نافورة السليم... عمل نادر يُعيد التشكيلي السعودي الراحل للذاكرة

الفنان فهد النعيمة يحكي لـ«الشرق الأوسط» قصة حصوله على هذه القطعة

نافورة محمد السليم (الشرق الأوسط)
نافورة محمد السليم (الشرق الأوسط)
TT

نافورة السليم... عمل نادر يُعيد التشكيلي السعودي الراحل للذاكرة

نافورة محمد السليم (الشرق الأوسط)
نافورة محمد السليم (الشرق الأوسط)

في أواخر العام الماضي 2023، التقى التشكيلي السعودي فهد النعيمة برجل يُدعى عبد الله العواد (88 عاماً)، أخبره أنه اقتنى قطعة نادرة من أعمال الفنان السعودي الراحل محمد السليم، الذي يعد أحد أبرز التشكيليين السعوديين في القرن العشرين، من مزاد أقيم في (جنوب مدينة الرياض) في عام 1995، عبارة عن نافورة مياه تتميز بشكل هندسي لافت كان معها مجموعة مجسمات جمالية أخرى، عندها أبدى النعيمة رغبته في اقتناء النافورة، وحين تم له ذلك، قام بتنظيفها وإعادة تشغيلها، وعرضها للزوار في الاستوديو الخاص به.

النعيمة شرح لـ«الشرق الأوسط» أن قيمة هذا العمل مرتبطة بشكل أساسي بأهمية ومكانة اسم الراحل محمد السليم في عالم الفن، الذي شكّلت أعماله توجهاً جديداً للفن الحديث بالمملكة، وأضاف: «يعد السليم مدرسة فنية وقامة كبيرة محلياً وعربياً، ولكن مع الأسف لم تتسن لي فرصة لقائه، لكن بحسب ما سمعت وقرأت عنه كان رجلاً مخلصاً للفن ومكافحاً سخّر جل وقته لفنّه... ولطالما تمنيت أن أقتني قطعة فنية له، إلى أن صادفت النافورة صدفة».

تحفة فنية

وفور أن شاهد النعيمة النافورة تعلّق بها كما يقول، وأضاف: «لم يسبق لي أن شاهدت منحوتات السليم على الطبيعة، ولكن هذا العمل أذهلني مباشرة لكونه لافتاً للنظر وبديعاً جداً».

وعن خططه تجاه العمل، يقول النعيمة إنه اقتناها بدافع الشغف وحب الفن ويرغب في الاحتفاظ بها، إلا في حال رغبت إحدى الجهات عرضها لعموم الناس، لأنه عرضها فقط من باب الرغبة في التوثيق الفني للراحل، ويردف «العمل الفني ملك الجميع وليس فقط للمقتني ولا الفنان».

وعن الأصداء التي لقيها بعد عرض النافورة - خاصة أنه كان يخطط ليعرض العمل ليوم واحد فقط، إلا أنه مدد المدة بعد ارتفاع عدد الطلبات التي انهالت عليه لاستمرار عرضه – يقول: «كان التفاعل كبيراً من المهتمين، الذين وصفوا العمل بأنه تحفة فنية، مدهشة».

الفنان فهد النعيمة أمام نافورة السليم (الشرق الأوسط)

تصميم النافورة

ويبدو لافتاً أن النافورة لا تحمل توقيع السليم، لكن الفنان التشكيلي الدكتور محمد الرصيص تحدث عن العمل في نص كتبه، يقول فيه «شهادة الأخ العواد عن النافورة هي الدليل الأول على أنها من أعمال السليم، والشاهد حي يرزق ووافق على إجراء تسجيل له بالصوت والصورة حول اقتنائه للعمل، والدليل الثاني على أنها من أعمال السليم هو التشابه الكبير في تصميمها مع التصاميم والأساليب الفنية للمجسمات الجمالية الأخرى التي قام بها في عدد من مدن المملكة، ومنها أعمال في الرياض والمدينة المنورة والطائف والباحة وحفر الباطن والدمام».

الأشكال الهندسية

وتابع بالقول «كما أن هذا التشابه في تصميم النافورة موجود أيضاً في المجسمات الجمالية السبعة التي ما تزال في حوزة الورثة، وقد نُشرت صور لها في بعض المصادر. ويمكن وصف التشابه المذكور أنه في معظمه مستلهم من الأشكال الهندسية المتنوعة كالمثلث والمربع والمخمس والسداسي والمعشر والمعين، وما ينتج من أشكال أخرى نتيجة للتشابك أو التكرار فيما بينها، في علاقات مترابطة لخلق عمل إبداعي مبتكر».

وفي هذه النافورة يبدو المخمس في شكل حوض القاعدة الرئيسية التي تحمل العناصر الثلاثة الأخرى التي يتكون أحدها من شكل المعشر، ثم العنصر الأوسط من شكل المخمس فوق المعشر، ثم العنصر الأخير المستدق في نهايته إلى الأعلى بخمس أضلاع، كما يفيد الرصيص، مضيفاً: «هناك انخفاضات هندسية بين أضلاع العناصر لتضفي مزيداً من الجمال العام للنافورة التي يبلغ ارتفاعها نحو 185سم وعرضها عند القاعدة 140سم».

عن محمد السليم

جدير بالذكر أن الفنان التشكيلي السعودي الراحل محمد السليم ولد في قرية (مرات)، شمال غربي الرياض، عام 1939، لأسرة مكونة من 5 أولاد، وأسس داراً سعودية للفنون تُعنى بالفنانين والرسامين وتلبي احتياجاتهم، وعاش حياته الأولى في السعودية التي درس فيها الفن التشكيلي كما عمل مدرساً للتربية الفنية، ثم انتقل عام 1968 إلى أوروبا بعد أن حصل على بعثة دراسية لدراسة الديكور في إيطاليا، وهناك تأثر السليم بحضارة السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، وهو ما انعكس بشكل واضح على أعماله، التي نجح السليم فيها بربط حضاراته وتقاليده بما استطاع تحقيقه في مجال الفن التشكيلي.



«النجوم تلمع أملاً» من أجل فنان لبنان المُلقى في النسيان

يستيقظ ريكاردو كرم يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق (من حفل عام 2023)
يستيقظ ريكاردو كرم يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق (من حفل عام 2023)
TT

«النجوم تلمع أملاً» من أجل فنان لبنان المُلقى في النسيان

يستيقظ ريكاردو كرم يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق (من حفل عام 2023)
يستيقظ ريكاردو كرم يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق (من حفل عام 2023)

يُفضِّل الإعلامي اللبناني ريكاردو كرم وَصْف الحدث بالمبادرة، على حصره بحفل. الخميس، في الـ26 من الشهر الحالي، يُقام «شاينينغ ستارز أوف هوب» (النجوم تلمع أملاً) بموسمه الثاني. تتّحد أصوات فنانين مع نغمات الأوركسترا الحيّة لتُعلن التصدّي لأشكال الخذلان: مرّة هو الزمن ومرّات البشر. فمَن وُلدت من أجلهم المبادرة، هم هذه السنة فنانو لبنان المُهمَلون. غدرت السنوات وتخلّى الآخر، بعد أعمار بذلوها للعطاء. كانوا نجوماً يتلألأون، ثم حلَّ ما يجرُّ إلى الخفوت. ليس معدن المواهب، فهو أصيل؛ وإنما الأولويات وأجندة السوق.

وُلدت المبادرة هذه السنة لدعم فناني لبنان المُهمَلين (من حفل عام 2023)

لم يظنّ ريكاردو كرم أنّ موسماً آخر سيولّد آخر؛ فرغم الإرادة والاجتهاد، يقسو الظرف ويشتدّ العصف. يرى في الحدث إحدى أذرع مؤسّسة «تكريم» التي أسَّسها لتتجاوز كونها خيرية، نحو بناء الجسور وتغيير السردية المتعلّقة بالعرب. يقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ التكريمات تشاء شُكْر مَن لا ينالون التقدير على الجهد، ومَن يعملون بصمت أو يُحال تعبهم على الواجب. «نبحث عنهم ونحتفل بهم. يلهموننا التوسُّع في الإنصاف».

على مدى 15 عاماً، عبَرَت «تكريم» من جائزة مُوزَّعة في حفل سنوي نحو نقاش قضايا الإنسان ضمن ورشات عمل ومنتديات، من لبنان والمنطقة إلى أميركا وأوروبا ولاحقاً أستراليا. كبُرت ونضُجت. يراها «واحة في مواجهة رداءة الزمن، تختار الأفضل وتضيء عليه».

«النجوم تلمع أملاً» لحظة إنسانية مُلحَّة

رسالته تجعل «النجوم تلمع أملاً» لحظة إنسانية مُلحَّة. 30 عاماً من المكانة الإعلامية قرَّبت ريكاردو كرم من ممثلين يلمس اليوم معاناتهم. يدرك تفوّق الجهد الجماعي على العون الفردي؛ وأنّ اليد وحدها لا تصفّق رغم نُبل المحاولة. أجرى اتصالاته وكتب للموسم الثاني الحياة.

أراد للحدث أن يعمّ المناطق ولا يقتصر على بهجات ديسمبر. لكنها الاستحالة اللبنانية. ففي فرنسا مثلاً، يُنظَّم شبيهه، ومنه استلهم كرم الفكرة، فيجمع كبار الفنانين لتأدية أغنيات العمالقة. هنا في أرض المباغتات، تخضع الخطط للظرف. يقول: «ينجح مشروع فنفكّر بالتالي، ليحدُث ما ينسف الخطط. الحروب تفرض إيقاعها. اليوم، وبعد مرارات غزة ولبنان، أردنا تذكيراً بإنسانيتنا. طوال الأمسية، سنصغي إلى أغنيات تحاكي المحبة والتسامح والقيم. سنشعر بقدرة الغفران على اجتراح الضوء، والحبّ على التخطّي».

لم يظنّ ريكاردو كرم أنّ موسماً آخر سيولّد آخر لقسوة الظرف (من حفل عام 2023)

في صالة السفراء بـ«كازينو لبنان» المُجاور لخليج جونية المتلألئ بأضواء الميلاد، يُقام الحفل لدعم 105 ممثلين تركوا لمساتهم المسرحية والسينمائية وأخبروا قصصاً لا تُنسى. اليوم، هم منسيّون. نحو 20 فناناً يجتمعون من أجل هذه القضية، ليعلنوا بأصواتهم ومواهبهم أنّ الذهب سيظلّ يلمع، وإن حجب وهجه غيمٌ أسود. بقيادة المايسترا ياسمينا صباح، وبمشاركة أوركسترا من 21 موسيقياً، مع نحو 20 راقصاً، يقول الفنانون برناديت حديب، وبرونو طبّال، وديا عودة، وجنى سلامة، وجو قديح، وكريستيان أو عنّي، ومنال ملاط، ومارك رعيدي باز، وماتيو خضر، ومكسيم شامي، وناريمان أبو رحال، ورند، وسهير نصر الدين، وطلال الجردي، وطوني أبو جودة، ووسام صليبا، وزاف؛ إنّ هذا العرض التطوّعي لا يحتفي بالمواهب اللبنانية وتنوّعها فحسب، وإنما يتحوّل يداً تمتدّ إلى مَن هجرتهم الأيدي، فتُهدّئ إحساسهم بالإهمال.

في «كازينو لبنان» يُقام الحفل لدعم 105 ممثلين تركوا لمساتهم (من حفل عام 2023)

يعود الريع لهم؛ هم بوصف ريكاردو كرم مَن «خانهم العُمر وربما الذاكرة، ولوّعتهم الحرب. الجزء المُهمَّش الذي أحالوه على الماضي وغباره». الفارق بين نسخة 2023 الأولى و2024 الثانية، أنّ الإنهاك أرخى ثقله على هذا العام. ومع ذلك، اتصل بمَن لبّوا النداء: «كانوا كثراً يجعلون التوقّف عند بعضٍ تذرَّعوا للتهرُّب، رغم كونهم أثرياء، مسألة ثانوية. دعمُ الفنانين لا يقتصر على صنفه المادي. كل ما يحتاجون إليه سيصل: دواء، ومواد غذائية، ومساحيق تنظيف، ومكياج، وملابس، وعطور...».

المكانة الإعلامية قرَّبت ريكاردو كرم من ممثلين يلمس معاناتهم (من حفل عام 2023)

يستيقظ يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق. 3 عقود في الإعلام والحوارات والجهود الإنسانية، جعلت اسم ريكاردو كرم اختزالاً للصدقية والشفافية. وبالتحاق الشغف والمحبة بالفضيلتَيْن المتراكمتَيْن عبر السنوات، يضمن التجاوب وحماسة الخيِّرين لإسعاد الآخرين.

يُمازح بأنها «ليست نزعة اشتراكية» تلك المُحرِّضة على العطاء، وإنما رغبته في أن تسود العدالة الاجتماعية بين البشر. ويكشف أنّ الحفل سيشهد إطلاق جَمْع تبرّعات مفتوح عبر مواقع التواصل، بالتعاون مع مؤسسة بريطانية، لرفع المبلغ: «نستطيع الشعور بآلام ممثل رافق مراحل من أعمارنا وشكَّلت نجوميته شعاع أيام عصيبة. أرى في عيون الممثلين المنسيّين خيبات. المهنة جاحدة، والحرب هدَّت الحيل. الدولة والآخر، عمّقا الخذلان. نذكُرهم بالدعم والحبّ والوفاء».