بعد عامين صبغتهما التحديات الاستثنائية الظرفية التي فرضتها تبعات جائحة «كوفيد - 19»، حظي القطاع الثقافي في السعودية بفرصة لاستئناف نموه وازدهاره، والمضي في خطواته لمقاربة الاستراتيجية الوطنية للثقافة التي ترنو إلى تعظيم مساهمة الثقافة في النمو الاقتصادي.
وقدمت النسخة الجديدة من تقرير الحالة الثقافية في السعودية، الذي صدر الثلاثاء، قراءة مفصلة لحالة القطاع الثقافي في السعودية خلال عام 2022، وتتبع ملامح النمو وجوانب النقص بقدر أكبر من الوضوح، ملقياً الضوء على مواطن الحاجة إلى مزيد من الجهود لاستكمال البيئة التنظيمية الداعمة للثقافة، وتحفيز المشاركة والإبداع والإنتاج والنمو.
72 فيلماً سعودياً خلال عام
وكشف التقرير بأن عام 2022 شهداً مزيداً من النمو في مؤشرات الإنتاج الثقافي، وعزى التقرير هذا النمو إلى ملمحين بارزين، هما الإنتاج المؤسسي والمدعوم، والتوسع في إقامة المواسم والمهرجانات الثقافية. ورصد التقرير مجموعة من مؤشرات الإنتاج التي تعكس هذا النمو، ومن ذلك بلوغ عدد الأفلام السعودية المنتجة 72 فيلماً، خلال عام 2022.
وعلى مستوى الإنتاج المكتوب، شهدت حركة الإنتاج لمؤلفين سعوديين تعافياً ملحوظاً عقب انخفاضها العام الماضي، وصدر نحو 700 كتاب أدبي في 2022م، بنمو بلغت نسبته 17.82 في المائة عن 2021، كما حظي قطاع الترجمة بدعم مؤسسي أثمر عن ارتفاع واعد في أعداد الأعمال المترجمة، التي بلغت 524 عملاً في عام 2022م. وقاس التقرير مستوى الإنتاج البحثي في المجالات الثقافية، وسجل عدد الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية المحّكمة في المملكة معدل 358 بحثاً في عام 2022، في حين بلغ إجمالي المعارض الفنية المقامة هذا العام 486 معرضاً، بنسبة نمو بلغت77 في المائة عن العام الماضي.
دعم تعليم الموسيقى في المدارس السعودية
ورصد التقرير خطوة ملموسة لتشجيع فنون الموسيقى، إذ قدمت وزارة الثقافة، لمائة مدرسة أهلية وعامة في السعودية أكثر من ثمانية آلاف آلة موسيقية لتمكينها من تقديم برامج لا صفية تطبيقية في المجال. وعلى مستوى التعليم، بلغ عدد الخريجين من مؤسسات التعليم العالي المحلية، وفي التخصصات الثقافية في أحدث أرقام متوفرة من عام 2021م 38156 خريجاً وخريجة، شكل الإناث 70 في المائة منهم، كما أظهرت الأرقام تركز ما نسبته 68 في المائة من جميع الخريجين في تخصصات اللغات والأدب.
وفي استمرارية لتطور قطاع المنظمات الثقافية غير الربحية، رصد التقرير تضاعفاً في أعدادها بأكثر من 8 مرات خلال الأعوام الـ5 الماضية، ليصل إجمالي عددها خلال عام 2022م إلى 69 منظمة ثقافية غير ربحية، يتمركز غالبيتها في مدينة الرياض، بالإضافة إلى غياب أو انخفاض هذا النوع من المنظمات في بعض القطاعات الثقافية، في المقابل تضاعفت أعداد أندية الهواة إلى ما يقارب 3 أضعاف مقارنة بعام 2021م، حيث تأسس 93 نادياً ثقافياً للهواة خلال عام واحد فقط.
السياحة الثقافية في أعلى مستوياتها
وكشف التقرير، أن السياحة الثقافية وصلت إلى أعلى مستوياتها، حيث سجلت الوجهات التاريخية والتراثية أهم النوافذ التي شجعت على تعزيز مستويات السياحة الثقافية، تزامن ذلك مع ازدياد مشاريع التنقيب والمسح الأثرية لتصل إلى 53 مشروعاً في عام 2021م، وهو ما ساهم بمزيد من المكتشفات الأثرية المهمة، كان أبرزها المصائد الحجرية في منطقة العلا، بالإضافة إلى مكتشفات مهمة في منطقة الفاو وجزيرة فرسان. وبعد تنظيم هيئة التراث للسجلات الوطنية للتراث في عام 2021م، أعقب ذلك خلال عام 2022م نمواً لافتاً في العناصر التراثية المسجلة في هذه القوائم، فتضاعف عدد مواقع التراث العمراني المسجلة، بلغت 2793 موقعاً حتى نهاية عام 2022، وارتفع عدد المواقع المسجلة في السجل الوطني للآثار إلى 8597 موقعاً حتى نهاية عام 2022م. وفي سجلات التراث العالمية، شهد عام 2022 تسجيل محمية حرة عويرض في برنامج الإنسان والمحيط الحيوي (ماب) التابع لمنظمة (اليونيسكو)، كثاني محمية مسجلة للمملكة في البرنامج، بالإضافة لتسجيل البن الخولاني وحداء الإبل في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في اليونيسكو، لتبلغ العناصر المسجلة للمملكة في القائمة 11 عنصراً.
استكمال الجوانب التنظيمية للقطاع
وقال التقرير إن القطاع الثقافي الناشئ لا تزال أمامه فرص واسعة لتنمية مساهمته في خلق فرص عمل على مستوى الاقتصاد الوطني، حيث شكل العاملون في المهن الثقافية الرئيسية خلال عام 2022م (1.25في المائة) من إجمالي المشتغلين في المملكة، وعند إضافة المهن الثقافية غير المباشرة تصل النسبة إلى 1.7في المائة من سوق العمل السعودي بواقع 242003 مشتغل ومشتغلة.
وأشار التقرير إلى أن سوق العمل في القطاع الثقافي السعودي، تمتاز بارتفاع مشاركة السعوديات، ففي الربع الثالث من عام 2022م تجاوز عددهن في المهن الثقافية عدد نظرائهن من العاملين السعوديين، حيث وصلت نسبة مشاركة المرأة السعودية إلى 51 في المائة. كما أكد التقرير، أن النمو الذي يشهده القطاع الثقافي يزيد الحاجة إلى استكمال الجوانب التنظيمية للقطاعات الثقافية، حيث لا يزال القطاع الثقافي يمر بتحولات مستمرة.
وإلى جانب عدد من التطورات التنظيمية والملامح الإيجابية لبيئة عمل القطاع الثقافي، لا يزال أمام القطاع شوط طويل قبل أن تستكمل أجزاء البيئة الداعمة للثقافة، من حيث التنظيمات، والبنية التحتية التي لم تشهد تطورات رئيسية خلال عام 2022، وبحسب التقرير، سيكون ذلك كفيلاً بجذب الاستثمارات إلى القطاع ودفعه قدماً، وتعظيم إسهامه في الاقتصاد والمجتمع، لافتاً إلى أن أهم مواضع الاستثمار، تتركز في دعم ورعاية المبدعين الذين يعدّون المحرك الرئيسي للثقافة، وذلك من خلال توفير الفرص التعليمية والتدريب الفني بمستوياته كافة، ودعم تطلعات القطاع والعاملين في حقوله المختلفة إلى المزيد من النمو والازدهار.