«الجونة السينمائي» يتخلى عن طقوسه الاحتفالية

افتتاح دورته السادسة وسط اهتمام بالقضية الفلسطينية

حضور حفل افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
حضور حفل افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
TT

«الجونة السينمائي» يتخلى عن طقوسه الاحتفالية

حضور حفل افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
حضور حفل افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

تخلى مهرجان الجونة السينمائي عن طقوسه الاحتفالية، خلال افتتاح دورته السادسة، مساء الخميس، التي أقيمت بشكل استثنائي وتستمر خلال الفترة من 14 إلى 21 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وسط «اهتمام لافت» بالقضية الفلسطينية.

ويشارك في المهرجان 80 فيلماً تمثل 38 دولة، تخوض أكثر من مسابقة، إضافة إلى عرض 10 أفلام ضمن برنامج خاص يحتفي بالسينما الفلسطينية.

واستخدم المهرجان في حفل الافتتاح السجادة الرملية «Sandy Carpet» بدلاً من «الرد كاربت» التي اشتهر بها، وطالما كانت مثار تعليقات المتابعين، وفيما غلب اللون الأسود على إطلالات الفنانات والفنانين، سادت حالة من الشجن مع بدء الاحتفال، لا سيما مع كلمة الفنان محمود حميدة التي ألقاها بطريقة حماسية، وحملت «معاني إنسانية مؤثرة»، واصفاً الأحداث الحالية بأنها تمثل «أكثر أوقات الإنسانية ظلاماً».

وأشار إلى أن «الجميع يتقاسم المسؤولية فيما يحدث، وأنه من قصص اليأس نستطيع أن نسلط الضوء على جوهر إنسانيتنا في عالم يغض البصر عن الفظائع»، داعياً إلى أن تكون «أفلامنا شهادة على صمود الروح الإنسانية وأملاً في وجه الظلام»، واختتم كلمته برفض الوقوف حداداً على أرواح الشهداء، لأن الحداد، حسبما يرى، «قد يكون دافعاً للنسيان وهو لا يريد لأحد أن ينسى».

وقدمت المطربة الفلسطينية التشيلية إليانا أغنية «غصن الزيتون» وحظيت بإعجاب الجمهور، فيما قدم المطرب «أبو» أغنية بالإنجليزية أهداها لأطفال فلسطين بعنوان «The World Is Blind».

ولفت انتشال التميمي، مدير مهرجان الجونة السينمائي، في كلمته، إلى التحديات التي واجهها المهرجان خلال دوراته الست، مؤكداً «أنه خرج من هذه التحديات قوياً».

وحول تساؤل البعض عن تأجيل المهرجان من أكتوبر (تشرين الأول) إلى ديسمبر (كانون الأول)، وقرار إقامته رغم استمرار الحرب، شدد على «أهمية أن يكون للمهرجان فعل ثقافي وفني يتفاعل مع الأحداث»، مشيراً إلى المنصة التفاعلية «جسر الجونة»، واستعرض برامج المهرجان التي «تستقطب مجموعة من أبرز الأفلام العربية والأجنبية»، حسب قوله.

وأشارت ماريان خوري التي انضمت مديراً فنياً للمهرجان هذه الدورة إلى دور «الجونة السينمائي» في الصناعة وتمكين شباب المبدعين، ووجهت شكرها للجان التحكيم في ظل حضورهم رغم تغيير الموعد الخاص بالدورة مرتين.

ولفتت خوري إلى برنامج «نافذة على فلسطين» الذي يتضمن عرض 10 أفلام تعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال، من بينها «وداعا طبرية»، «الأستاذ»، «الإسعاف»، «باب الشمس»، «الواقي الرصاصي»، «بلا سقف»، «إلى أبي»، بالإضافة إلى حلقة نقاشية بعنوان «الكاميرا في أزمة... عدسة في فلسطين».

جانب من تكريم فناني الكلاكيت (إدارة المهرجان)

وشهد الافتتاح حضوراً عربياً كبيراً، كما شهد حضوراً فلسطينياً لافتاً، وعدّت المخرجة الفلسطينية نجوى نجار «السينما نوعاً من السلاح»، وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «قررت حضور هذه الدورة الاستثنائية لأنها لفلسطين لكي نظل نحكي عن قصتنا».

وتابعت: «سألت حالي بعد كل هذه السنين التي عملت فيها بالسينما هل استطعنا بأفلامنا أن نغير شيئاً؟ لكن حين نرى التغيير الذي صار خلال الثلاثين عاماً الأخيرة في العالم، يتأكد لي أنه كان لنا دور، وأن السينما سلاح مهم بين أيدينا».

وقالت: «هذا البرنامج لفلسطين يشرفنا نكون جزءاً منه»، وأبدت تقديرها الشديد لاختيار المهرجان أفلاماً عن غزة صدرت هذا العام بالتعاون مع مؤسسة فلسطين للأفلام.

وقدمت الفنانة يسرا لتكريم المخرج مروان حامد الذي يمنحه المهرجان جائزة «الإنجاز الإبداعي»، مشيرة إلى أن المهرجان يحمل شعار «سينما من أجل الإنسانية»، وقالت: «لا توجد أداة أهم من الفن لتذكير الجميع بإنسانيتهم»، وصاحب ذلك عرض فيلم قصير تضمن لقطات من أفلامه، من بينها «عمارة يعقوبيان» و«الفيل الأزرق» و«كيرة والجن».

وتمنى المخرج المصري أن يكون والده المؤلف الراحل وحيد حامد حاضراً هذا التكريم الذي أهداه له ولوالدته وزوجته، كما وجه الشكر للمخرج شريف عرفة والفنان الكبير عادل إمام، مؤكداً أنه مدين له بالكثير، وكذلك للفنان الراحل نور الشريف ويسرا اللذين سانداه في أول أفلامه «عمارة يعقوبيان»، كما وجّه الشكر لمهرجان الجونة، مثنياً على إقامة برنامج «نافذة من فلسطين» في هذا التوقيت.

وكشف المهندس سميح ساويرس، رئيس مجلس إدارة المهرجان خلال كلمته، أنه كان يهاب إقامة هذه الدورة، لكن بعد ما شاهده في حفل الافتتاح من إنجاز شعر بسعادة كبيرة، متمنياً أن تقام الدورة المقبلة في ظروف أفضل.

محمود حميدة خلال كلمته في افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

كما احتفى المهرجان بمرور ستين عاماً على إنشاء معهد السينما في مصر عبر كلمة ألقاها الدكتور مختار يونس الأستاذ بمعهد السينما، موجهاً التحية لروح الفنان أشرف عبد الغفور الذي رحل قبل أيام. وقدم الفنان محمد فراج التكريم لاثنين من أهم فناني الكلاكيت في مصر، هما خيري فرج ومحمد كيلاني.

واختتم الحفل بعرض الفيلم المصري القصير «60 جنيه» للمخرج عمرو سلامة، الذي عرض لمدة 18 دقيقة، ويحكي قصة مراهق موهوب يعيش في فقر مع والدته وشقيقه المعاق، وعبر أحلام اليقظة الموسيقية نكتشف سراً غامضاً تتورط فيه العائلة، وهو من بطولة مغني الراب زياد ظاظا الذي استوحى سلامة قصة الفيلم من أغنيته.

ووصف المخرج عمرو سلامة الفيلم بأنه «تجربة إبداعية مختلفة»، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنه «صنعه لتقديم تجربة فنية دونما قيود تجارية أو تسويقية»، موضحاً: «سمعت أغنية زياد وحكايته وجلست معه فتحمست له كثيراً، آملاً أن تصدق الناس هذه التجربة وتحبها».


مقالات ذات صلة

إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

شمال افريقيا وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)

إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

أرسلت إيران إشارات جديدة تستهدف تعزيز مسار «العلاقات الاستكشافية» مع مصر، بعدما أجرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، جولة داخل مساجد «آل البيت» في القاهرة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)

اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

بعض التصريحات التي تدلي بها الفنانات المصريات لا تتوقف عن تجديد الجدل حولهن، وإثارة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بتفاصيل حياتهن الشخصية.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تمثال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة (الشرق الأوسط)

حفل لإحياء تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب بالأوبرا المصرية

في إطار استعادة تراث كبار الموسيقيين، وضمن سلسلة «وهّابيات» التي أطلقتها دار الأوبرا المصرية، يقام حفل لاستعادة تراث «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب.

محمد الكفراوي (القاهرة )
شمال افريقيا صورة جماعية لقادة قمة «الدول الثماني النامية» داخل القصر بـ«العاصمة الإدارية» (الرئاسة المصرية)

مصر: «العاصمة الإدارية» تنفي بناء قصر الرئاسة الجديد على نفقة الدولة

أكد رئيس مجلس إدارة شركة «العاصمة الإدارية الجديدة» أن «خزانة الدولة لم تتحمل أي أعباء مالية عند بناء القصر الجديد».

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس السيسي في لقاء سابق مع الرئيس الأميركي جو بايدن وأنتوني بلينكن (أ.ف.ب)

صفقة سلاح أميركية جديدة لمصر تعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين

أعلنت الحكومة الأميركية أنها وافقت على بيع معدات عسكرية لمصر تفوق قيمتها خمسة مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

مسلسل «مئة عام من العزلة» يعيد إحياء تحفة غابرييل غارسيا ماركيز الأدبيّة (نتفلكس - أ.ب)
مسلسل «مئة عام من العزلة» يعيد إحياء تحفة غابرييل غارسيا ماركيز الأدبيّة (نتفلكس - أ.ب)
TT

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

مسلسل «مئة عام من العزلة» يعيد إحياء تحفة غابرييل غارسيا ماركيز الأدبيّة (نتفلكس - أ.ب)
مسلسل «مئة عام من العزلة» يعيد إحياء تحفة غابرييل غارسيا ماركيز الأدبيّة (نتفلكس - أ.ب)

منذ اللحظة التي حصلت فيها «نتفليكس» على حقوق تصوير رواية «مائة عام من العزلة»، أدركت أنه لا يمكنها العبث بإرثٍ ثمين كهذا الإرث الذي تركه غابرييل غارسيا ماركيز.

يوم عرض المنتج الأميركي هارفي واينستين على الأديب الكولومبي عام 1994 تحويل تحفته إلى فيلم هوليوودي، أجابه ماركيز: «وحدها مائة ساعة سينمائية ربما تَفي هذه الرواية حقّها». تراجعَ واينستين أمام عناد ماركيز وشروطه التعجيزيّة، ورحل الأخير عام 2014 ليوافق ولداه رودريغو وغونزالو (بعد 5 سنوات) على تنفيذ المشروع، بالتعاون مع المنصة العالمية.

الكاتب الكولومبي الحائز على نوبل الآداب غابرييل غارسيا ماركيز (أ.ب)

بـ16 حلقة، مدّة كلٍ منها ساعة، وبفريق عمل كولومبي مائة في المائة، وباللغة الإسبانية، بدأ عرض الحلقات الـ8 الأولى من المسلسل، الذي أشرف على تفاصيله وريثا ماركيز بصفة منتجَين منفّذَين، اشترطا على «نتفليكس» أن يجري التصوير في كولومبيا، وأن يفي النص لروح الرواية، فينطق بالإسبانية. أما الممثلون فهم جميعاً كولومبيون.

ينتمي العمل إلى فئة الواقعيّة السحريّة، أي أنّ الخيال والحقيقة يتداخلان من دون أي خيطٍ رفيعٍ فاصلٍ بينهما، فيبدو السحر جزءاً طبيعياً من السرديّة. ولو قُدّر لماركيز أن يكون حياً ويتابع المسلسل، فإنّه على الأرجح كان سيبتسم إعجاباً بصورة عالية الجاذبيّة وبأداءٍ تمثيلي خارق، أخلصا لروايته المدهشة.

«بعد سنواتٍ كثيرة، وبينما كان يواجه فرقة الإعدام، عاد الكولونيل أوريليانو بوينديا بالذاكرة إلى تلك الظهيرة البعيدة، عندما أخذه والده لاكتشاف الثلج». بتلك العبارة الشهيرة، يُفتَتح المسلسل لتنطلق رحلة 7 أجيال من سلالة بوينديا. بدءاً بالوالد المؤسس خوسيه أركاديو وزوجته أورسولا، وصولاً إلى أحفاد الأحفاد الذين يحملون الأسماء واللعنات ذاتها.

في منتصف القرن الـ19، ومن قريتهما، حيث اعترضت العائلة على ارتباطهما خوفاً من غضب القدَر، ينطلق خوسيه أركاديو وأورسولا إلى بقاع كولومبيا الشاسعة. ترافقهما في الرحلة مجموعة من شبّان البلدة وشاباتها، فيؤسسون معاً بلدة ماكوندو المتخيّلة. في ذلك المكان الذي يشبه مجسّماً صغيراً للبشريّة بجمالها وبشاعتها، بيوميّاتها الاعتياديّة وغرائبها، بخَيرها وشرِّها، تكبر عائلتهما وعائلات رفاقهما، لتتحوّل القرية الصغيرة تدريجياً إلى بلدة معروفة ومقصودة، إنما مسحورة في الوقت عينه.

خوسيه أركاديو بوينديا باحثاً عن مكان في أراضي كولومبيا الشاسعة لتأسيس بلدة "ماكوندو" (نتفليكس)

ليس شبح الرجل الذي قتله خوسيه أركاديو في بداية القصة، والعائد أبداً لزيارته وزوجته، المتخيَّل الأول والأخير. ستدخل إلى ماكوندو مجموعة كبيرة من الغجر الذين سيجلبون معهم كثيراً من الغرائب والعجائب والظواهر غير المألوفة. يقع أركاديو في شَرَك ما ورائياتهم وألاعيبهم وعلم الفلك والخيمياء، فيصبح حبيس مختبره مستطلعاً النجوم والكواكب، ومحاولاً تحويل الحديد إلى ذهب. فيما أورسولا تصنع الحلوى لتبيعها وتعيل العائلة.

تنطلق الحكاية من زواج خوسيه أركاديو بوينديا وأورسولا إيغواران والذي يثير حفيظة عائلتهما وغضب القدر (نتفليكس)

لا تجتاح الغرائب ماكوندو عبر سيّد الغجر ملكياديس الذي يعود من الموت فحسب، بل تدخلها كذلك مع ريبيكا، الطفلة ذات العينَين الجاحظتَين. تطرق باب الثنائي بوينديا حاملة عظام والدَيها في كيسٍ يهتزّ وحده بين الفينة والأخرى، وتأكل التراب من الحديقة كلّما ساورتها نوبة حزن أو غضب.

على كثرتها، لا تبدو الغرائب وكل الظواهر الخارجة عن الطبيعة نافرة. فهي، وكما آمنَ بها ماركيز، جزءٌ لا يتجزَّأ من معتقدات شعوب أميركا اللاتينيّة والأساطير التي آمنت بها.

ينسحب الأداء الآسر على الممثلين الأطفال على رأسهم شخصية «ريبيكا» على يمين الصورة (إنستغرام)

كذلك يأتي الواقع ليطرق باب ماكوندو. يزورها على هيئة حكايات عشقٍ تقلب حياة أولاد خوسيه أركاديو وأورسولا رأساً على عقب، أو على هيئة قاضٍ آتٍ ليفرض القانون بواقعيّة المدن المتحضّرة. كما تدخل السياسة إلى البناء الدرامي، بصراعاتها وانتخاباتها ودمويّتها الزائدة عن حدّها أحياناً في المسلسل.

بين الواقع والخيال، لا بدّ من أن يقع المُشاهد في حب عملٍ تلفزيوني لا يقتصر تَميُّزُه على ضخامة الإنتاج (إحدى أكبر الميزانيّات الإنتاجيّة في تاريخ المنصة)، ولا على استلهامِ روح ماركيز وإحدى أجمل رواياته على الإطلاق، بل على كونِه تُحفة بصريّة لا تبالغ في توظيف العناصر الخياليّة ولا تضخّم الرموز والفانتازيا، فلا تشعر العين بالتخمة أو بالاشمئزاز.

ملصق المسلسل الكولومبي المؤلّف من 16 حلقة (نتفليكس)

لإضفاء مزيدٍ من عناصر الإقناع والبساطة إلى مشاهد السحر وكل ما هو خارق للطبيعة، تجنَّب فريق الإنتاج قدر المستطاع الاعتماد على المؤثّرات البصريّة بواسطة الكومبيوتر. في مشهد الكاهن الذي يرتفع عن الأرض مثلاً، جرت الاستعانة بحبالٍ ورافعة. أما آلاف الأزهار التي انهمرت من السماء في مشهدٍ آخر، فكلّها حقيقية، ولم تتكاثر بواسطة التكنولوجيا.

تجنّب فريق المسلسل الإكثار من العناصر البصريّة المصنوعة عبر الكمبيوتر (نتفليكس)

من دون أن يتحوّل إلى ترجمة حرفيّة للرواية الأصلية، أخلصَ مسلسل «مائةُ عامٍ من العزلة» لروحِ كِتاب ماركيز. أخذ خيالَ المؤلّف الكولومبي على محمل الجدّ، منحَه قيمة وبرعَ في إقناع المُشاهد به. بدا المسلسل لصيقاً بالأرض، بواقعيّتها وطبيعتها، على الرغم من امتلائه بمحرّكات المخيّلة. يمكن القول إنه من بين أفضل الإنتاجات الدراميّة التي نجحت في التعامل مع الواقعيّة السحريّة. وقد فرض العمل نفسه في صدارة مسلسلات 2024، مغرّداً في الوقت نفسه خارج سرب باقي الإنتاجات؛ إذ إنه لا يشبهها بشيء، لا شكلاً ولا مضموناً.

يحلّق المسلسل فوق الحقبات العابرة على ماكوندو، من خلال نقلاتٍ زمنية سلسة وسريعة لا تُغرق المُشاهد في الملل؛ كأن تعبرَ سنواتٌ بثوانٍ بصريّة ممتعة. لا يُفقد هذا الأمر النص بلاغتَه ولا القصة تفاصيلها المزخرفة بعناية. وما يساعد في ذلك، الأداء الآسر لممثلين كولومبيين غير معروفين عالمياً، إنما على مستوى عالمي من البراعة؛ على رأس هؤلاء مارليدا سوتو بدَور أورسولا، وكلاوديو كاتانيو بشخصية أوريليانو بوينديا.

قدّمت الممثلة مارليدا سوتو أداءً استثنائياً لشخصية أورسولا (نتفليكس)

لم تعلن «نتفليكس» بعد عن تاريخ عرض الجزء الثاني من المسلسل، لكن لا بدّ من فسحة يلتقط فيها الجمهور أنفاسه قبل خوض القسم الثاني من الحلم المثير للدهشة.

ووفق المعلومات، فإنّ الآتي سيحافظ على المستوى ذاته من الإدهاش. مع العلم بأنّ التصوير جرى في مكانٍ قرب ألفارادو في كولومبيا؛ حيث بُنيَت 4 نُسَخٍ من بلدة ماكوندو، تجسيداً لعبور الزمن على أجيال عائلة بوينديا.

أما المستفيد الأكبر من هذه الحركة الإنتاجية، فهم أهالي المنطقة والاقتصاد الكولومبي عموماً، الذي عاد عليه هذا النشاط بـ52 مليون دولار.