نجاح هبوط مركبة «مون سنايبر» اليابانية على سطح القمر يفوق مواطن الخلل

«مركبة الهبوط الذكية لاستكشاف القمر» (إ.ب.أ)
«مركبة الهبوط الذكية لاستكشاف القمر» (إ.ب.أ)
TT

نجاح هبوط مركبة «مون سنايبر» اليابانية على سطح القمر يفوق مواطن الخلل

«مركبة الهبوط الذكية لاستكشاف القمر» (إ.ب.أ)
«مركبة الهبوط الذكية لاستكشاف القمر» (إ.ب.أ)

بعد فرحة عارمة عاشها العلماء وعشاق الفضاء في اليابان وخارجها، وبعد أن علت الهتافات يوم السبت، بنجاح هبوط المسبار الفضائي الياباني «سليم» (SLIM) على سطح القمر، بدقة غير مسبوقة، على ما أعلنت وكالة الفضاء اليابانية «جاكسا»، أدرك المهندسون بسرعة أن هناك أمراً لم يكن على ما يرام في المهمة. ولأسباب لم تُفهم بالكامل بعد، فإن الخلايا الشمسية للمركبة توقفت عن العمل. ما يعني أن جميع العمليات السطحية تشتغل حالياً ببطاريات «سليم»، وبذلك يكون أمام المسبار بضع ساعات فقط من الحياة. ويحاول المسؤولون حالياً تحديد أولويات الأنشطة. لقد أوقفوا تشغيل السّخانات وسحبوا الصور من المركبة والبيانات التي ستخبرهم بمدى نجاح برنامج الهبوط.

رد فعل الناس وهم يشاهدون محاولة (سليم) بالهبوط على القمر (رويترز)

ولن تتخلى الوكالة فوراً عن «سليم» إذا صمتت، من الممكن دائماً أن تكون الخلايا الشمسية موجهة بطريقة ما تمنعها من رؤية الشمس، ومع تغير زاوية الضوء، قد يعود «سليم» إلى الحياة. لكن درجات الحرارة على القمر في الظلام تصبح منخفضة جداً، وغالباً ما تكون كذلك، بحيث يمكن أن تؤدي إلى تحطيم الأجهزة الإلكترونية.

وقال مسؤولو «جاكسا» إن نفاد البطارية لا يعني نهاية مهمة «سليم»، ويتطلعون إلى المستقبل ويأملون في التعلم من المهمة، وأضافوا أنهم يريدون قضاء الوقت المتاح لفهم الموقف والحصول على أكبر قدر ممكن من البيانات، «نريد زيادة الدقة في التكنولوجيا لدينا، مثل تكنولوجيا الهبوط، لذلك لن يكون الهبوط على القمر فحسب، بل أن يكون الهبوط على المريخ ممكناً أيضاً» وأضاف أنهم لا يستطيعون أن يبتسموا إن لم يحصلوا على البيانات.

مركبة الهبوط الذكية لاستكشاف القمر «سليم» في مبنى تجميع الأقمار الاصطناعية بمركز تانيغاشيما الفضائي (أ.ف.ب)

ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، كانت وحدة «سليم» (وهو اسم مكوّن من الأحرف الأولى لعبارة بالإنجليزية تعني «مركبة الهبوط الذكية لاستكشاف القمر»)، تدور حول الجرم السماوي الصخري منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول). وقد بدأت هبوطها قبل نحو 20 دقيقة من الموعد المتوقع بسرعة ناهزت 1700 متر في الثانية.

وقال المسؤول في وكالة «جاكسا» شين توريومي خلال بث حيّ، إنه استناداً إلى بيانات القياس عن بعد، «يبدو أن (المسبار) سليم قد هبط على القمر. نحن نتحقق من حالته».

ولم يكن يتعيّن على هذه المركبة الفضائية الصغيرة غير المأهولة (طولها 2.4 متر وعرضها 1.7 متر وارتفاعها 2.7 متر) أن تهبط فحسب، بل يجب أيضاً أن تهبط ضمن دائرة نصف قطرها 100 متر من هدفها، وهو نصف قطر ينطوي على درجة عالية من الدقة. ومن هنا لقبها «قناص القمر».

وغالباً ما تهبط المركبات القمرية على بعد كيلومترات عدة من هدفها، ما قد يعقّد مهامها الاستكشافية. وينطوي الهبوط على سطح القمر على صعوبة أكبر من الهبوط على الكويكبات (الذي سبق أن حققته وكالات دول عدة، من بينها «جاكسا»)، نظراً إلى أن الجاذبية أقوى على القمر ممّا هي على الأجرام السماوية الصغيرة.

وأوضحت مديرة مركز «أستروكامبوس» (Astrocampus) في جامعة يورك، إميلي برونسدن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الهبوط على سطح القمر بدقة يشكل «تحدياً كبيراً» لـ«سليم».

وقد جُهزت مركبة الهبوط بمسبار كروي صممته «جاكسا» بالتعاون مع شركة الألعاب اليابانية العملاقة «تاكارا تومي»، وهو أكبر قليلاً من كرة التنس، ويمكنه تغيير شكله للتحرك على سطح القمر.

هيروشي ياماكاوا رئيس (جاكسا) يتحدث في المؤتمر الصحفي عن عملية الهبوط (أ.ب)

وتهدف هذه المهمة اليابانية أيضاً إلى تحقيق تقدّم في الأبحاث المتعلقة بالموارد المائية على القمر، وهي مسألة أساسية نظراً إلى أن الولايات المتحدة والصين تعتزمان على المدى البعيد إنشاء قواعد مأهولة على سطحه.

وقد أُثبت وجود الجليد المائي في قاع الحفر في المناطق القطبية من القمر، ما جعلها محط اهتمام كبير. وشدّد موروتا أيضاً على أن نجاح مهمة «سليم» يتيح لليابان «إبراز حضورها» في مجال الفضاء.

فبعد مرور أكثر من 50 عاماً على الخطوات الأولى للإنسان على سطح القمر، وهو الإنجاز الذي حققه الأميركيون عام 1969، تجدَّدَ تسابُق الدّول إليه، والأبرز في هذا الإطار هو التنافس المحموم بين الولايات المتحدة والصين.

لكنّ دولاً أخرى وشركات خاصة مهتمة أيضاً به، ومنها روسيا التي تحلم بإحياء أمجاد الاتحاد السوفياتي فضائياً، من خلال شراكتها خصوصاً مع الصين والهند التي نجحت خلال الصيف الفائت في إنزال أول مركبة تابعة لها على سطح القمر.

إلا أن المحاولتين اليابانيتين الأوليين في هذا المجال انتهتا إلى الفشل. ففي عام 2022، سعت إلى إنزال مركبة «أوموتيناشي» («الضيافة» باليابانية) على متن مهمة «أرتيميس 1» التابعة لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، لكن الاتصال مع المركبة فُقد بسبب خلل في بطارياتها بعد قذفها إلى الفضاء.

رد فعل الناس وهم يشاهدون محاولة «سليم» بالهبوط على القمر (رويترز)

وفي أبريل (نيسان)، تحطمت مركبة شركة «آيسبيس» اليابانية الناشئة على سطح القمر، بعدما فشلت في مرحلة الهبوط السلس.

ولا يزال الوصول إلى القمر تحدياً تكنولوجياً كبيراً حتى بالنسبة للقوى الفضائية الكبرى، إذ فُقِد الخميس أثرُ مركبة هبوط قمرية تابعة لشركة أميركية كانت قد أخفقت في مهمتها بعد تعرضها لتسرب وقود، ويُحتمَل أن تكون تفكّكت لدى دخولها الغلاف الجوي للأرض، على ما أعلنت شركة «أستروبوتيك» الناشئة التي صممتها.

وما لبثت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أن أعلنت بعد ساعات، الثلاثاء، أنها أخّرت نحو سنة المهمتين المقبلتين من برنامجها الكبير للعودة إلى القمر «أرتيميس».

فمهمة «أرتيميس 2» التي تحمل أربعة رواد فضاء يدورون بمركبتهم حول القمر من دون الهبوط على سطحه، أُرجئت من نهاية 2024 إلى سبتمبر (أيلول) 2025.

أما «أرتيميس 3» التي يُفترض أن تكون أول مهمة تهبط برواد فضاء على سطح القمر منذ انتهاء برنامج «أبوللو» عام 1972، فأرجئت من نهاية 2025 إلى سبتمبر 2026.


مقالات ذات صلة

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

يوميات الشرق يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته (إكس)

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

أظهرت أول صورة مقرَّبة لنجم يُعرَف باسم «WOH G64» إحاطته بالغاز والغبار، مُبيِّنة، أيضاً، اللحظات الأخيرة من حياته، حيث سيموت قريباً في انفجار ضخم...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مركبة الفضاء «ستارشيب» تظهر وهي تستعد للإطلاق من تكساس (رويترز)

«سبيس إكس» تستعد لإجراء اختبار سادس لصاروخ «ستارشيب» وسط توقعات بحضور ترمب

تجري «سبيس إكس» اختباراً سادساً لصاروخ «ستارشيب» العملاق، الثلاثاء، في الولايات المتحدة، في محاولة جديدة لاستعادة الطبقة الأولى منه عن طريق أذرع ميكانيكية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد جانب من الجلسة الافتتاحية لـ«منتدى دبي للمستقبل»... (الشرق الأوسط)

«منتدى دبي»: 7 تطورات رئيسية سيشهدها العالم في المستقبل

حدد نقاش المشاركين في «منتدى دبي للمستقبل - 2024» 7 تطورات رئيسية تمثل لحظة محورية للبشرية، منها العودة إلى القمر والطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد جناح «مجموعة نيو للفضاء» في معرض «جيتكس» (إكس) play-circle 01:45

رئيس «الخدمات الجيومكانية» في «نيو للفضاء»: سنطلق تطبيقاً للخرائط الرقمية

تمضي السعودية نحو مساعيها في التنويع الاقتصادي عبر تطوير قطاعات جديدة ومستقبلية، يبرز من ضمنها قطاع الفضاء بوصفه أحد القطاعات التي يتسارع فيها التقدم.

مساعد الزياني (الرياض)
يوميات الشرق رواد الفضاء ماثيو دومينيك ومايكل بارات وجانيت إيبس يعقدون مؤتمراً صحافياً في مركز جونسون الفضائي في هيوستن (أ.ب)

بعد 8 أشهر في الفضاء... رواد «ناسا» يرفضون الإفصاح عن شخصية من أصيب منهم بالمرض

رفض 3 رواد فضاء تابعين لـ«ناسا» انتهت مهمة طويلة قاموا بها في محطة الفضاء الدولية بالمستشفى، الشهر الماضي، كَشْفَ مَن منهم كان مريضاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.