الكشف عن حلقة ضخمة من المجرات تتحدى فهمنا للكون

رسم يسلط الضوء على مواقع الحلقة الكبيرة (باللون الأزرق) والقوس العملاق (باللون الأحمر) في السماء («بي بي سي» - «تويتر»)
رسم يسلط الضوء على مواقع الحلقة الكبيرة (باللون الأزرق) والقوس العملاق (باللون الأحمر) في السماء («بي بي سي» - «تويتر»)
TT

الكشف عن حلقة ضخمة من المجرات تتحدى فهمنا للكون

رسم يسلط الضوء على مواقع الحلقة الكبيرة (باللون الأزرق) والقوس العملاق (باللون الأحمر) في السماء («بي بي سي» - «تويتر»)
رسم يسلط الضوء على مواقع الحلقة الكبيرة (باللون الأزرق) والقوس العملاق (باللون الأحمر) في السماء («بي بي سي» - «تويتر»)

اكتشف العلماء في جامعة سنترال لانكشاير في بريطانيا هيكلاً ضخماً على شكل حلقة في الفضاء.

ويبلغ قطر الهيكل 1.3 مليار سنة ضوئية، ويبدو أنه أكبر بـ15 مرة من حجم القمر في سماء الليل تقريباً، كما يُرى من الأرض، وفقاً لتقرير لـ«هيئة الإذاعة البريطانية - بي بي سي».

أطلق علماء الفلك على الهيكل اسم «الحلقة الكبيرة»، وهي مكونة من مجرات وعناقيد مجرية. ويقولون إنها كبيرة جداً لدرجة أنها تتحدى فهمنا للكون.

ولا يمكن رؤية الحلقة بالعين المجردة، حيث إنها بعيدة حقاً، وقد استغرق تحديد جميع المجرات التي تشكل الهيكل الأكبر كثيراً من الوقت والطاقة الحاسوبية.

لا ينبغي أن توجد مثل هذه الهياكل الكبيرة، وفقاً لأحد المبادئ التوجيهية لعلم الفلك، الذي يسمى بالمبدأ الكوني. وهذا ينص على أن كل المادة تنتشر بسلاسة عبر الكون.

على الرغم من أن النجوم والكواكب والمجرات عبارة عن كتل ضخمة من المادة في أعيننا، فإنها غير ذات أهمية في سياق حجم الكون، والنظرية هي أن بقعاً أكبر بكثير من المادة لا ينبغي أن تتشكل.

والحلقة الكبيرة ليست بأي حال من الأحوال أول انتهاك محتمل للمبدأ الكوني، وبالتالي تشير إلى وجود عامل آخر لم يتم اكتشافه بعد.

وفقاً للدكتور روبرت ماسي، نائب مدير الجمعية الفلكية الملكية، فإن الأدلة الداعية إلى إعادة التفكير في ما كان بمثابة الركيزة الأساسية لعلم الفلك آخذة في التزايد.

وقال: «هذا هو الهيكل الكبير السابع الذي يتم اكتشافه في الكون، والذي يتناقض مع فكرة أن الكون سلس على أكبر المقاييس. إذا كانت هذه الهياكل حقيقية، فمن المؤكد أنها غذاء للتفكير لدى علماء الكونيات، والتفكير المقبول حول كيفية تطور الكون مع الوقت».

تم التعرف على الحلقة الكبيرة من قبل أليكسيا لوبيز، طالبة الدكتوراه في جامعة سنترال لانكشاير (UCLan)، التي اكتشفت أيضاً القوس العملاق، وهو هيكل يمتد على مساحة 3.3 مليار سنة ضوئية.

وعندما سُئلت عن شعورها عندما توصلت إلى هذه الاكتشافات، قالت: «إنه أمر سريالي حقاً... توصلت إلى هذه الاكتشافات عن طريق الصدفة، لكنه شيء كبير، ولا أستطيع أن أصدق ذلك».

وقالت: «ليس من السهل تفسير أي من هذين الهيكلين فائقي الضخامة في فهمنا الحالي للكون... ومن المؤكد أن أحجامها الكبيرة جداً وأشكالها المميزة وقربها الكوني تخبرنا بشيء مهم، ولكن ما هو بالضبط؟».

وكل من الحلقة الكبيرة والقوس العملاق قريبان نسبياً بعضهما من بعض، بالقرب من كوكبة «Bootes the Herdsman».

من جهته، قال البروفيسور دون بولاكو، من قسم الفيزياء بجامعة وارويك، إن احتمال حدوث ذلك ضئيل للغاية، لذا قد يكون الجسمان مرتبطين ويشكلان بنية كبرى.

وأوضح: «لذا فإن السؤال هو كيف يمكنك صنع مثل هذه الهياكل الكبيرة؟ من الصعب للغاية تصور أي آلية يمكنها إنتاج هذه الهياكل، لذا بدلاً من ذلك يتوقع المؤلفون أننا نرى بقايا من الكون المبكر حيث يتم تجميد موجات من المواد عالية ومنخفضة الكثافة في مكان خارج المجرة».

هناك أيضاً هياكل كبيرة مماثلة اكتشفها علماء آخرون، مثل السور العظيم سلووان، الذي يبلغ طوله نحو 1.5 مليار سنة ضوئية، وجدار القطب الجنوبي، الذي يمتد عبر 1.4 مليار سنة ضوئية.

لكن أكبر كيان منفرد حدده العلماء هو مجموعة هائلة من المجرات تسمى جدار «هرقل - كورونا» القطبي العظيم، الذي يبلغ عرضه نحو 10 مليارات سنة ضوئية.

وبينما تظهر الحلقة الكبيرة كحلقة مثالية تقريباً في السماء، يشير التحليل الذي أجرته لوبيز إلى أنها على شكل لفائف، ووجهها محاذٍ للأرض.

وتابعت: «الحلقة الكبيرة والقوس العملاق يمنحاننا لغزاً كونياً كبيراً، بينما نعمل على فهم الكون وتطوره».


مقالات ذات صلة

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

يوميات الشرق يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته (إكس)

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

أظهرت أول صورة مقرَّبة لنجم يُعرَف باسم «WOH G64» إحاطته بالغاز والغبار، مُبيِّنة، أيضاً، اللحظات الأخيرة من حياته، حيث سيموت قريباً في انفجار ضخم...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مركبة الفضاء «ستارشيب» تظهر وهي تستعد للإطلاق من تكساس (رويترز)

«سبيس إكس» تستعد لإجراء اختبار سادس لصاروخ «ستارشيب» وسط توقعات بحضور ترمب

تجري «سبيس إكس» اختباراً سادساً لصاروخ «ستارشيب» العملاق، الثلاثاء، في الولايات المتحدة، في محاولة جديدة لاستعادة الطبقة الأولى منه عن طريق أذرع ميكانيكية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد جانب من الجلسة الافتتاحية لـ«منتدى دبي للمستقبل»... (الشرق الأوسط)

«منتدى دبي»: 7 تطورات رئيسية سيشهدها العالم في المستقبل

حدد نقاش المشاركين في «منتدى دبي للمستقبل - 2024» 7 تطورات رئيسية تمثل لحظة محورية للبشرية، منها العودة إلى القمر والطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد جناح «مجموعة نيو للفضاء» في معرض «جيتكس» (إكس) play-circle 01:45

رئيس «الخدمات الجيومكانية» في «نيو للفضاء»: سنطلق تطبيقاً للخرائط الرقمية

تمضي السعودية نحو مساعيها في التنويع الاقتصادي عبر تطوير قطاعات جديدة ومستقبلية، يبرز من ضمنها قطاع الفضاء بوصفه أحد القطاعات التي يتسارع فيها التقدم.

مساعد الزياني (الرياض)
يوميات الشرق رواد الفضاء ماثيو دومينيك ومايكل بارات وجانيت إيبس يعقدون مؤتمراً صحافياً في مركز جونسون الفضائي في هيوستن (أ.ب)

بعد 8 أشهر في الفضاء... رواد «ناسا» يرفضون الإفصاح عن شخصية من أصيب منهم بالمرض

رفض 3 رواد فضاء تابعين لـ«ناسا» انتهت مهمة طويلة قاموا بها في محطة الفضاء الدولية بالمستشفى، الشهر الماضي، كَشْفَ مَن منهم كان مريضاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.