قارب عمره 3 آلاف عام يُمنَح ولادة جديدة

«زامبراتيا» الأقدم في البحر المتوسط شاهدٌ على المهارات القبليّة

أقدم قارب في البحر المتوسط يولد من جديد (أ.ف.ب)
أقدم قارب في البحر المتوسط يولد من جديد (أ.ف.ب)
TT

قارب عمره 3 آلاف عام يُمنَح ولادة جديدة

أقدم قارب في البحر المتوسط يولد من جديد (أ.ف.ب)
أقدم قارب في البحر المتوسط يولد من جديد (أ.ف.ب)

يُنقَل أقدم قارب مخيط في البحر الأبيض المتوسط، المُسمَّى «زامبراتيا»، والبالغ عمره 3 آلاف عام، بعد أسابيع، من كرواتيا إلى فرنسا، ليخضع لعملية ترميم تُبقيه شاهداً على مهارات قبيلة هستريس.

تشرح العالِمة المتخصِّصة في الآثار المغمورة بالمياه إيدا كونساني أوهاتش التي قادت البحوث، أنّ «امتلاك قارب، بل سفينة، في ذلك الوقت، كان علامة مكانة في المجتمع القبلي»، موضحة أنّ «القدرة على بناء قارب كهذا هي بمنزلة القدرة في زمننا على بناء مركبة فضائية!».

عندما رُصِد حطام القارب للمرة الأولى في موقع يبعد 150 متراً من الشاطئ، وعلى عمق مترين ونصف متر فحسب، اعتقد العلماء أنه يعود إلى العصر الروماني، بُنيَ وفقاً لتقنية قديمة تتمثّل في خياطة الألواح معاً بالأوتار، أو الجذور، أو الألياف النباتية.

بحر زامبراتيا حاضنُ الحكايات العتيقة (أ.ف.ب)

لكنّهم فوجئوا، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، بأنّ التحاليل بتقنية الكربون 14 قدّرت عمر القارب بأكثر من 3 آلاف عام، ومن المُحتمل تالياً أن يكون بُنِيَ بين نهاية القرن الثاني عشر ونهاية القرن العاشر قبل الميلاد، وهي مرحلة انتقالية بين العصر البرونزي وعصر الحديد.

أعقبت هذا الاكتشاف بحوث علمية لسنوات، كان من أبرز مَن تولّى إجراءها خبراء من مختبر بحوث الآثار والتاريخ القديم في مركز كامِيّ جوليانّ في إيكس آن بروفانس بفرنسا.

وقالت أوهاتش: «يمكننا أن نفترض أنه كان قارباً مخصَّصاً للملاحة السريعة، على طول الساحل أو في المضايق النهرية بمنطقة شمال البحر الأدرياتيكي».

كان 7 إلى 9 جذافين يقودون هذا القارب الذي لا ساري له، واستُخدِم لعمليات سريعة في البحر. وعلى متن هذه القوارب، مارَس الهستريون القرصنة على مدى القرون التالية، باعتراض قوارب الرومان خلال نقلهم الحبوب لتموين قواتهم.

ويُعتقد أنّ قبيلة هستريس التي أعطت اسمها لمنطقة إستريا، استخدمت هذا القارب البالغ طوله نحو 10 أمتار، وبقيَ نحو ثلثه محفوظاً بشكل جيد نسبياً.

وخيطت الألواح بعضها ببعض بواسطة حبال من ألياف نباتية لم تبقَ محفوظة، لكنّ آثارها لا تزال بادية على الخشب. ووفق المؤرّخين، استخدم الهستريون شجيرة دائمة الخضرة تُسمى «المكنسة الإسبانية» لخياطة قواربهم.

واتّسمت عملية إخراج «زامبراتيا» من الماء بدقة عالية، محميةً، في البداية، بهيكل معدني صُمِّم لهذا الغرض. وفي يوليو (تموز) الماضي، انتُشل القارب المكوّن من 15 قطعة إلى السطح. بعد ذلك، نُظِّفَت كل قطعة بعناية وأُخضِعت لتحاليل، ووُضِعَت عليها علامات، ثم تُركت في حوض مصمَّم خصيصاً لتنقيتها من المياه المالحة.

المرمِّمة مونيكا بيتروفيتش واللمسات الأخيرة (أ.ف.ب)

وقالت المرمِّمة مونيكا بيتروفيتش: «نقيس ملوحة المياه، وسيكون (زامبراتيا) جاهزاً للمرحلة التالية من الحفظ في غرونوبل الفرنسية».

وعند انتهاء المرحلة الفرنسية النهائية، يُتوقع أن يعود المركب إلى موطنه ليُعرض بالقرب من البحر الذي كان يحميه طوال هذا الزمن.

فالألواح الخشبية بقيت آلاف السنين مغطّاة بالطحالب والرمال والطين البحري الذي كان يحميها؛ إذ باتت خالية من الأكسجين، ولا تسمح بتطوّر البكتيريا التي تتسبّب بتلف الخشب.

وقال ساسا رادين الذي نشأ في قرية زامبراتيا التي سُمّي القارب باسمها: «كنا نعرف منذ عقود بوجوده هناك، واعتدنا الغطس في الموقع عندما كنا أطفالاً (...)، لكننا لم نعلم أنه قديم إلى هذا الحد».


مقالات ذات صلة

«ميم» في متحف إنجليزي للمرّة الأولى

يوميات الشرق أول كائن مولود رقمياً (متحف الحياة الريفية الإنجليزية)

«ميم» في متحف إنجليزي للمرّة الأولى

أصبحت صورة «الوحدة المطلقة» التي انتشرت بسرعة عبر الإنترنت، أول «كائن مولود رقمياً» يُعرض في المتحف الوطني للعلوم والإعلام بإنجلترا. 

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مغامرة غير محسوبة (أ.ب)

قطّ أعمى عمره 20 عاماً يعيش مغامرة على الجليد

يحبّ «تيكي»، وهو قطٌّ أعمى أبيض وأسود، عمره 20 عاماً، التجوُّل في الهواء الطلق. ولكن هذه المرّة أثار الذعر.

«الشرق الأوسط» (ماساتشوستس الولايات المتحدة)
يوميات الشرق يمكن للعواطف أن تجعل الأشياء أسهل في التذكّر (سيكولوجي توداي)

كيف تجعل ذكرياتك «تعيش مدة أطول»؟

كل لحظة وكل ذكرى تثير استجابة عاطفية معينة، ويمكن للعواطف أن تجعل تذكّر الأشياء أسهل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ف.ب)

مقاضاة رجل عانق المستشار الألماني على مدرج مطار فرانكفورت

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة فرانكفورت عن تحريك دعوى قضائية بحق رجل عانق المستشار أولاف شولتس على مدرج مطار فرانكفورت.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
صحتك ربطت عدد من الدراسات السابقة بين منتجات العناية بالبشرة والدماغ والجهاز العصبي (رويترز)

كيف تؤثر منتجات العناية بالبشرة على العقل والمزاج؟

ربطت عدد من الدراسات السابقة بين منتجات العناية بالبشرة والدماغ والجهاز العصبي، حيث أشارت إلى أن هذه المنتجات تؤثر على العقل والمزاج.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الكشف عن دوائر الدماغ المنظِّمة للجوع والشبع

عندما نشعر بالجوع يتّخذ الدماغ مجموعة خطوات لبدء تناول الطعام (جامعة طوكيو)
عندما نشعر بالجوع يتّخذ الدماغ مجموعة خطوات لبدء تناول الطعام (جامعة طوكيو)
TT

الكشف عن دوائر الدماغ المنظِّمة للجوع والشبع

عندما نشعر بالجوع يتّخذ الدماغ مجموعة خطوات لبدء تناول الطعام (جامعة طوكيو)
عندما نشعر بالجوع يتّخذ الدماغ مجموعة خطوات لبدء تناول الطعام (جامعة طوكيو)

كشفت دراسة أجراها باحثون في كلية «بايلور للطب» ومركز العلوم الصحية بجامعة تكساس الأميركية، دوائر الدماغ والرسائل الكيميائية التي تُسهم في تنظيم مشاعر الجوع والشبع وبدء الوجبات الغذائية وتناول الطعام.

وأظهرت النتائج التي نُشرت في دورية «ميتابولزم»، أنه عندما نشعر بالجوع، يتّخذ الدماغ مجموعة من الخطوات لبدء تناول وجبة الطعام. وأفادت بأنّ عدداً من الخطوات التي تتضمّنها هذه الآلية غير معروف جيداً حتى الآن.

وقال المؤلّف المشارك، أستاذ طبّ الأطفال والتغذية والمدير المساعد للعلوم الأساسية في مركز بحوث التغذية للأطفال التابع لوزارة الزراعة الأميركية في بايلور، الدكتور يونغ شو: «من المعروف أنّ السيروتونين، وهو ناقل عصبي في الدماغ، يمكن أن يثبط عملية تناول الطعام. أدّى هذا الاكتشاف إلى تطوير أدوية تتفاعل مع السيروتونين أو مستقبلاته لتنظيم عملية استهلاك الطعام، وعلاج مرض السمنة».

وأضاف، في بيان: «مع ذلك، فإنّ لبعض هذه الأدوية آثاراً جانبية غير مرغوب فيها، ولم تعد تُوصف للمرضى لهذا السبب؛ لذا احتجنا إلى فهم أفضل لكيفية تنظيم الدماغ عملية تناول الطعام لتحسين تصميم الأدوية المرتبطة بتلك العمليات».

يتوقّع باحثو الدراسة أن تكون لهذه النتائج آثار على تطوير علاجات محسِّنة لعلاج السمنة، وهي وباء عالمي. من أجل ذلك، درس مختبر شو دور السيروتونين في التحكُّم في التغذية فترة طويلة.

وفي الدراسة، ركّزوا على عنصر غير معروف إلى حد ما في تنظيم السيروتونين لتناول الطعام، وبحثوا عن الدوائر الدماغية والناقلات العصبية التي تنظّم نشاط الخلايا العصبية المنتجة للسيروتونين، وتنشيطها أو تثبيطها في الفترات المناسبة للوصول إلى استهلاك متوازن للطعام. قال شو: «سألنا، كيف يمكننا الاستفادة من هذا الأمر لتنظيم عملية التغذية؟».

ويُصنَّع السيروتونين في المقام الأول بواسطة الخلايا العصبية في منطقة محدّدة وسط الدماغ. وهي تنقله من هذه المنطقة إلى مناطق عدة أخرى منه، بما في ذلك دائرة قوس الوطاء (ARH) الموجودة في أدمغة البشر وجميع الثدييات، وينظِّم عدداً من العمليات الحيوية، في مقدّمتها عمليات الأيض.

وأظهر الفريق أنّ دائرة قوس الوطاء وناقلين عصبيين، هما غابا والدوبامين، تلعب دوراً رئيسياً عند بدء تناول الوجبات الغذائية وتنظيم عمليات الجوع والشبع.

علَّق شو: «بالعمل مع نماذج من حيوانات التجارب، وجدنا أنه عندما تشعر هذه الحيوانات بالجوع، يجري تثبيط الخلايا العصبية المنتجة للسيروتونين في الدماغ بواسطة النواقل العصبية غابا والدوبامين. وهذا بدوره يقلّل من مستويات السيروتونين في الدماغ، ما يسمح ببدء تناول الوجبة الغذائية»، موضحاً أنه «عندما تصل الحيوانات إلى حالة الشبع، تنخفض معدلات الإشارات المثبطة، إذ يُنتَج مزيد من السيروتونين، وبالتالي يبدأ التوقُّف عن تناول مزيد من الطعام».