1958» صفو القرية التي يستقررن فيها مع الأهل، وبدل اندلاع شرارة الأحداث على الأرض، تهبّ من داخل البيت الواحد. فالأخت الكبرى ليلى، الأم والزوجة المثالية، تدرك فجأة أنها تعيش حياة لم تخترها. فهل يمكن لامرأة أن تصنع قدراً مختلفاً عن ذلك الذي يخطّط له الرجل؟

سيُعرض «أرض الوهم» في الصالات اللبنانية ابتداءً من 15 فبراير (إم سي للتوزيع)

يبدأ المُشاهد رحلة مشوّقة مع أحداث فيلم لا يمكن توقُّع نهايته لما يحمل من مفاجآت ومواقف متسارعة. ومع بطليه، ماريلين نعمان وطلال الجردي، يخوض التجربة. فالممثلان جسَّدا دوريهما ببراعة تنسيك أنك أمام شاشة. ينخرط المُشاهد في حياتهما، ويحاول فكّ الارتباط الفعلي بينهما. فمنذ اللحظة الأولى، تزوّدنا البطلة ليلى (ماريلين نعمان) بتلميحات تدلّ على أنّ هناك سوء فهم ولغزاً عليك حلّه. موهبتها التمثيلية تمارسها في نظراتها، كما في لغة جسدها بإتقان، وتدفعك إلى تتبُّع ثغر في مشاعرها تلفّها من رأسها حتى قدميها، لتكتشف بعدها أنها امرأة تعاني في مجتمع ذكوري يتحكّم فيها؛ فوالدها (أحمد قعبور) لا يختلف عن زوجها (طلال الجردي)، ولا عن أصدقائهم (فؤاد يمين، وأنطوان مرعب حرب). والأمر نفسه تعيشه والدتها (كريستين شويري)، وأختاها (جوي حلاق، وروبي رمضان).

الممثلة الفرنسية نتالي باي ضيفة شرف الفيلم. اختارها شاهين لأنها تناسب الدور، وتعرف أخبار لبنان من كثب؛ فتؤدّي دور والدة الممثل الفرنسي الشاب بيار روشفور. ومن خلال علاقة مقرَّبة بين والدته وليلى، تولد قصة حب.

كما يعرّج شاهين على علاقة الأم الشابة بابنها الذي، من دون أن يدري، يرث تصرّفات والده الذكورية، فيقدّمه ضحيةً أخرى في مجتمع يحدّد مصيره الرجال. في هذه العلاقة، يعبّر المخرج عن قوّة الرابط بين الأم والابن، ويركّز في أحد المَشاهد على كأس المياه ليتناولها الابن من يد أمه. اسم الفيلم بالفرنسية هو «ليلة كأس الماء». يعزو شاهين التسمية إلى العودة لذكريات الطفولة، حين كان ينادي أمه في غمرة الليل طالباً منها كأس ماء. ويتابع: «العنوان يأتي من استدعاء ذكريات طفولتي في هذه البقعة من العالم. في هذا الوسط المسيحي، وذلك المجتمع الإقطاعي، وما يتفرّع من طرق وأساليب تحمي النظام من أي تغيير. فشرب الطفل الماء من يد الأم، شكّل نداءً لوالدته لتبقى بقربه، فلا تتركه».

الفرنسية نتالي باي مع أحمد قعبور في مشهد من الفيلم (إم سي للتوزيع)

التحرُّر من التقاليد وتحقيق الذات، ومطاردة الحلم، مهما بلغت تكلفتها وأثمانها، تؤلّف العناوين العريضة لفيلم شاهين، فيحاول تكحيلها بعلاقته بجذوره وبطبيعة مسقط رأسه، ليتخلّص من الإحساس بالمنفى الذي رافقه طوال غربته.

قصة «أرض الوهم» من نوع الدراما الرومانسية المرتبطة بحقبة تاريخية، تُمرَّر خلالها رسائل حول الأحكام المسبقة التي يطلقها الناس، فيَظلمون ولو عن غير قصد، متسلّحين بقوانين مجتمع يرتكز على المظاهر. أما الرسالة الرئيسية التي يحاول كارلوس شاهين إيصالها، فتُختصر بكلمة الانتماء. ومن خلال السينما وحدها، استطاع التعبير عن حب دفين لأرضه رغم سنوات الغربة. «أحداث 1958» لم تكن سوى الباب الذي يلج منه إلى ثورة على الذات مارستها امرأة صلبة في تلك الفترة من تاريخ لبنان.


مقالات ذات صلة

السينما العربية تسيطر على جوائز «مهرجان الجونة»

يوميات الشرق المخرجان اللبنانيان جوانا حاجي توما وخليل جريج خلال تكريمهما بحفل الختام (الجونة السينمائي)

السينما العربية تسيطر على جوائز «مهرجان الجونة»

سيطرت السينما العربية على جوائز الدورة السابعة لـ«مهرجان الجونة السينمائي»، فقد فاز لبنان بـ4 جوائز، وفازت فلسطين بـ3 جوائز، بالإضافة إلى فوز مصر وسوريا وتونس.

انتصار دردير (الجونة (مصر))
يوميات الشرق نظمت الهيئة فعاليات للعديد من المهتمين بصناعة السينما (الشرق الأوسط)

مدير «هيئة الأفلام الأردنية» يعد بنقلة سينمائية في بلاده

قال مدير الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، مهند البكري، إنهم واجهوا تحديات عدة من بينها كيفية إعداد جيل من صناع الأعمال الأردنيين.

أحمد عدلي (الجونة (مصر))
يوميات الشرق حنان ترك تستقبل جيرانها في أميركا بالحلويات (إنستغرام)

احتفالات «الهالوين» تُعيد حنان ترك للأضواء

أعادت احتفالات الهالوين المعتادة في عدد من بلدان العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، الفنان المصرية حنان ترك إلى الأضواء.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الفلسطينيتان ياسمين المصري وكلارا خوري بأحد مشاهد الفيلم  (إدارة المهرجان)

«شكراً لأنك تحلم معنا» فيلم فلسطيني يطرح قضية شائكة في «الجونة السينمائي»

ينأى الفيلم الفلسطيني «شكراً لأنك تحلم معنا» عن الدخول في قضايا سياسية أو الاشتباك مع الواقع المأزوم ليطرح قضية اجتماعية شائكة عبر حكاية تثير التعاطف والاستياء.

انتصار دردير (الجونة (مصر))
يوميات الشرق المخرج المصري طارق العريان يرفض علاقة فيلمه بالبلطجة (صفحته في فيسبوك)

طارق العريان: «ولاد رزق 3» لا يروِّج للبلطجة

تصدَّر فيلم «ولاد رزق 3» شباك التذاكر في السينما المصرية بإجمالي إيرادات تجاوزت 254 مليون جنيه خلال عرضه بالصالات في الصيف الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )

اكتشاف أكبر موقع تعشيش لـ«السلاحف» في البحر الأحمر بالسعودية

يأتي الاكتشاف ضمن سلسلة الجهود لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية وبيئاتها الطبيعية (واس)
يأتي الاكتشاف ضمن سلسلة الجهود لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية وبيئاتها الطبيعية (واس)
TT

اكتشاف أكبر موقع تعشيش لـ«السلاحف» في البحر الأحمر بالسعودية

يأتي الاكتشاف ضمن سلسلة الجهود لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية وبيئاتها الطبيعية (واس)
يأتي الاكتشاف ضمن سلسلة الجهود لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية وبيئاتها الطبيعية (واس)

في اكتشافٍ بيئي فريد، أعلنت السعودية، ممثلة في المؤسسة العامة للمحافظة على الشُعب المرجانية والسلاحف البحرية في البحر الأحمر (شمس)، السبت، عن اكتشاف أكبر موقع تعشيش للسلاحف البحرية يتم تسجيله على الإطلاق في المياه السعودية بالبحر الأحمر، وذلك في جزر الأخوات الأربع؛ وهي «مرمر»، و«دهرب»، و«ملاتو»، و«جدير».

الجزر الأربع تستضيف أعداداً استثنائية من السلاحف المهددة بالانقراض (واس)

يأتي ذلك ضمن سلسلة الجهود والمبادرات المتواصلة التي تقودها لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية، وبيئاتها الطبيعية في البحر الأحمر، وتحقيق استدامتها وحمايتها، وفق مستهدفات رؤية السعودية 2030.

أكد الدكتور خالد أصفهاني، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «شمس»، أن المؤسسة خصصت لهذا الاكتشاف، جزر الأخوات الأربع منطقة لإدارة الأنواع؛ من أجل حماية موائل التعشيش لهذه السلاحف، بما يتوافق مع مستهدفاتها البيئية؛ حيث تسهم هذه الجهود في حماية التنوع البيولوجي، وتحقيق هدف تحويل 30 في المائة من أراضي السعودية البرية والبحرية، إلى محميات طبيعية بحلول عام 2030.

مؤسسة «شمس» تبذل جهوداً كبيرة للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري الفريد في البحر الأحمر (واس)

وأوضح أن الجزر الأربع تتميز بكثافتها العالية بمواقع تعشيش السلاحف البحرية؛ حيث تم تسجيل أكثر من 2500 عش للسلاحف البحرية في هذه الجزر حتى الآن؛ مما يثبت أنها منطقة تكاثر حيوية للسلاحف المهددة بالانقراض في البحر الأحمر، خصوصاً أن السلاحف البحرية التي تعشش فيها تعود إلى مواقع التعشيش نفسها عاماً بعد عام؛ مما يجعل حماية هذه المواقع أمراً حيوياً لبقاء هذه الأنواع.

وأشار إلى أن الجزر الأربع تستضيف أعداداً استثنائية من السلاحف، منها السلحفاة الخضراء المهددة بالانقراض، والسلحفاة صقرية المنقار المعرضة لخطر الانقراض الشديد؛ مما يجعلها من أهم مواقع تعشيش السلاحف البحرية في المنطقة بأكملها.

خصصت جزر الأخوات الأربع منطقة لإدارة الأنواع لحماية موائل التعشيش لهذه السلاحف (واس)

وأضاف أن المؤسسة تطور حالياً خطة إدارة شاملة، لحماية مواقع تعشيش السلاحف البحرية على امتداد سواحل البحر الأحمر؛ حيث تم التعرف على أكثر من 180 موقعاً شاطئياً للتعشيش على سواحل البحر الأحمر في السعودية، بفضل الجهود الكبيرة لفرق خبراء البيئة في «شمس».

إضافةً إلى العمل على تعزيز فرص السياحة المستدامة والترفيه، حول هذا النظام البيئي البحري الفريد من نوعه؛ مما يسهم في إثراء هذه المنطقة المحمية، وضمان استمرار السلاحف البحرية في التكاثر في موائلها الطبيعية، بما يساهم في تعزيز استدامة المجتمع والبيئة.

تم التعرف على أكثر من 180 موقعاً شاطئياً للتعشيش على سواحل البحر الأحمر في السعودية (واس)

يشار إلى أن هذا الاكتشاف يأتي ضمن جهودٍ أوسع تبذلها «شمس»، للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري الفريد في البحر الأحمر، الذي تمثل السلاحف البحرية فيه عنصراً محورياً في النظام البيئي للبحر الأحمر، ما يعني أن بقاءها ضروري للحفاظ على التوازن البيولوجي والبيئي، وذلك توافقاً مع مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء، ورؤية المملكة 2030، للالتزام الوطني بالحفاظ على تراثها الطبيعي، وحماية التنوع البيولوجي البحري.

الجزر الأربع سجلت أكثر من 2500 عش للسلاحف البحرية حتى الآن (واس)