بين الحزن والحرب... «الجرجار» مجدداً تحت الضوء

تتقلّده المرأة النوبية وتعود ثقافة ارتدائه إلى العصر الفرعوني

أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)
أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)
TT

بين الحزن والحرب... «الجرجار» مجدداً تحت الضوء

أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)
أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)

يُميّز ثوب «الجرجار» السيدة النوبية (هي المقيمة في المنطقة التاريخية الممتدّة على طول نهر النيل من الشلال الأول جنوب أسوان شمالاً، إلى جنوبي التقاء النيلين الأزرق والأبيض جنوباً). فقد توارثته جيلاً تلو جيل، مُعلنة من خلال رمزيته ثباتَ الحضارة السودانية ورسوخ عاداتها وتقاليدها.

تروي الأساطير النوبية أنّ «الكنداكة» (لقب الملكات الحاكمات أو الزوجة الملكية الأولى في حضارة «كوش» الأفريقية القديمة ببلاد السودان) لبست «الجرجار» باللون الأسود حداداً على الملك الكوشي «ترهاقا»، وتعبيراً عن حزنها العميق على رحيله.

في هذا السياق، تقول مؤسِّسة «جسم كنداكات النوبة»، والعضوة في الاتحاد النسائي السوداني أضواء الصاوي محمد لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «الجرجار» زي ملكي نوبي «تقلّدته المرأة النوبية منذ آلاف السنين وتعود ثقافة ارتدائه إلى العصر الفرعوني». تتابع: «في المناطق النوبية بحلفا والقرى المجاورة، لا تزال المرأة تحافظ على موروث الجدات. فقد تميّزت المرأة النوبية في التجمُّل بالحنّة والعطور على أنواعها، إلا أنها تفرّدت بزيّها الملكي (الجرجار)، ليصبح جزءاً أصيلاً من ثقافة اللباس النوبية جيلاً بعد جيل. وهو لباس فضفاض باللون الأسود مع كثير من الزركشة على الوسط».

أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف؛ ولأنه يتّسم بذلك، ترتديه النساء فوق العباءات الملوّنة ذات الألوان الصارخة ليُظهرن تضاداً مع لونه الأسود. وتلتزم النوبية بلباسه منذ سنّ السابعة عشرة عند الخروج وفي المناسبات السعيدة والحزينة.

تتقلّد المرأة النوبية «الجرجار» منذ القدم وتعود ثقافة ارتدائه إلى العصر الفرعوني (مواقع التواصل)

ووفق النوبية أضواء الصاوي، يُلبَس «الجرجار» في الأفراح والأتراح، ويُناسب طبيعة المناخ لكون مناطق النوبة معروفة بارتفاع درجات الحرارة، لذا يتميّز بأنه خفيف وفضفاض، يُجنّب الحرّ.

أما عن سبب سواد لونه، فتجيب: «ذلك يعود إلى فكرة الحِداد على ملوك الفراعنة. لكن مع الأجيال الحديثة تغيّرت الألوان وبات اللون يُحدّد الفئة العمرية التي ترتديه. فالأسود لكبار السنّ، أما ألوان الربيع فتخصّ الفتيات». تتابع: «تغيّرت أيضاً نوعية القماش، من (الكريب) إلى (التل والدانتيل)، وفي مراحل تطوُّر (الجرجار)، أُدخِلت إليه نقوش وتخريمات مطرّزة ليصبح لوحة جمالية تجمع تراث النوبة وتُعاصر الحاضر»، موضحة أنّ «(الجرجار) يُلبَس مع أكسسوارات مصنوعة من خليط الذهب الصافي أو الخزر ويرافقه غطاء للرأس يُسمّى (الطرحة) بلونها الزاهي».

أصلُ تسمية «الجرجار» كلمة نوبية تعني الشفّاف فترتديه النساء فوق العباءات (مواقع التواصل)

من جهتها، تقول صابرين محمد، وهي نوبية في عقدها الثالث، إنّ «التأثّر بمجاراة العصر بالنسبة إلى (الجرجار) لم يتجلَّ في نوعية الخام أو القماش فحسب، بل رُبطت المناسبات بلونه، لتزهو الألوان في الأفراح ويغدو اللون الأسود من نصيب الحزن».

تتابع بالإشارة إلى أنّ «(الجرجار) لم يعد زياً رسمياً للبنات النوبيات في وادي حلفا، لذا قلّت صناعته في المنازل. فقد بات يأتي جاهزاً من النوبة المصرية، بأسعار تتراوح ما بين 15 و20 دولاراً»، مضيفة أنّ الاحتفال بـ«الجرجار» ضمن بعض فعاليات عروض الأزياء الخاصة بيوم النوبة العالمي على مستوى العالم «شكل هويته العصرية المتماشية مع الموضة، وحافظ عليه من الاندثار»، متوقّفة عند نقطة مهمّة: «الحرب الدائرة في السودان عرَّفت سودانيات نازحات على (الجرجار) بعد مرورهن في مناطق نوبية».

ووفق صابرين محمد، فإنّ «أشهر فرقة شعبية في وادي حلفا تعتمد في تصميم رقصاتها على (الجرجار) التقليدي، استلهاماً لمفهوم تخليده في وجدان سكان مناطق النوبة مدى الحياة».

أما مصممة الأزياء المهتمّة بالثقافة النوبية ثريا عبد الرحمن فتؤكد أنّ تصميم «الجرجار» النوبي تجربة استثنائية وممتعة: «كأنك تمرّ عبر العهود الفرعونية وصولاً إلى الحاضر».


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

توعدت «الدعم السريع» بمواصلة «العمليات الخاصة النوعية»، لتشمل «جميع المواقع العسكرية لميليشيات البرهان والحركة الإسلامية الإرهابية»، واعتبارها أهدافاً بمتناولها

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
TT

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات. كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة، وكل ما تسمعه صدى أزيز حشرة الزيز وأصوات الطيور، الذي يتردد على جوانب الجروف، حسب «بي بي سي» البريطانية .على مدى آلاف السنين، ظل ما يعرف بـ«الحفرة السماوية» أو «تيانكنغ»، كما تُسمى باللغة المندرينية، غير مكتشفة، مع خوف الناس من الشياطين والأشباح، التي تختبئ في الضباب المتصاعد من أعماقها. إلا أن طائرات الدرون وبعض الشجعان، الذين هبطوا إلى أماكن لم تطأها قدم بشر منذ أن كانت الديناصورات تجوب الأرض، كشفت عن كنوز جديدة، وحوّلت الحفر الصينية إلى معالم سياحية. ويُعتقد أن ثلثي الحفر، التي يزيد عددها عن 300 في العالم، توجد في الصين، منتشرة في غرب البلاد، منها 30 حفرة، وتضم مقاطعة «قوانغشي» في الجنوب أكبر عدد من هذه الحفر، مقارنة بأي مكان آخر. وتمثل أكبر وأحدث اكتشاف قبل عامين في غابة قديمة تحتوي على أشجار يصل ارتفاعها إلى 40 متراً (130 قدماً). تحبس هذه الحفر الزمن في باطنها، ما يحفظ النظم البيئية الفريدة والدقيقة لقرون. ومع ذلك، بدأ اكتشافها يجذب السياح والمطورين، ما أثار المخاوف من أن هذه الاكتشافات المدهشة والنادرة قد تضيع إلى الأبد.

بوجه عام، تعد هذه الحفر الأرضية نادرة، لكن الصين، خاصة «قوانغشي»، تضم كثيراً منها بفضل وفرة الصخور الجيرية. جدير بالذكر هنا أنه عندما يذيب نهر تحت الأرض الصخور الجيرية المحيطة ببطء، تتكون كهوف تتمدد صعوداً نحو الأرض. وفي النهاية، تنهار الأرض تاركة حفرة واسعة، ويجب أن يكون عمقها وعرضها لا يقل عن 100 متر حتى تُعدّ حفرة أرضية. وبعض الحفر، مثل تلك التي جرى اكتشافها في «قوانغشي» عام 2022، أكبر من ذلك، مع امتدادها لمسافة 300 متر في الأرض، وعرضها 150 متراً.

من وجهة نظر العلماء، تمثل هذه الحفر العميقة رحلة عبر الزمن، إلى مكان يمكنهم فيه دراسة الحيوانات والنباتات، التي كانوا يعتقدون أنها انقرضت. كما اكتشفوا أنواعاً لم يروا أو يعرفوا عنها من قبل، بما في ذلك أنواع من أزهار الأوركيد البرية، وأسماك الكهوف البيضاء الشبحية، وأنواع من العناكب والرخويات. وداخل محميات من الجروف الشاهقة، والجبال الوعرة، والكهوف الجيرية، ازدهرت هذه النباتات والحيوانات في أعماق الأرض.