ليلة بلا نوم قد توقف نوبات الاكتئاب!

تزيد من إطلاق «الدوبامين» وتساعد على توصيل شبكات الدماغ

يُسبب الحرمان من النوم لليلة واحدة في زيادة إطلاق «الدوبامين» (بابليك دومين)
يُسبب الحرمان من النوم لليلة واحدة في زيادة إطلاق «الدوبامين» (بابليك دومين)
TT

ليلة بلا نوم قد توقف نوبات الاكتئاب!

يُسبب الحرمان من النوم لليلة واحدة في زيادة إطلاق «الدوبامين» (بابليك دومين)
يُسبب الحرمان من النوم لليلة واحدة في زيادة إطلاق «الدوبامين» (بابليك دومين)

معظم الأشخاص الذين أمضوا يوماً ما، الليل كله من دون نوم، على دراية بهذا الشعور: «متعب ولكن مفعم بالحيوية ومتّصل بالعالم من حوله». فرغم إرهاق الجسد، قد يشعر الدماغ بالسعادة وبعض الجنون مع إحساس بالدوار.

مشاعر قد تنتابك عند السهر طوال الليل، في الأعياد أو عند السفر، أو حتى في ليالي الامتحانات الدراسية.

علماء الأحياء العصبية في جامعة نورث وسترن الأميركية، كانوا أول مَن اكتشف الأسباب العلمية التي تقف خلف إنتاج هذا التأثير الشعوري. ووفق الدراسة المنشورة (الخميس) في دورية «نيورون» الشهيرة المعنية بعلوم الأعصاب، يُسبب الحرمان الحاد من النوم لليلة واحدة في زيادة إطلاق «الدوبامين» وتعزيز اللدونة التشابكية بالدماغ، ما يؤدّي إلى إعادة توصيل تشابكاته والحفاظ على الحالة المزاجية المفعمة بالحيوية للأيام التالية.

وفق الدراسة، يمكن لهذه النتائج الجديدة أن تساعد الباحثين على فهم أفضل لكيفية تحوّل الحالة المزاجية بشكل طبيعي. كما يمكن أن تؤدّي أيضاً إلى فهم أكثر اكتمالاً لكيفية عمل مضادات الاكتئاب سريعة المفعول (مثل «الكيتامين») ومساعدة الباحثين على تحديد أهداف غير معروفة سابقاً للأدوية الجديدة المضادة للاكتئاب.

وفي هذا السياق، تقول البروفسورة يفغينيا كوزوروفيتسكي، خبيرة المرونة العصبية، وأستاذة علم الأحياء العصبية المشاركة، في جامعة نورث وسترن، والباحثة بالدراسة: «جرت دراسة فقدان النوم المزمن من قبل بشكل جيد، ووُثِّقت آثاره الضارة على نطاق واسع، ولكن فقدان النوم لفترة وجيزة - مثل ما يعادل سهر الطالب طوال الليل قبل الامتحان – كان أمراً أقل فهماً لدينا».

تضيف لـ«الشرق الأوسط»: «وجدنا أنّ قلة النوم تؤدّي إلى تأثير قوي مضاد للاكتئاب وتعيد توصيل تشابكات الدماغ»، مشددة على أنّ «أنشطتنا غير المعتادة، مثل قضاء ليلة بلا نوم، يمكن أن تغيّر الدماغ بشكل جذري في أقل من ساعات». وتوضح: «حتى الخيارات غير الرسمية التي نتّخذها في الحياة لها تأثير كبير (وسريع!) في أدمغتنا، فيُعاد تشكيل تشابكاتنا العصبية، ما قد يُحدث تغيّرات في الاتصالات بين مليارات الخلايا العصبية في الدماغ».

علامات قلة النوم

أدرك العلماء منذ مدّة طويلة أنّ الاضطرابات الحادة في النوم ترتبط بتغيّر الحالات والسلوكيات العقلية. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدّي تغيّرات النوم وإيقاعات الساعة البيولوجية لدى المرضى إلى الإصابة بالهوس أو في بعض الأحيان، عكس نوبات الاكتئاب.

بدوره، يقول مينغزينغ وو، زميل ما بعد الدكتوراه في جامعة نورث وسترن، والباحث الأول للدراسة: «من المثير للاهتمام أنّ التغيّرات في الحالة المزاجية بعد فقدان النوم الحاد تبدو حقيقية تماماً، حتى في الأشخاص الأصحاء، كما حدث معي ومع كثيرين». ويوضح: «لكن الآليات الدقيقة في الدماغ التي تؤدّي إلى هذه التأثيرات ظلّت غير مفهومة بشكل جيد».

لاستكشاف هذه الآليات، طورّت كوزوروفيتسكي وفريقها تجربة جديدة لتحفيز فقدان النوم الحاد لدى الفئران التي لديها استعدادات وراثية مرتبطة باضطرابات المزاج البشري. وبعد ليلة بلا نوم، تحوّل سلوك الحيوانات ليصبح أكثر عدوانية، واتّسم بفرط في النشاط وزيادة في النشاط الجنسي، مقارنة بالمجموعة الضابطة التي شهدت نوماً نموذجياً في الليل.

وقاس الباحثون نشاط خلايا «الدوبامين» العصبية، المسؤولة عن استجابة الدماغ للمكافأة، فوجدوا أنّ النشاط كان أعلى خلال فترة فقدان النوم القصيرة. تقول كوزوروفيتسكي: «كنا مهتمّين بتحديد مناطق معينة من الدماغ مسؤولة عن التغيّرات السلوكية».

وهي فحصت وفريقها 4 مناطق في الدماغ مسؤولة عن إطلاق «الدوبامين». وبعد مراقبة إطلاقه في هذه المناطق بعد فقدان النوم الحاد، اكتشف الباحثون أنّ ثلاثاً من المناطق الأربع (قشرة الفص الجبهي، والنواة المتكئة، ومنطقة ما تحت المهاد) تورّطت في إنتاج ذلك التأثير.

الباحثون قالوا إنّ السهر المعتاد يضرّ بالصحة (أدوب ستوك)

لكن الفريق أراد تضييق نطاق النتائج بشكل أكبر، لذلك أسكت تفاعلات «الدوبامين» بشكل منهجي. تُعلّق كوزوروفيتسكي: «استمر التأثير المضاد للاكتئاب إلى أن أسكتنا قشرة الفص الجبهي، وهذا يعني أنها منطقة ذات صلة سريرياً عند البحث عن أهداف علاجية تتعلّق بالاكتئاب».

في حين أنّ معظم السلوكيات (مثل فرط النشاط وزيادة النشاط الجنسي) اختفت في ساعات قليلة بعد فقدان النوم الحاد، فإنّ التأثير المضاد للاكتئاب استمر لأيام.

تأثيرات معاكسة

تضيف كوزوروفيتسكي: «إذا كنت تفقد نومك بشكل روتيني، فإنّ التأثيرات المزمنة المختلفة التي قد تحدث ستكون ضارّة بشكل موحّد. ولكن إذا حدث ذلك بطريقة عابرة، فيمكنك أن تتخيّل المواقف التي من المفيد أن تكون في حالة تأهب شديد لفترة من الوقت».

لكنها تحذّر من السهر طوال الليل لإضفاء البهجة على المزاج، وتوضح: «نعلم أهمية النوم الجيد أثناء الليل. أودّ أن أقول إنه من الأفضل أن تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية أو في نزهة لطيفة بدلاً من تعمُّد السهر ليلاً».

تختم: «أثناء تصميم الاستراتيجيات العلاجية للمرضى الذين يعانون اضطرابات المزاج، يجب أن نتذكر أنّ أنماط النوم من المحتمل أن تلعب دوراً رئيسياً، ويمكن أن يكون لها تأثير ضار على فعالية الأدوية أو الأساليب العلاجية، خصوصاً تلك التي تعمل من خلال نظام (الدوبامين)».


مقالات ذات صلة

من الألم إلى الإبداع... كيف يُعيد الفن بناء الذات؟

يوميات الشرق التعافي من مرض مزمن كان تحدياً صعباً لبيثاني ويليامز (غاليري بيثلم)

من الألم إلى الإبداع... كيف يُعيد الفن بناء الذات؟

بيثاني ويليامز استخدمت الفن والطبيعة وسيلة للتعافي وإعادة اكتشاف الذات بعد صراع طويل مع مرض مزمن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فنية تفحص النسيج (متحف بايو)

الخزانة البريطانية تؤمّن «نسيج بايو» التاريخي بـ800 مليون إسترليني

الخزانة البريطانية تؤمّن نسيج بايو التاريخي بـ800 مليون جنيه إسترليني قبل عرضه في المتحف البريطاني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المخرج داود عبد السيد (فيسبوك)

البحث عن الحقيقة المتوارية في أفلام داود عبد السيد

عجز المخرج داود عبد السيد منذ 2022 عن تمويل فيلم جديد، وكان «قدرات غير عادية» (2015) آخر أفلامه قبل اعتزاله.

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))
يوميات الشرق الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)

قرية إيطالية تحتفل بأول مولود منذ 30 عاماً

احتفلت قرية باغليارا دي مارسي وهي قرية ريفية عريقة تقع على سفوح جبل غيريفالكو في منطقة أبروتسو الإيطالية بولادة أول طفلة منذ 3 عقود

«الشرق الأوسط» (روما)
يوميات الشرق يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

اكتشف المؤرخ ديفيد ستيفنسون شارعاً فيكتورياً مدفوناً تحت مدينة بريستول البريطانية يحوي محالاً وأنفاقاً تاريخية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

من الألم إلى الإبداع... كيف يُعيد الفن بناء الذات؟

التعافي من مرض مزمن كان تحدياً صعباً لبيثاني ويليامز (غاليري بيثلم)
التعافي من مرض مزمن كان تحدياً صعباً لبيثاني ويليامز (غاليري بيثلم)
TT

من الألم إلى الإبداع... كيف يُعيد الفن بناء الذات؟

التعافي من مرض مزمن كان تحدياً صعباً لبيثاني ويليامز (غاليري بيثلم)
التعافي من مرض مزمن كان تحدياً صعباً لبيثاني ويليامز (غاليري بيثلم)

في بعض الأحيان، يكون الفن أكثر من مجرد إبداع؛ يكون ملاذاً، وطريقة لاستعادة الذات المفقودة بين الألم والصمت. هذا ما اكتشفته الفنانة الشابة بيثاني ويليامز، التي وجدت في ممارسة الفن وسيلة لإعادة الاتصال بنفسها تدريجياً بعد صراع طويل مع مرض مزمن.

معرضها الأول «هذا المكان البري، المؤلم حدّ الوجع، والجميل»، يعكس رحلتها الشخصية بكل تفاصيلها الدقيقة. المعرض، المعروض حالياً في لندن، ليس مجرد قطع فنية، بل هو سرد حي لتجربة إنسانية عميقة، تحكي قصة الألم، والصبر، والتعافي.

في عام 2013، شُخِّصت ويليامز بـ«الصداع اليومي المستمر الجديد»، مرض يزرع الألم في الرأس والوجه بلا هوادة. وحين دخلت في فترة هدوء مؤقتة، عاد المرض عام 2022 بأعراض أقسى، أجبرتها على ملازمة الفراش لفترة طويلة. عن تلك المرحلة الصعبة تقول: «قضيت عاماً ونصف العام طريحة الفراش، ثم بدأت أتحسن ببطء شديد، وكانت تلك المرحلة بالغة الصعوبة».

المعرض، كما تصفه، هو «رسالة حب إلى الأرض التي احتضنتني، وإلى الألم الذي غيّرني، وإلى نسخة من نفسي لم أكن أتوقع أن ألتقيها يوماً». وخلال تلك الفترة الحرجة، عادت ويليامز، الفائزة مؤخراً بجائزة مجلس الأزياء البريطاني وصندوق فوغ للمواهب الصاعدة، إلى جزيرة مان، لتجد فيها المساحة والوقت لإعادة التواصل مع إبداعها الفني واستعادة توازنها الداخلي؛ وفق «بي بي سي».

رحلتها نحو التعافي كانت مليئة بالتجارب المتنوعة؛ من العمل بالخزف إلى الانغماس في الطبيعة، وهي تقول إن هذه اللحظات «أعادتني إلى ذاتي ببطء». وأضافت: «طورنا في المعرض منحوتات ضوئية، وبما أنني كنت شديدة الحساسية تجاه الضوء، أردت استخدامه كرمز لتقدمي في التعافي».

تصاميمها استُلهمت من المناظر الطبيعية ورحلتها في التعافي (غاليري بيثلم)

المعرض، أول عرض فردي لها، يضم 3 منحوتات ضوئية نسيجية تمثل مراحل التعافي المختلفة، إلى جانب منحوتات بورسلان، ولوحات فنية، وتركيب من الأقمشة، وشاشة خشبية. وتقول ويليامز إن هذه الأعمال تختزل مسيرتها نحو الشفاء، رحلة «مؤلمة إلى حد كبير، لكنها حملت معها دروساً حياتية جميلة للغاية».

إلهامها جاء من الطبيعة الساحرة لجزيرة مان: الأحجار القائمة في العراء، والمرتفعات الشامخة، والأشجار التي شكلتها الرياح العاتية. وأضافت أن المناطق المرتفعة، حيث تنمو ثمار العليق والتنور ونبات الخلنج، كانت بالنسبة لها «منعزلة على نحو جميل».

وعن أسلوبها الفني، تقول: «كنت أسعى لخلق إحساس شبحاني، غامض وجميل في آن واحد، يشبه تلك اللحظة التي يفقد فيها الإنسان ذاته ثم يعود إليها تدريجياً». وختمت: «إنه رسالة حب إلى الأرض التي احتضنتني، وإلى الألم الذي غيّرني، وإلى النسخة من نفسي التي لم أكن أتوقع أن ألتقيها».

يستضيف «غاليري بيثلم» في لندن المعرض حالياً حتى نهاية يناير (كانون الثاني)، وسيُنقل لاحقاً إلى «بيت مانانان» عام 2027، ليبقى شاهداً حياً على رحلة فنانة استطاعت تحويل الألم إلى جمال، والفقدان إلى اكتشاف الذات.


مصر: هروب جماعي لمدمنين يثير تساؤلات بشأن طبيعة عمل المصحّات

جانب من عمليات التفتيش على منشآت علاج الإدمان (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)
جانب من عمليات التفتيش على منشآت علاج الإدمان (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)
TT

مصر: هروب جماعي لمدمنين يثير تساؤلات بشأن طبيعة عمل المصحّات

جانب من عمليات التفتيش على منشآت علاج الإدمان (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)
جانب من عمليات التفتيش على منشآت علاج الإدمان (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)

أثارت واقعة هروب جماعي لعدد من مرضى الإدمان في مصر من داخل إحدى المصحات الخاصة في محافظة الجيزة تساؤلات بشأن بروتوكول العلاج بالمصحات ومدى الالتزام بتطبيق الإجراءات العلمية المتبعة للعلاج داخلها.

وانتشر، الأحد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لهروب جماعي لعدد من المرضى في منطقة المريوطية بالجيزة، مع أحاديث انتشرت عبر هذه المواقع بشأن «سوء معاملة» داخلها، في حين أكدت وزارة «الصحة» المصرية أن المنشأة «غير مرخصة من الأساس، وتمارس نشاطاً غير قانوني عبر انتحال صفة (منشأة طبية)، مع التحرك الفوري لمحاسبة المسؤولين القائمين عليها وإحالة الواقعة للنيابة العامة من أجل غلقها نهائياً».

منشآت غير مرخصة

وأكدت الوزارة تشكيل لجان لتنفيذ حملات تفتيش موسعة على المنشآت الطبية غير المرخصة على مستوى الجمهورية، وبمشاركة المجلس القومي للصحة النفسية والأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، إلى جانب وزارة الداخلية، حيث أسفرت هذه الحملات خلال عام 2025 عن إغلاق مئات المنشآت المخالفة، منها 112 منشأة في 5 محافظات فقط خلال النصف الأول من العام.

وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مشكلات داخل مراكز غير مرخصة، مع تكرار وقائع هروب المقيمين في المراكز غير المرخصة أو الحاصلة على تراخيص قانونية، التي كان منها وفاة شقيق المطرب رامي صبري بعد هروبه من مركز مماثل في المنطقة نفسها في يوليو (تموز) 2021.

توقيع مذكرة تفاهم مع «فياترس» لتطوير مجالات الرعاية الصحية بملف الصحة النفسية (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)

وقالت عضو لجنة الصحة في مجلس النواب، إيرين سعيد، لـ«الشرق الأوسط»، إن الواقعة تفتح الباب أمام تساؤلات عدّة حول غياب الرقابة والتفتيش المستمر على مراكز علاج الإدمان، على الرغم من تعدد الجهات التي يفترض أن تقوم بهذا الدور وفقاً للقانون، مشيرة إلى أن «الحصول على تراخيص لإقامة منشأة طبية أمر يمر عبر جهات عدّة ويستلزم استيفاء شروط وتراخيص قبل البدء في ممارسة عملها».

وأضافت أن «المراكز غير المرخصة والمنتشرة في مواقع كثيرة تفتقد للعديد من الأساسيات الواجب توافرها، ليس بالعلاج فقط، ولكن في توفير الظروف التي يمكن أن تساعد المدمن على التعافي»، مؤكدة أن «هذا الأمر يتطلب تحركاً واضحاً للعمل على إغلاقها وتوفير البدائل، خصوصاً لما يشكله هذا الأمر من خطورة داهمة».

فجوة كبيرة

المدير السابق ومؤسس وحدة الإدمان في مستشفى «العباسية للصحة النفسية»، عبد الرحمن حماد، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك فجوة عالمية بعدد الأسِرّة المتوفرة من أجل معالجة المدمنين على مستوى العالم، وليس في مصر فقط»، مشيراً إلى أن «تجهيز منشأة للعلاج النفسي يتطلب تراخيص من نقابة (الأطباء) و(المجلس القومي للصحة النفسية)، بالإضافة إلى إدارة (العلاج الحر) في وزارة الصحة، وهو أمر لا تلتزم به غالبية المصحات التي تتلقى مبالغ متواضعة مقابل علاج المرضى».

وأضاف أن «هناك مصحات كثيرة لا توفر بيئة علاجية مرتبطة بمكان جيد وطعام مناسب وإشراف طبي ونفسي واجتماعي ورياضي للمريض في رحلته للتعافي»، موضحاً أن «جزءاً من الأزمة يكون مرتبطاً برغبة الأهالي في إدخال مرضاهم لمصحة من أجل تلقي العلاج، وربما صعوبة العثور على مكان في مستشفى حكومي مع وجود حالات انتظار كثيرة يتسبب في إيداعهم بمصحات غير مرخصة».

وتابع أن «علاج الإدمان يتطلَّب معايير متعددة لا تتوافر في المصحات غير المرخصة بشكل كبير»، موضحاً أن «الحملات الرقابية التي ساهمت في إغلاق كثير منها يتم التحايل عليها بإعادة فتحها في مبانٍ جديدة مع سهولة التجهيزات التي تتطلبها من وجهة نظر القائمين عليها، والمرتبطة بتركيب أبواب حديدية وشبابيك مماثلة لمنع المرضى من الهرب».

دار غير مرخصة لعلاج الإدمان بالإسكندرية (الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان)

وهنا يشير أستاذ الطب النفسي جمال فرويز لـ«الشرق الأوسط» إلى المبالغ المالية الكبيرة التي يتطلبها إنشاء مصحة مرخصة وتجعل الشريحة الكبرى من المواطنين غير قادرة على التعامل معها من الناحية المالية، مؤكداً أن «متوسط يوم العلاج في المستشفى وفق المعايير الطبية المطلوبة لا يجب أن يقل عن 8 آلاف جنيه (الدولار يعادل 47.5 جنيه في البنوك) وهو أمر لا يناسب الشريحة الكبرى من المرضى».

طريقة قاسية

وأضاف أن «أسراً كثيرة تلجأ إلى المصحات غير المرخصة التي تتقاضى في المتوسط من الأسرة ما بين 10 إلى 15 ألف جنيه شهرياً، في مقابل احتجازه للعلاج، مؤكداً أن طرق العلاج المتبعة في داخلها تكون قاسية في كثير من الأحيان، وترتكز على منع المدمن من التعاطي، لكن من دون أي اعتبارات أخرى، وهو أمر قد تكون له تداعيات سلبية بشكل كبير على حياته بعد الخروج منها».

ووفق بيانات «صندوق مكافحة الإدمان»، فإن عددَ من تقدموا للعلاج في 2025 بلغ نحو 150 ألفاً، في حين خضع أكثر من ربع مليون فرد للكشف الإداري لبيان مدى تعاطيهم المواد المخدرة من عدمه، فيما يتبنى الصندوق التابع لوزارة «التضامن الاجتماعي» خطة وطنية لمكافحة المخدرات والحدّ من مخاطر التعاطي والإدمان، بدأ تنفيذها في 2024 وتستمر لمدة 4 سنوات.


أغنية «فصلة» تعيد التراث الموسيقي البحريني للواجهة عالمياً

الرابر البحريني حسام عاصم الشهير بـ«فليبراتشي» (إنستغرام)
الرابر البحريني حسام عاصم الشهير بـ«فليبراتشي» (إنستغرام)
TT

أغنية «فصلة» تعيد التراث الموسيقي البحريني للواجهة عالمياً

الرابر البحريني حسام عاصم الشهير بـ«فليبراتشي» (إنستغرام)
الرابر البحريني حسام عاصم الشهير بـ«فليبراتشي» (إنستغرام)

أعاد الرابر البحريني حسام عاصم الشهير بـ«فليبراتشي» التراث الموسيقي البحريني إلى الواجهة العالمية بعد النجاح اللافت الذي حققته أغنيته الشهيرة «فصلة»؛ إذ تصدرت الأغنية قوائم أكثر الأغاني نجاحاً ورواجاً في المنطقة العربية خلال الشهر الحالي عبر منصات «بيلبورد» العربية، في قوائم أفضل 100 فنان، وأفضل 100 أغنية، وأفضل 50 «هيب هوب» عربياً، كما حظيت بانتشار واسع على أبرز المنصات الموسيقية الدولية، من بينها «سبوتيفاي» في الهند التي احتلت قمتها.

صدرت أغنية «فصلة» منتصف عام 2024، من خلال تعاون «فليبراتشي» مع «الدي جي أوتلو»، بهدف مزج التراث الموسيقي البحريني القديم مع الآلات الموسيقية الحية مثل الطبول، إضافة إلى إدخال الآلات الموسيقية الهندية التقليدية، أبرزها آلة الشيناي، ليولد هذا المزج تجربة موسيقية فريدة.

ورغم جودة العمل، فإن الأغنية لم تحقق النجاح إلا في عدة دول خليجية، من بينها الكويت والإمارات والبحرين، إلى أن قرر المخرج الهندي أديتيا دهار استخدامها ضمن فيلمه الجديد «Dhurandhar» أو «البطل»، الذي عُرض في دور السينما الهندية بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

الأغنية حققت نجاحاً لافتاً (إنستغرام)

ويعد فيلم «Dhurandhar» الذي صدر في 5 ديسمبر 2025 أحد أبرز الأعمال السينمائية الهندية في موسم الاحتفالات، وحقق منذ إطلاقه اهتماماً جماهيرياً واسعاً على مستوى الإنتاجات السينمائية لهذا العام. الفيلم من كتابة وإخراج أديتيا دهار، الذي شارك أيضاً في الإنتاج إلى جانب لوكيش دار وجيوتي ديشباندي تحت راية استوديوهات «Jio Studios» و«B62 Studios»، ويعد من الأعمال التي تمزج بين الحركة والتجسس والإثارة، ويضم مجموعة من أبرز نجوم بوليوود، من بينهم رانفير سينغ في الدور القيادي، إلى جانب أكشاي خانا، وسانجاي دوت، وأرجون رامبال.

بوستر الفيلم الهندي (إنستغرام)

وقد أدت هذه الخطوة إلى انفجار شعبي للأغنية على منصات التواصل، ولا سيما «تيك توك»، بعد أن قام عدد من أبرز نجوم السينما الهندية بالغناء والرقص عليها، من بينهم رانفير سينغ، وأكشاي خانا، وسانجاي دوت، وأرجون رامبال، ما ساهم في إعادة تعريف الأغنية لمستمعين عالميين. ولم تُستخدم أغنية «فصلة» في الفيلم لغرض الترويج فقط، بل دخلت في مشهد عفوي ضمن أحداث العمل؛ إذ رقص البطل أكشاي خانا على أنغام الأغنية دون أي تدريب مسبق، مما ساعد في انتشار الأغنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

تصدرت الأغنية منصة «سبوتيفاي» في الهند (إنستغرام)

وعبّر «فليبراتشي» عن سعادته بتصدر موسيقاه لأربع قوائم على «بيلبورد» العربية، واصفاً الإنجاز بأنه «أكثر من مجرد فوز، بل تذكير لبداياتنا في عالم الموسيقى». وقال عبر حسابه الرسمي على «إنستغرام»: «النجاح جاء بعد سنوات من الإيمان والتضحيات والسهر. شكراً لجمهوري، وخصوصاً في الهند، على دعمكم وحبكم الذي جعل الموسيقى تتخطى الحدود واللغات والثقافات»، مضيفاً: «ممتنون، وما زلنا متعطشين، وهذه مجرد البداية. شكراً لأنكم صنعتم التاريخ معنا».

«فليبراتشي» (إنستغرام)

من جانبه، يرى الناقد والمؤرخ الموسيقي فوزي إبراهيم أن «السر الرئيسي وراء نجاح أغنية (فصلة) يكمن في قدرة (فليبراتشي) على مزج أهم الآلات الموسيقية الهندية مع تراث البحرين واليمن الغني بالألحان والمقطوعات الموسيقية».

وقال إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: «التراث اليمني والبحريني غني بالعديد من الأغاني والمقطوعات الرائعة، وأغنية (فصلة) أعادت إلى الأذهان أغنية (صبوحة خطبها نصيب) التي ذاع صيتها خليجياً منتصف خمسينات القرن الماضي، وكانت جزءاً رئيسياً في الأعراس العربية آنذاك». وأضاف: «المزيج الموسيقي الذي قدمه (فليبراتشي) بالتعاون مع (أوتلو) يجعل المستمع يرقص حتى لو لم يفهم كلمات الأغنية، فالموسيقى لغة عالمية تتجاوز الحواجز. كما ساهم استخدام كلمات محببة للجمهور الخليجي مثل (كرك)، و(زين)، و(يا للحبيب)... في تعزيز تفاعل المستمعين مع الأغنية».