تستحضر أعمال الفنانة نعمة السنهوري في معرضها المقام بعنوان «قصاقيص من الزمن» في غاليري «سفرخان» بالزمالك الذاكرة الشخصية والثقافية الموروثة كشكل من أشكال دعم وتعزيز الهوية المصرية.
وتطرح لوحات الفنانة التي تتجاوز العشرين عملاً مفاهيم أكثر تعقيداً للهوية والثقافة والتاريخ من خلال خامة النسيج؛ حيث يشكل تداخل الخيوط واندماجات الرموز والعناصر والمفردات التي استعانت بها في أعمالها أشكالاً ملموسة من رواية القصص المرئية والحكايات الكاملة التي تدعو المتلقي إلى التفكير في معنى التراث، ولماذا تستحق حمايته التزاماً شديداً من جانب الجميع.
ولا يُعدّ ذلك غريباً على فن النسيج، وفق نعمة السنهوري، التي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن الفن يُعدّ لغة عالمية تساعد على نقل الثقافات وتجميع الناس معاً، وتفتح أعمال النسيج على وجه الخصوص نافذة فريدة على الكثير من التقاليد المتنوعة، وتظهر كيف يمكن للمواد اليومية والحرفية الخالدة أن تجتمع معاً لإلهام أساليب جديدة وفريدة من نوعها للتعبير الإبداعي».
وتستعرض الأعمال التراث كوسيلة لاستكشاف هوياتنا الجماعية وذاكرتنا أيضاً، تقول الفنانة: «التراث المصري غني للغاية، وقد تخيلت اللوحة أرضاً ثرية بمحتوياتها؛ إنها تحتضن كل الحضارات المصرية» وتتابع: «إن لوحاتي كما لو كانت أمكنة للحفائر، كلما تأملها المتلقي ونقب فيها عثر على كنوز مصرية؛ وذلك عبر ما تتضمنه من دلالات ورموز ومفردات مأخوذة عن الحضارات العريقة التي عرفتها مصر».
وبين ثنايا لوحاتها تقبع قصاقيص من تاريخ مصر وحضاراتها المختلفة فتتنقل ما بين «شبابيك القلل» برسومها النباتية والحيوانية والكتابية والهندسية، ويكشف وجودها في أعمال السنهوري كيف أن زخرفة شبابيك القلل لم تزدهر في سائر الأقاليم الإسلامية مثلما ازدهرت في مصر.
ومنها تنتقل إلى فن الزجاج المعشّق لتروي من خلال الرسم بالقماش وتطويعه حكاية هذا الفن وخصوصيته في المحروسة، ليطل عليك في لوحة أخرى «باب يهودا» الذي يمثّل واحداً من أكبر الأبواب المطعّمة بالفضة بمصر، ويحتضنه الآن متحف الفن الإسلامي «اخترت تجسيده لأنه أقصوصة مهمة من تاريخ مصر، فهو رمز التعايش فيها؛ فهذا الباب الذي كان موجوداً في مسجد السيدة زينب، صنعه يهودي يدعى يهودا أصلان».
وفي لوحتها «بوابات القاهرة الفاطمية» تلتقي بتضافر الحضارات والثقافات الإسلامية من خلال مجموعة من الرموز والمفردات، بينما تستند إلى أحد أسوار القاهرة، في دلالة لتفرد مكانة مصر وريادتها وفق الفنانة: «إن العنصر الأساسي في العمل هو جزء من البوابة، وقد تعمدت إدخال مفردات وعناصر من الفنون الإسلامية مثل الفخار المغربي، ومحراب الجوامع في تركيا، وقطع السجاد والبلاطات بألوانها وتصميمها الخاص من إيران، وهكذا».
واللافت، أن التقنية التي اتخذتها السنهوري لصنع الأعمال مثيرة للاهتمام تماماً مثل العمل النهائي نفسه؛ حيث تقدم الرسم بالأقمشة والمنسوجات المُجمعة من دون استخدام الفرشاة و الألوان، في أسلوب تركيبي مضنٍ يمكن وصفه بـ«رسم المنسوجات»، وهي عملية غاية في الصعوبة، بحسب السنهوري.
واستغرق التحضير لهذا المعرض الذي يضم 20 قطعة عامين كاملين، وفق السنهوري التي تقول: «إن كل مراحل العمل تتطلب جهداً ووقتاً؛ حيث التفكير في المفهوم والحياكة وتطويع القماش واختيار الخيوط والأقمشة، فأنا أترك نفسي تماماً لإحساسي وأفكاري من دون اسكتشات سابقة، وأحياناً أستخدم قطعاً قديمة من لوحات سابقة لي، أو من مقتنيات جدتي، وأشعر بسعادة لأنني في هذه اللحظة أستعين بقطعة من الزمن نفسه في أعمالي».
واستحضار الإحساس بالزمن من أهم معالم لوحات المعرض المستمر حتى 30 يناير (كانون الثاني) الحالي، تقول السنهوري: «يزعجني أن هناك اتجاهاً في المشهد التشكيلي المصري نحو الفن الحديث؛ وأرى أن المبالغة في ذلك إنما هو انسلاخ عن الجذور؛ فثمة أجيال لن تعي شيئاً عن الأصالة وعبق التاريخ؛ لأن ما تراه في الفن المحيط بها هو مجموعة من الخطوط والألوان البعيدة عن الإرث المصري العظيم».