«راوي الدرعية»... حكايا سعودية يرويها النشء

غلاء التيماني إحدى المشاركات في النسخة الأولى من المسابقة أثناء تقديمها لحفل التدشين (هيئة تطوير بوابة الدرعية)
غلاء التيماني إحدى المشاركات في النسخة الأولى من المسابقة أثناء تقديمها لحفل التدشين (هيئة تطوير بوابة الدرعية)
TT

«راوي الدرعية»... حكايا سعودية يرويها النشء

غلاء التيماني إحدى المشاركات في النسخة الأولى من المسابقة أثناء تقديمها لحفل التدشين (هيئة تطوير بوابة الدرعية)
غلاء التيماني إحدى المشاركات في النسخة الأولى من المسابقة أثناء تقديمها لحفل التدشين (هيئة تطوير بوابة الدرعية)

أطلقت «هيئة تطوير بوابة الدرعية»، بالشراكة مع وزارة التعليم السعودية، مسابقة «راوي الدرعية» بنسختها الثانية التي تستمر 5 أشهر، بمشاركة طلاب وطالبات المرحلتين المتوسطة والثانوية من مختلف المناطق السعودية.

وتهدف المسابقة إلى تشجيع الطلبة على تقديم محتوى إثرائي نوعي للتوعية بالثقافة والتراث السعودي، وتوظيف التاريخ الشفوي من خلال إبراز القصص التاريخية حول الدرعية والسعودية، وتعزيز وعي النشء بثقافة وحضارة السعودية وترسيخها لديهم، إلى جانب تقديم جيلٍ من الرواة الشباب القادر على إبراز هذا الموروث العريق في الداخل والخارج، لمواكبة أهداف «رؤية المملكة 2030» في هذا الجانب.

وتحرص «بوابة الدرعية» على الاحتفاء بالتاريخ الشفوي للدرعية التي عرفت بتنوّع الأحداث التاريخية، وثرائها بقصص غنية، تبرهن على قيم الإنسان وأصالة ثقافته، كما تهدف «بوابة الدرعية» من خلال هذه المسابقة إلى تطوير قدرات الطلبة على إتقان الأساليب الخاصة بسرد القصص الثقافية والتاريخية المرتبطة بتاريخ البلاد، ما سيسهم في غرس المبادئ والقيم الاجتماعية وتعزيز الانتماء الوطني لدى الطلبة والاعتزاز بالتراث العريق للدرعية والسعودية، من خلال سردٍ أدبيٍ تاريخيٍ جذاب لأكثر من 30 قصةً من الدرعية، التي تمثّل مهد انطلاقة الدولة السعودية، وتحمل تلك القصص في طيّاتها تفاصيل تروى عن شخصيات وطنيةً وأحداث بطولية ومواقف تاريخية خالدة.

وتهدف بوابة الدرعية من خلال هذه المبادرة إلى تسليط الضوء على أبرز القصص التي تعزز القيم الأصيلة للمجتمع السعودي، وميّزت نهج تعامله مع المجتمعات الأخرى، وأظهرته كأمة متحدة أمام العالم أجمع، كما تعمل الهيئة باستمرار على صون هذا الإرث وتعزيز سبل نشره؛ ليتجذّر في قلوب وأذهان الأجيال القادمة من خلال المبادرات المختلفة.

تعد الدرعية مهد الدولة السعودية وأول عاصمة لها (هيئة تطوير بوابة الدرعية)

وحددت المسابقة 38 قصة ليرويها المشاركون، من أبرزها قصة الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية، وقصة زرقاء اليمامة، وغالية البقمية، وغيرهم من الشخصيات والرموز الوطنية التي أصبحت في الوقت الحاضر رمزيات تدل على العمق التاريخي المتنوع التي تزخر به المملكة.

وقد أشاد عدد من التربويين والخبراء بأهمية مسابقة «راوي الدرعية» في تعزيز ثقافة وتراث السعودية، وتنمية قدرات الطلبة على إتقان فن سرد القصص، وتعزيز الانتماء الوطني لدى النشء، وهي خطوة مهمة في طريق الحفاظ على التراث السعودي، وإبراز الهوية الوطنية لدى الأجيال القادمة.

يُذكر أن النسخة الأولى من «راوي الدرعية»، التي أُطلقت أواخر عام 2020، قد حقّقت تفاعلاً كبيراً، ووصل عدد المشاركين فيها إلى ربع مليون طالب وطالبة، وتجاوزت مشاركاتهم 12 ألف مشاركة، تأهّل منهم 100 مشارك للمرحلة النهائية، وتوّج منهم 12 طالباً وطالبة من مختلف مناطق المملكة، فيما بلغ إجمالي عدد المسجلين في النسخة الأولى أكثر من نصف مليون مشارك.


مقالات ذات صلة

علماء يفجّرون صدمة: حجر المذبح الضخم نُقل من أسكوتلندا إلى ستونهنج

يوميات الشرق أصلُه ظلَّ لغزاً (إ.ب.أ)

علماء يفجّرون صدمة: حجر المذبح الضخم نُقل من أسكوتلندا إلى ستونهنج

أظهرت معطيات جديدة أنّ حجر المذبح الذي يزن 6 أطنان، الواقع في قلب ستونهنج، جاء من أقصى شمال أسكوتلندا، وليس من جنوب غربي ويلز، كما اعتُقد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم رئيس بلدية مدينة ناغازاكي اليابانية شيرو سوزوكي يتحدث إلى وسائل الإعلام في مبنى البلدية في ناغازاكي في 8 أغسطس 2024 قبل يوم واحد من إحياء الذكرى التاسعة والسبعين للقصف الذري للمدينة (أ.ف.ب)

سفراء مجموعة السبع يمتنعون عن حضور ذكرى قصف ناغازاكي لعدم دعوة إسرائيل

قال شيرو سوزوكي رئيس بلدية ناغازاكي اليابانية، إنه متمسك بقراره عدم دعوة السفير الإسرائيلي لحضور فعالية مقررة غداً (الجمعة) لإحياء ذكرى القصف النووي على المدينة

«الشرق الأوسط» (ناغازاكي (اليابان))
يوميات الشرق وجه «مومياء المرأة الصارخة» التي اكتشفت عام 1935 في الدير البحري بالقرب من الأقصر ويرجع تاريخها لنحو 1500 قبل الميلاد خلال فترة المملكة الحديثة في مصر القديمة تظهر بالمتحف المصري في القاهرة - 18 يناير 2023 (رويترز)

تفاصيل جديدة عن حياة وموت «المومياء الصارخة» في مصر

رجّح علماء آثار أن مومياء امرأة مصرية دُفنت منذ نحو 3500 عام، وتبدو على وجهها علامات صراخ، «ماتت وهي تتألّم».

شادي عبد الساتر (بيروت)
يوميات الشرق تجربة استثنائية يجدها الزائر في جناح وزارة الثقافة بمنطقة «سيتي ووك» بجدة (الشرق الأوسط)

«عام الإبل»... مبادرة سعودية تعزز القيم الثقافية الفريدة لأبناء الجزيرة العربية

تحتفي السعودية في كل عام بعنصر مميز من العناصر الثقافية وتعرّف بقيمته ودلالته عبر مبادرات وبرامج متنوعة.

إبراهيم القرشي (جدة)
يوميات الشرق شكلت القرى التراثية مرتكزاً سياحياً في عسير التي تحتضن أكثر من 4275 قرية تراثية (واس) play-circle 02:08

4 آلاف قرية تاريخية في عسير تعكس التراث الثقافي والإنساني للمرتفعات السعودية

أكثر من 4 آلاف قرية تاريخية ما زالت قائمة بمنطقة عسير منذ مئات السنين، وربما أبعد، من ذلك تتفاوت في أحجامها ونمطها العمراني وتتفق على ما تعكسه من إرث إنساني.

عمر البدوي (أبها)

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».