«حديد نحاس بطاريات»... الحبّ يصنع المعجزات

بطلته كلارا كوتوري المرشَّحة لـ«سيزار» تعيش الحالة ولا تمثّل

بطلا الفيلم كلارا كوتوري وزياد جلاد («إم سي» للتوزيع السينمائي)
بطلا الفيلم كلارا كوتوري وزياد جلاد («إم سي» للتوزيع السينمائي)
TT

«حديد نحاس بطاريات»... الحبّ يصنع المعجزات

بطلا الفيلم كلارا كوتوري وزياد جلاد («إم سي» للتوزيع السينمائي)
بطلا الفيلم كلارا كوتوري وزياد جلاد («إم سي» للتوزيع السينمائي)

تستحق كلارا كوتوري، بطلة الفيلم اللبناني «حديد نحاس بطاريات»، ترشّحها لنيل جائزة «سيزار» عن جدارة. يكفي هذا الترشُّح عن فئة «أفضل ممثلة واعدة» لإضفاء التقدير على موهبتها اللافتة. تؤدّي دورها بإتقان، وتُحاكي المُشاهد بمشاعر مختلطة. أجاد المخرج اللبناني وسام شرف إبراز موهبتها بمهارة، وبعينيه الثاقبتَيْن وكاميرته الواضحة، بعيداً عن «الفذلكات» السينمائية، تركها تُحلّق بطلاقة في فضاء التمثيل.

إضافة إليها، يجمع العمل أسماء تمثيلية بارزة؛ بدءاً من دارينا الجندي، وكارول عبود، وصولاً إلى رفعت طربيه. جميعهم يتركون بصمتهم لدى المُشاهد. ويأتي الممثل زياد جلّاد ليضيف تألقاً، ويضخّ نبض الموهبة الشبابية، خارقاً أسوار فنانين عمالقة يشاركهم الحضور.

«حديد نحاس بطاريات» تشارك فيه دارينا الجندي («إم سي» للتوزيع السينمائي)

قبل بدء العرض في الصالات اللبنانية، الخميس، دعت شركة «إم سي» للتوزيع أهل الصحافة إلى عرض أولي في صالات «غراند سينما» بمجمّع «أ. ب. ث» في منطقة الأشرفية. وهو كان عُرض للمرة الأولى في مهرجان «البندقية السينمائي» عام 2022، ونال جائزة «أوروبا سينما». كما سبق أن قدَّم مخرجه أول أفلامه الروائية، «من السماء»، عام 2017.

العنصرية، والتنمّر، وإشكالية اللاجئين السوريين؛ عناوين عريضة للفيلم. لكن مخرجه عرف كيف يجعلها خلفية لمسألة أهم، هي الحب. نغوص معه في شريط حالم رغم تصويره الواقع الأليم. ونتابع قصة رومانسية تؤكد أنّ الحب يصنع المعجزات. يعلق وسام شرف لـ«الشرق الأوسط»: «موضوعات مختلفة يتضمّنها الفيلم، لكنني تمسّكت بتغليب الحب. تعيش المجتمعات المعاصرة تحت شعار (ما حدا بحب حدا). لم أشأ تناول تلك الموضوعات كما نسمعها في نشرات الأخبار. وكان يجب أن يولد السيناريو من اضطراب اجتماعي، وأرفع النقاش إلى مستوى إنساني عالٍ».

الإثيوبية كلارا كوتوري رُشِّحت لجائزة «سيزار» («إم سي» للتوزيع السينمائي)

عرّج شرف على مواقف استوحاها من الواقع: «لم أخترعها، بل عاينتُها من خلال عملي الصحافي لدى قناة (آر تي) الفرنسية، ومن حياتي وشرفة منزلي في الأشرفية». بالفعل، عكست القصص التي رواها في فيلمه الواقع، ملوَّنة أحياناً بلوحات مجازية: «زوجتي هلا دبجي ساعدتني في الكتابة، وهي مَن أرفقته بصور سوريالية وحالمة. كل ذلك للتركيز على الحب المفقود على كوكب ميت. وقدّم البطلان قصة مؤثّرة، وحاولا طوال الفيلم إخفاءها باحثَيْن عن مكان ما يحضنها».

تتراكم الصور السوريالية ضمن السياق، بدءاً من شخصية «مصاص الدماء» التي يجسّدها رفعت طربيه بمجازية، إشارة إلى هموم إنسان اليوم، فأتت معبّرة من خلال الإفرازات الحديدية التي كان يعانيها بطل الفيلم. فجسدُه أفرز قطعاً صغيرة من مواد صلبة اعتاد حملها أثناء ممارسته عمله بائعَ «حديد ونحاس وبطاريات». في النهاية، يركز شرف على معجزة الحب، فيسقط ساعد البطل أرضاً بعدما اعتراه الصدأ بفعل حمله الحديد. فهو بائع يتجوّل بين الأحياء، ينادي باحثاً عن بضاعة من «حديد ونحاس وبطاريات» ليبيعها والعيش من ثمنها، فتُكمل حبيبته المشوار معه رغم كل شيء.

يكترث المخرج وسام شرف لإعلاء الحب («إم سي» للتوزيع السينمائي)

تعرّف وسام شرف إلى كلارا كوتوري بالمصادفة: «بحثنا طويلاً عن فتاة إثيوبية تستطيع تجسيد شخصية (مهدية) بكل جوانبها. بالمصادفة تعرّفنا إلى كلارا التي تجهل العربية تماماً، لكنها حفظت النصّ كما كُتِب. رأيتُ فيها نواة الممثلة الموهوبة التي لم تتأثر بعد بعادات وأساليب تمثيل مبالغ فيها. فكانت خياراً موفّقاً، لأنني أردتُ شخصاً لا يمثّل، بل يعيش الحالة».

يتمنّى شرف فوزها ضمن مهرجان «سيزار» السينمائي في فبراير (شباط) المقبل، لتماهيها مع دور كأنه وُلد لأجلها. أما هو، فسار في فيلمه ضمن خطّين متوازيين: «وجدتُ بين اللاجئ السوري والعمال الإثيوبيين نقاط تشابه. فالاثنان يصلان إلى لبنان كأنهما ولدا من جديد، ولكن من رحم المعاناة. الاثنان يمشيان من دون هدف في مجتمع بالكاد يتقبّل مواطنيه. نظراتهما فارغة يتراكم فيها الحزن، وهمومهما متشابهة كأنّ لعنة واحدة أصابتهما. ترجمتُ هذه الصور سينمائياً، وابتعدتُ عن التجريح والتحطيم. لذلك اتّخذ الفيلم منحى شاعرياً حالماً، يحمل كثيراً من المشاعر الدفينة».

يتحدّث عن السينما في لبنان: «البلد أعجوبة سينمائية مبدعة رغم غياب دعم الدولة. أفلامنا كثيرة ولافتة، وموضوعاتها ممتازة. شهدنا مؤخراً نجاحات عدة أكدتها مهرجانات، منها (الجونة) و(البحر الأحمر). تُسهم الدراما التي نعيشها في ولادات كثيفة لأفكارنا السينمائية. اللبناني عموماً يتحلّى بالذكاء والإبداع، ويملك خلطة فنية لا تُفسَّر».

تخرُج من عرض «حديد نحاس بطاريات» مزوّداً بجرعات حب تتمنّى لو تبقى طويلاً. فهو العنصر الوحيد الذي يستطيع جعلنا نتفاءل بالخير في زمن بلغت قساوته الحديد.


مقالات ذات صلة

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

يوميات الشرق انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

تقع أهمية النسخة الـ10 من المهرجان بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تجسّد لبنى في «خريف القلب» شخصية السيدة الثرية فرح التي تقع في ورطة تغيّر حياتها

لبنى عبد العزيز: شخصية «فرح» تنحاز لسيدات كُثر في مجتمعنا السعودي

من النادر أن يتعاطف الجمهور مع أدوار المرأة الشريرة والمتسلطة، بيد أن الممثلة السعودية لبنى عبد العزيز استطاعت كسب هذه الجولة

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)
جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)
TT

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)
جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)

يناقش منتدى المرأة العالمي دبي 2024، الذي ينطلق اليوم في دبي، محاور رئيسية ذات أبعاد استراتيجية تتعلق بدور المرأة العالمي، كما يبحث اقتصاد المستقبل، والمسؤوليات المشتركة، والتكنولوجيا المؤثرة، وذلك خلال فعاليات المنتدى الذي تقام على مدى يومي 26 و27 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.

ويسعى المنتدى إلى معالجة قضايا المرأة في ضوء التحديات العالمية المعاصرة، مع التركيز على تعزيز دورها شريكاً رئيسياً في تحقيق التنمية المستدامة، حيث يسلط الحدث الضوء على دور المرأة في قيادة التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، ومواجهة التغير المناخي، إلى جانب تعزيز المساواة بين الجنسين وبناء الشراكات الدولية.

منصة استراتيجية لتمكين المرأة عالمياً

وأكدت منى المري، رئيسة مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمؤسسة دبي للمرأة، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المنتدى يسعى لإيجاد حلول للقضايا والتحديات التي تواجه المرأة على المستوى العالمي.

وأوضحت المرّي أن المنتدى يبحث قضايا المرأة الملحّة ذات العلاقة بالتحديات العالمية الماثلة، وقالت: «المنتدى يهدف إلى إلقاء الضوء على تلك القضايا بطرق متعددة، تأسيساً على ناقشه في دورتيه السابقتين، وما يطرحه في دورته الثالثة من محاور ذات أبعاد استراتيجية».

وأضافت: «في قلب النقاشات، تتجلى الأدوار الرائدة التي تلعبها المرأة في مختلف المجالات الحيوية، سواء من خلال تبوئها لمناصب صنع القرار، أو من خلال ممارستها التأثير الفعال في مجالات بارزة مثل قيادة التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والتصدي للتغير المناخي، والسعي نحو تحقيق الأمن والسلام والازدهار العالمي». ووفقاً لها، فإن إسهام المرأة في رسم معالم المسؤوليات العالمية، يجعلها شريكاً أساسياً في تشكيل مستقبل الشعوب وصياغة سياسات التنمية المستدامة.

وأشادت المري بجهود ومبادرات حرم الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين ورئيسة مؤسسة دبي للمرأة، التي عززت حضور المرأة في المناصب القيادية وزادت من تأثيرها في المجالات الحيوية.

اقتصاد المستقبل والتكنولوجيا المؤثرة

ولفتت المرّي إلى أن المنتدى يولي اهتماماً خاصاً للتعاون والشراكات الدولية؛ كونها تعد حجر الزاوية في استراتيجية التوازن بين الجنسين في دولة الإمارات، وأوضحت: «تحقيق أي تقدم ملموس في هذا المجال، سواء على الصعيدين الإقليمي أو العالمي، يتطلب مواصلة الجهود وتطوير شراكات متينة توفّر المنصة الضرورية للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الخامس الذي يُركز على تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات».

ويتناول المنتدى دور المرأة في صياغة اقتصاد المستقبل عبر استعراض تجارب رائدة ومناقشة قضايا ملحة مثل الابتكار وريادة الأعمال. كما يركز على التكنولوجيا بوصفها عنصراً أساسياً لتحقيق التغيير، مع تسليط الضوء على أهمية تمكين المرأة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.

وأضافت المري أن المنتدى سيبرز مساهمة المرأة في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي وتحقيق الأمن الغذائي والسلام العالمي، وقالت: «إشراك المرأة في صياغة السياسات العالمية يُعد خطوة محورية نحو بناء مجتمعات أكثر استدامة وعدلاً».

كما ركزت المري على أهمية الشراكات الدولية بوصفها ركيزة لتحقيق التوازن بين الجنسين، مشيرة إلى إطلاق مبادرات نوعية خلال المنتدى، أبرزها توقيع مجلس الإمارات مبادرة للتوازن بين الجنسين مع عدد من مؤسسات القطاع الخاص لتعزيز نسبة النساء في المناصب القيادية إلى 30 في المائة بحلول عام 2025، وأوضحت: «تحقيق تقدم ملموس في المساواة بين الجنسين يتطلب تضافر الجهود بين الحكومات والقطاع الخاص عبر شراكات مستدامة».

منى المري رئيسة مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمؤسسة دبي للمرأة

مشاركات ملهمة

وبحسب المعلومات الصادرة، فإن المنتدى يجمع نخبة من القيادات وصناع القرار من مختلف أنحاء العالم، من بينهم أكثر من 25 وزيراً ووزيرة وشخصيات بارزة تشمل: الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون بدبي، التي ستناقش رؤيتها لدبلوماسية الثقافة، وأمينة إردوغان، حرم الرئيس التركي، التي ستشارك في جلسات تسلط الضوء على تمكين المرأة عالمياً، بالإضافة إلى سعيدة ميرضيائيفا، مساعدة رئيس أوزبكستان، وآصفة بوتو زرداري، السيدة الأولى في باكستان، وإليزا ريد، السيدة الأولى السابقة لآيسلندا، وإيرين فيلين، ممثل الناتو الخاص للمرأة والسلام والأمن.

كما تشارك شخصيات ملهمة من القطاع الخاص مثل كاميل فاسكيز، محامية النجم العالمي جوني ديب، وأشواريا راي، نجمة السينما العالمية.

التمكين

وفقاً لمنى المرّي، فإن تنظيم مؤسسة دبي للمرأة لهذا المنتدى العالمي الذي يجمع نخبة من القيادات الحكومية والمنظمات والهيئات الدولية والخبراء وأصحاب التجارب المُلهِمة من حول العالم، يؤكد التزام الإمارات بتمكين المرأة وريادتها في تعزيز الوعي بالقضايا والتحديات القائمة على الساحة العالمية.

وقالت: «دبي، بحضورها الدولي، تواصل تعزيز مكانتها مركزاً عالمياً للحوار والتنمية، حيث يقدم المنتدى فرصة لبناء شراكات استراتيجية تدعم تمكين المرأة عالمياً، وتسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة».