المخرج اليوناني كوستاس فيرس يستعيد ذكرياته في شبرا المصرية

عمل كومبارساً في فيلمي «باب الحديد» و«أيامنا الحلوة»

جانب من تكريم المخرج اليوناني
جانب من تكريم المخرج اليوناني
TT

المخرج اليوناني كوستاس فيرس يستعيد ذكرياته في شبرا المصرية

جانب من تكريم المخرج اليوناني
جانب من تكريم المخرج اليوناني

استعاد المخرج اليوناني كوستاس فيريس حنينه الكبير لمصر، التي وُلد بها وعاش طفولته في حي شبرا، (أحد أحياء القاهرة)، حتى بلغ سن الرشد. وظهر كومبارساً في أفلام مصرية عدّة من بينها، «باب الحديد»، و«فاطمة وماريكا وراشيل»، وعاد إلى اليونان ليدرس السينما.

وتحدث فيريس بلهجة مصرية لا تزال حاضرة، يعززها بكلمات إنجليزية حين لا تسعفه الذاكرة خلال ندوة تكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي، قائلاً: «أتذكر في عام 1956 حين كان الرئيس عبد الناصر يتحدث عن تأميم قناة السويس، وسافرت لليونان بعدها لأدرس السينما، وتركت قلبي بالقاهرة التي شهدت كل ذكرياتي الحلوة».

فيريس (الإسكندرية السينمائي)

ويتذكر حياته بالقاهرة قديماً ويقول: «كان في مصر جالية كبيرة من اليونانيين، وكنا نقدم نشاطاً فنياً في الجمعية اليونانية، ونعرض مسرحية جديدة كل شهر، وفي السينما المصرية انخرط كثير من اليونانيين بالعمل بها، ومن بينهم الموسيقار أندريه رايدر، وكيتي، ونيللي مظلوم، وأشار إلى أن أول فيلم مصري وقع في غرامه كان (غرام وانتقام) لأسمهان، التي كان يحبها والدي».

وعن لحظة وفاة أسمهان يقول: «ذاع الراديو نبأ وفاتها، وقفنا نبكي في الشرفة ونستمع لأغنيتها (إمتى هتعرف إمتى)/ وكان أبي يحبها أكثر من أم كلثوم، وفي عمر الـ15 عاماً سمعنا المسحراتي لأول مرة ونزلنا لنراه، كان يعزف على الطبلة وينادي على السكان بأسمائهم وكان هذا مثل السحر».

لقطة من فيلم «أيامنا الحلوة» (أرشيفية)

وبدا المخرج اليوناني متأثراً بالغناء المصري، وهو يتحدث عن رواده قائلاً: «أذكر سيد درويش ملك الموسيقى المصرية وأغنياته (سالمة يا سلامة) و(شد الحزام على وسطك)، وكنت صغيراً حين شاهدت أم كلثوم على المسرح وكنت محظوظاً بذلك، وتأثرت بالسينما المصرية أكثر من الأوروبية/ حيث عملت كومبارساً في أفلام عديدة أذكر منها (أيامنا الحلوة)، و(فاطمة وماريكا وراشيل)، و(باب الحديد) ليوسف شاهين الذي أحببت أفلامه، لكنني كنت أميل لأفلام المخرج صلاح أبو سيف أكثر، ورأيت أن حسن الإمام مخرج شعبي».

ليلى علوي تكرم المخرج اليوناني أثناء حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وينتمي كوستاس فيرس لأربعة بلدان مثلما يقول: «أعتز بكوني مصرياً يونانياً، وأمي كانت قبرصية، أما أبي فهو لبناني، وقد عشت بمصر خلال الحرب العالمية الثانية في ظل تعددية ثقافية، وكتبت القصائد وأنا صغير، ومثّلت وأخرجت وأنا في عمر الـ14 عاماً».

وكشف المخرج اليوناني أنه كتب رواية بعنوان «كوبري الليمون» نسبة إلى المكان الذي ولد به في حي شبرا، وقد صدرت باليونانية وستُطرح ترجمتها العربية في يناير (كانون الثاني) المقبل، وقال إنه يكتب سيناريو لفيلم يحمل العنوان نفسه ليجري تصويره في مصر، مؤكداً تطلعه أن يخرج الفيلم بإنتاج مصري خالص، رافضاً أن تشارك بإنتاجه دول أخرى.

لقطة من فيلم «باب الحديد» (أرشيفية)

وكان كوستا فيريس قد فاجأ الحضور خلال تكريمه في حفل الافتتاح بحديثه باللغة العربية، حين قال إن «هذا أسعد أيامي، لعودتي إلى مصر وتكريمي بها»، واختتم كلامه بقوله: «سلامات يا شبرا» ليحظى بتصفيق كبير، وكانت الفنانة ليلى علوي قد حضرت حفل الافتتاح لتسليمه التكريم بنفسها على المسرح، وعبرت عن فخرها واعتزازها بذلك، إذ إن والدتها الراحلة كانت يونانية.

وولد فيريس في 18 أبريل (نيسان) 1935، وهو منتج ومخرج وممثل سينمائي وموسيقي وكاتب مسرحي وسينمائي، وقد أخرج نحو 60 فيلماً حازت جوائز أوروبية عديدة.


مقالات ذات صلة

«مولد أمة» يصوَّر التاريخ منحازاً ويدين «الأفارقة»

سينما ليليان غيش في لقطة من «مولد أمّة»  (غريفيث بروكشنز).

«مولد أمة» يصوَّر التاريخ منحازاً ويدين «الأفارقة»

في عام 1916، أقدم رجل أبيض يُدعى هنري بروك على إطلاق النار على فتى أسود يبلغ من العمر 15 عاماً يُدعى إدوارد ماسون، وذلك بعد مشاهدته لفيلم «مولد أُمّة»

محمد رُضا (لندن)
سينما «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)

شاشة الناقد: وثائقيات عن التاريخ والفن والسياسة

يوفّر هذا الفيلم عن مغنِّي «البيتلز» جون لينون وزوجته أونو يوكو، معلومات ووثائق يمكن تقسيمها إلى ما هو شخصي وما هو عام.

محمد رُضا (لندن: محمد رُضا)
يوميات الشرق لقطة جماعية للفائزين والمكرمين في المهرجان (الشرق الأوسط)

ختام لامع لـ«أفلام السعودية» بتتويج 7 بجوائز «النخلة الذهبية»

في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، اختطف فيلم «سلمى وقمر» للمخرجة عهد كامل، النخلة الذهبية لأفضل فيلم.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
يوميات الشرق لقطة جماعية للفائزين بحفل ختام المهرجان (إدارة المهرجان)

سيطرة نسائية على جوائز مهرجان «جمعية الفيلم» بمصر

استحوذ فيلما «رحلة 404» لمنى زكي، و«الهوى سلطان» لمنة شلبي، على نصيب الأسد من جوائز الدورة الـ51 لمهرجان جمعية الفيلم بمصر.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق يتَّخذ الفيلم الإيطالي من الحرب العالمية الثانية خلفية تاريخية له (نتفليكس)

«قطار الأطفال»... رحلة إنسانية إلى الزمن السينمائي الجميل

ليس فيلم «قطار الأطفال» من الصنف الذي يضيِّع وقت المشاهد. فيه من الثراء الإنساني والتاريخي والسينمائي ما يكفي لإشباع العين والفكر معاً.

كريستين حبيب (بيروت)

أبواب جدة التاريخية... ذاكرة مدينة توثقها عدسة

باب بيت باعشن في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)
باب بيت باعشن في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)
TT

أبواب جدة التاريخية... ذاكرة مدينة توثقها عدسة

باب بيت باعشن في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)
باب بيت باعشن في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)

بعد رحلة بصرية امتدت على مدى 10 أعوام في أزقة جدة التاريخية، عاد المصور السعودي عمر النهدي إلى عدسته الأولى، العدسة التي ترى الجمال في كل ما هو عابر، وصادق، ومنسي. مشروعه الجديد «شواهد صامتة» ليس مجرد مجموعة صور، بل وثيقة بصرية تنبض بالفن والحنين، ومشروع يحتفظ بهوية مدينة تتنفس التاريخ.

النهدي المعتمد من «فوجي فيلم» - اليابان، ورئيس نادي جدة الفوتوغرافي، لم يلتقط صور أبواب فقط. بل التقط أرواح الأحياء الأربعة التي تشكل نسيج جدة التاريخي. في هذا المشروع الطموح، وثّق بعدسته 60 باباً فريداً، كل واحد منها له حكاية، وكل إطار التقطه كان قصيدة بصرية تسردها تفاصيل الخشب، واللون، والمسامير الصامتة.

باب بيت البترجي في حارة الشام (إنستغرام عمر النهدي)

أبواب... لا تُطرق بل تُقرأ

وخلال جولته التي امتدت لسنوات، تنقّل عمر بين حارات المدينة القديمة: حارة الشام، حارة اليمن، حارة المظلوم، حارة البحر. كل حي له باب، وكل باب له روح. في حارة الشام كانت الأبواب فخمة، شاهقة، مقسّمة إلى جزأين: باب صغير للمرور اليومي، وآخر ضخم يفتح في المناسبات. الزخارف المعقدة على خشب الساج والجوز تكشف عن حيّ كان يعج بالتجار وأصحاب الشأن.

باب بيت نصيف في حارة اليمن (إنستغرام عمر النهدي)

أما حارة اليمن، فالأبواب فيها بسيطة، وأقصر، وأكثر تواضعاً، تعكس بساطة الحياة اليومية وروح الجوار. الزخارف محدودة، لكنها دافئة، صادقة.

وفي حارة المظلوم وحارة البحر، تنوّعت الأبواب بحسب قربها من الأسواق والميناء، حيث امتزجت ثقافات عدة، تجلّى ذلك في التصميم والزخارف، وحتى في استخدام الألوان.

باب بيت وقف الشافعي في حارة المظلوم (إنستغرام عمر النهدي)

«الأبواب ليست مجرد مداخل»، يقول عمر النهدي: «إنها شواهد على هوية سكانها، وعلى أصولهم المختلفة، وطبقاتهم الاجتماعية وأذواقهم». وعبر عدسته، لم يكن يوثق خشباً وزخارف، بل كان يحفظ ذاكرة مدينة كاملة.

معظم الأبواب صُنعت من خشب الساج أو الجوز، وهي أخشاب مستوردة عبر ميناء جدة، اختيرت لقوتها ومقاومتها للرطوبة. طُليت غالباً بالأزرق، الأخضر، والبني. هذه الألوان لم تكن تُختار عشوائياً، بل تعكس الذوق الشخصي والمواد المتاحة آنذاك.

باب بيت جوخدار في حارة اليمن (إنستغرام عمر النهدي)

بعض هذه الأبواب لم يعد موجوداً اليوم. فقد اندثرت مع الزمن لكن عمر أعاد لها الحياة، وجعلها تنطق من جديد. يقول: «كنت أعود للباب نفسه أكثر من مرة، وكل مرة أكتشف فيه شيئاً جديداً. باب تغير لونه مع الزمن، نقش اختفى، أو حتى أثر يد على المقبض».

ومع كل صورة، كان يوثق لحظة، وحالة شعورية، وقطعة من ذاكرة المدينة. هذا التوثيق لم يكن مجرد مشروع فني، بل رسالة إلى الأجيال المقبلة: أن الجمال يكمن في التفاصيل، وأن التراث لا يُحفظ فقط في الكتب، بل أيضاً في الصور التي تنبض بالحياة.

باب مبنى البلدية (إنستغرام عمر النهدي)

فصل جديد بعد العدسة

اليوم، وبعد أن أنهى مشروع «شواهد صامتة»، يعود النهدي إلى عدسته الأولى. عدسة ترى الجمال في الضوء العابر، اللحظة الصادقة، تفاصيل الحياة البسيطة.

وقال النهدي: «أبدأ فصلاً جديداً لا يرتبط بمكان، بل بحس فني وصدق بصري»، وأضاف: «لحظات مقبلة سأشاركها معكم كما أراها، وكما أشعر بها»، وما بين باب وباب، وبين لقطة وأخرى، يثبت عمر أن التصوير ليس توثيقاً فقط، بل حُبٌ نقي ينبض بالفن.