معرض «حضور» لرمزي قرنوح نداء للذات والوجود

يستخدم ريشته جرسَ إنذار للتنبه والإدراك

ألوان صارخة تسود لوحاته (الشرق الأوسط)
ألوان صارخة تسود لوحاته (الشرق الأوسط)
TT

معرض «حضور» لرمزي قرنوح نداء للذات والوجود

ألوان صارخة تسود لوحاته (الشرق الأوسط)
ألوان صارخة تسود لوحاته (الشرق الأوسط)

تلهينا الحياة بتفاصيلها الصغيرة، المشكلات والهموم والعلاقات الاجتماعية، ومرات أخرى نذهب إلى أماكن نختارها بأنفسنا، فنتسمّر أمام الشاشة الصغيرة أو نجتمع مع حلقة من الأصدقاء بهدف الترفيه. والأهم هو أننا نبقى في حركة مستمرة للتأكيد بأننا نحيا ونتنفس. في المقابل، نادراً ما نجري وقفة مع الذات، ننساها لأننا منشغلون بأمور كثيرة. من هنا يطرح الفنان التشكيلي رمزي قرنوح سؤالاً وجودياً من خلال معرضه «حضور». ومن خلال لوحات موزعة على صالات غاليري «لاتيلييه» لماهر عطار، يرن قرنوح جرس الإنذار فيشعر زائر المعرض بأن لوحات الرسام اللبناني كأنها تصرخ للفت النظر. تصرخ بألوانها الصاخبة وأشكالها المتشابكة بين الجمال والبشاعة. وبين الفوشيا والأصفر والأخضر والأحمر، وعلى خلفية مساحات واسعة مرات وضيقة مرات أخرى، توجه إليك النداء. فهل أنت جاهز، كي تبدأ الرحلة مع الذات؟

رسالته من خلال المعرض هي «انتبهوا» (الشرق الأوسط)

هكذا ببساطة تبدأ جولتك مع قرنوح الذي يبادرك بسؤال استفهامي: «هل شعرت بجفلة من لوحاتي؟ هذا هو هدفي، لأن هذا الشعور يعني بالنسبة لي التوقف عن الالتهاء، وبمعنى آخر يأخذنا إلى مرحلة الوعي. وكل ما أرغب في إيصاله من خلال لوحاتي هذه، هو القول: انتبهوا».

بالفعل وأنت تتفرج على لوحات معرض «حضور» تسرح في عناوينها. «التحول عن الوهم» و«العودة إلى الحضور» و«التوتر الفضفاض» و«إدراك الكينونة» و«سكون غريب» وغيرها، جميعها يأتي وقعها غير مألوف على نظرك وسمعك. ويوضح قرنوح: «عندما أرسم أنفصل عن الواقع، وأكون في حالة إدراك. ريشتي تمشي وحدها فلا مشاعر أو أفكار مسبقة».

كيف وصل إلى حالة الوجدانية هذه؟ يروي لـ«الشرق الأوسط» بأنه عندما رأى القعر عاد وانتصب، «أدركت أنه باستطاعتي الوقوف والخروج من العتمة. الأمر ليس معقداً كما تعتقدون، بل هو أبسط من ذلك بكثير. وهذه الأمور التي نتلهى بها تُحدث عندنا هذه الحالة من اللاوضوح، فيحل الغباش ليوهمنا بأننا نواكب اللحظة. ولكن فيما لو شعرنا دائماً بحضورنا نبعد عنا هذه الضبابية، فنتوحد بصورة أكبر ونصبح أقوياء بحيث يمككنا إحداث الفارق. سيشعر الإنسان بأنه يعلو عن سطح الأرض 5 سنتيمترات، وهي كفيلة بأن تجعله يحلق ويرى الأمور من منظار آخر».

زاوية من معرض «حضور» في غاليري لاتيلييه بيروت (الشرق الأوسط)

تكمل جولتك في المعرض لتلفتك واحدة من لوحات قرنوح ذات خلفية بيضاء رسم عليها بالأزرق القاتم صورة على شكل حلزوني. «إنها لوحة (العودة إلى الحضور). هي خاتمة اللوحات التي رسمتها من أجل هذا العرض. قرّرت أن أرسمها بلون واحد، وهي تجمع جمال الكون وعناصره الكثيرة من ماء وكواكب وحيوانات ونبات. وإذا ما تمعنّتِ بها جيداً ستلاحظين وجود صورة وحش فيها. ولكن لأن الجمال يطغى دائماً على البشاعة يأخذك المشهد بروعته. فأنا على يقين بأن لا مجال للقبح أو للشر إلا أن ينتصر يوماً».

رمزي قرنوح أمام لوحته «العودة إلى الحضور» (الشرق الأوسط)

«حضور» يُعدّ المعرض الأول لرمزي قرنوح الذي من خلال موضوعه سيكمل مشواره كما يقول. عجقة ألوان وأشكال ووجدانيات تغمر لوحاته كما تطلّ منها الطفولة. ويختم: «كانت طفولتي غنية بلوحات لفتتني حتى في الملجأ أيام الحرب. لم أشأ التخلي عن الطفل في داخلي، وأعمل دائماً على إرضائه ومسايرته».


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

بات «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، يشكل تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق الطبيعة بريشة الفنانة البرازيلية (متحف لوكسمبورغ)

تارسيلا دو أمارال... الفنانة المتمردة التي رسمت البرازيل

يأتي معرض الرسامة البرازيلية تارسيلا دو أمارال، في متحف دوقية لوكسمبورغ، ليشيع دفئاً لاتينياً جنوبياً يأخذ زواره إلى بقاع تحب الألوان الحارة والإيقاعات البدائية

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مشهد من معرض «آدم حنين... سنوات باريس» (مكتبة الإسكندرية)

روائع آدم حنين الباريسية ترى النور للمرة الأولى في مصر

تعكس أعماله الفنّية سمات ميَّزت آدم حنين في التصوير والنحت، إذ تكشف غلبة التجريد على لوحاته التصويرية، وسعيه إلى الوصول نحو آفاق روحية بالغة السمو والإنسانية.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق ضمَّن الفنان السوري محمد حافظ فنّه لوعة تعذُّر النسيان (موقعه الإلكتروني)

«الوطن في حقيبة»... مطالبة فنّية برفع الحظر عن الانتماء

سنوات مرَّت ومحمد حافظ سوريٌّ جداً، في عزّ إمكان بزوغ الخيار الآخر؛ كأنْ يتغاضى مثلاً، أو يُشفى بعض الشيء من مرارة الأوطان. فنُّه عزاء لروحه المشتاقة.

فاطمة عبد الله (بيروت)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
TT

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

يَندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هُوبَال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد فقط، وتحوّل سريعاً إلى «تريند» على شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال مقاطع الفيديو والأحاديث التي تتناول تفاصيل العمل الذي يجمع للمرة الثالثة بين المخرج عبد العزيز الشلاحي والكاتب مفرج المجفل.

يتحدث بطل الفيلم مشعل المطيري، لـ«الشرق الأوسط»، عن السر في ذلك قائلاً: «حين يكون الفيلم مصنوعاً بشكل جيد، فمن المتوقع أن يلقى إقبالاً كبيراً لدى الجمهور»، مشيراً إلى أن «هُوبَال» يحكي قصة إنسانية قريبة للناس، تم سردها في بيئة مغرية وسط الصحراء، مما جعل الكثيرين يتحمسون لمشاهدته.

ويتابع المطيري: «ارتباط الفيلم بالبيئة البدوية جعله جاذباً، ورغم أننا شاهدنا أعمالاً درامية وسينمائية لها علاقة بمجتمعات معينة، فإن البيئة البدوية لم يسبق أن جرى تقديمها بهذا التركيز من قبل، وهذه ميزة زادت من رغبة الناس في مشاهدة العمل». مؤكداً في الوقت نفسه أن الفيلم يناسب جميع أفراد العائلة، وهو ما لاحظه في صالات السينما، التي ضمَّت صغار وكبار السن على حد سواء.

يدور الفيلم حول العزلة في الصحراء والتحديات التي تواجه العائلة بسبب ذلك (الشرق الأوسط)

قصة الفيلم

تدور أحداث فيلم «هُوبَال» في السعودية خلال الفترة التي تلت أحداث حرب الخليج الثانية، ويتناول قصة عائلة بدوية تقرر العيش في عزلة تامة وسط الصحراء جرّاء اعتقاد «الجد ليام»، (إبراهيم الحساوي)، بقرب قيام الساعة بعد ظهور علامات تؤكد مزاعمه.

هذه العزلة تُعرضه لامتحان صعب عندما تصاب حفيدته بمرض مُعدٍ يحتِّم على الجميع عدم الاقتراب منها، الأمر الذي يدفع والدتها سرّاً (ميلا الزهراني) إلى التفكير في تحدي قوانين الجد لإنقاذ ابنتها، وهو ما يصطدم بمعارضة شديدة من زوجها «شنار»، (مشعل المطيري).

سينما الصحراء

ورغم أن العائلة انزوت في الصحراء هرباً من المدينة، فإن مشعل المطيري لا يرى أن «هُوبَال» يأتي ضمن تصنيف سينما الصحراء بالمفهوم الدارج، بل يشير إلى أن له تصنيفاً مختلفاً، خصوصاً أن العمل يتناول فترة التسعينات من القرن الماضي، عن ذلك يقول: «هي فكرة ذكية في توظيف الصحراء في فترة زمنية قريبة نسبياً، كما أن شخصيات الفيلم لم تنقطع تماماً عن المدينة، بل كان بعضهم يرتادها للبيع والشراء، فحياتهم كانت مرتبطة بالمدينة بشكل أو بآخر».

ويشير المطيري هنا إلى أن الصحراء كانت اختياراً في القصة وليست واقعاً محل التسليم التام، مضيفاً أن «المخرج تعامل مع البيئة الصحراوية بدقة كبيرة، من حيث تفاصيل الحياة التي رآها المُشاهد في الفيلم». ويؤمن المطيري بأنه ما زال هناك كثير من الحكايات المستلهَمة من عمق الصحراء وتنتظر المعالجة السينمائية.

مشعل المطيري في دور «شنار» بالفيلم (الشرق الأوسط)

«شنّار بن ليام»

يصف المطيري شخصية «شنار بن ليام» التي لعب دورها بأنه «شخص سلبي، ومخيف أحياناً، كما أنه جبان، وبراغماتي، وواقعي إلى حد كبير مقارنةً ببقية أهله، حيث لم يستطع معارضة والده، وكانت لديه فرصة لعيش الحياة التي يريدها بشكل آخر، كما أنه حاول الاستفادة من الظروف التي حوله». ويرى المطيري أنها من أكثر الشخصيات وضوحاً في النص، ولم تكن شريرة بالمعنى التقليدي لمفهوم الشر في السينما.

ويمثل «هُوبَال» بدايةً قوية للسينما السعودية في مطلع 2025، وهنا يصف المطيري المشهد السينمائي المحلي بالقول: «هناك تطور رائع نعيشه عاماً تلوم آخر، وكل تجربة تأتي أقوى وأفضل مما سبقها، كما أننا موعودون بأعمال قادمة، وننتظر عرض أفلام جرى الانتهاء من تصويرها مؤخراً». ويختم حديثه بالقول: «كل فيلم جيد يسهم في رفع ثقة الجمهور بالسينما المحليّة، وتباين مستوى الأفلام أمر طبيعي، لكن الأهم ألا يفقد الجمهور ثقته بالأفلام السعودية».

تجدر الإشارة إلى أن فيلم «هُوبَال» حقَّق أداءً مميزاً في شِبّاك التذاكر في أول 3 أيام من عرضه، وتجاوزت مبيعات التذاكر 30 ألف تذكرة بإيرادات تُقدّر بأكثر 1.5 مليون ريال سعودي.