الروائي المصري عبده جبير يترجّل عن «حصانه الخشب» ويغادر

أحد أبرز كتّاب جيل السبعينات اتّسم عالمه بالبساطة والتلقائية

الروائي المصري عبده جبير (صفحته في «فيسبوك»)
الروائي المصري عبده جبير (صفحته في «فيسبوك»)
TT

الروائي المصري عبده جبير يترجّل عن «حصانه الخشب» ويغادر

الروائي المصري عبده جبير (صفحته في «فيسبوك»)
الروائي المصري عبده جبير (صفحته في «فيسبوك»)

ترجّل الروائي المصري عبده جبير عن «حصانه الخشب»، وهو أحد أبرز عناوين مجموعاته القصصية، بعدما غيّبه الموت (الخميس) عن 75 عاماً، إثر صراع مع المرض وعلاج استمر أشهراً في مستشفى قصر العيني بالقاهرة. وشيَّع كتّاب ومثقفون صاحب «في سبيل الشخص» إلى مثواه الأخير (الجمعة) في مسقطه بمدينة إسنا بمحافظة قنا (جنوب مصر).

ولد جبير عام 1948، ويُعدّ من أبرز كتّاب جيل السبعينات في مصر، اتّسم عالمه الروائي والقصصي بالبساطة والتلقائية، واستطاع بلغة سردية مكثفة وكاشفة أن يجسّد في أعماله معاناة الإنسان في مواجهة تقلبات الحياة، منها «فارس على حصان من خشب» (1978)، و«تحريك القلب» (1981)، و«سبيل الشخص» (1982)، و«الوداع تاج من العشب» (1997)، و«مواعيد الذهاب إلى آخر الزمان» (2004)، و«رجل العواطف يمشي على الحافة» (2009) و«عطلة رضوان» (1995)؛ وهذه الرواية قال عنها في حوار مع «الشرق الأوسط»، التي عمل بها لفترة في الثمانينات، إنه تفرّغ لها تماماً وتوقّف عن الكتابة الصحافية لإنجازها. فبعد عودته من الكويت، حيث عَمِل، سافر إلى بورسعيد واخترق عالم التجار وباعة الملابس، واندمج في أعمالهم، ليخرج بعد 5 سنوات بواحدة من أكثر رواياته صدقاً؛ عبّر من خلالها، وفق الناقد أمجد ريان، برهافة عن «الوضع الذي كان المصريون يعيشونه في عالم أصبح بلا مركز».

وقال ريان في قراءته للرواية إنها «تنطوي على طموحات كبيرة، فهي تريد الوصول إلى الكيفيات الكبرى التي تشكل حركة المجتمع الجديد، بحيثياته الحية، وتقاطعاته في الوقت عينه مع التاريخ والتراث، وتريد خلق وعي يشكل موقفاً خاصاً من العالم».

غلاف رواية «تحريك القلب» (صفحة الروائي في «فيسبوك»)

وفور إعلان ابنة الكاتب، لين جبير، خبر وفاته عبر «فيسبوك»، نعاه كثيرون من أبناء جيله وأصدقائه، من بينهم الناقد محمد بدوي الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ «أهم ما في تجربته روح التجريب التي لا تخبو، وقد حاول وضعها في خدمة التعبير عن الواقع، وهي محاولة تنطوي على مفارقة، إذ تبتعد بسرده عن السائد في الكتابة المصرية التي تعتدّ بالوضوح». ويضيف: «في قصصه القصيرة ورواياته يبرز الولع التجريبي بقوة، فترى تأثير جويس وفرجينيا وولف، وربما وليم فوكنر أيضاً».

كان جبير يجيد الإنجليزية، ويسعى إلى الكتابة عما حققته الحداثة الغربية من تعبير عن تعقيد الوجود. ذلك واضح في مجموعته «الوداع تاج من العشب»، وروايته «عطلة رضوان» وكتبه الأخرى، حيث العالم في الخارج شديد الشراسة، لكنه في الداخل بالغ الرهافة والهشاشة. «أبطال جبير رجال صغار وهامشيون، مبعدون عن التيار العام، يحدّقون في داخل أراوحهم ونفوسهم، وقد عبّر عنهم بلغة لم تكن أداة للوصول فحسب، لكنها جوهر الكتابة أيضاً»، وفق بدوي.

غلاف «فارس على حصان من الخشب» (صفحة الروائي في «فيسبوك»)

من جهته، يقول الناقد السينمائي أمير العمري: «صدمني رحيل الصديق القديم من زمن الشباب الأديب المرموق عبده جبير الذي لم أقابله منذ سنوات، وعلمت بمرضه الطويل خلال الفترة الأخيرة، وتألمت كثيراً لغيابه عن الساحة الأدبية في مصر. من أصدق وأنقى مَن عرفت، لم يكن متهالكاً على الجوائز والتكريمات والظهور الرسمي، وظلّ دائماً من قلائل المثقفين المستقلّين عن المؤسسة».

غلاف رواية «عطلة رضوان» (صفحة الروائي في «فيسبوك»)

وفي نعيه له، قالت دار «آفاق» ناشرة أعماله الكاملة، إنه «أحد رواد جيل السبعينات في الرواية والقصة القصيرة».

كانت رواية «قيام الفاكهة» آخر أعماله الأدبية، وصفها جبير نفسه بأنها «أهم أعماله على الإطلاق». وكتب شهادات مهمّة عن نجيب محفوظ، ومحمود درويش، وأمل دنقل، وفرجينيا وولف، ومرغريت دورا، وغابرييل غارسيا ماركيز. ودخل أيضاً عالم الفن، فكتب شهادة مثيرة عن سعاد حسني في كتابَيْه «بفضل كل الخيال» و«أهم أسباب الليل».

وأضافت الدار: «لم يكن جبير مجرّد كاتب يسعى إلى نشر أعماله ومحاكاة القراء فحسب، لكنه أيضاً حلم بإنشاء دار للكتاب العربي يجعل منها منصة للتأكيد على دور زملائه من كتّاب جيله الروائيين وكتّاب القصة».

من جهته، أشار الإعلامي محمد سعيد محفوظ، في نعيه له عبر «فيسبوك» إلى أنّ أحد مشروعاته لخدمة المبدعين، «زاد المسافر»، شكّل حلم الروائي الراحل لاستضافة الكتّاب والفنانين، فأقامه جبير في مدينة الفيوم ببناية صمّمها أحد تلامذة المهندس المعماري حسن فتحي، وخصّصه ليكون محفزاً لهم على الكتابة والإبداع.

يُذكر أنّ ملتقى الشارقة الثقافي كرَّم الراحل في مايو (أيار) الماضي، مع عدد من الكتّاب والمبدعين المصريين في احتفالية أقيمت بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر.


مقالات ذات صلة

مصر تشدد على ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية لاستعادة وضعها في قطاع غزة

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يتحدث خلال مؤتمر حوارات المتوسط ​​في روما بإيطاليا 25 نوفمبر 2024 (رويترز)

مصر تشدد على ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية لاستعادة وضعها في قطاع غزة

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية من استعادة وضعها في قطاع غزة، قائلاً إن مصر ترفض تماماً تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.

«الشرق الأوسط» (روما)
شمال افريقيا اللنش السياحي «سي ستوري» (محافظة البحر الأحمر - فيسبوك)

إنقاذ 28 شخصاً والبحث عن 17 آخرين بعد غرق مركب سياحي في مصر

أفادت وسائل إعلام مصرية، اليوم (الاثنين)، بغرق أحد اللنشات السياحية بأحد مناطق الشعاب المرجانية بمرسي علم بالبحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مقر النيابة العامة المصرية (النيابة العامة)

مصر: رفع أسماء 716 شخصاً من «قوائم الإرهاب»

وفق إفادة للنيابة العامة المصرية الأحد فإن إجراء رفع أسماء مدرجين بـ«قوائم الإرهاب» يأتي في إطار توجه للحكومة المصرية بـ«مراجعة موقف القوائم الإرهابية جميعها»

أحمد إمبابي (القاهرة)
المشرق العربي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)

وزير الخارجية المصري: قد نكون الأكثر تضرراً من التصعيد في البحر الأحمر

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اليوم الأحد، إن مصر قد تكون الأكثر تضرراً بالتصعيد الحالي في البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
شمال افريقيا أحمد رفعت (الشرق الأوسط)

رفع الحصانة عن برلماني مصري في قضية وفاة اللاعب رفعت

وافق مجلس الشيوخ المصري على رفع الحصانة عن النائب أحمد دياب؛ للاستماع إلى أقواله في تحقيقات النيابة العامة بشأن وفاة اللاعب أحمد رفعت.

أحمد عدلي (القاهرة)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
TT

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، «تشريفاً تعتز به»، ومسؤولية في الوقت نفسه، مؤكدة أن «السينما العربية حققت حضوراً جيداً في المهرجانات الدولية». وأشارت، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إلى أنها تنحاز للأفلام التي تُعبر عن أصالة الفكرة وروح المغامرة، منوهة بعملها على فيلمها الطويل الأول منذ 3 سنوات، لكنها لا تتعجّل تصويره؛ كون الأفلام الطويلة تتطلّب وقتاً، ولا سيما الأفلام الأولى التي تحمل تحديات على صُعُد القصة والإنتاج والممثلين، مُشيدة بالخطوات التي قطعتها السينما السعودية عبر أفلام حقّقت صدى محلياً ودولياً على غرار «نورة» و«مندوب الليل».

بدأت هند الفهاد عملها عام 2012، فأخرجت 4 أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات عدة وهي: «بسطة» الذي فاز بجائزة في «مهرجان دبي» 2015، و«مقعد خلفي»، و«ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، و«المرخ الأخير» الذي جاء ضمن فيلم «بلوغ»، وتضمّن 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، وشارك قبل 3 أعوام في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وبين حضورها المهرجان في أحد أفلامها قبل سنوات، ومشاركتها بلجنة تحكيم العام الحالي، ترى هند الفهاد فرقاً كبيراً، موضحة: «أن أكون مشاركة في فيلم ويعتريني القلق والترقب شيء، وأن أكون أحد الأعضاء الذين يُسمّون هذه المشروعات شيء آخر، هذا تشريف ومسؤولية، إذ أشاهد الأفلام بمنظور البحث عن الاختلاف والتميز وأساليب جديدة لصناع أفلام في تناول موضوعاتهم، وأجدني أنحاز للأفلام التي تعبّر عن أصالة الفكرة وتقدم حكاية لا تشبه أي حكاية، وتنطوي على قدر من المغامرة الفنية، هذه من الأشياء المحفزة في التحكيم، وقد ترأستُ قبل ذلك لجنة تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية».

لا تتعجل الفهاد فيلمها الطويل الأول (الشرق الأوسط)

وعن رؤيتها للسينما العربية بعد مشاهدتها أحدث إنتاجاتها في «مهرجان القاهرة»، تقول هند الفهاد: «لا شك في أنها قطعت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة بحضورها في المهرجانات الكبرى؛ لأن لدينا حكايات تخصّنا، وهناك مخرجون ومخرجات أثبتوا حضورهم القوي عبر أفكار وأساليب متباينة، وأنا أقول دائماً إن الفكرة ليست في القصة، وإنما في كيف تروي هذه القصة ليتفاعل معها الجمهور في كل مكان».

وتكشف المخرجة السعودية عن استعدادها لتصوير فيلمها الروائي الطويل الأول الذي تعمل عليه منذ سنوات، قائلة: «كتبته المخرجة هناء العمير، ووصلنا أخيراً لنسخة السيناريو المناسبة، لكن الأفلام الطويلة، ولا سيما الأولى تحتاج إلى وقت للتحضير، خصوصاً إذا كان في المشروع تحديات على صُعُد القصة والممثلين والإنتاج».

وتتابع هند: «لم أحدّد بعدُ توقيت التصوير. وعلى الرغم من أنه مشروعي الأساسي، لكن هناك مشروعات أخرى أشتغل عليها، وفي تعدّدها أضمن استمرارية العمل لأكون حاضرة في المجال، فقد تكون هناك فكرة رائعة، لكن حين تُكتب نكتشف أنه من الصعب تنفيذها، لأسباب عدة».

وعن نوعية الفيلم تقول: «اجتماعيّ دراميّ، تدور أحداثه في غير الزمن الحالي. وانتهت مرحلة تطوير النص لفيلمي القصير، ووصل إلى النسخة المناسبة، وأنا، الآن، أختار أبطاله، وهو يروي حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، وتحمل أوجهاً عدّة، فأنا لا أُعدّ الأفلام القصيرة مرحلة وانتهت، بل أحب العمل عليها بشغف كبير في ظل ما أريده، والمعطيات من حولي وكيف أتقاطع مع هذه الأشياء».

وحاز مشروع فيلمها الطويل «شرشف» على منحة إنتاج من معمل البحر الأحمر، وترى هند الفهاد أن التّحدي الحقيقي ليس في التمويل؛ لأن النص الجيد والسيناريو المكتمل يجلبان التمويل، مُشيدة بتعدّد جهات الدعم في المملكة من منطلق الاهتمام الجاد بالسينما السعودية لتأسيس بنية قوية لصناعة السينما أوجدت صناديق تمويل متعددة.

وعلى الرغم من عمل هند الفهاد مستشارة في تطوير المحتوى والنصوص الدرامية، فإنها تواصل بجدية الانضمام إلى ورش السيناريو؛ بهدف اكتساب مزيد من الخبرات التي تُضيف لها بصفتها صانعة أفلام، وفق تأكيدها.

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

بدأت هند الفهاد مشوارها قبل القفزة التي حققتها صناعة السينما السعودية. وعن ذلك تقول: «كنا نحلم بخطوة صغيرة فجاءنا بحرٌ من الطموحات، لذا نعيش لحظة عظيمة لتمكين المرأة ورعاية المواهب المحلية بشكل عام، وقد كنّا نتطلع لهذا التّحول، وأذكر في بداياتي أنه كان وجود السينما أَشبه بالحلم، لا شك في أن نقلة كبيرة تحقّقت، لكن لا تزال التجربة في طور التشكيل وتتطلّب وقتاً، ونحن مهتمون بتطوير المواهب من خلال مشاركتها في مشروعات عربية وعالمية لاكتساب الخبرات، وقد حقّقت أعمالٌ مهمة نجاحاً دولياً لافتاً على غرار (نورة) و(مندوب الليل)».

وتُعبر هند الفهاد عن طموحاتها قائلة: «أتطلع لأحكي قصصنا للعالم، فالسينما هي الصوت الذي يخترق جميع الحواجز».