لماذا حظي عبد الباسط عبد الصمد بمكانة «خاصة» لدى الملوك والرؤساء؟

عائلته تحيي ذكرى رحيله الـ35

الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (حساب طارق عبد الصمد على فيسبوك)
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (حساب طارق عبد الصمد على فيسبوك)
TT

لماذا حظي عبد الباسط عبد الصمد بمكانة «خاصة» لدى الملوك والرؤساء؟

الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (حساب طارق عبد الصمد على فيسبوك)
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (حساب طارق عبد الصمد على فيسبوك)

من قرية صغيرة في جنوب مصر، انطلق صاحب «الصوت الذهبي» إلى آفاق أرحب بالعاصمة المصرية القاهرة، في بداية خمسينات القرن الماضي، ومنها إلى أنحاء العالم مسجلاً حضوراً لافتاً وبصمة تاريخية، إنه القارئ الراحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الذي تحتفي أسرته بالذكرى الـ35 لرحيله في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1988.

ووفق كتّاب وباحثين فإن الشيخ عبد الصمد الذي لا يزال صوته يحتل مساحة كبيرة في إذاعات القرآن الكريم العربية والفضائيات الدينية، قد حقق ما لم يحققه أي قارئ آخر من شهرة وانتشار حول العالم بفضل حنجرته الذهبية.

ووصفه الأزهر في بيان له الخميس عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك» بأنه «أحد أشهر قرَّاء القرآن الكريم في العالم الإسلامي، وصاحب (الحنجرة الذهبيَّة) الذي جاب بلاد العالم شرقاً وغرباً سفيراً لكتاب الله، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً».

جانب من زيارته لجنوب أفريقيا عام 1966 (حساب طارق عبد الصمد على فيسبوك)

وأحيت عائلة القارئ الراحل ذكرى وفاته الـ35 مساء الخميس، عبر أمسية دينية بمسجد الشاذلية في مدينة القاهرة بحضور محبيه وعدد من المقرئين.

وقال نجله اللواء طارق عبد الصمد لـ«الشرق الأوسط»: «يحضر الاحتفالية عدد من النشء وقارئي القرآن الكريم الذين يسيرون على دربه، ونحن نحتفي بهم ونشجعهم».

ويواظب طارق منذ سنوات على نشر الكثير من القراءات النادرة لوالده عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك» بجانب العديد من صور جولات والده في أنحاء العالم الإسلامي.

ووصف متابعون عبر «السوشيال ميديا» الشيخ الراحل في ذكرى رحيله بأنه «ظاهرة لن تتكرر».

الشيخ عبد الباسط رفقة الشيخ عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر بماليزيا 1981 (حساب طارق عبد الصمد على فيسبوك)

وحظي الراحل بمكانة خاصة لدى عدد من الملوك والرؤساء العرب والمسلمين، وفق اللواء طارق عبد الباسط عبد الصمد، الذي قال في حوار صحافي سابق لـ«الشرق الأوسط»: «والدي كانت له مكانة كبيرة عند كثير من الملوك والأمراء في العالم»، وأشار إلى أن «العاهل المغربي الراحل الملك محمد الخامس كان يعشق سماع صوت والده، إذ عرض عليه أكثر من مرة أن يعيش في المغرب، وأن توفر له كل مقومات المعيشة الكريمة؛ لكنه رفض لحبه لمصر».

ووفق اللواء طارق فإن «الملك المغربي كان يحضر إلى مصر خصيصا ويذهب إلى مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة ليستمع إلى صوت والدي، حيث كانا يجلسان بالمسجد حتى الفجر، كما كان الرئيس الباكستاني ضياء الحق يقدر والدي لدرجة أنه عندما كان يسافر إلى باكستان كان يستقبله في المطار بنفسه ويأخذه من يده من سلم الطائرة وحتى القصر الرئاسي».

وقرأ الشيخ عبد الباسط القرآن الكريم في أشهر وأكبر مساجد العالم، ومن أبرزها المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى بالقدس، والمسجد الإبراهيمي في فلسطين، والمسجد الأموي بدمشق، كما سافر إلى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والهند وروسيا.

الشيخ عبد الباسط عبد الصمد من طنجة بالمغرب 1975 (حساب طارق عبد الصمد على فيسبوك)

سافر الشيخ عبد الباسط المولود في قرية «المراعزة» التابعة لمدينة أرمنت جنوب مصر عام 1927 إلى القاهرة في سن السابعة والعشرين، والتحق بإذاعة القرآن الكريم في نهاية عام 1951م؛ ليبدأ مسيرته القرآنية العالمية، كما عين قارئا لمسجد الإمام الشافعي، ومسجد الإمام الحسين، ويعد الراحل أول نقيب لقراء مصر عام 1984م.

وقال نجل القارئ الراحل إن والده كان يحب لقب «صوت مكة» الذي أطلقه عليه السعوديون عندما قام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة أشهرها التي سجلت بالحرم المكي والمسجد النبوي الشريف في أول زيارة له للمملكة عام 1952 لأداء فريضة الحج بصحبة والده.

جانب من استقبال الراحل مع شيخ الأزهر الأسبق في كلية إسلام كلانج بماليزيا (حساب طارق عبد الصمد على فيسبوك)

وعن سرّ عشق المسلمين والملوك والرؤساء لصوت والده، قال طارق: «أخلص والدي في تلاوة القرآن الكريم فأنعم الله عليه بصوت عذب جميل، فمثلا عندما كان في زيارة لفرنسا لإحياء ليالي رمضان في المركز الإسلامي هناك فقرأ في مسرح (كونجري) واستمع إليه أكثر من أربعة آلاف من الناس فوصفته الصحف الفرنسية بـ(الصوت الأسطوري)، وكذلك عندما كان في زيارة لدولة إندونيسيا احتشد المسجد بالناس وكذلك خارج المسجد لمسافة امتدت كيلومترا».


مقالات ذات صلة

كيف تتغلب على مشاعر القلق؟

صحتك القلق قد يتسبب في مشكلات نفسية وجسدية للشخص (رويترز)

كيف تتغلب على مشاعر القلق؟

يسيطر القلق على أفكار كثير من الأشخاص، إذ يميل البعض إلى توقع حدوث الأحداث المروعة أو الكارثية في المستقبل ويعتقدون أن القلق قد يساعد على منع حدوثها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فريق «سيستيما» يشارك في إحياء «بيروت ترنّم» (بيروت ترنم)

«بيروت ترنم» يفتتح نسخته الـ17 مع موزارت ويختمها مع بوتشيني

يفتتح «بيروت ترنّم» أيامه بأمسية موسيقية مع الأوركسترا اللبنانية الوطنية وتتضمن مقاطع موسيقية لموزارت بمشاركة السوبرانو ميرا عقيقي.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق «الكلب الإسباني» (سوذبيز)

«كلب» من القرن الـ18 بمليونَي إسترليني

المرّة الأخيرة التي أُتيحت للجمهور فرصة مشاهدتها كانت عام 1972 داخل دار «سوذبيز» للمزادات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فرار لم يُوفَّق (أ.ب)

كوري جنوبي تعمَّد اكتساب الوزن للتهرُّب من الخدمة العسكرية

حكمت محكمة في العاصمة الكورية الجنوبية، سيول، بالسجن مع وقف التنفيذ بحق مواطن لإدانته بتعمُّد اكتساب أكثر من 20 كيلوغراماً للتهرُّب من نظام التجنيد العسكري.

«الشرق الأوسط» (سيول)
يوميات الشرق اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)

يوناني في الثمانينات من عمره يبدأ الدراسة بعد حياة كادحة

كثيراً ما كان اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة، لكنه اضطر لترك التعليم عندما كان في الثانية عشرة من عمره لمساعدة والده في العمل.

«الشرق الأوسط» (لندن)

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وسط الأجواء المثقلة بالهموم والخوف أعادت رسالة هاتفية بعض الأمل إلى سكان مدينة بيروت، معلنةً عودة أمسيات «مترو المدينة». يتحدث أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، مع «الشرق الأوسط» عن ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها إلى ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطلَ هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إنْ توقّفت النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إنْ تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة، «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».