هل تجذب أضواء المدن الطيور المهاجرة؟

الضوء الاصطناعي في المدن وتأثيراته في الطيور المهاجرة (سايتك ديلي)
الضوء الاصطناعي في المدن وتأثيراته في الطيور المهاجرة (سايتك ديلي)
TT

هل تجذب أضواء المدن الطيور المهاجرة؟

الضوء الاصطناعي في المدن وتأثيراته في الطيور المهاجرة (سايتك ديلي)
الضوء الاصطناعي في المدن وتأثيراته في الطيور المهاجرة (سايتك ديلي)

وجدت دراسة أميركية أن الضوء الاصطناعي في المدن «يمكن أن يشكل تهديداً خطيراً ومتنامياً للطيور المهاجرة أثناء رحلاتها السنوية». وأوضح الباحثون خلال دراسة نُشرت نتائجها، الاثنين، في دورية «نيتشر كوميونيكيشنز» أن «أضواء المدينة تجذب الطيور المهاجرة إلى ما يمكن أن يكون فخاً بيئياً يهدد حياتها».

وتعد الهجرة وقتاً محفوفاً بالمخاطر ومرهقاً في حياة الطيور. وتهاجر الطيور من مئات إلى آلاف الأميال، وفي بعض الأحيان تحرق نصف كتلة جسمها على طول الطريق. ويعد العثور على مكان جيد للراحة والتزود بالغذاء أمراً بالغ الأهمية للطيور المهاجرة للبقاء على قيد الحياة بمجرد وصولها إلى وجهتها.

ووفق الفريق، نفق ما يقرب من 1000 طائر في الفترة من 4 إلى 5 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما اصطدمت بمبنى زجاجي مضاء في شيكاغو بالولايات المتحدة. وتشير التقديرات إلى أن «ما يقرب من مليار طائر يصطدم بالمباني في أميركيا سنوياً».

ولرصد النتائج، جمع الباحثون أكثر من 10 ملايين ملاحظة رادارية لمحاولة تفسير سبب اختيار الطيور الراحة في المكان الذي تعيش فيه. ومن بين 49 عاملاً، كان التلوث الضوئي هو المؤشر الرئيسي للتأثير البشري على هجرة الطيور، لأنه يسهم في توقفها خلال رحلاتها، وتعريض حياتها للخطر عبر اصطدامها بالمباني.

كما وجد الباحثون أن الضوء الاصطناعي يجعل الطيور المهاجرة تنجذب أكثر إلى المدن التي تفتقر إلى الموائل الطبيعية، وندرة الغذاء، ومزيد من الناس والقطط، وهذا يمكن أن يجعل المدن ليست محطات استراحة مثالية للطيور المهاجرة.

ومن جانبه، قال الباحث المشارك في الدراسة بقسم الجغرافيا والبيئة والعلوم المكانية بجامعة ولاية ميتشيغان الأميركية، الدكتور جيفري هينبري لـ«الشرق الأوسط»: «دراستنا أثبتت أن المناطق المضاءة في المدن قد تكون بمثابة مصائد بيئية على نطاق واسع تزيد من وفيات الطيور أثناء الهجرة».

وأضاف: «هناك نحو 500 نوع من الطيور المهاجرة في أميركا الشمالية، وانجذاب المليارات من الطيور المهاجرة للمدن يشكل خطراً على حياتها، لأن المدن تفتقر إلى الموائل الطبيعية التي تلعب دوراً مهماً في بقائها على قيد الحياة، مثل الغابات والسهول والأراضي الرطبة والسلاسل الجبلية والصحاري، التي توفر للطيور الغذاء والمأوى والراحة أثناء هجرتها».

وأشار هينبري إلى أن النتائج تنبه إلى ضرورة البحث عن حلول لهذه المشكلة، من بينها تقليل سطوع الأضواء وتخفيف لون الأضواء، حيث إن الأضواء البيضاء أو الزرقاء الساطعة هي الأسوأ بالنسبة للحياة البرية، في حين أن الألوان الدافئة، مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر أقل جاذبية.


مقالات ذات صلة

ترمب يواجه تحدي توحيد صفوف الجمهوريين في ظل غالبية ضئيلة

الولايات المتحدة​ دونالد ترمب (رويترز)

ترمب يواجه تحدي توحيد صفوف الجمهوريين في ظل غالبية ضئيلة

قبل أسبوعين فقط من تنصيبه، سيتعين أولاً على الرئيس المنتخب دونالد ترمب أن يوحّد الصفوف في ظل غالبية جمهورية ضئيلة تعاني انقسامات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

ترمب ينشر مقطع فيديو يتضمن شتائم نابية بحق نتنياهو

نشر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مقطع فيديو مثيراً للجدل تضمَّن شتائم نابية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الحادث أصبح أكثر تعقيداً بسبب حقيقة أن المهاجمين كانوا من الماشية وليسوا حيوانات أليفة (رويترز)

تناولتها جزئياً... امرأة أميركية تُقتل على يد خنازير جارها

تعرَّضت امرأة من ولاية أوهايو الأميركية للهجوم والقتل والأكل الجزئي في منزلها من قبل خنازير جارها في يوم عيد الميلاد، وفقاً للشرطة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ خلال زحمة سير في أحد شوارع حي مانهاتن بمدينة نيويورك الأميركية في 11 يناير 2018 (أ.ب)

نيويورك تبدأ فرض «رسوم الزحام» على السيارات في مانهاتن

بدأت مدينة نيويورك تنفيذ برنامج رسوم الزحام وهي أول مدينة أميركية تطبق هذا النظام الذي يفرض رسوماً على السائقين الذين يدخلون بسياراتهم إلى «منطقة تخفيف الزحام».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ صورة ملتقطة في 26 فبراير 2019 تظهر أشخاصاً يسيرون عبر ساحة جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور بالولايات المتحدة (أ.ب)

تسوية بين وزارة التعليم الأميركية وجامعة جونز هوبكنز بعد شكاوى تمييز ضد عرب ويهود

عبَّرت وزارة التعليم الأميركية عن مخاوفها من التمييز الذي يتعرَّض له أفرادٌ من أصول عربية ويهودية في جامعة جونز هوبكنز، وتوصلت إلى تسوية مع المؤسسة لحل الشكاوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)
ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)
TT

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)
ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

أعقاب سجائر يصل عددها إلى 4213، مَمالح لا تُحصى، عبوات مشروبات غازية، فناجين قهوة تجمّدَ فيها البنّ والزمن... هذا بعضٌ ممّا يجدُه الزائر في «متحف البراءة» في إسطنبول. المكان الذي أسسه الكاتب التركي أورهان باموك، خارجٌ عمّا هو مألوف في عالم المَتاحف. هنا، لا لوحات ولا منحوتات ولا أزياء تراثيّة، بل تأريخٌ للحياة اليوميّة العاديّة في إسطنبول ما بين سبعينات وتسعينات القرن الماضي.

لا بدّ للآتي إلى هذا المكان أن يكون قد قرأ رواية «متحف البراءة» لباموك، أو على الأقل سمع عنها. ففي زقاق شوكوركوما المتواضع الواقع في منطقة بيوغلو، لا شيء يوحي بأنّ ذلك المبنى الصغير المطليّ بالأحمر هو في الواقع متحفٌ يخبّئ في طبقاته الـ4، الكثير من تفاصيل حياة الأتراك على مدى 3 عقود.

يقع متحف البراءة في منطقة بيوغلو في إسطنبول (الشرق الأوسط)

فراشة تستقبل الزائرين

يكفي أن يحمل الزائر نسخةً من الرواية حتى يجول مجاناً في المتحف. حرُصَ باموك على أن تضمّ إحدى صفحات الكتاب بطاقة دخول للقارئ، موجّهاً إليه بذلك دعوةً لزيارة المتحف إذا حطّت به الرحال في إسطنبول. بخَتمٍ يحمل رسمَ فراشة تُدمَغ البطاقة، لتبدأ الجولة بأول غرضٍ معروض وهو قرط أذن على شكل فراشة. يقفز إلى الذاكرة فوراً الفصل الأول من الرواية، يوم أضاعت المحبوبة «فوزون» أحد أقراطها عند بطل القصة «كمال»، فاحتفظ به كما لو كان كنزاً، مثلما فعل لاحقاً مع كل غرضٍ لمسَ «فوزون» أو وقع في مرمى نظرها.

صفحة من رواية «متحف البراءة» تمنح الزائر بطاقة دخول إلى المتحف (الشرق الأوسط)

في متحف الحب

تتوالى الواجهات الزجاجية الـ83 بمنمنماتها وأغراضها، لتعكسَ كلُ واحدة منها فصلاً من فصول الرواية. لا يكتفي المتحف بتوثيق أنثروبولوجيا إسطنبول فحسب، بل يؤرّخ لحكاية الحب الأسطورية التي جمعت بين الرجل الأرستقراطي صاحب المال وقريبته الشابة المنتمية إلى الطبقة الفقيرة.

لعلّ ذلك الحب الجارف بين «كمال» و«فوزون» هو أبرز ما يدفع بالزوّار من حول العالم إلى أن يقصدوا المكان يومياً بالعشرات. يصعدون السلالم الخشبية، يجولون بين الطبقات الضيّقة، يتوقّفون طويلاً أمام الواجهات الزجاجية الصغيرة التي تحوي ذكريات المدينة وإحدى أجمل حكاياتها. منهم مَن أتى من الصين، ومنهم مَن قصد المكان ليُعدّ بحثاً جامعياً عنه، وما بينهما شابة مولَعة بالرواية تصرّ على التقاط صورة في كل زاوية من زوايا المتحف.

في المتحف 83 واجهة زجاجية تختصر كل منها فصلاً من الرواية (الشرق الأوسط)

رواية في متحف ومتحف في رواية

لمعت الفكرة في رأس أورهان باموك في منتصف التسعينات. قرر أن يجمع أغراضاً ليبني منها رواية تصلح أن تتحوّل متحفاً. سار المشروعان التوثيقي والأدبي بالتوازي، فأبصرت الرواية النور عام 2008، أما المتحف فافتُتح عام 2012 نظراً للوقت الذي استغرقه إعداده. ليس كل ما في المكان مقتنيات خاصة اشتراها باموك من محال التحَف العتيقة في إسطنبول وحول العالم، فبعض ما تُبصره العين في المتحف الذي يفوق عدد معروضاته الألف، استقدمَه الكاتب من منازل أقرباء وأصدقاء له.

استقدم باموك بعض الأغراض المعروضة من بيوت أقرباء وأصدقاء له (الشرق الأوسط)

استثمر الأديب التركي الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 2006، ماله ووقته في مشروعه، وهو أول متحفٍ في العالم خاص برواية. في المرحلة الأولى، بدأ بتجميع الأغراض. ثم ابتاعَ مبنى صغيراً مؤلفاً من 4 طبقات وعائداً إلى القرن الـ19.

بالموازاة، كانت مخطوطة «متحف البراءة» قد بدأت سلوك الخط الروائي الذي قرره لها باموك، أي الدوَران حول شخصيتَيها الأساسيتَين الطالعتَين من بنات أفكاره. في القصة المتخيّلة، يدعو البطل «كمال» الكاتب أورهان باموك إلى تدوين سيرته. يخبره كيف أنه جمع كل غرض يذكّره بـ«فوزون»، كما كان يسرق بعض مقتنياتها كأمشاط الشعر والحليّ وقطع الملابس وغيرها من الأغراض الشخصية. في الرواية، وبعد أن يخسر «فوزون» إلى الأبد، يشتري «كمال» المنزل الذي قطنت فيه المحبوبة مع والدَيها، ليقيم فيه ويحوّله إلى متحفٍ يحيي ذكراها.

أمشاط الشعر العائدة إلى بطلة الرواية «فوزون» (الشرق الأوسط)

مؤثرات بصريّة وصوتيّة

من قصاصات الصحف إلى أواني المطبخ، مروراً بالصور القديمة، وساعات اليد، وقوارير العطر، والمفاتيح، وأوراق اليانصيب، وبطاقات الطيران، يتيح المتحف أمام الزائر أن يدخل في الرواية. كما يسمح له بمعاينة قريبة لأسلوب عيش أهل إسطنبول على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ما بين 1975 ومطلع الألفية الثالثة. في «متحف البراءة» يتداخل الخيال بالواقع، ويصبح المتجوّل في الأرجاء جزءاً من اللعبة التي اخترعها أورهان باموك.

يتجاوز عدد المعروضات في متحف البراءة ألف قطعة (الشرق الأوسط)

تخرق صمتَ الزائرين وصوتَ الراوي، مؤثّراتٌ خاصة من بينها فيديوهات معروضة على الجدران تعكس الحقبة التاريخية، وأصوات خرير مياه ونعيق غربان إسطنبول ونَورس البوسفور.

السيّد باموك... مدير المتحف

ليس طَيفا «فوزون» و«كمال» وحدهما المخيّمَين على المكان، فباموك حاضرٌ كذلك من خلال ترجمات الكتاب المعروضة في الطابق السفليّ، وكذلك عبر نبرة الراوي في الجهاز الصوتيّ، الذي يتقمّص شخصية الكاتب. مع العلم بأنّ باموك أشرف شخصياً على تفاصيل المتحف، وحتى اليوم بعض الواجهات الزجاجية فارغة «لأني ما زلت أعمل عليها»، وفق ما يقول الراوي. أما إن سألت موظفة الاستقبال عن هوية مدير المتحف، فستجيب: «السيّد باموك». كيف لا، وهو الذي أنفق 1.5 مليون دولار على تحفته الصغيرة، من بينها جائزة المليون دولار التي حصل عليها من مؤسسة نوبل.

وصلت تكلفة المتحف إلى 1.5 مليون دولار سدّدها باموك من ماله الخاص (الشرق الأوسط)

في غرفة «كمال»

يقول «كمال» في الكتاب: «أذكر كيف كان البرجوازيون في إسطنبول يدوسون فوق بعضهم كي يكونوا أوّل مَن يمتلك آلة حلاقة كهربائية أو فتّاحة معلّبات، أو أي ابتكار جديد آتٍ من الغرب. ثم يجرحون أيديهم ووجوههم وهم يصارعون من أجل تعلّم استخدامها». هذه الطبقيّة ذاتها والفوارق الاجتماعية التي تخيّم على خلفيّة الرواية، هي التي جعلت قصة حب «كمال» و«فوزون» تتأرجح بين الممكن والمستحيل.

الرواية كما المتحف يجمعان السرديّتَين العاطفية والاجتماعية (الشرق الأوسط)

تنتهي الزيارة في الطبقة الرابعة، أو بالأحرى في العلّيّة حيث أمضى «كمال» السنوات الأخيرة من حياته ما بين 2000 و2007، وفق الرواية. هنا، على سريرٍ حديديّ ضيّق كان يستلقي البطل العاشق ويروي الحكاية لأورهان باموك الجالس قبالته على مقعدٍ خشبيّ. لا يضيع شيءٌ من تفاصيل الخاتمة؛ لا ثياب نوم «كمال»، ولا فرشاة أسنانه، ولا الدرّاجة التي أهداها إلى «فوزون» وهي طفلة.

غرفة «كمال» بطل الرواية حيث أمضى السنوات الـ7 الأخيرة من حياته (الشرق الأوسط)

على براءتها وبساطتها، تروي أغراض «متحف البراءة» إحدى أجمل قصص الحب التي أزهرت بين سطور أورهان باموك، وخلّدت في قلب إسطنبول النابض.