خلال إلقاء الناشطة الأميركية البدينة أوبري غوردن محاضرة في حفل توقيع كتابها، همس والدها إلى الشخص الجالس بجانبه، قائلاً: «هذه ابنتي».
تلك اللحظة البسيطة، التي شكّلت ما يُشبه نهاية الفيلم الوثائقي «صديقتك البدينة»، الذي يتناول سيرتها، أمكن أن تمرّ من دون أن يلحظها أحد، لولا الكاميرات. كانت لحظة مليئة بالمعاني، صعَّبت على ذلك الأب الحنون نطق كلمة «بدينة» مع بدء التصوير قبل 6 سنوات.
في حديث مع شبكة «سي إن إن» الأميركية عن الفيلم المعروض حالياً في أوروبا، قبل بدء جولته في الولايات المتحدة وكندا، قالت أوبري: «والداي هما بطلا هذا الوثائقي بلا شك».
أضافت أنّ الفجوة بين نشاطها الذي بدأ سرّياً، واستعدادها لمواجهة الانتقاد العلني في معركة معاداة البدانة، استمالت المخرجة جيني فينلاي لسرد قصتها.
تتحدّى فينلاي تصوّرات الجمهور المتعلّقة بالبدانة، وتوثّق نضال غوردن من أجل العدالة للبدينات، وتفاعلاتها اليومية التي تغدو مؤلمة أحياناً مع محيطها.
تقول غوردن: «ليست القصة عن شخص جيد وآخر سيئ. الأمر يبدو كما لو أننا جميعاً تلقّينا تدريباً على التفكير بأن نكون ذلك الشخص الجيد، في حين أننا في الواقع قد نجعل الحياة أصعب بكثير بالنسبة إلى الأشخاص البدناء».
في عام 2017، تغيّرت حياة غوردن بشكل كامل حين بدأت تنشر رسائل تتعلّق بمعايير الجسد عبر الإنترنت، تُصوّب من خلالها النظرة إلى البدينات. إحدى تلك الرسائل حصدت عشرات آلاف المشاهدات، مما شجَّعها على الاستمرار. وتحت الاسم المستعار «صديقتك البدينة»، بدأت التدوين من دون الكشف عن هويتها، مضيئةً على أساليب يعتمدها العالم لجَعْل الحياة أكثر شقاء بالنسبة إلى البدينات.
كتبت عن الذعر «المتزايد»، الذي يصاحب صعودها إلى الطائرة، وعن تلقّيها كلمات مجاملة عبارة عن «تهانٍ لإخفاء أجزاء غير جذابة من جسدها»، وعن «كيف يبدو الأمر عندما لا يصدّق أحد أنّ جسدك يمكن أن يكون سليماً»، وعن التعرُّض «لنظرات جانبية وتحديق واضح» في صالات الألعاب الرياضية.
على مدى سنوات التصوير الـ6، تتبّع الفيلم قيادتها سيارتها في جميع أنحاء ولاية أوريغون، وتوقّفها لكتابة واحدة من مقالاتها عندما يأتيها الإلهام بعنوان «امرأة بدينة في سيارة صغيرة»، وفق عبارتها بحسّها الفكاهي.
ويقدّم الوثائقي أيضاً تفاصيل الأصداء عبر الإنترنت على كتاباتها، بما فيها الإساءات والتهديدات بالقتل والتشهير، بجانب رسائل التضامن. كل ذلك قبل أن تَكشف عن هويتها وتوقّع كتابها الذي بات من الأكثر مبيعاً.
بدورها، قالت فينلاي في جلسة أسئلة وأجوبة بعد عرض الفيلم مؤخراً في لندن: «إنه عمل يهدف إلى الكشف والظهور. الأمر يتعلّق بكون أوبري مجهولة على الإنترنت، وتكتب باسم مستعار، ثم أصبحت وجهاً على غلاف كتاب باسم مختلف، ثم صوتاً على الإنترنت كمقدّمة بودكاست، إلى أن ظهرت في الغرفة شخصاً كاملاً لتراها عائلتها».
يضيء السرد البصري للمخرجة على هذا الأمر أيضاً، إذ تُظهر اللقطات الافتتاحية للفيلم غوردن وهي تسبح في حمّامات سباحة خارجية، فينعكس جسدها وينكسر على الماء، بينما تتجوّل عدسة الكاميرا فوق ترهّلاته، لا من باب التطفُّل، بل لعرضها بطريقة واقعية.
تقول غوردن في تعليق صوتي: «لا تقُل ممتلئة القوام، أو مكتنزة، أو ضخمة، أو كبيرة الحجم، أو زائدة الوزن... فقط قُل سمينة».