«ك ضمير متصل»: الحياةُ وإنِ استحال تحمّلها

مسرحية تُسائل الحب الزوجي وتحاكي ضآلة الامتنان

امرأة ورجل مُنهكان من المحاولة المنقوصة يخلطان المزاح بالجد (الشرق الأوسط)
امرأة ورجل مُنهكان من المحاولة المنقوصة يخلطان المزاح بالجد (الشرق الأوسط)
TT

«ك ضمير متصل»: الحياةُ وإنِ استحال تحمّلها

امرأة ورجل مُنهكان من المحاولة المنقوصة يخلطان المزاح بالجد (الشرق الأوسط)
امرأة ورجل مُنهكان من المحاولة المنقوصة يخلطان المزاح بالجد (الشرق الأوسط)

تحمل مسرحية «ك ضمير متصل» المعروضة في «مونو» إمكان الإعجاب بها. الفكرة المتعلّقة برتابة العلاقة الزوجية، جديرة بالطرح. امرأة ورجل مُنهكان من المحاولة المنقوصة، يخلطان المزاح بالجد. لنحو ساعة، يختزلان برودة العلاقات حين ترتفع الجدران وتحجب الضوء. تصبح شاهقة ومحايدة، تُعمّق الحُفَر وتُظهر الفوارق. امرأة ورجل، بلا أسماء، مسرحهما ديكور من سرير. عليه، الحميمية مفقودة.

العمل من كتابة طوني فرح وجوانا طوبيا وتمثيلهما وإخراجهما. صُنِّف لأعمار تتخطّى سنّ الرشد، لتجلّي بعض خصوصية العلاقة الزوجية. يُظهر رقص البداية على أنغام «شيك شاك شوك»، ما هو مغاير تماماً للحقيقة: فالإغراء مفتعل والخطوات الراقصة تفقد تلقائيتها. كأنّ قناع الزواج السعيد يسقط على الفور مُظهراً جبل الجليد الآخذ في التشكُّل. الزوجان شابان، يقضّ الملل مضجعيهما. في السياق، ينكشف حجم التراكم، ويتبيّن بعض ما أوصل العلاقة إلى اختناقها.

في المسرحية... لا الرجل وحش ولا المرأة مظلومة (مسرح مونو)

أمكن شدّ النصّ وجرّه نحو التفادي التام للرخاوة. البنية سليمة، لكن ثمة ما يشيع إحساساً بانفلات شيء. كأنّ الالتحام بين المبنى والمعنى متعذّر، والغلبة لانطباع مفاده أنّ الأفضل من هذا كله لم يُقدَّم. الممثلان يؤدّيان بقدرات تحتمل الإقناع، يتنقّلان بين الحالات، ويجيدان لعبة ذرف الدمع فإعلاء الضحكة بمشهد واحد. يقولان كثيراً عما يجري في الغرف المغلقة، وعن صراعات زوجين أُصيبا بالضجر بوقت مبكر. يفعّلان التماهي مع ما يقدّمان، فيصفّق الحضور في النهاية، كأنّ كلاً منهم تورَّط بدمعة أو ذكرى أو خيبة أو شعور مرتبك.

ينقص النصَّ بُعد آخر يحيله على مرتبة أعلى من المكانة والعبرة. رمزيته طاغية، وبين سطوره ما لم يُقل باللغة المباشرة. إرادة الزوجين التصدّي للبلادة، باللعب وتلبُّس الشخصيات، تقابلها رخاوة تعبُر من حيث لا يدريان. في المشهدية محاكاة لطفولة يشتاقان إليها، ولعلّها حملت هناء يغدو مفقوداً وتقديراً للذات يتناقص، لكنها لم تكتمل لجهة الإفراط في إحاطة الرسائل بالغموض. مشهد الختام ذروة إرفاق المعنى بصعوبة الفهم وتعمُّد التعقيد.

يحضر الإخفاق والعتب والرفض والنقص وتعذّر قبول الوضع على ما هو عليه. السرير يشهد على تقلّبات تخرج على السيطرة وتُنهض المسكوت عنه فيصبح له صوت. تُخاض مواجهة عنوانها الحياة والموت، والواقع والخيالات، والهروب المستمر. لم تنفع أغنية في ترميم خراب الداخل، ولا لعب الطفولة وتسالي الكبار. يتعقّد الحب ويخرج عن كونه احتمالاً للاكتفاء به، دون سائر المتممات المنشودة لحياة سعيدة. فالحب وحده مسألة مبتورة، ما دام أنه لم يُرفق بحوار وأرضية مشتركة. يغدو عجزاً عن الإشباع واكتفاءً مستحيلاً.

تتمّ المواجهة، فتستدعي الماضي والأخطاء والتدخلات الخارجية. يُبيّن النصّ تأثيرات العلاقة المَرَضيّة بين الابن وأمّه، وتداعياتها على حياته الزوجية. قهرٌ يجرّ قهراً، وعقدة تولّد عقداً، ليلقي في النهاية كل طرف اللوم على الآخر ويحمّله مآلاته المبكية.

العمل من كتابة طوني فرح وجوانا طوبيا وتمثيلهما وإخراجهما (الشرق الأوسط)

يتعذّر الإرضاء من الطرفين؛ فلا هو يقوى على إحاطتها بأصناف الاكتفاء، ولا هي تكترث لتعثّره أمام عتباتها. الاحتضان والطبطبة، ليسا سوى ذنب مؤجّل يتخذ أحد أشكال الشفقة. كأنهما قدر ساخر، لا تجدي معه محاولات التغيير. اتصالٌ وإنِ انقطع. وَحْدةٌ وإن تشظّت. حياة وإنِ استحال تحمّلها.

تستيقظ الفوارق حين تعلو الجدران وتقتل أي شعاع قد يمنح الدفء، فتذكّره أنه «ابن مهنيّة»، لا ينفع؛ ليسجّل وسط الصراخ المتبادل امتعاضه جراء الإحساس بالدونية لكونها «ابنة مدارس الراهبات». تكبُر كرة الثلج، فيعمّ الصقيع. وأمام ضآلة الامتنان، يُعرَّى الحب ويخضع للمساءلة. تُصوَّب الأصابع إليه، وتدلّ على وظيفته أمام إشكالية الحياة الملعونة وما تضمره من صدمات وأحقاد وفتور واهتزاز الأسس المُخلَّعة.

المرأة - الأنثى أبعد من إغواء وقُبلة؛ هي روح مهشّمة وعمر يمرّ. تقدّم جوانا طوبيا شخصية الزوجة الحزينة أو المتأرجحة بين الحزن والتكيُّف. تجيد استعارة أحاسيسها، لتُرغم على مطاردة روحها الهائمة في جسد يحمل علامات الأنوثة. تواجه رجلها بموت الرغبة، أو على الأقل إصابتها بغيبوبة. وهو بدوره يواجهها بنقصه وقلّة حيلته وضغط الظرف. كلاهما مأسوف على أمره؛ جلّاد وضحية.

لم تُحمّل المسرحية طرفاً مسؤولية ما يصيب الآخر، ولم تسجّل موقفاً منحازاً. لا الرجل وحش ولا المرأة مظلومة. عند هذا الحد، يمكن تقديرها. ثمة ما هو أقوى من وجهة النظر الواحدة. إنه الزواج، مقبرة الحب.


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
TT

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات. كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة، وكل ما تسمعه صدى أزيز حشرة الزيز وأصوات الطيور، الذي يتردد على جوانب الجروف، حسب «بي بي سي» البريطانية .على مدى آلاف السنين، ظل ما يعرف بـ«الحفرة السماوية» أو «تيانكنغ»، كما تُسمى باللغة المندرينية، غير مكتشفة، مع خوف الناس من الشياطين والأشباح، التي تختبئ في الضباب المتصاعد من أعماقها. إلا أن طائرات الدرون وبعض الشجعان، الذين هبطوا إلى أماكن لم تطأها قدم بشر منذ أن كانت الديناصورات تجوب الأرض، كشفت عن كنوز جديدة، وحوّلت الحفر الصينية إلى معالم سياحية. ويُعتقد أن ثلثي الحفر، التي يزيد عددها عن 300 في العالم، توجد في الصين، منتشرة في غرب البلاد، منها 30 حفرة، وتضم مقاطعة «قوانغشي» في الجنوب أكبر عدد من هذه الحفر، مقارنة بأي مكان آخر. وتمثل أكبر وأحدث اكتشاف قبل عامين في غابة قديمة تحتوي على أشجار يصل ارتفاعها إلى 40 متراً (130 قدماً). تحبس هذه الحفر الزمن في باطنها، ما يحفظ النظم البيئية الفريدة والدقيقة لقرون. ومع ذلك، بدأ اكتشافها يجذب السياح والمطورين، ما أثار المخاوف من أن هذه الاكتشافات المدهشة والنادرة قد تضيع إلى الأبد.

بوجه عام، تعد هذه الحفر الأرضية نادرة، لكن الصين، خاصة «قوانغشي»، تضم كثيراً منها بفضل وفرة الصخور الجيرية. جدير بالذكر هنا أنه عندما يذيب نهر تحت الأرض الصخور الجيرية المحيطة ببطء، تتكون كهوف تتمدد صعوداً نحو الأرض. وفي النهاية، تنهار الأرض تاركة حفرة واسعة، ويجب أن يكون عمقها وعرضها لا يقل عن 100 متر حتى تُعدّ حفرة أرضية. وبعض الحفر، مثل تلك التي جرى اكتشافها في «قوانغشي» عام 2022، أكبر من ذلك، مع امتدادها لمسافة 300 متر في الأرض، وعرضها 150 متراً.

من وجهة نظر العلماء، تمثل هذه الحفر العميقة رحلة عبر الزمن، إلى مكان يمكنهم فيه دراسة الحيوانات والنباتات، التي كانوا يعتقدون أنها انقرضت. كما اكتشفوا أنواعاً لم يروا أو يعرفوا عنها من قبل، بما في ذلك أنواع من أزهار الأوركيد البرية، وأسماك الكهوف البيضاء الشبحية، وأنواع من العناكب والرخويات. وداخل محميات من الجروف الشاهقة، والجبال الوعرة، والكهوف الجيرية، ازدهرت هذه النباتات والحيوانات في أعماق الأرض.