لبنان يركض «بقلب واحد» للسلام والإنسان

«ماراثون بيروت الدولي» يؤكد صلابة روح المدينة

تحت شعار «سباق واحد بقلب واحد» توزّع المشاركون على 5 سباقات (فيسبوك الماراثون)
تحت شعار «سباق واحد بقلب واحد» توزّع المشاركون على 5 سباقات (فيسبوك الماراثون)
TT

لبنان يركض «بقلب واحد» للسلام والإنسان

تحت شعار «سباق واحد بقلب واحد» توزّع المشاركون على 5 سباقات (فيسبوك الماراثون)
تحت شعار «سباق واحد بقلب واحد» توزّع المشاركون على 5 سباقات (فيسبوك الماراثون)

صغار وكبار، ومنهم مَن اصطحب كلابه، شاركوا في «ماراثون بيروت الدولي» بنسخته العشرين المصرَّة على الأمل. امتلأت الشوارع بمَن يريدون للصوت أن يصل.

 

لم يكن الغيم الخجول صباح الأحد سوى دمع محبوس يؤجّل ذرفه. بكَّرت المدينة الاستيقاظ، على غير عادتها في أيام العطلة، لاستقبال باحثين عن فسحة. صغار وكبار، ومنهم مَن اصطحب كلابه، شاركوا في «ماراثون بيروت الدولي» بنسخته العشرين المصرَّة على الأمل. نهر بشريّ جارف، كثّف موجَه المتحايلون على واقعهم والقابضون على لحظة انسلاخ عما هو شديد القساوة، لا مفرّ من جرِّه مع كل خطوة. للحياة نداء أيضاً، وفي الداخل إلحاح على الاستجابة.

مشاركة كثيفة تختزل صلابة روح المدينة (فيسبوك الماراثون)

امتلأت الشوارع بمَن يريدون للصوت أن يصل. جمعيات وداعمون، رفعوا شعاراتهم وألبسوا المؤمنين بها قمصاناً تحاكي قضية. الركض محاولة لإطلاق الصوت المكبوت؛ ذلك الغائر في طبقات النفس المظلمة. لذا؛ تُرفع شعارات تتعمّد الشدّ إليها، فيقرأها المارّون ويتوقّفون عند رسائلها. لعلّ إعادة نظر تتحقّق، أو يَحدُث انتباه بعد غفلة.

استراح شاب من ذوي الحاجات الخاصة على حافة قبل الوصول إلى إشارة بلوغ الـ2 كيلومتر في السباق الترفيهي، المُنطلق عند العاشرة صباحاً من واجهة بيروت البحرية. حمل لافتة تقول إنه مصاب بـ«متلازمة داون» وليس «منغولياً»، كما يُشار للشفقة. أراد التصويب لنظرة عادلة. بعضٌ حمل علم فلسطين ومشى لأطفالها. كانت بيروت فضاء التنهيدة والحسرة. حمَّلها سائرون رغبات معلّقة وشكوى الغد الضبابي. مَن رفعوا علم فلسطين، أخبروا غزة أنهم يحبّونها. ومَن فقدوا أقدامهم وجرّوا كراسيهم المتحرّكة، استدعوا العزيمة من حيث لا خفوت ولا أعذار. إرادة هزيمة المِحن.

مؤسِّسة ورئيسة «جمعية ماراثون بيروت» مي الخليل مع إحدى الفائزات (فيسبوك الماراثون)

تُلوّح مؤسِّسة ورئيسة «جمعية ماراثون بيروت» مي الخليل للمارّين بحماسة من منصة بجانب نقطة انطلاق السباق، بينما يعلو صوت الفنان جوزيف عطية بأغنيته الأيقونية من مكبر صوت: «لبنان رح يرجع والحق ما بموت». لمرّات؛ تكررت. كأنها أنشودة زمن الهجرة الجماعية وتسرُّب الإحباط. كل عام، في نوفمبر (تشرين الثاني)، تُحضّر الخليل العاصمة لجَمعة سلام. يُرفع العلم اللبناني إيماناً بوحدة تبدو بعيدة المنال. «الماراثون» لا يملّ من محاولة إعلاء القيم. قد يعرقل ظرف سياسي إمكان جمع اللبنانيين، وهو يفعل. وقد يعمّق الاختلاف في وجهات النظر الشرخ الكبير. يأتي الركض صباح الأحد لإلهاء الواقع كما تلهي الأمهات الأطفالَ بسكاكر ملوّنة. يُسكتن بكاءهم وإلحاحهم على ما قد يتعذّر امتلاكه، كما نُسكت أنين الجرح ونلهيه باقتناص اللحظة.

لبنانيون غنّوا ورقصوا للأمل والحياة (فيسبوك الماراثون)

تحت شعار «سباق واحد بقلب واحد»، توزّع المشاركون اللبنانيون ومن دول عربية وأجنبية على 5 سباقات: الأول للرياضيين، مدّته ساعتان، انطلق في السادسة والربع صباحاً. الثاني طوله 42 كيلومتراً، مدّته 7 ساعات، والثالث نصف ماراثون يمتدّ على 21 كيلومتراً، ومدّته 3 ساعات. السباق الرابع مدّته ساعتان، يركض خلاله المتسابقون 10 كيلومترات بقمصانهم الزرقاء، وهو انطلق في السابعة والنصف صباحاً. الأخير للتسالي والعموم، صحبت به أمهات أطفالهن في عربات، واحتشد بشرٌ من جميع الأعمار لقطع مسافة الـ5 كيلومترات، وعبور منطقة «الزيتونة باي» حيث تستريح اليخوت الفخمة، وصولاً إلى الطريق البحرية؛ فيما وصلت سباقات أطول إلى منطقة ضبية المجاورة للبحر وكورنيشها الحاضن صنّارات صياديها وآمالهم بأن يَعْلق الرزق في الطُعم ويغدو وفيراً.

بارعة بيروت في إعلان الحياة والرقص مع العاصفة. كلما هبَّت وشلّعت، تجد بين ناسها مَن يروّض الريح ويهدّئ جنون الليل. وهي توحي بأنها تجيد البقاء تحت أي ظرف. في «أحد الماراثون»، حضرتْ هذه المدينة برجاء إنسانها أنهما يستحقان استراحة محارب.

فرقة دبكة بين المتسابقين قُبيل خط الانطلاق (فيسبوك الماراثون)

يتكرّر ما فرضته الجائحة هذه السنة أيضاً: التحاق مشاركين من العالم بالسباق افتراضياً، فأُرسلت قمصان وميداليات لـ900 متسابق يمثلون 180 دولة. ثمة دائماً ما يجمع. عن الجَمع، تحدّثت مي الخليل في كلمتها: «(نكون أو لا نكون)، هو القرار، لكن خيارنا دائماً (أن نكون). وها هو سباق (OMT بيروت ماراثون 2023) ضوءٌ وأمل ولقاء رياضي بعنوان السلام والمحبة والوحدة الوطنية». ولأنّ الموقف الإنساني يمليه الضمير، علَت الصرخة: «لا للحرب، ونعم للسلام العادل وحق الشعوب في الحياة».

بينما عناصر «الصليب الأحمر» تهرع لإسعاف مَن تضيق بهم الأنفاس، عزفت فرقة موسيقى الجيش النشيد الوطني، وقدّمت فرقة دير الأحمر للدبكة لوحات تراثية، و«أكاديمية تانيا قسيس» لوحات غنائية، ليرقص الفنان بيار جعجع للحرية والإنسان.

علم فلسطين حضر في شوارع بيروت وسباقاتها (فيسبوك الماراثون)

يلخّص المسؤول الإعلامي لـ«جمعية بيروت ماراثون» حسان محيي الدين لـ«الشرق الأوسط» النتيجة: «أحرز العداء الإثيوبي غاديسا تافا ديكيبا ومواطنته العداءة مولوغوجام برهان أمتي لقب سباق (OMT بيروت ماراثون) لعام 2023، ونالا المركز الأول لفئتي الرجال والسيدات. المشاركة قياسية بلغت 14399 عداء وعداءة يمثلون 105 دول حول العالم، من بينهم 6289 يمثلون المؤسّسات العسكرية والأمنية والمدارس الرسمية وذوي الحاجات الخاصة والمناطق المهمّشة، بعد مشاركة 12 ألف عداء وعداءة من 60 دولة العام الماضي».

يستوقفه الظرف، فيُسعَد بإعلان نجاح الحدث رغم أهواله: «إنجاز السباق هو تأكيدُ إرادة الحياة. تكمن أخطار تُهدّد لبنان وتُدمي فلسطين، ومع ذلك، سجّل (الماراثون) نجاحاً ملحوظاً على مستويات تنظيمية مختلفة. هذا انتصار للسلام مقابل قتل الأطفال في غزة وجنوب لبنان».


مقالات ذات صلة

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
رياضة عربية الفتاة الطموح كانت تقترب من أن تمثل لبنان في منتخبه الوطني وتخوض أولى مبارياتها (أ.ف.ب) play-circle 03:13

سيلين حيدر... أيقونة منتخب لبنان التي دفعت ضريبة الحرب

سيلين حيدر، لاعبة منتخب لبنان للشابات وكابتن فريق أكاديمية بيروت، قصة رياضية شابة خطفتها أقدار الحرب من ملاعبها إلى سرير المستشفى.

فاتن أبي فرج (بيروت )
يوميات الشرق تشبه موضوعاتها المكان وناسه وترسم مواسم الزيتون (آية دبس)

بالجدّات والقطط ومواسم الزيتون... آية دبس ترسم التعلُّق بالمكان

الوفاء للمكان جعل تناوُل إشكالية النزوح الطارئة جراء الحرب، مُلحَّاً. وها هي تحضُر في رسومها، كأنها تتدفّق لتشغل المساحة بمظاهر هذا التدفُّق.

فاطمة عبد الله (بيروت)
خاص بري وهوكستين في عين التينة (د.ب.أ) play-circle 01:06

خاص بري لـ«الشرق الأوسط»: ضمان موقف الإسرائيليين من الاتفاق على عاتق الأميركيين

أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لـ«الشرق الأوسط» أن «الوضع جيد مبدئياً» بشأن المفاوضات للتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار بين لبنان وإسرائيل.

ثائر عباس (بيروت)
العالم العربي جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
TT

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة، وأكد أنه يعود للسينما بأحدث أفلامه «الغربان» الذي قام بتصويره على مدى 4 سنوات بميزانية تقدر بنصف مليار جنيه (الدولار يساوي 49.73 جنيه)، وأن الفيلم تجري حالياً ترجمته إلى 12 لغة لعرضه عالمياً.

وأضاف سعد خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الخميس، أنه يظهر ضيف شرف لأول مرة من خلال فيلم «الست» الذي يروي سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وتقوم ببطولته منى زكي وإخراج مروان حامد، ومن إنتاج صندوق «بيج تايم» السعودي و«الشركة المتحدة» و«سينرجي» و«فيلم سكوير».

وعرض سعد لقطات من فيلم «الغربان» الذي يترقب عرضه خلال 2025، وتدور أحداثه في إطار من الحركة والتشويق فترة أربعينات القرن الماضي أثناء معركة «العلمين» خلال الحرب العالمية الثانية، ويضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين من بينهم، مي عمر، وماجد المصري، وأسماء أبو اليزيد، وهو من تأليف وإخراج ياسين حسن الذي يخوض من خلاله تجربته الطويلة الأولى، وقد عدّه سعد مخرجاً عالمياً يمتلك موهبة كبيرة، والفيلم من إنتاج سيف عريبي.

وتطرق سعد إلى ظهوره ضيف شرف لأول مرة في فيلم «الست» أمام منى زكي، موضحاً: «تحمست كثيراً بعدما عرض علي المخرج مروان حامد ذلك، فأنا أتشرف بالعمل معه حتى لو كان مشهداً واحداً، وأجسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت السيناريو الذي كتبه الروائي أحمد مراد شديد التميز، وأتمنى التوفيق للفنانة منى زكي والنجاح للفيلم».

وتطرق الناقد رامي عبد الرازق الذي أدار الحوار إلى بدايات عمرو سعد، وقال الأخير إن أسرته اعتادت اصطحابه للسينما لمشاهدة الأفلام، فتعلق بها منذ طفولته، مضيفاً: «مشوار البدايات لم يكن سهلاً، وقد خضت رحلة مريرة حتى أحقق حلمي، لكنني لا أريد أن أسرد تفاصيلها حتى لا يبكي الحضور، كما لا أرغب في الحديث عن نفسي، وإنما قد أكون مُلهماً لشباب في خطواتهم الأولى».

عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

وأرجع سعد نجاحه إلي «الإصرار والثقة»، ضارباً المثل بزملاء له بالمسرح الجامعي كانوا يفوقونه موهبة، لكن لم يكملوا مشوارهم بالتمثيل لعدم وجود هذا الإصرار لديهم، ناصحاً شباب الممثلين بالتمسك والإصرار على ما يطمحون إليه بشرط التسلح بالموهبة والثقافة، مشيراً إلى أنه كان يحضر جلسات كبار الأدباء والمثقفين، ومن بينهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما استفاد من تجارب كبار الفنانين.

وعاد سعد ليؤكد أنه لم يراوده الشك في قدرته على تحقيق أحلامه حسبما يروي: «كنت كثيراً ما أتطلع لأفيشات الأفلام بـ(سينما كايرو)، وأنا أمر من أمامها، وأتصور نفسي متصدراً أحد الملصقات، والمثير أن أول ملصق حمل صورتي كان على هذه السينما».

ولفت الفنان المصري خلال حديثه إلى «أهمية مساندة صناعة السينما، وتخفيض رسوم التصوير في الشوارع والأماكن الأثرية؛ لأنها تمثل ترويجا مهماً وغير مباشر لمصر»، مؤكداً أن الفنان المصري يمثل قوة خشنة وليست ناعمة لقوة تأثيره، وأن مصر تضم قامات فنية كبيرة لا تقل عن المواهب العالمية، وقد أسهمت بفنونها وثقافتها على مدى أجيال في نشر اللهجة المصرية.

وبدأ عمرو سعد (47) عاماً مسيرته الفنية خلال فترة التسعينات عبر دور صغير بفيلم «الآخر» للمخرج يوسف شاهين، ثم فيلم «المدينة» ليسري نصر الله، وقدمه خالد يوسف في أفلام عدة، بدءاً من «خيانة مشروعة» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وصولاً إلى «كارما»، وقد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي، وترشح الفيلم لتمثيل مصر في منافسات الأوسكار 2018، كما لعب بطولة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية من بينها «يونس ولد فضة»، و«ملوك الجدعنة»، و«الأجهر»، بينما يستعد لتصوير مسلسل «سيد الناس» أمام إلهام شاهين وريم مصطفى الذي سيُعْرَض خلال الموسم الرمضاني المقبل.