«القرية والأسطورة» يستلهم «حكايات الجدات» بالريف المصري

معرض للفنان مصطفى بط يضمّ نحو 60 لوحة

الفنان المصري مصطفى بط (الشرق الأوسط)
الفنان المصري مصطفى بط (الشرق الأوسط)
TT

«القرية والأسطورة» يستلهم «حكايات الجدات» بالريف المصري

الفنان المصري مصطفى بط (الشرق الأوسط)
الفنان المصري مصطفى بط (الشرق الأوسط)

يعيدنا الفنان المصري مصطفى بط، في معرضه «القرية والأسطورة» في غاليري «ضي» بالقاهرة إلى التراث المصري، حيث تطلّ القرية والشخوص والرموز بصورة إيحائية لتعلن حضورها، وتروي الحكايات، وتوقظ المشاعر الإنسانية، وتجسد مفردات البيئة التي اختزنتها ذاكرته وسجلتها قراءته للتاريخ والأساطير عبر لغة تشكيلية.

يستخدم جملاً لونية ذات إيقاعات عصرية ورمزية (الشرق الأوسط)

تستدعي اللوحات الحياة الفطرية البسيطة، وكأن الإنسان المعاصر لا يزال يغلبه الحنين إليها، على الرغم من أنه لم يعد هناك جنّيات يحققن المعجزات، أو حواديت تسردها الجدات في ظلمات مساءات القرى، ومن ثَمّ يعود الإنسان من حين إلى آخر إلى موروثه الثقافي والاجتماعي العتيق ليفتش بين دهاليزه، محاولاً الكشف عن المزيد من خباياه وأسراره.

يستوقفك أن بط يكرر ثيمة المعارض نفسها التي أقامها خلال السنوات السابقة، انعكاساً لاحتفائه بالتراث المصري بشكل عام، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتمسك بالثيمة نفسها التي أعتبرها موضوعاً غنياً للغاية بأدواته وموجوداته وبكل محتوياته، وهو بكل ذلك أيضاً حاضر بقوة في وجداني».

حواديت الطفولة لا تزال حية في ذاكرته (الشرق الأوسط)

في مجموعته القصصية «من أساطير القرى»، يقول الأديب السعودي عمرو العامري: «إن الأساطير ليست مجرّد حكايات قالها الأقدمون وتقيّدوا بها، إنها ذات معانٍ ودلالات أعمق من ذلك، فهي تشكّل حيّزاً مهماً من ذاكرة الناس ووعيهم الجمعي وخيالهم وأحكامهم على الأشياء»، ولدى تأملك لوحات بط ينتابك الإحساس نفسه حين تجد نفسك أمام نحو 60 لوحة مختلفة الأحجام والخامات، ذات صياغات مبتكرة، تعمل على تحوير الأشكال الإنسانية وتضمينها في مشاهد درامية؛ لتبدو كأنها جاءت للتو من عالم الأساطير، فتُظهر شغفه بهذا العالم من جهة، وتكشف من جهة أخرى عن أعماق النفس الإنسانية، وتسبر انفعالاتها المختلفة والمتنازعة، مستخدماً في ذلك جملاً لونية ذات إيقاعات عصرية ورمزية.

من أعمال الفنان مصطفى بط (الشرق الأوسط)

تشير الحواديت التي كان يسمعها في طفولته من الحكائين والجدات والعمات وسيدات القرية عموماً، إلى أنها لا تزال تحتلّ مساحة كبيرة من ذاكرته، يقول: «إنها حية في الفكر والعاطفة، تماماً مثل الألعاب المستندة إلى الأساطير التي كنا نلعبها في القرية، ولطالما نفذت مجسمات وتماثيل وأشكال لوجوه مفرغة ووضعتها في الطرقات والممرات وسراديب البيوت القديمة، لإيجاد أوقات من الإثارة والتشويق والرعب تماشياً مع أجواء الأساطير في القرية».

بط يكرر الثيمة التي يحبها (الشرق الأوسط)

ومثلما كانت الأساطير المستمدة من إرثه الحضاري تلهمه في طفولته فإنها لا تزال تمثل مثيراً إبداعياً له وللآخرين، يقول: إن «الموروث المصري مهم، كتب منه وعنه الأدباء، ومهما نظمّ الشعراء قصائد استلهاماً منه، أو قدم التشكيليون أعمالاً تستند إليه، فإنه يظل يتمتع بثراء وقدرة على التجدد والإلهام؛ لأنه يرتبط بحضارة ممتدة لآلاف السنين، وله تأثير كبير على الإنسانية».

لكن المعرض يثير سؤالاً تقليدياً من جديد وهو «لماذا تُعدّ القرية هي المصدر الأساسي للأسطورة؟» يجيب بط: «لأن حسّ القرية متماسك ومترابط، وكأنها قطعة قماش متناسقة ومتناغمة، فالقرية أسرة كبيرة حين تسرد فيها حكاية أو أسطورة، فإنها تدور في دائرة صغيرة؛ مما يحقق لها الانتشار والتأثير، في حين أن المدينة مفككة منعزلة متباعدة، لا تحتضن دفء الحكايات وغرابتها».

يجسد بط أساطيراً مستمدة من إرثه الحضاري (الشرق الأوسط)

لا تقتصر رؤية بط للعلاقة المتجذرة بين القرية والأسطورة عند هذا الحد، إنما تتطرّق إلى طبيعة البيوت الريفية أيضاً، وفي ذلك يقول: «يجعل بيت القرية في الحقب الماضية سكانه يشعرون أنه جزء منهم وامتداد لهم؛ لأنه بُني بأيديهم؛ ومن ثمّ يحمل مشاعرهم وفكرهم وعرقهم، كما أنه ذو خطوط مائلة منحنية، مما يقوّي الإحساس بالإنسانية والخيال والاحتواء».

يستضيف مصطفى بط في معرضه أعمال زوجته الفنانة بثينة الدرديري التي تشارك بـ32 عملاً، وذلك تكريماً وامتناناً لها، يقول بط: «تخرجت زوجتي في كلية التربية الفنية، وكان الجميع يتوقعون لها بصمة فنية في المشهد التشكيلي، لكنها فضّلت أن تتفرغ للأسرة على مدى 40 سنة، واكتفت بممارسة الفن هواية حين يسمح لها وقتها، فأردت أن أقول لها (شكراً) عبر استضافة أعمالها في هذه المعرض مفاجأة لها؛ فهي لم تعرِف إلّا بعد تجهيز القاعة وتعليق أعمالها».


مقالات ذات صلة

معرض فوتوغرافي مصري يوثق «عمالة الأطفال» في الريف

يوميات الشرق معرض «قوة الطفل» للفنان سهل عبد الرحمن (الشرق الأوسط)

معرض فوتوغرافي مصري يوثق «عمالة الأطفال» في الريف

في معرضه الفردي الأول «قوة الطفل» اجتذب المصور المصري سهل عبد الرحمن، الجمهور إلى خبايا قضية عمالة الصغار في الريف بمصر.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جذبت فعاليات المعرض وأنشطته الثرية والمتنوعة أكثر من مليون زائر (هيئة الأدب)

معرض الرياض الدولي للكتاب يختتم 10 أيام من الاحتفاء بالكتاب والثقافة

بحلول مساء يوم (السبت) انقضت الأيام العشرة من فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024، وتم إسدال الستار على المعرض الذي انطلق تحت شعار «الرياض تقرأ».

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق على باب الله (الشرق الأوسط)

لُجين نعمة تلتقط الأمل المولود من رحم الخراب

تجسّد كلّ صورة من صور لُجين نعمة تجربتها الحياتية وتعكس التحديات التي واجهتها هي وكثيراً من العراقيين الذين اضطروا لسلوك دروب الهجرات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)

الوجوه الأربعون للمهاتما غاندي احتفالاً بـ155 عاماً على ميلاده

قرّرت منظمة الأمم المتحدة تخصيص يوم ميلاد غاندي في 2 أكتوبر، ليكون يوماً عالمياً لنبذ العنف والعمل على نشر هذه الثقافة عبر العالم.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق «ليلة مرصعة بالنجوم» في معرض «شعراء وعشاق» (غيتي)

فان جوخ... شعراء وعشاق... سيمفونية الألوان والمشاعر

اختار المعرض الحالي الذي يقيمه ناشونال غاليري بلندن عنوان «فان جوخ... شعراء وعشاق» ليعيد قراءة فترة مهمة في حياة الفنان الهولندي من فبراير 1888 إلى مايو 1890.

عبير مشخص (لندن)

«نوبل الفيزياء» لرائدين في التعلم بالذكاء الاصطناعي

الأكاديمية السويدية للعلوم لدى إعلانها اسم الفائزين بجائزة نوبل للفيزياء في استوكهولم أمس (إ.ب.أ)
الأكاديمية السويدية للعلوم لدى إعلانها اسم الفائزين بجائزة نوبل للفيزياء في استوكهولم أمس (إ.ب.أ)
TT

«نوبل الفيزياء» لرائدين في التعلم بالذكاء الاصطناعي

الأكاديمية السويدية للعلوم لدى إعلانها اسم الفائزين بجائزة نوبل للفيزياء في استوكهولم أمس (إ.ب.أ)
الأكاديمية السويدية للعلوم لدى إعلانها اسم الفائزين بجائزة نوبل للفيزياء في استوكهولم أمس (إ.ب.أ)

حصد الأميركي جون هوبفيلد والبريطاني الكندي جيفري هينتون، جائزة نوبل في الفيزياء، أمس الثلاثاء، تقديراً لاكتشافاتهما وابتكاراتهما الجوهرية التي أفسحت المجال لظهور تقنيات التعلم الآلي وشبكات الذكاء الاصطناعي العصبية.

وسلطت لجنة نوبل في بيانها الضوء على إنجازات هوبفيلد (91 عاماً) الأستاذ في جامعة برينستون، وهينتون (76 عاماً) الأستاذ بجامعة تورنتو في كندا، التي استندت إلى أدوات من علم الفيزياء لتطوير طرق ساهمت في بناء الأسس لتقنيات التعلم الآلي الحديثة التي تشهد تطوراً متسارعاً.

وذكرت اللجنة عبر منصة «إكس»: «تستند إنجازات الفائزين بجائزة الفيزياء هذا العام إلى أسس العلوم الفيزيائية. لقد أظهرا لنا طريقة جديدة تماماً لاستخدام أجهزة الكومبيوتر لمساعدتنا وتوجيهنا لمواجهة العديد من التحديات التي تواجه مجتمعنا».