أوليفييه سوتون لـ«الشرق الأوسط»: لبنان أرض ولادتي الثانية بعد المسرح

يصف اللبنانيين بالشعب الصلب كسائر الشعوب المحيطة به

مشهد من مسرحيته التي قدمها على خشبة «مونو» في بيروت (مسرح مونو)
مشهد من مسرحيته التي قدمها على خشبة «مونو» في بيروت (مسرح مونو)
TT

أوليفييه سوتون لـ«الشرق الأوسط»: لبنان أرض ولادتي الثانية بعد المسرح

مشهد من مسرحيته التي قدمها على خشبة «مونو» في بيروت (مسرح مونو)
مشهد من مسرحيته التي قدمها على خشبة «مونو» في بيروت (مسرح مونو)

لفت المسرحي الفرنسي أوليفييه سوتون متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات يعبّر فيها عن عشقه للبنان، فهو سبق أن زاره الشهر الماضي ليقدم مسرحيته «فابريس لوشيني وأنا»، ومن ثَمّ عاد مجدداً في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي للغاية نفسها. فمسرحيته لاقت تجاوباً كبيراً من الجمهور اللبناني. وهو ما دفع بمسرح «مونو» لاستضافته مرة جديدة. وعند وصوله إلى لبنان في المرة الثانية أعلن في خاصية «ستوري» عبر حسابه على «إنستغرام» أنه مغرم ببيروت.

مسرحيته «فابريس لوشيني وأنا» لاقت نجاحاً في بيروت (مسرح مونو)

في مسرحيته «فابريس لوشيني وأنا» يقدم سوتون قصة واقعية حدثت معه، فيخبر الجمهور عن لقائه مع هذا الفنان الذي كان معجباً به إلى آخر حد، وكيف تطورت شخصيته ممثلاً مبتدئاً إلى مسرحي. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «إنها قصة حياتي، ومع لوشيني تعلمت كثيراً. وتطلبت مني كتابة هذه المسرحية نحو 7 سنوات. وأعجبني هذا التفاعل الذي زودني به الجمهور اللبناني خلال العرض».

سوتون الذي غادر بيروت مؤخراً لن يطول به الوقت ليعود إليها. «لم أكن لأغادر بيروت لو لم أكن أباً لطفلين يعيشان في فرنسا». سأعود في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لأطّلع على أمور عدة تسهّل عليّ مهمتي في ورشات عمل مسرحية أنظمها في لبنان. وسأعود بعدها إلى هذه الأرض مع نصٍّ أكتبه عن زيارتي لبنان وأقدمه مسرحية على خشبة مونو».

«لمسني الشعب اللبناني عن قرب. إنه منفتح جداً على الآخر وكريم. كنت حزيناً قبل أن آتي إلى بلادكم. ولكنني هنا صرت سعيداً وتغيرت كلياً. فالعلاقات في باريس تُبنى بمجملها على المصلحة الشخصية. هنا تعرفت إلى نفسي وكلّما دخلت إلى أعماقي أدركت أن هذا اللقاء كان لا بدّ أن يحصل».

المسرحي الفرنسي أوليفييه سوتون

عنوان مسرحيته التي يهديها إلى لبنان وأهله كما أسرّ لـ«الشرق الأوسط» هو،«باريسي في بيروت» (Un Parisien a Beirut)، وستُعرض في يوليو (تموز) المقبل  على خشبة مونو، وسأخبر فيها عن حبي للبنان وعن زياراتي المتكررة له».

يصف سوتون حبه للبنان بكلام مؤثر يلامس روح اللبنانيين وقلوبهم. كتب على صفحته «إنستغرام» معرفاً عن نفسه «فرنسي على الورق ولبناني بالقلب».

لقد شعر بولادته الثانية في لبنان كما يقول؛ ويضيف لـ«الشرق الأوسط» موضحاً: «لمسني شعبكم عن قرب. إنه منفتح جداً على الآخر ويتمتع بالكرم. كنت حزيناً قبل أن آتي إلى بلادكم. ولكنني هنا صرت سعيداً وتغيرت كلياً. فالعلاقات في باريس تُبنى بمجملها على المصلحة الشخصية. هنا تعرفت إلى نفسي وكلّما دخلت إلى أعماقي أدركت أن هذا اللقاء كان لا بدّ أن يحصل».

أوليفييه سوتون يحضر لمسرحية تحكي عن لبنان (مسرح مونو)

يصف سوتون اللبنانيين بالشعب الصلب كما باقي الشعوب المحيطة به. «أنتم شعب ينتصب بسرعة ولا يستسلم للألم والوجع والإحباط». ويتابع: «لا أبالغ حين أقول، لدى وقوفي على خشبة المسرح اللبناني، شعرت أنني أقف على أرضي بالتبني».

في زيارة له لإحدى المدارس اللبنانية تفاجأ سوتون بالوطنية التي يتمتع بها تلامذة بأعمار صغيرة. ويستطرد: «أوصيتهم بألا يحملوا الأثقال التي سبق أن حملها أهلهم من قبل، وعليهم أن يتذكّروا أنهم لبنان الغد».

أوليفييه سوتون الذي يدرس فنون المسرح في إحدى جامعات فرنسا، يزود طلابه بنصائح كثيرة، أهمها، بألّا يسمحوا للأوهام بأن تسكنهم. ويتابع: «يواجه فنانو المهنة هذه، مهما علا شأنهم، مطبات تصعد بهم أحياناً وتهبط أحياناً أخرى. ولا بدّ أن يقتنع أصحابها بأن الفقر ليس عيباً». 

ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «لا عدل في هذه المهنة، فقد واجهت بسببها مواقف حرجة، وقدمت مسرحيات أمام 10 أشخاص فقط، ومرات أخرى وقفت أمام المئات. نصيحتي الأهم التي أحب ذكرها دائماً هي، ضرورة ممارسة القراءة بشكل كبير، لأنها الوحيدة التي ستزود فناني المسرح بالمعرفة والحسّ السّليم تجاه أي نص يمثلونه».

خلال زيارته لبنان حضر سوتون مسرحيات لبنانية عدّة. وعلى الرغم من جهله للعربية فقد استمتع بها وتفاعل مع ممثيلها. «لفتني الثنائي فؤاد يمين وسيرينا الشامي في مسرحية (بليلة فيها ضو قمر). لم أستطع فهم ما يُقال على المسرح، ولكنهما طبعا ذاكرتي لمستواهما المسرحي العالي الذي يتمتعان به».

ينصح هواة المسرح بالانكباب على القراءة (مسرح مونو)

يقول إنه عندما غادر لبنان لأول مرة شعر بالحزن تماماً كما هذه المرة. «وقفت أمام عنصر من الأمن العام في قسم الجمارك، وهو يختم جواز سفري، وقلت له بلكنة إنجليزية مكسورة إنني حزين لمغادرتي لبنان». فأجابني بسرعة «إنه أمر طبيعي». أحببت ردة فعله هذه، وأدركت مدى حب اللبنانيين لوطنهم، والعلاقة الوثيقة التي تربطهم به».

ويبادر قائلاً: إنها «ليست مجرد قصة رومانسية عابرة مع لبنان، بل هي بمثابة زواج».

قريباً يعود أوليفييه سوتون إلى لبنان ليوطّد علاقته أكثر برواد المسرح اللبناني ونجومه. ويختم لـ«الشرق الأوسط»: «سأحاول تعلّم العربية لأتمكن من إكمال هذه العلاقة على المستوى المطلوب. وفي مسرحيتي المقبلة في يوليو (تموز) المقبل، سأشكر لبنان على كل ما أعطاني إياه. سيكون نصاً جميلاً وشاعرياً وعاطفياً ويعبر بالفعل عن امتناني الكبير للشعب اللبناني».   


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
TT

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات. كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة، وكل ما تسمعه صدى أزيز حشرة الزيز وأصوات الطيور، الذي يتردد على جوانب الجروف، حسب «بي بي سي» البريطانية .على مدى آلاف السنين، ظل ما يعرف بـ«الحفرة السماوية» أو «تيانكنغ»، كما تُسمى باللغة المندرينية، غير مكتشفة، مع خوف الناس من الشياطين والأشباح، التي تختبئ في الضباب المتصاعد من أعماقها. إلا أن طائرات الدرون وبعض الشجعان، الذين هبطوا إلى أماكن لم تطأها قدم بشر منذ أن كانت الديناصورات تجوب الأرض، كشفت عن كنوز جديدة، وحوّلت الحفر الصينية إلى معالم سياحية. ويُعتقد أن ثلثي الحفر، التي يزيد عددها عن 300 في العالم، توجد في الصين، منتشرة في غرب البلاد، منها 30 حفرة، وتضم مقاطعة «قوانغشي» في الجنوب أكبر عدد من هذه الحفر، مقارنة بأي مكان آخر. وتمثل أكبر وأحدث اكتشاف قبل عامين في غابة قديمة تحتوي على أشجار يصل ارتفاعها إلى 40 متراً (130 قدماً). تحبس هذه الحفر الزمن في باطنها، ما يحفظ النظم البيئية الفريدة والدقيقة لقرون. ومع ذلك، بدأ اكتشافها يجذب السياح والمطورين، ما أثار المخاوف من أن هذه الاكتشافات المدهشة والنادرة قد تضيع إلى الأبد.

بوجه عام، تعد هذه الحفر الأرضية نادرة، لكن الصين، خاصة «قوانغشي»، تضم كثيراً منها بفضل وفرة الصخور الجيرية. جدير بالذكر هنا أنه عندما يذيب نهر تحت الأرض الصخور الجيرية المحيطة ببطء، تتكون كهوف تتمدد صعوداً نحو الأرض. وفي النهاية، تنهار الأرض تاركة حفرة واسعة، ويجب أن يكون عمقها وعرضها لا يقل عن 100 متر حتى تُعدّ حفرة أرضية. وبعض الحفر، مثل تلك التي جرى اكتشافها في «قوانغشي» عام 2022، أكبر من ذلك، مع امتدادها لمسافة 300 متر في الأرض، وعرضها 150 متراً.

من وجهة نظر العلماء، تمثل هذه الحفر العميقة رحلة عبر الزمن، إلى مكان يمكنهم فيه دراسة الحيوانات والنباتات، التي كانوا يعتقدون أنها انقرضت. كما اكتشفوا أنواعاً لم يروا أو يعرفوا عنها من قبل، بما في ذلك أنواع من أزهار الأوركيد البرية، وأسماك الكهوف البيضاء الشبحية، وأنواع من العناكب والرخويات. وداخل محميات من الجروف الشاهقة، والجبال الوعرة، والكهوف الجيرية، ازدهرت هذه النباتات والحيوانات في أعماق الأرض.